سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-30-2024, 12:26 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة انتهاكات شرطة النظام العام السودانية
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-21-2004, 02:46 PM

tariq
<atariq
تاريخ التسجيل: 05-18-2002
مجموع المشاركات: 1520

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم (Re: tariq)


    سقوط المشروع الحضاري في السودان ـ الحلقة الثامنة
    استراتيجية لها ثمنها، ضجة محتدمة يثيرها مشروع قانون الأمن في المجلس الوطني
    تأليف :د. حيدر ابراهيم
    أصدرت القيادة التنفيذية لمنظمة شباب الوطن بياناً قالت فيه أن ما أورده المقرر الخاص لحقوق الإنسان كاسبر بيرو في تقريره حول حقوق الإنسان بالسودان إنما يستهدف في مجمله المشروع الحضاري. حيث استند التقرير المزعوم الى بعض مأجوري الفنادق الذين يسعون لهدم هذا المشروع. وارتكز التقرير على إلغاء القانون الجنائي ممثلاً في الحدود والقصاص زاعماً ان هذا القانون لا يتفق مع الروح العامة للأمم المتحدة وميثاقها.
    وأضاف بيان شباب الوطن أن كاسبر بيرو ومن خلفه لم يدروا أن المشروع الحضاري الذي يتجذر الآن بالسودان مهره الدماء التي سقت شجرة الشريعة بالسودان حتى أصبحت وارفة يتفيأ ظلالها كل المستضعفين في العالم، وأصبحت منارة وقبلة كل تواق للحرية ومحب للسلام (صحيفة الإنقاذ الوطني 12 فبراير 1994) .
    وفي سؤال للقانوني عبد الرحمن شرفي عن رأيه في التقرير يرد: « ..لا نستبعد أن تقول تقارير حقوق الإنسان إن الصوم ينتهك تلك الحقوق بالعطش والجوع. إن الشريعة هي قضاء الله ورسوله ولا خيار لنا إلا نقبلها. أما أن نكون في مزاج بطرس غالي ونقبل نحن هوى اليهود فانه الهوان وضعف العزيمة في قلوب المسلمين الذين فتح أجدادهم بقوة الحديد خيبر، أنهم يريدون الانتقام لهزيمتهم في خيبر حينما ظهر دين الإسلام قوياً وعادلاً.
    إن الأفضل للسودان اليوم أن يحتج على المنظمة الدولية التي تعمل بتوجيه أقلية وتتدخل حتى في خيارات الشعوب القائمة على عقيدتها. نعم أخرجوا من منظمة انكشف مستورها وبان تآمرها ضد الإسلام والمسلمين وإلا فتوقعوا أن تطالبكم المنظمة الدولية بتطليق الزوجة الثانية وإباحة المسلمة ليهودي وعدم تعظيم شعيرة الصلاة لأن فيها ضياع الوقت وعدم صوم رمضان لأن فيه هلاك النفس بالجوع والعطش والحفاظ على نفس الإنسان هو أهم حقوق الإنسان (صحيفة السودان الحديث، 22 فبراير 1994) .
    ومن ناحية رسمية، طلب السودان من منظمات الأمم المتحدة حذف الفقرات المسيئة للدين الإسلامي ومعتقداته من تقرير بيرو وإلا فإن السودان سيرفض التقرير برمته ويراجع موقفه السابق في التعاون مع أجهزة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان لما بدر من هذه الأجهزة من استهتار بالمعتقدات الدينية وعدم احترام حق الشعب في الاختيار. جاء هذا في رسالة وجهها د. حسين أبو صالح وزير الخارجية لتلك الجهات (صحيفة الإنقاذ الوطني، 20 فبراير 1994) .
    تعديلات وتراجعات
    لم يتغير الموقف العالمي من حقوق الإنسان تجاه ممارسات نظام المشروع الحضاري السوداني ولكن النظام خلال الفترة الممتدة من الانقلاب عام 1989 حتى عام 1998 أجرى كثيراً من التعديلات والتراجعات جعلته أكثر قرباً من المفاهيم العالمية السائدة عن حقوق الإنسان وليس العكس. أي لم يقدم المشروع الحضاري مفاهيم إسلامية حديثة في حقوق الإنسان والديمقراطية والدستور تغري بقية العالم غير الإسلامي بتبنيها.
    أكد د. أحمد المفتي مقرر المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ومدير إدارة حقوق الإنسان والقانون الإنساني بوزارة العدل قبل دورة 1999 بجنيف لمناقشة أوضاع حقوق الإنسان في السودان: ـ «أن الملف السوداني حول حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لم يحدث فيه أي تغيير، وأعلن أن الدورة المقبلة ستناقش لأول مرة هذا الملف بعد إجازة وسريان التطورات الدستورية الأخيرة بالسودان، حيث اعتبر هذه التطورات المحور الأساسي الذي يرتكز عليه النقاش في الدورة المقبلة.

