سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-30-2024, 04:47 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة انتهاكات شرطة النظام العام السودانية
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-23-2004, 02:56 AM

tariq
<atariq
تاريخ التسجيل: 05-18-2002
مجموع المشاركات: 1520

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم (Re: tariq)


    سقوط المشروع الحضاري في السودان ـ الحلقة الخامسة
    متى يتحول الشعار إلى واقع؟، الخوف من فقدان السلطة يلقي بظلاله على مسيرة «الجبهة»
    تأليف :د. حيدر ابراهيم
    ابتدع منظرو المشروع الحضاري في السودان مقولات غامضة في الفحوى وصعبة التحقق. إذ كان الانقلابيون غير واثقين من تأييد الشعب الذي كان ينتظر ليرى، ووقف في البداية متفرجاً لأن الأحزاب خذلته ولكنه لا يرى البديل في الدكتاتورية العسكرية. هذه الحيرة نفسها كان يعيشها الإسلامويون بعد أن وقعت السلطة في أيديهم بسهولة لم يكونوا هم أنفسهم يتوقعونها. ولذلك لا يجب التفريط فيها مهما كانت الوسائل.
    والأهم عدم المغامرة بإشراك الجماهير غير المضمونة وفي الوقت نفسه عدم إظهار العداء للجماهير، يكتب أحد منظريّ النظام:
    «فهي ثورة لا تخشى الشعب، بل على العكس من ذلك تثق فيه ثقة عظيمة وتنفتح عليه انفتاحاً كاملاً، فهي بالتالي لا تدعو لحكم الفرد أو تسلط الحزب، وهي من ثم تقبل التعددية والتنوع، ولكنها تفرق تفريقاً بيناً بين التعددية الحزبية التي تتخذ ذريعة لتمزيق الأمة والحفاظ على المصالح الأجنبية، والتعددية الملتزمة بالنهج الإسلامي والمنحازة لمصلحة الوطن ولمصلحة الجمهور المستضعف من المسلمين ( التيجاني عبد القادر ص 52) ».
    تبنى الحكم الجديد نظام المؤتمرات الشعبية، وهذه صيغة ليس فيها أي اجتهاد أو إبداع فقد سبق إليها العقيد القذافي في ليبيا دون أن ينسب التجربة إلى الإسلام ولكن العقيد والشيخ يتفقان في رفض الديمقراطية الغربية أو الانعتاق والتحرر من تقاليد المؤسسات الغربية، كما تقول كتاباتهما وأدبياتهما السياسية. ويرى منظرو الإنقاذ أن نظام المؤتمرات الشعبية «وعاءً للتعبير والفعل السياسي وهو نظام يتجاوز الأطر والتراتيب القيادية القديمة في المجتمع ويتيح للمواطنين مجالاً جديداً للتنظيم يعتمد على الكفاءة الشخصية والاستقامة في السلوك والاستعداد للتضحية والبذل». (التيجاني، المص��ر السابق، ص 52).
    ومن الملاحظ أن من أهم أهداف هذا التنظيم إبعاد أو عزل القيادات القديمة بصورة تبدو شرعية وديمقراطية. كما أن الترشيح في المؤتمرات الشعبية على أساس شخصي يعني التخلي عن الانتماء الحزبي. ولا يقوم هذا النظام بأي مهام تشريعية. ومن الصعب تأصيل هذا النظام إسلامياً فهو الأقرب إلى الديمقراطية المباشرة في أثينا القديمة وليس في مجتمع المدينة.
    قدم الإسلامويون في السودان طبعتهم من نظام المؤتمرات الشعبية الليبية وكأنها النظام الإسلامي النموذجي ويقول الترابي: «أنه نموذج سوداني سنجربه ونحسنه ثم نهديه إلى المسلمين ومن بعد ذلك إلى الغرب الذي لا يعرف كيف تمضي مسيرته الديمقراطية. والشيء الوحيد الذي يبقي ديمقراطية الغرب صالحة عند أهلها هو أن البديل قبيح وهو الدكتاتورية والحكم القسري». وسأله في هذا الصدد صحافي: أليس من الأسهل للسودانيين تجربة ما مارسوه من قبل كالانتخابات مع وضع ضوابط؟ فأجاب بطريقته المعروف: «طبعاً الأسهل أن يفعلوا ذلك.
