سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-30-2024, 07:09 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة انتهاكات شرطة النظام العام السودانية
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-21-2004, 10:55 PM

tariq
<atariq
تاريخ التسجيل: 05-18-2002
مجموع المشاركات: 1520

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم (Re: tariq)


    سقوط المشروع الحضاري في السودان -الحلقة الثانية
    في مواجهة انتقاد التحرك الانقلابي، رجال «الإنقاذ» يستعينون بمدفعية ثقيلة من أجهزة الإعلام
    تأليف :د. حيدر ابراهيم
    في سؤال للشيخ الترابي يقول: «من خلال التجربة التي قمتم بها في الثلاثين من يونيو 89 يتساءل الشارع لماذا لا يعتذر الترابي للشعب عن هذا المسلك ويطلب العفو منه؟. طبعاً نحن لسنا الحركة السياسية الوحيدة التي دبرت انقلاباً في هذا البلد فحزب الأمة كان هو الأول والحزب الشيوعي كان الثاني ونحن الثالث، والحزب الاتحادي هو حزب رفض أن يدخل هذه الساحة إلا أن يكون من كرام المواطنين الذي يؤيدون نظام عبود لأنه قام بغالبه من تراث أقرب إليهم.
    ثانياً: نحن تحدثنا عن الخطأ (ايش) تعني هذه اللغة ويريد بعض الناس بلغتهم هم يريدون أن أقول للفرد منهم أعتذر إليك وأرجو أن تعفو عني فأنا أعتذر إلى الله سبحانه وتعالى. فمن اليوم الثاني بعد خروجي شهدت الندوة في الجامعة وتحدثت عن أين كان الخطأ وأين كان الصواب، لكن بعض الناس على وتيرة!! ويريدون أن يجلس الترابي تحت أقدامهم ليقبلها ويقول لهم أعتذر إليكم (طيب) ليعتذر السادة الكبار الذين أيدوا عبود ويدانوا.
    فأنا أقول إنه في السياسة يجب أن نترك الأمر للشعب يدين من يدين ويسحب ثقته ورصيده ويعذر من يعذر حتى ولو أخطأ أو تجاوز، لأن كل السياسيين خطاءون، والفساد لم يكن هنا بل في كل النظم وفسادات الرأي كل مرة هي التي تشغل صحفنا وكلامنا حتى يذهب هؤلاء ونبكي على الماضي (ما بكيتم من شيء إلا وبكيتم عليه) أنا أعرف السودانيين، فقد قامت الثورة ضد عبود من كل أنحاء البلد .

    وبعدها خرج عبود بعد فترة إلى السوق جرى الناس وراءه يرددون (ضيعناك وضعنا وراك يا عبود) فهذه أخلاق الشعب، لكن أنا أتكلم عن التقويمات وهذا التقويم ليس من الترابي بل من كل المؤتمر الشعبي ومن كل حركة الإسلام.
    د. الترابي كيف تقيم تجربة حكم الإسلاميين في السودان؟
    كانت محاولة للرجوع إلى الأول. دستور أشبه بدستور المدينة وانتخابات مثل انتخابات عثمان وعلي ولا تشبه ولاية العهد التي تأتي بالقوة وبسط حريات مثل المدينة وعهود مع الآخرين، وحاولنا هذه لكن من أول مرة (بتعصب) ولذلك ما رسخت في الناس، والشعب لم يمارس حرية لذلك لم تعش (حوار أجراه كمال الصادق وعماد عبد الهادي، في صحيفة «الأيام» 25 مارس 2004).
    ملابسات انقلاب
    يحاول الشيخ الترابي أن يبرر الخطأ بخطأ فهل قيام الآخرين بالانقلاب يعطيهم الحق في الانقلاب على الديمقراطية؟ ومثل هذا التفكير يسقط الوازع الأخلاقي، إذ طالما هناك من يقوم بجريمة أو خطيئة، فيمكن للاحقين أن يجعلوه سابقة أو قدوة!