    وأوضح المفتي أن كل المبررات لاتهام السودان زالت بنفاذ التطورات الدستورية على الرغم ما وجدته من تعتيم عالمي، ولفت للأنظار إلى موضوعات أخرى كإثارة قضية الرق. وقال المفتي أن الاتهامات في السابق كانت مسببة ببطء التحولات الديمقراطية، لكن الممارسة الحقيقية للدستور في المستقبل القريب ستكون بواقع الحال رداً قوياً على تلك الاتهامات.
    وأوضح المفتي أن الدولة التزمت بتغيير عدد من القوانين للتماشي مع الدستور، مضيفاً أن الدستور نفسه يمنع معالجتها بمراسيم مؤقتة، وقال أن القوانين المقيدة للحريات تم إلغاؤها مثل المراسيم الدستورية السابقة» (صحيفة المستقلة 8 مارس 1999) . وفي حوار مع صحيفة «الرأي العام» نكتشف كيف وضع النظام السوداني نفسه تحت حكم قيم الغرب كما يسميها وحاول على قدر الإمكان أن «يرضي اليهود والنصارى»:
    «يرى بعض المراقبين أن تحريك قضايا المعتقلين السياسيين في الآونة الأخيرة وإظهاره للرأي العام فجأة بأرقام كبيرة هي محاولة لتجميل الوجه من قبل الحكومة خاصة وأن هذا الإعلان والتوصيات ظهرت للسطح بصورة دراماتيكية في سياق زيارة المقرر الخاص لحقوق الإنسان إلى السودان والمعلن عنها كما ذكرتم الشهر المقبل حتى تكون ساعة زيارته المعتقلات فارغة والوجه حسن وحقوق الإنسان كما يقول بذلك المراقبون تبدو مصانة؟
    ـ يا أخي أصلاً توجد هناك برامج للحكومة في مجالات حقوق الإنسان، وهذه البرامج المتعلقة بمعالجات قضايا حقوق الإنسان تركزت على جبهتين التطور الذي حدث نحو الشرعية الدستورية، والسلام وأعلنت الحكومة عن هذه البرامج والخطوات وهي الآن تسير وفق البرنامج. . ويمكنني القول هنا أن كافة معالجات حقوق الإنسان تسير.
    وفقاً لهذه البرامج الموضوعة وليس لها أية علاقة بما تقوله، لقد بدأت هذه البرامج بمراحل منذ حل مجلس قيادة الثورة وتعيين مجلس وطني انتقالي فالمجلس الوطني الحالي المنتخب، إجازة الدستور، التوالي السياسي، لقد كانت هذه البرامج برامج كاملة لصيانة حقوق الإنسان التي تعني التحول نحو الديمقراطية .
    ولم تكن لها أية علاقة بالأمم المتحدة «هذا برنامج معلن من زمان»، عندما كنا نطرح للأمم المتحدة هذه البرامج منذ بداية التسعينيات ونقول لهم أن الحكومة ماضية نحو كذا وكذا وهي تفعل الآن كذا، كانوا لا يصدقوننا، كانوا يقولون لن نصدق حتى نرى ما تقولون، هذا برنامج قائم بذاته والحكومة. . قامت بطرحه منذ أول يوم قدمت فيه (أجراه كمال الصادق بتاريخ 4 يناير 1999).
    وفي الوقت نفسه قدم النظام قانون الأمن الجديد وقد أثار ـ لأول مرة ـ نقاشاً داخل المجلس الوطني وهذه تأثيرات الضغوط الخارجية والمعارضة.
    «انتقد نواب المجلس الوطني في جلسته برئاسة اليسون منايا مقايا نائب رئيس المجلس مشروع قانون الأمن لسنة 1999 والذي تم عرضه وإجازته من قبل المجلس بعد جدل واسع ووصف خلاله القانون بأنه ضعيف ولم يأخذ حظه من المداولات بمرحلة العرض الأولى مشيرين إلى أن مشروع القانون يكشف حماية قوات الأمن من دون حماية الفرد قائلين إن تلك القوات يجب أن تجيء لتهيئة الحريات وليس تكميمها.
    وقال العضو إبراهيم يوسف ضاوي إن القانون جاء متأخراً وكان يتوقع أن يأتي بعد إجازة الدستور مباشرة منتقداً الممارسة فيه ووصفها بأنها خاطئة ومطالباً بدراسته دراسة وافية فيما قال العضو عباس ناصر إن جوهر القانون هو حماية حرية الإنسان لكن القانون كرس أجهزة الأمن لتكميم أفواه المواطنين حسب ما ورد بالقانون على حد قوله. .
    وقارن العضو الخير الفهيم بين قانون الأمن في العهد المايوي ومشروع القانون الجديد قائلاً إنه من الأخطاء الكبيرة التي ارتكبت هو حل جهاز أمن مايو بخبراته وتجاربه الإفريقية حيث كان يضمن قدراً من الحريات والحقوق التي تضمن كرامة الإنسان ويشكل رداً على المؤسسات الدولية التي تشكك في أمن السودان مؤكداً على ضرورة أن يأتي قانون 99 قوياً غير أن فتحي خليل عضو المجلس الوطني قال إن قانون الأمن مهم وخطير .