    ولكن ليس هو الأقرب إلى قيمهم الدينية. كما أن الأسهل للناس أن يشربوا الخمر وأن يبيحوا الجنس ولكن ليس هذا من قيمهم الدينية. نحن نقدم إلى الناس منهجاً متوازناً يختارون به حاكمهم ولكن من دون سلطة المال والمنصب ومن دون تأثير الطائفية أو القبيلة». ثم يعلق على تقديم البرامج والدعاية الانتخابية قائلاً: «في أخلاق الإسلام لا يولى السلطة من طلبها ولا نريد لحب السلطة أن ينزرع في نفس المرشح حتى يتكلم ويبالغ في الحديث عن محاسنه وطيباته.
    الدعاية والمال أفسدا الانتخابات في الغرب، ونحن نريد انتخابات إسلامية كالتي جرت بين (الخليفة الراشد) عثمان والخليفة الراشد علي وهو منهج لم يطبق من قبل» (حوار أجراه جمال أحمد خاشقجي، مجلة الوسط، العدد 145 بتاريخ 7/11/1994) ولم يقل أن تلك الانتخابات انتهت بالفتنة الكبرى، كما قفز على كل سنوات التاريخ الممتدة خلال هذه القرون.
    انتقد بعض «الإسلامويين» ـ لاحقاً ـ هذه المحاولة لأن التفريق بين التعددية الحزبية والتعددية الفكرية، غير واضح. ولا يوجد أي ضمان ألا تتحول المدارس الفكرية داخل التنظيم إلى أحزاب. كما لا يمكن نفي صفة الحزب الواحد عن النظام إلا باعتباره فضفاضاً. ولو سمح بالحرية الكاملة فلابد أن تعود قيادات حزبية قديمة (الأفندي ص (3 وهذا الخوف من فقدان السلطة حقيقي لأن الجبهة الإسلامية القومية في انتخابات 1986 لم تحصل إلا على حوالي 5 ـ 7% من مجموع الأصوات رغم أن مقاعدها فاقت الخمسين ولكن هذا يعود إلى تقسيم دوائر الخريجين حيث فاز بعض النواب بأصوات لا تتعدى بضع مئات من الأصوات بالذات ف�� دوائر الأقاليم النائية.
    اتخذ «الإسلامويون» موقفاً شديد الارتباك حيال الأحزاب والتعددية الحزبية مما يدل على أنهم لم يجتهدوا مطلقاً في الوصول إلى صيغة جديدة لوضعية الأحزاب في نظام سياسي إسلامي حديث ومازالوا متوقفين عند الفهم القديم لكلمة الأحزاب والتي لم تكن تعني تشكيل حزب سياسي ولكنها تعني التعصب والوقوف معاً ضد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
    ورغم أن الإسلامويين أنفسهم عملوا كحزب أو تنظيم سياسي بل ووصلوا إلى السلطة من خلال هذا الحزب إلا أنهم حاولوا التنظير ضد الأحزاب. بل اسموا نظامهم: ديمقراطية خالية من الحزبية والأحزاب حسب غلاف مجلة «السودان الآن» (مارس 1995) والمتابع لتصريحات قيادات الإنقاذ يجد هذا الارتباك والتخبط حيال الحزبية بيناً.
    سئل محمد الأمين خليفة رئيس المجلس الوطني الانتقالي آنذاك: على ذكر الاتصالات القائمة بينكم وبين زعماء الأحزاب السياسية. هل هناك أمل لعودة الحزبية إلى السودان؟ فرد قائلاً: - «نحن لا نتفاوض معهم لإعادة الحزبية، فالحزبية أضاعت أهدافاً كبرى عن السودان لذلك كان عندنا أكثر من 50 حزباً سياسياً وهذا مضر ولكننا اخترنا التعددية ولكن ليس التعددية السياسية أي تعددية فكرية ذات نهج رباني وليس النهج العلماني المتبع في بقية الدول التي نراها الآن تتخبط ولا تدري لها نهجاً سياسياً. فنحن اتخذنا هذا النظام السياسي ليس لإعادة الحزبية بل العكس أي قتل الحزبية وإعلاء القيم التعددية الفكرية» (صحيفة الشرق الأوسط 10 إبريل 1995) .