    يقول علي عثمان محمد طه عن الانقلاب: «إن هذا الانقلاب لم يكن انقلاباً حزبياً بالمعنى المباشر، صحيح أنه قد تكون للجبهة الإسلامية وللعناصر الإسلامية نصيب كبير في آلية ذلك الانقلاب لكن بالقطع أن الانقلاب روحه وجوهره ومضمونه كان عملاً وطنياً استدعته الضرورة الوطنية التي فرضتها المهددات التي كانت تضغط على وجدان ونبض كل مواطن يريد أن يعيش في أمان ويريد أن يرى الأمور تسير إلى الأمام في ظل ما كان يكتنف الأوضاع من تدهور وضبابية وتخبط» (صحيفة الرأي العام 9 يوليو 2002).
    عالجت كثير من الكتابات الجيدة التي نشرها حيدر طه وعصام ميرغني (أبو غسان) وعبد الرحمن الأمين والسر أحمد سعيد، ملابسات قيام الانقلاب ووصفوا الظروف السابقة واللاحقة لتنفيذ وإنجاح الانقلاب. لذلك لن نعيد متابعة الأحداث ولكن نهتم بطريقة التفكير والموقف من الديمقراطية.
    مما جعل القوات المسلحة بديلاً تدخره الجبهة لإدارة الصراع عوضاً عن التداول السلمي للسلطة. وهذا يكشف عن ثانوية الديمقراطية كأولوية في فكر الجبهة وممارساتها وهذه سمة مازالت تلازمهم على الرغم من الفشل السحيق الذي لازم مشروعهم الحضاري الذي جاء عن طريق الانقلاب. ولم يفطنوا بعد إلى أن غياب الديمقراطية هو مقتل المشروع.
    ظن «الإسلامويون» السودانيون أن العالم العربي على أبواب ثورة إسلامية ستعم المنطقة. وقد كان هتاف الطلاب «الإسلامويين» بعد الثورة الإيرانية يبشر بتعميم الثورة مرددين: إيران في كل مكان! فقد كان «الإسلامويون» مترددين في استخدام العنف الثوري والانقلاب في السودان ولكن ضعف الحكومة المنتخبة كان مغرياً كما أن الأوضاع الإقليمية فتحت شهيتهم لتجاوز التردد.
    وبدأت «البروفة» بما أسمته الجبهة الإسلامية «ثورة المصاحف» ضد حكومة الائتلاف الحزبي ـ النقابي ـ العسكري التي أبعدتها من السلطة في فبراير 1989. ونشط «الإسلامويون» في رمضان / إبريل 1989 ولكن لم تصل البروفة إلى نهايتها إذ لم يتجاوب معها الشارع السوداني لأن شعاراتها الخاصة بتطبيق الشريعة لم تكن أولوية كما أن الحكومة كانت منتخبة بغض النظر عن عيوب الليبرالية .
    ولكنها تختلف عن الدكتاتوريات الانقلابية التي قامت ضدها الانتفاضات والثورات الشعبية. ويرى أحد الباحثين «الإسلامويين» أن الحركة لم تكن تسعى حينها إلى قلب الوضع وإنما تهيئة الظروف للتغيير الذي سيأتي. ولكن ـ حسب الأفندي ـ فأن الثورة «التي جهد الإسلاميون السودانيون في احتوائها كانت قد انفجرت فعلاً في أنحاء أخرى من العالم العربي.
    اشتعلت الثورة في شوارع الجزائر في أكتوبر من العام 1988م. الصراع في تونس وصل نقطة حرجة في العام 1987م حيث أدى لإزاحة بورقيبة من دون أن يحسم قضايا أساسية. شوارع مصر اشتعلت بما يشبه الحرب الأهلية. اليمن هربت إلى الأمام من مشاكلها بالديمقراطية أولاً والوحدة ثانياً من دون أن تتجاوزها تماماً، والأردن والمغرب فعلا شيئاً من ذلك. ثم جاء زلزال الخليج وحربها فصدع النظام العربي من أساسه». (الأفندي: 19).