    وفي رد لمجذوب الخليفة أحمد وزير الزراعة الحالي ووالي الخرطوم على سؤال: يصفك البعض بأنك من المتشددين وصقور النظام وترفض عودة الأحزاب والتعددية السياسية فما هو رأيك؟ يقول: «عودة الأحزاب أمر يختلف عن عودة الديمقراطية والشورى وهي أمر آخر. وأقول أن الطائفية هي التي أضاعت الاستقلال تماماً بعد أن أجمع الناس عليه وأضاعت أكتوبر بعد كل التضحيات وأيضاً إبريل».
    يضيف: - «ولذا نؤكد ما نقوله بأن لا عودة للأوضاع التي كانت قبل 30 يونيو 1989 ولا عودة للأحزاب بمنهجها وهيكليتها في ذلك الوقت لأنها فشلت في إدارة السودان وحكم عليها أهل السودان بالفشل وإذا حاكمنا تلك الأحزاب بموجب الدستور الحالي نجد أنه لا مكانة لها (...) لأن الشعب قد حكم عليهم وأيضاً حكمت عليه الإنقاذ، وجاءت بدستور وبمفاهيم جديدة لا يمكن أن يتوافق معه». (صحيفة المستقلة اللندنية 3 أغسطس 199 .
    شكل محسن للشمولية
    هذا شكل محسّن للشمولية يرى البديل في نظام غير شرعي جاء عن طريق الانقلاب ويضع دستوره بنفسه من دون مشاركة شعبية حقيقية ويجعل منه حكماً لقيام حزب أو عدمه. ثم يطابق النظام بين حكمه على الأحزاب وحكم الشعب. فالشمولي يقول أنا الشعب بينما يخضع هذا الشعب لقوانين الطوارئ والقوانين الاستثنائية وبحرمة كل وسائل التعبير، ويفكر ويقرر نيابة عن الشعب دون أن يكتسب النظام هذه الوكالة أو النيابة عن طريق انتخابات حرة.
    عقب انتهاء المؤتمر الثاني للمؤتمر الوطني، صرح الترابي: «إن المؤتمر الوطني حزب سياسي يرعى الحياة العامة وأنه ناد للجميع»أما الرئيس البشير فقد قال: «ان السودان بصدد توصيات المؤتمر الوطني قد توحد بدون قبلية وطائفية وحزبية» ولكن الترابي عاد في اليوم الثاني ليصرح: «ان السودان لا يعرف إلا حزباً واحداً هو حزب الله» (صحيفة «البيان» 23 فبراير 199 . وأشار الرئيس البشير في احتفال بقاعة الصداقة لتكريم القيادة السابقة لحزب المؤتمر الوطني إلى: «أن حقوق الشعب السوداني لن تصادر مرة أخرى لحزبية أو طائفية أو عسكرية بعد أن وصل السودان إلى مرحلة النضج السياسي» (صحيفة البيان 16 مارس 199 .
    واصل الدكتور حسن عبد الله الترابي رئيس المجلس الوطني السوداني رفضه للديمقراطية عموماً، ولعودة الأحزاب في السودان بشكل خاص، بقوله: «إن الذي يحدث عندنا باسم التعددية أو الديمقراطية الغربية هو أقرب إلى الديماجوجية أو الغوغائية، التي تقود حفنة من الأفراد والبيوتات إلى السلطة، بدون ممارسة الشورى الحقيقية، لا في داخل الحزب نفسه ولا في داخل القطر عامة».
    وأضاف، وهو يتحدث عن النظم السياسية المختلفة، ان «الأحزاب على أساس التعددية الغربية أصبحت تحصيل حاصل لوحدة تلك الشعوب، التي باتت تتفق اجتماعياً حتى في شكل ربطة العنق، ومواضع ابتدار الكلام والسلام، وغيره من أساليب التعامل، وأن اختيار القادة أو الزعامات السياسية في الغرب لم يعد على أساس البرنامج السياسي، اشتراكياً مثلا أو رأسمالياً، أو عمالاً وأصحاب عمل، إنما على أساس أشكال فقط، مثل» كاريزما «ذلك المرشح أو غيره، إذ لم تعد هناك فوارق في البرامج السياسية، أو اختلاف على وحدة البلد أو هويته».
    ودعا الترابي إلى بسط المزيد من الحريات على المستوى السوداني والمستوى الإفريقي والعربي، من أجل المزيد من الوفاق والتوافق بين الأفكار السياسية والاجتماعية المختلة، بغرض الوصول إلى صفة وحدة وتوحد يتفق عليها الجميع لتقوية النسيج الوطني والقومي والعالمي، من أجل تنمية الموارد البشرية المحلية والقارية والعالمية، لمنفعة الجنس البشري عامة والسودان وإقليم إفريقيا والمنطقة العربية خاصة.