    كان للمناخ العام دوره في أن يسارع الترابي في إظهار جانب لينيني في شخصيته من خلال موقفين: إدراك جيد للأزمة الثورية أي التوقيت، ثم اندلاع الثورة في أضعف الحلقات، فالثورة الشيوعية ـ الاشتراكية اندلعت في روسيا وليس انجلترا أو ألمانيا. كما حدث التغيير الإسلامي في العالم العربي في السودان وليس مصر ولا المغرب.
    واعتمد الترابي على الخارج مقتبساً فكرة الدولة القاعدة التي يروج لها القوميون العرب (مثل نديم البيطار وغيره). وبالفعل فتح السودان في مطلع التسعينيات لكل الإسلامويين المطاردين في بلادهم واستضاف السودان من أسامة بن لادن حتى راشد الغنوشي ومحمد الهاشمي الحامدي.
    من الملاحظ أن نجاح الانقلاب تسبب في توجه شمولي قوي داخل الحركة «الإسلاموية» وتنكر الكثيرون لكل المواقف المؤيدة للتعددية حتى وإن كانت غامضة عند البعض. ولكن بعد الإنقاذ لم يعد مفهوم الديمقراطية أو التعددية يثير الاهتمام بل اعتبر المؤيدين للتعددية السياسية أقلية مارقة لا يأبه لها ـ كما قال المهندس الطيب مصطفى (10 فبراير 199 واضطر د. الطيب زين لكي يرد عليه أو يجادله بأنهم ـ أي الداعين للديمقراطية ـ ليسوا مجموعة صغيرة شاذة، يكتب:
    «والحقيقة غير هذا تماماً فالحركة الإسلامية السودانية وقفت دائماً مع التعددية السياسية وعملت بمقتضاها في الساحة السياسية، أما التغيير الذي طرأ من بعض قادتهم في الآونة الأخيرة فالسبب الرئيسي فيه هو ما حدث صبيحة 30 يونيو حين استولى انقلاب عسكري على السلطة ووجدت الحركة الإسلامية نفسها في موقع التمكين في النظام الجديد.
    أراد هؤلاء البعض أن يتمسكوا بالرزق الذي ساقه الله إليهم! وليس هناك من غرابة أن يسعى السياسيون المحترفون إلى التمسك بتلابيب السلطة حين تتاح لهم الفرصة ولكن لا يجمل بنا أن ننسب ذلك إلى حكم الإسلام الذي منع أتباعه حتى من تزكية النفس ومن طلب الولاية، ولا ينبغي لنا أن نتنكر لموقف الحركة الإسلامية الأصيل من قضية هي أم القضايا في العمل السياسي المعاصر.
    والموقف الذي تتخذه الحركة الإسلامية السودانية من قضية التعددية سيؤثر كثيراً على مواقف الآخرين من الحركات الإسلامية التي تناضل في بلاد كثيرة لتنتزع حق المشروعية في العمل السياسي وتنافس الآخرين على نيل ثقة الجماهير وتمثيلها في الأجهزة التشريعية ومن ثم تكوين الحكومات أو المشاركة فيها إن حظيت بالأغلبية المناسبة.
    ومثل ما يتذرع الطيب وبعض إخوانه بما حدث في الجزائر وتركيا ضد الحركات الإسلامية ليدافعوا به عن احتكارهم للسلطة ومنع الأحزاب الأخرى عنها سيتذرع آخرون بما يحدث في السودان ليقولوا ان الحركات الإسلامية غير جديرة بحرية العمل السياسي لأنها لا تؤمن بهذه الحرية لغيرها». (الرأي العام 15 فبراير 199.