    وقال ان «التحزب والتشيع الذي يؤدي إلى التفرقة والشتات ضد عقيدة الأمة على المستوى القطري والقاري، ويقود إلى الحروب والنزاعات التي تضعف الجنس البشري موارد وبشراً».

    وحول النظام الأمثل لدول العالم الثالث، ومن بينها السودان، قال الترابي ان «التحزب الذي يكون هدفه الوصول إلى السلطة، وتهميش دور الآخرين، يقود إلى الصراعات التي تصل في بعض الأحيان إلى الحروب بين أبناء البلد الواحد، وأن إيجاد صيغة توافق عن طريق الحوار في إطار الحريات الكاملة، ولكنها تخرج على صيغة وحدة الأمة، يمكن أن تكون انموذجاً لنظام سياسي يرضى به الجميع، ويقود إلى اختيار قيادة البلد على أساس المقدرة والكفاءة والجدارة عموماً». (الشرق الأوسط 17/9/1997).
    ولكن بعد عام فقط، يعلن د. حسن الترابي رئيس المجلس الوطني السوداني أنه «سيتم رفع الحظر المفروض على تشكيل الأحزاب منذ عام 1989 وقال في تجمع بأم درمان الليلة قبل الماضية»: «الآن وبعد أن رسخنا العقيدة في المجتمع علينا أن نفتح الباب لمن يرفضون الانضمام إلينا وتركهم ينضمون إلى الأحزاب التي يريدونها».
    وأضاف: «ان أحزاب الشيطان عندما تظهر ستجد في وجهها بلداً موحداً يصون العدالة ويدافع عن الاستقامة في الحكم» (الراية القطرية 20/9/199.
    يؤكد د. غازي صلاح الدين أن الديمقراطية الشعبية أفضل من التعددية والشمولية، مستنداً على أن وظيفة الإنسان وبالتالي المجتمع هي عبادة الله كما تقررها الآية الكريمة، ويوضع هذا الهدف أمام كل المبادئ التي تحكم نشاط المجتمع. ويؤيد موقف الترابي من الديمقراطية التعددية، بقوله: «لئن كانت فكرة الصراع أساسية في النظم الغربية، فأن نقيضها فكرة الاجتماع والوحدة، هي السائدة على نظرية سياسة المجتمع في الإسلام ولا تجد آية أو إشارة من سنة رسول الله صلى ا لله عليه وسلم تمتدح الخلاف في أي شكل من أشكاله.
    بل عكس ذلك هو الصحيح، فالقرآن كله حض على نبذ الخلاف وتوحيد الصف (...) إن الإسلام، نظرية وتطبيقاً يدعو إلى سوق المجتمع صفاً واحداً نحو غاياته» ويسبب ذلك بأن التعبئة في النظام السياسي الإسلامي وظيفة أساسية فهي مرتبطة بقضية الجهاد والعبادة والتعاون على البر والتقوى ومطلب الدين هو جمع الصف، لذلك، يقرر ـ قاطعاً ـ الأفضل هو نظام الديمقراطية الشعبية. (مجلة الملتقى 1 ـ 15 مارس 1990، العدد الأول ص 16 ـ 17) . وفي مقابلة صحافية أخرى يقول صلاح الدين: «مستقبل الممارسة الديمقراطية، بالنسبة لنا لا نقيسه بتعدد الكيانات السياسية، وإنما بمدى اتساع دائرة الحرية والشورى، ومدى قدرة الن��ام السياسي على تمكين كل مواطن من قول رأيه في قضايا الحكم والمعاش» (مجلة العالم العدد 575 بتاريخ 28 يونيو 1997) .
    غياب الموضوعية
    ظن د. غازي صلاح الدين حين كان الأمين العام للمؤتمر الوطني (التنظيم السياسي) أن تنظيمه لن يتحول إلى حزب سياسي كما يشاع في الأوساط السياسية والصحافية (الحياة 9 يناير 199 وصرح بأن الفترة المقبلة ستشهد تطويراً لنظام المؤتمرات يشمل إتاحة قدر أوسع من الديمقراطية. وأوضح أنه يعادي الطائفية السياسية لا الدينية لأنها تاجرت بالدين واستغلت الإنسان.