    حماس للتغيير
    بعد سنوات يأتي قيادي كان من المتحمسين للتغيير خاصة وأنه من العناصر الشمولية التي شاركت في حقبة النميري كوزير للداخلية وتقلد مناصب تنفيذية ودستورية مختلفة. يردد أحمد عبدالرحمن الكلام نفسه الذي قال به المعارضون في رفضهم لانقلاب الجبهة: ـ «أولاً يجب أن يترسخ فينا قناعة أن هذا الوطن لا يمكن أن يحكم إلا بمشاركة كاملة وواسعة من كل أهل السودان في صناعة القرار وفي توزيع عادل لما يتوفر من مال وإمكانات .
    وهذا لا يمكن أن يؤمن إلا بالأخذ بنظام فيدرالي متطور جداً وغير نمطي» وندهش حين نجد أن أحد رجال المشروع الحضاري، يدعو: «لماذا لا نسعى لتكوين أحزاب وفقاً للموديل الأميركي تكون مهمتها قاصرة على تكوين الحكومة! هكذا يصل تأصيل السياسة الإسلامية في الحركة. ويكرر أثناء الحوار إعجابه بالنموذج ويقول مرة: «هنالك مثال أمامنا لا أجد حرجاً في الإشارة إليه هو مثال الولايات المتحدة الأميركية» (أخبار اليوم 24 يونيو 2004).
    في حوار مع د. جعفر شيخ إدريس الذي يرى أن الحركات الإسلامية تفتقر إلى تصور وسائل تغيير الحكم وكيفية التعامل مع الحكومات وكيفية ممارسة الحكم. أجاب: «هذه مسألة واقعية فالحركات الإسلامية لم تتفق حتى الآن حول تصور لتغيير أنظمة الحكم فالبعض يقول بالانقلابات والبعض بالديمقراطية وعن نظام الحكم لا يوجد تصور حتى الآن عن كيف يكون شكل نظام الحكم وعندما أقول هذا لا أستثني نفسي فنحن كحركات إسلامية قصرنا في هذا الأمر» (حوار أجراه صبري الشفيع في صحيفة الرأي الآخر 12 مايو 199.
    في مقابلة نشرت أخيراً في « اسلاميك لاين نيت» بتاريخ 29 سبتمبر 2003 حاور مراسل الموقع والمهندس أبو العلا ماضي وكيل مؤسسي حزب الوسط المصري (ذا التوجه الإسلامي) والدكتور أحمد عبد الله مستشار الشبكة، الشيخ حسن الترابي، ويمثل الحوار وثيقة هامة في فهم دوافع وملابسات وظروف، نورده كاملاً للتاريخ والتوثيق.
    في سؤال عن تقويم تجربة الحركة التي بدأت بالدعوة والانتشار ثم المشاركة في عهد النميري ثم السيطرة الكاملة على الحكم في ظل حكومة الإنقاذ وانتهت بالصدام والاستبعاد عن السلطة والسجن. أجاب بأن الدعوات الدينية والحضارية تبدأ بشعارات عامة ولغربتها عن المجتمعات التي تولد بها فهي دائماً ما تحاط بالشبهات ولكن لصدقها دائماً ما تجتاز العقبات وتبلغ مرحلة الانتشار وتتواكب عليها الابتلاءات وهذا ما حدث في السودان.
    ويقول أنهم لم يكن من الممكن أن يصلوا إلى السلطة ديمقراطياً بسبب معارضة الغرب الصريحة لذلك كان لابد من اللجوء لوسائل أخرى «ومن قراءتنا للتاريخ الذي أكد في جميع مراحله على أن الديمقراطية لا تولد إلا عبر الثورات بدءاً من الثورة الفرنسية، ومروراً بما حدث في إنجلترا وأميركا، فقد رأينا أننا لا نستطيع الوصول إلى السلطة إلا بمنهج الثورة الشعبية، إلا أننا قد أخذنا عهداً على أنفسنا ألا يكون حكماً قبلياً أو طائفياً أو عسكرياً».
    ويمضي الترابي ليقول: «وعندما صعدنا إلى السلطة في السودان، وبدأنا نحكم بالشورى وسلطة الشعب، واعتمدنا الحرية أساساً لكل الناس كفروا أو آمنوا ما اتخذوا اللسان سبيلاً للتعبير لا السنان، فإن نظام الحكم الذي تعاهدنا معه، وأقسمنا اليمين قبل الوصول للسلطة، عندما تمكن تفارق معنا فرقاناً بيناً، لأن بنيته العسكرية والذهنية لا تنتمي لهذه الأفكار، وإنما نيته قائمة على الغدر بالعهود».
    ولكن ما الذي دفع إلى هذا الصدام المروع على الرغم . . . بينكم؟
    شح المال من ناحية، ومحاولتنا الدعوية إقامة علاقة «عزة» مع العالم لا «عزلة»، نأخذ منه ويأخذ منا، نجادله ونحاوره، ولكن على قدم المساواة، كل تلك العوامل حركتها عقلية العسكر من ناحية، والتحريضات الكثيرة على الإسلام وأهله من قبل تملك السلطة والمال في العالم من ناحية أخرى، كل هذا أدى في النهاية إلى الفرقان المبين. ولكننا كنا نود أن نختلف ونتحاور، إلا أنهم أبوا إلا ما رأوا.
    ولذلك زجوا بنا في السجون، ولكن نحن لسنا مفاجئين، فالصحابة قتل بعضهم بعضاً عندما جاء الصراع على السلطة والخلافة الراشدة القائمة على الانتخاب الحر والعقد والمساءلة تحولت وانهارت انهياراً كاملاً، وهذه كانت تجربتنا الأولى في البلاد، ومن يدري؟ لعل القادم يكون أكثر خيراً.
    ولكن ألا تتفق معنا يا دكتور في أن العامل الرئيسي لفشل هذه التجربة يكمن في خياراتها المبدئية، فأنتم عندما قبلتم الوصول للسلطة عن طريق انقلاب عسكري كنتم ترسمون هذه النتائج بأيديكم قبل أن تحدث؟
    يا أخي هذه كانت ضرورة، فالعهود القديمة رفضت أن تفسح مجالاً لنا، وحتى الديمقراطية في الغرب ـ كما قلت لكم ـ لم تنجح هكذا بدون ضغوط وثورات، ولكن الخطأ من وجهة نظري هو عدم اللجوء للناس والقيام بثورة شعبية، فالاعتماد على العسكر هو الذي أوقعنا في هذا الخطأ، فحين قالوا لهم: «أخرجوا هؤلاء من الحكم أو نخرجكم» أسرعوا بإخراجنا والزج بنا في السجون، ولكنني أؤكد مرة أخرى أنها كانت ضرورة، فلم نكن لنصل إلى السلطة بدونها.
    مبرر المشروع الحضاري
    أما المبرر الاستراتيجي اللاحق، فهو ادعاء العمل على تأسيس مشروع حضاري يقوم على تطبيق الشريعة الإسلامية. وبعد أن تم تثبيت السلطة أمنياً، بدأ النظام تدريجياً في الإفصاح عن وجهه لذلك نلاحظ في 1991 وما بعده ظهور بعض المنظرين والمبررين للانقلاب العسكري بقصد تحويله إلى ثورة وتجديد ومشروع حضاري عوضاً عن كونه انقلاباً وعملاً تآمرياً قامت به فئة قليلة حسنة التنظيم والمباغتة.
    وهذا التحويل يقصد به إنزال العسكر من رماحهم التي استخدموها في الفصل الانقلابي ويتقدم مثقفو الطغمة ليملأوا أجهزة الإعلام تنظيراً وتجميلاً وتبريراً، وهذا ما لا يستطيعه العسكر وهم أصحب شعار: «البيان بالعمل» أو «احكموا علينا بأعمالنا» وكان من الواضح أن انقلاب الجبهة الإسلامية يحتاج إلى مدفعية ثقيلة من الإعلام وتزييف الوعي في الداخل والخارج.