    وأضاف: «ان نظام المؤتمرات اختير بعد تمحيص دقيق لكل التجارب المحلية والخارجية وأنه استوعب كل الانتماءات السياسية وحقق الوحدة الوطنية ووحدة الهدف ونجح في تعبئة الشارع السياسي نحو الأهداف الوطنية (...) أن نجاح تجربة المؤتمرات يتمثل في قدرة السودان على الصمود في وجه الضغوط الدولية التي تقودها الولايات المتحدة وفي نجاح السياسات الاقتصادية والاجتماعية، إضافة لخلق تنظيمات سياسية وتشريعية استطاعت أن تقوم بدور حقيقي بعيداً عن الهيمنة أو الوصاية» (الحياة 9 يناير 199 .
    من الواضح أن الإسلامويين ـ حتى من يعتبر ضمن القيادات الفكرية والتنظيرية ـ لا يمتلكون رؤية موضوعية أو موقفاً متسقاً تجاه قضية الديمقراطية والتعددية السياسية بسبب الحس السلطوي الطاغي الذي يدعي تحقيق إنجازات اقتصادية واجتماعية تبرر الشكل السائد للتنظيم.

    يعتبر النائب الأول علي عثمان محمد طه أكثر شخصيات الحكم نفوذاً وتأثيراً رغم صمته وغموضه، لذلك يمثل رأيه الموقف السائد خاصة بعد أن انتخبته الحركة الإسلامية أميناً عاماً في مؤتمرها السادس الذي عقد مؤخراً.
    ففي سؤال عن اتهامه بالشمولية والتشدد، قدم التحليل التالي للوضع السياسي: «لأتحدث بموضوعية عن التطور السياسي في السودان أحس بأن البنية السياسية القديمة للسلطة بتركيبتها القديمة لم تعد قادرة أن توفر آليات للتبادل السلمي للسلطة بتركيبتها القديمة وهي موضع اتفاق بين كل الأطراف. ولذلك القوى السياسية أمام امتحان لتقدم برامج وتنشئ علاقة مع المجتمع ومع الرأي العام يجعلها موضع تقدير ووزن سياسي مقدر يمكنها من أن تقود.
    وقد أحجمت القوى السياسية عن خوض الانتخابات الأخيرة لأسباب كثيرة أضيف إليها استشعار العجز الداخلي ولأن هذه الأحزاب ليست في موضع تنظيمي أو جماهيري يمكنها من أن تخوض انتخابات لتضع شعارات الإنقاذ في محك التجربة لذلك أسباب مقاطعة الانتخابات هي أسباب ذرائعية تعود بالأساس للقدرة الحقيقية للأحزاب ولو أن الإنقاذ تريد أن تحكم منفردة فإن هذا الوضع يناسبها. ولكننا نهيئ الآن المناخ لنبرز آليات التنظيمات السياسية لتطرح منافسة حقيقية وبرامج تتيح فرصة الاختيار الحقيقية. وأشعر بأن المزاج العام للشارع السياسي غير مقتنع بقضية الحزبية فهو يبحث عن برنامج قومي ولا يجد الإجا��ة عند حزب بعينه».
    يقول عن تصوره المحدد للتعددية، ضرورة الاتفاق حول برنامج قومي والاتفاق على أولويات وضرورة الموازنة بين الأمن والسياسة وبالتالي تحديد دور الجيش والأجهزة الأمنية وهذا أساس أي استقرار، ويختم قائلاً: - «مرة أخرى أقول أن التجربة القائمة الآن أن القوات المسلحة هي جزء من المجتمع ومن التركيبة السياسية التي تؤثر وتتأثر بالقرار العام. ولا يمكن لفكرة سياسية أن تقوم على استبعادها وإقصائها ولأنني واضح في هذا الأمر يعتقد البعض أنني شمولي» (صحيفة الخرطوم 19 مايو 2001) .

    إشكالية الدستور
    لم يعد يكفي أن يرفع «الإسلامويون» شعار (القرآن دستورنا) كما كانوا يفعلون خلال مرحلة الدعوة والتعبئة والتجييش والمواكب التي تحاصر البرلمان أو في الخطب السياسية في المؤتمرات والندوات والليالي السياسية أو حتى في الجوامع والمساجد والمناسبات الدينية. الآن، صار المطلوب تحويل الشعار إلى واقع يتمثل في دستور يجسد القرآن ويسير الدولة والمجتمع حسب تعاليم الدين. وظل نظام الإنقاذ يحكم بمراسيم دستورية تصدر عن رئيس الجمهورية ومن خلال المرسوم الخامس الصادر في 31 ديسمبر 1991 تقرر إنشاء المجلس الوطني الانتقالي واختير له 299 عضواً وعين العقيد محمد الأمين خليفة عضو مجلس قيادة الثورة السابق رئيساً له.