    ومن الواضح أن النظام كان يدرك ضعف قاعدته الشعبية في السودان، لذلك اهتم بعلاقات الخارج وصورته لدى الآخرين بغض النظر عن تقويم شعبه له. وقد قام الإسلامويون في الخارج بدور مهم في مساندة إخوانهم السودانيين وكأنهم استندوا على المبدأ القائل: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً». وقد قام «الإسلامويون» غير السودانيين بتنسيق حملة إعلامية تمتد من اليمن والأردن ومصر وشمال إفريقيا وفلوريدا في الولايات المتحدة وماليزيا.
    وفي الوقت نفسه نشر الإسلامويون السودانيون في الصحف والمجلات الأجنبية أكثر مما كتبوا في الداخل، مثل مجلة قراءات سياسية (مركز لدراسات الإسلام والعالم ـ تامبا، فلوريدا) مجلة الإنسان (دار أمان للصحافة والنشر (بقطر) ثم صحف الشعب المصرية والقدس في لندن والمستقلة (لندن) وكثير من الصحف الأردنية واليمنية.
    رغم هذه الكثافة والانتشار فإن «الإسلامويين» لم يقدموا فكراً عميقاً بل اكتفوا بالملاحقة الإعلامية الدفاعية ورد الهجوم والنقد، وتسريب المعلومات الكاذبة ضد المعارضين. فقد قدموا الدعاية بطرائقها الشمولية التي تجيدها النظم الدكتاتورية القمعية التي تقصي الآخر وتنفي الحوار والاختلاف. اكتفى «الإسلامويون» بالتلفزيون والإذاعات والصحف الرسمية في تكوين وعي زائف لدى مؤيديهم وكان سباب وصراخ الرائد يونس اليومي سوط عذاب على الشعب السوداني، استمر خلال الفترة الأولى واختفى في ركام التاريخ مثل سلفه يونس بحر في إذاعة برلين أثناء الحرب النازية.
    حاول المنظرون الإسلامويون في كتاباتهم الخارجية أن يكونوا منهجيين وعقلانيين في تقديم مشروعهم الحضاري باعتباره تجديداً في الفكر الإسلامي تنزل على الواقع السوداني أو على تجربة الانتقال للحكم الإسلامي في السودان. والدليل على نهاية المشروع «الإسلاموي» أن الأسماء التي كانت تدافع وتنافح عن المشروع ابتعدت بعد سنوات قليلة ولم تعد تحس بالانتماء تماماً للنموذج القائم في شكل سلطة الإنقاذ الحالية، ومن هؤلاء:
    التيجاني عبد القادر حامد، محمد محجوب هارون، الطيب زين العابدين، عبد الوهاب الافندي. ولم يبق سوى كتاب الأعمدة اليومية الذين يلاحقون الأحداث العابرة والتي غالباً ما تكون مظاهر خارجية لحقائق أعمق.
    ولكن الحركة «الإسلاموية» الحاكمة تكتفي بمخاطبة أجزاء دنيا من العقل وقد ترضى بمجرد الانفعالات والعواطف. الكتاب الإسلامويون والأكاديميون بالذات حين ينشطون في السياسة فهم يتنازلون تماماً عن العلمية والمنهجية في تفكيرهم وأقوالهم. ويقعون بسهولة في تزييف الأيديولوجيا ودهموية الشعارات، على الرغم من كل محاولات التشبث بقدر من الموضوعية والعلمية.
    فيفترض في أي مفكر أو عالم أو أكاديمي أن يبدأ بتعريف وتحديد المفاهيم أو المصطلحات خاصة حين يكون قد شرع في تطبيقها على بشر. فنحن الآن أمام «مشروع حضاري» يطبق من دون أن يرهق مفكرونا بتحديد ماذا يقصدون بهذا اللفظ الذي تحول إلى تشريعات وقوانين وممارسات وأدوات لقمع الناس أو لتمييز الناس؟
    ثم ألا يحتاج هذا المشروع إلى تنظير وتعميق فكري؟ وهذا يظهر في الإصدارات والكتابات التي تتناول الموضوع على مستوى أعلى من المقابلات الصحفية والأحاديث الإعلامية. يشهد الجانب الفكري فقراً مدقعاً لا يتناسب مع الضجيج وأعداد المتعلمين داخل النظام.
    من البداية نلاحظ تعدد تسميات التجربة السودانية، فهي المشروع الحضاري أو المشروع الإسلامي السوداني أو مشروع النهضة الحضارية الشاملة أو النموذج الإسلامي في السودان. وهناك من يرى عملية التحديث والحداثة من منظور إسلامي. لذلك نصطدم بمفهوم واسع وليس شاملاً يقول كل شيء ولكن لا يقول شيئاً.
    فالترابي حين يرى النموذج أو المشروع الحضاري من خلال دور الحركات الإسلامية، فهو يقصره على التوحيد، يحدد واجبها بقوله: «أن تبدأ بإحياء التوحيد في الحياة السياسية حتى تكون إخلاصاً لعبادة الله لا ابتغاء للسلطة، وتجرداً للخير العام، لا حباً في إرضاء شهوة السلطة والسيطرة على الآخرين. وحتى تكون علاقات السياسة علاقات أخوة في الله ووحدة وعدالة.
    ولا تصبح علاقات صراع سياسي ـ كما هي في العالم قاطبة ـ صراع أحزاب وطوائف وشخصيات وأقطار» (حسن الترابي، في كتاب: المشروع الإسلامي السوداني: قراءات في الفكر والممارسة، الخرطوم، معهد البحوث والدراسات الاجتماعية، 1995، ص 11) والفكرة الأساسية في المشروع الإسلامي ـ حسب الترابي ـ هي انتفاء الصراع، وهذا ما يميز مشروعه عن النموذج الغربي بدءاً من صراع الإغريق القدماء كما يعبر عنه المسرح والدراما وانتهاء بصراع الاقتصاد والعلاقات العالمية والتعددية كما يظهر في المجتمعات الحديثة. باختصار تتحقق في المشروع الإسلامي الوحدة والانسجام.
    معالم مشروع
    ويحدد منظر آخر معالم المشروع الإسلامي السوداني بطريقة طموح تجعل منه مقدمة للمشروع الحضاري الإسلامي الشامل. يكتب أمين حسن عمر: «فمشروع السودان للإنقاذ الذي يأتي توطئة من بين يدي النهضة الشاملة بإذن الله يصلح أن يكون نموذجاً للمشروع الحضاري الشامل» (المرجع السابق، ص 37) ثم يعرف قائلاً: «ومشروع النهضة العربية والإسلامية مشروع انبعاث حضاري.
    وذلك أنه يمثل استمراراً لحضارة كانت قائمة بل كانت رائدة، ولها أفضال كثيرة في كل ما آل إليه العالم المعاصر من رفاهة وتقدم، ولذلك فإن دعاة الحضارة العربية والإسلامية لا يطالبون بمقعد بين الأمم المتحضرة، بل يطالبون بهذا المقعد في الطليعة والمقدمة. وهم لا ينافسون على مقعد شاغر بين الأمم المتقدمة، وإنما يطرحون مشروعهم بديلاً للمشروع السائد.
    ويقدمون أنفسهم قيادة بديلة للعالم على طريق التقدم الاجتماعي والحضاري». (المصدر السابق، ص 23) والسودان حين اختار مشروعه أصبح مؤهلاً لهذا الدور الذي لا يحتاج لقوة مادية أو تكنولوجية لأن المقاصد مختلفة، فيختم الباحث: «يمكن أن نلخص غاية مجتمع النهضة والرشد ومقاصده بأن نقول أن المجتمع يقصد إلى الإحسان، الإحسان في عبادة الله ليتخلص من كل عبودية أخرى لأهواء الناس أو الحاجة أو الآخر المستبد» (المصدر نفسه، ص 35).