    وقام المجلس الوطني الانتقالي في الفترة السابقة لانتخاب المجلس الوطني بوضع الأسس الدستورية للنظام السياسي. وبهذه الطريقة أوجدت الإنقاذ أمراً واقعاً طلبت من الآخرين قبوله وأعطت لنفسها سشرعية دستوريةس من خلال مجالس معينة أو ذات عضوية مشروطة بالانتماء للجبهة الإسلامية كما حدث لاحقاً. وقد أثار المرسوم الثالث عشر جدلاً واسعاً وفي النهاية ارتكز الدستور الحالي على روحه وكثير من نصوصه. وينطبق على مجمل هذا الوضع، القول بأن ما قام على باطل فهو باطل، وهذه هي المغالطة الكبرى لشرعية الإنقاذ التي لم تلجأ إلى انتخابات حرة لاختيار رئيس الجمهورية أو انتخاب أعضاء المجلس ا��وطني أو إجازة الدستور والقوانين.
    تضمن المرسوم الدستوري إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية وأهلية الترشيح للمنصب، واختصاصاته وتوزيع سلطات رئيس الجمهورية كما نص المشروع على الأعمال الإجرائية أمام المحاكم والتي تمنح الحق للمتضررين بالطعن أمام المحاكم العليا في أي من أعمال رئيس الجمهورية في حال تجاوز النظام الاتحادي الدستوري أو حقوق الإنسان الدستورية. كما اشتمل المشروع على النظم والهيئات والمؤسسات الاتحادية والقوات النظامية وتشكيل مجلس الوزراء واختصاصاته والمسئولية التضامنية والفردية للوزراء.

    بجانب الطعن في الأعمال الوزارية أمام المحكمة العليا وفق القانون. وتطرق المشروع إلى تكوين المجلس الوطني وشروط العضوية ومدة المجلس التي تمتد لأربع سنوات والمهام التشريعية للمجلس وحرية التداول داخل المجلس والإجراءات المالية والإدارية والقانونية المتصلة بعمل المجلس بجانب اختيار الولاة ووزراء الولايات والمحافظين.
    وأكد عبد العزيز شدو النائب العام ووزير العدل أن المرسوم سيكون أساساً لدستور السودان. وقال لدى مناقشة المرسوم في المجلس الوطني أمام اللجنة المكلفة بتقديم دراسة حول الدستور برئاسة أحمد عبد الحليم رائد المجلس أن المرسوم لم يحظر على أي سوداني ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية مشيراً إلى أنهم الآن لا يخشون من المعارضة بل «ندعوهم لترشيح أنفسهم كمعارضة لهذا النظام».
    وأضاف أن المرسوم أبلغ رد على الافتراءات التي تثار حول السودان، مؤكداً أنه يجيء تعميقاً للتجربة الديمقراطية الجديدة التي يقدمها السودان. ومن ناحية أخرى، أوضح محمد الأمين خليفة أن المرسوم يعد من أميز المراسيم وقال أنه يحمل في طياته التأصيل وأنه جاء أيضاً بالوعد الذي قطعته الثورة بتسليم السلطة للجماهير. ورأى د. علي الحاج محمد الوزير بديوان الحكم الاتحادي أن المرسوم يعد مدخلاً لمشروع السلام مؤكداً أن معيار التمييز لرئاسة الجمهورية هو المواطنة بغض النظر عن توجهاتهم السياسية.
    أما أحمد عبد الرحمن فقد أضاف: أن الإنقاذ لازالت تبحث عن المشروعية، مشيراً إلى أن هذا المرسوم يعد اجتهاداً لأجل التعايش السلمي. كذلك أكد أحمد إبراهيم الطاهر مستشار رئيس الجمهورية: أن النظام السياسي مزيج من النظامين البرلماني والرئاسي. (صحيفة الرأي الآخر 18 ديسمبر 1995) . شعر حكم الإنقاذ لأول مرة بشيء من الاسترخاء جعل الرئيس البشير يدعو إلى إلغاء حظر التجول الليلي في الخرطوم والذي استمر من يوم الانقلاب وحتى أكتوبر 1993.