    والمشروع ينتهي كما عبر باحث آخر إلى تكامل المجتمع، حتى يستطيع إقامة العدل: «فهو مجتمع رباني عادل مشحون بالقيم الأخلاقية العالية، إذ هي ضمانته الكبرى للبقاء والنماء» (أحمد الطاهر إبراهيم: حركة التشريع وأصولها في السودان. الخرطوم، مطبوعات الحركة الإسلامية الطلابية، 1995، ص 90).
    يتردد مصطلح الحداثة والتحديث في كتابات بعض «الإسلامويين» حين يصفون النموذج السوداني، وهذا ما نلاحظه في كتابات عبد الوهاب الأفندي الأخير: «الثورة والإصلاح السياسي في السودان، لندن، ابن رشد، 1995). ولكن الأفندي يعجز عن الربط المنطقي والتاريخي بين التحديث والأسلمة، وذلك لوجود أكثر من تحديث في السودان كما ذكر، على الرغم أنه يقرر بثقة قاطعة:
    «ربما يكون السودان البلد الوحيد في العالم الإسلامي الذي تطابق التحديث فيه مع مزيد من الأسلمة والتعريب». (الكتاب المذكور، ص 86) ولكنه يقول في الصفحة نفسها: «ومن هذا التفاعل بين الإحيائية الصوفية والتحديث الإسلامي ولدت حركة المهدية، التي انبثقت من رحم الطريقة السمانية، ومن الرفض الشعبي لـ «التحديث» الذي سعت إليه الإدارة التركية المصرية. نحن أمام «تحديثين» وكالعادة لم يعرّف أو حتى يحدد مظاهر كل تحديث.
    وحين يتابع تاريخ الحركة الإسلامية التي تتبنى المشروع أو النموذج الحالي، يقول أن التوجه الإسلامي «وضع الإسلام على قمة الأجندة السياسية، وربط التحديث والبناء القومي بالإسلام» (ص 111). ويقدم وصفاً للنموذج أو ما يسميه بالبعث الجديد تظهر من خلاله التناقضات يقول: «أن بعض مظاهر البعث الجديد جمعت بين خواص الثورة الحديثة وبين خواص البعث الإسلامي الأول، فمثلت بالتالي مزيجاً شديد الانفجار من المطالب والرؤى الحديثة والدوافع والحوافز التي وفرها الإسلام الأصيل» (ص 211).
    ويذكر الباحث أحد التناقضات الرئيسية: «أن مفهوم الدولة الحديثة القابضة والمسيطرة على كل نواحي الحياة غريب على الإسلام وقيمه وتقاليده» (ص 205) ووجود الدولة الحديثة من الشروط الأساسية لعملية التحديث ويستحيل في غيابها نجاح عملية التحديث بالذات في المجتمعات العالمثالثية.
    ومن جهة أخرى هناك «إسلامويون» يرفضون مبدئياً ربط مفهوم التحديث بالنهضة الإسلامية أو بالبعث الإسلامي، ويفضلون مصطلح تجديد. لأن المقصود «مشروع إحياء واستمرار وتقدم (أي مشروع تجديد حضاري) لا مشروع لحاق وتنافس وتقدم في سياق الحضارة الغالبة أي ليس مشروع حداثة بل مشروع تجديد (أمين حسن عمر في كتاب المشروع الإسلامي السوداني، ص 23). (د. حيدر إبراهيم علي، جريدة الحياة اللندنية، 4 يوليو 1996).
                  

العنوان الكاتب Date
سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-21-04, 09:51 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-21-04, 10:55 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-21-04, 11:30 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-22-04, 01:20 AM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-23-04, 02:56 AM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم Hani Abuelgasim10-20-04, 05:10 AM
    Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم AnwarKing10-21-04, 12:41 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:41 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:43 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:45 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:46 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:47 PM
    Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم بكرى ابوبكر08-04-10, 06:29 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم Agab Alfaya10-22-04, 05:27 AM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم Khatim10-24-04, 00:06 AM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم Elbagir Osman10-24-04, 11:21 AM
    Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم AnwarKing08-07-10, 00:44 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de