    وبدأ النظام يهتم بقيام المؤسسات مثل المجلس الوطني الانتقالي ونواة الحزب الحاكم وحل مجلس الثورة الانتقالي في 16/10/1993 وينبه د. حسن مكي إلى تداعيات هذه المرحلة ويحدثنا لأول مرة عن قيادة الباطن ويبدو أن هذه هي بذور الانشقاق الهائل الذي هز الحركة لاحقاً، ويكتب بدقة نادرة عن تفاصيل هذه المرحلة: - «لم تتضح وضعية قيادة حركة الباطن، الأمين العام ومساعدوه ولقد كان ذلك خطأ غير مبرر.
    إذ كيف تظل قيادة الحركة خارج حلبة إدارة السياسة وخارج ساحة الدولة الرسمية، كما كثرت الهمهمة عن الازدواجية، واستدعى ذلك إدخال قيادات الباطن كوزراء وكان أهم أولئك علي عثمان الذي أصبح وزيراً للتخطيط الاجتماعي ـ ولكن لم تكن القضية كذلك بهذه البراءة، إذ كانت هناك قوى سعت لتجريد نائب الأمين العام من صلاحياته في الحزب تحسباً لمعارك المستقبل.
    وكان أبرز ما تم إنجازه في هذه الفترة، إقامة مؤتمر الذكر والذاكرين الذي فتح الإسلاميين على القوى الصوفية والقوى المتدينة بوجه عام، وكان إقبال القوى عظيماً ولكن لم يتم استيعاب هذه القوى ولم يتم السير بالتوصيات إلى نهاياتها ربما خوفاً من أن تصبح نقطة ارتكاز للنظام بعينها عن الحركة الإسلامية ـ ورمزها وكذلك فتح مؤتمر النظام الأهلي القوى القبلية والجهوية للحركة الإسلامية ولكن كذلك لم يتم استثمار السانحة لحسابات تتعلق بالتطور السياسي وإعادة ترتيب بناء نظام القوة على مستوى رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء والحزب والبرلمان الانتقالي.
    وأهم من ذلك علاقات أجهزة الباطن، والأمين العام وسيطرته على آليات الشركة السياسية القابضة مثل المجموعات العسكرية والأمن الشعبي، حتى جاءت لحظة قرر فيها الأمين العام حل الأمن الشعبي ويبدو أن القرار كان رسالة محسوبة، لأنه كان يريد فك ارتباط هذه الأجهزة به وبالرئيس، ومن العجيب أن الرئيس هو الذي قام بمعالجة قرار الأمين العام وإعادة الأمن الشعبي ولكن في ظل قيادة جديدة لها حسابات ومع الأمن الرسمي (صحيفة الرأي العام 25 مارس 2001) .
    شهدت هذه الفترة نشاط الحركات الإسلامية القادمة من الخارج ويبدو أن الترابي قد استقوى بها ولكنها أحرجت موقف السودان عالمياً. ثم كانت محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في 21 يونيو 1995. ويرى البعض أن المحاولة جاءت في وقت اشتد فيه الصراع بين مجموعات الباطن ـ كما سماها د. مكي ـ ولكن يظهر أن الأمور كانت خارجة عن اليد حيث «لم تكن هناك لا إدارة فكرية ولا رقابة ذات حصافة ولا مزاج قادر على فهم مآلات الأمور والفرق بين المغامرة والعمل المدروس» (المصدر السابق) وقد قاد هذا الحدث إلى نتائج بعيدة المدى وعمل النظام مجهودات جبارة للخروج من هذا المأزق. لذلك تسارعت خطوات الخروج من فترة ما سمي بالشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية.
                  

العنوان الكاتب Date
سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-21-04, 09:51 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-21-04, 10:55 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-21-04, 11:30 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-22-04, 01:20 AM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-23-04, 02:56 AM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم Hani Abuelgasim10-20-04, 05:10 AM
    Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم AnwarKing10-21-04, 12:41 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:41 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:43 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:45 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:46 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:47 PM
    Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم بكرى ابوبكر08-04-10, 06:29 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم Agab Alfaya10-22-04, 05:27 AM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم Khatim10-24-04, 00:06 AM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم Elbagir Osman10-24-04, 11:21 AM
    Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم AnwarKing08-07-10, 00:44 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de