    ويأتي في إطار تنزيل السلطات وقال إن الجدل في القانون يكمن في التدابير التي يجب أن تتخذها قوات الأمن مطالباً بالحفاظ على أمن الدولة وعلى حريات الفرد مع وجود ضوابط للاعتقال وتوجيه اتهام محدد للمعتقلين وأن تكون هناك رقابة قانونية على أفراد الأمن مؤكداً أن إجازة القانون تحتاج إلى تأن وأبان العقيد يونس محمود أن القانون فيه موازنة ما بين حماية أمن البلاد .
    وحماية الأفراد مشدداً على ضرورة أن يبعد الأفراد عما يزج به لاختراق القانون غير أن أحمد إبراهيم الطاهر قال إن دور قوات الأمن أكبر مما يظنه البعض مشيراً إلى الاختراقات التي حدثت بعد حل جهاز الأمن الخارجي بعد مايو وأصبح السودان مستباحاً إلا أن بناء جهاز أمن قوي أصبح ضرورة ليس لحماية شخص أو حزب.
    وإنما لحماية البلاد وأبان أن الاعتقال يعتبر سلطة صغيرة وليس السلطة الجوهرية فليس المقصود اعتقال الأفراد وإيذائهم بقدر ما المقصود هن حماية الكيان السوداني والمجتمع مؤكداً أن القانون يجييء استجابة لدواعي الدستور مطالباً بأن يعامل مخترقه بالإنسانية ويكافح نشاطه التخريبي بالقانون وطالب سراج الدين حامد بتحديد الاختصاصات في القانون بحيث لا تمس حرية الإنسان (صحيفة الرأي الآخر 29 يونيو 1999) .
    كان التاريخ أقوى من المغالطات والدجل وتزييف الوعي، فقد وجد النظام نفسه يتعامل مع تلك المنظمات ويراجع سياساته وليس العكس وأصبح السودان حريصاً على نتائج تصويت لجنة حقوق الإنسان في جنيف وهي التي وصفها ووصف مقررها بكل تلك الصفات السابقة. وهلل نظام المشروع الحضاري لقرار اللجنة بإسقاط المشروع القاضي بإدانة السودان.
    وجاء في الأخبار: «وجه السيد الرئيس الأجهزة المختصة بالتنسيق لتطوير خطة الحكومة لتعزيز حالة حقوق الإنسان في البلاد انطلاقاً من قيم الدين وقيم أهل السودان» ويصرح علي محمد عثمان ياسين وزير العدل:

    ـ «إن الحكومة لم تتخذ أي قرار في تاريخها الحديث (هكذا) يؤكد انتهاكات حقوق الإنسان» وأضاف: «إن حرص السودان على هذا الملف جزء أصيل من إرثه الحضاري وعادات السودان وتسامحهم وأن بلاده لن تدخل مثل هذه الورطة مرة أخرى وستعمل على الاستفادة من الدرس». ويقول ممثل الحكومة في جنيف ياسر سيد احمد أن هذا القرار سيلقي العبء على الحكومة ويحفزها على ترقية حقوق الإنسان (صحيفة الرأي العام، 17 إبريل 2003) .
    الحياة غالية يا صاحبي
    الأهم من كل هذا أن مجموعة الترابي أو أعضاء المؤتمر الشعبي لجأوا إلى هذه المنظمات «المغرضة» مثل منظمة العفو الدولية شاكين من سوء معاملة النظام الحاكم وانتهاكه لحقوقهم الأساسية. وصار المحبوب عبد السلام الناطق الرسمي باسم الترابي والمؤتمر الشعبي يستنجد عقب كل اعتقال لأي عنصر من هذه المجموعة، بمنظمة العفو ولجان حقوق الإنسان الأوروبية.
    ومن فضل الدنيا علينا أن نعيش ونرى الترابي وقد هزمه الجنرال الزمن لكي يتحول إلى داعية ومنظر لحقوق الإنسان ويسعى لتأصيلها، نقرأ في كتابه الأخير: «فحكم السلطان حقاً لا يؤسس على أقدار نازلة على الرعية كأقدار الطبيعة، بل على تعاقدهم الحر على أن يختار ويرشد ويطاع.
    وهو يستقر بقوتهم المطاوعة تثبيتاً وتأييداً (..) فلذلك، من تولى بين الناس السلطان، يحفظ ميزان تلك الوحدة المباركة ونظامها، فيبسط لهم وحداناً وجماعات الحقوق والرخص ليتمتعوا بحرياتهم، ويحمي لهم حرماتهم وحصاناتهم لئلا يعتدى عليها وتداس، ويلقي عليهم موجهات مرسومة خيرة وفضلاً، لا إمرة وجبراً، أن ينشطوا بما يليهم من حريات لتحيا فيستمد هو منها حياة وبركة». (ص، 141، 2004).

    ويتساءل أحد حوارييه السابقين: محمد طه محمد أحمد، شامتاً: ـ «ثم إذا كانت الحياة غالية وعزيزة فمن المفيد أن يتذكر الترابي أنه حين كان يحكم فقد قبض على اللواء عثمان إدريس بلول قبل شهر كامل من حركة رمضان العسكرية ووضعه في السجن ولما حدثت الحركة وفشلت، أخرج عثمان بلول من السجن وأُعدم مع أنه ليس شريكاً في الانقلاب وتحولت زوجة اللواء إلى أرملة وأطفاله إلى أيتام» (محمد طه محمد أحمد، رداً على بيان أسرة الترابي الذي تقول فيه أن السلطة تريد اغتيال الترابي، الوفاق 14 يونيو 2004).
    يظل موضوع انتهاكات حقوق الإنسان أي التعذيب بالإضافة للفساد، مقتل وعار الحركة الإسلاموية، وقد ارتبك من هم أكثر ليبرالية وانفتاحاً في تبرير هذا الموقف، ولكن الجميع مدانون فالصمت وعدم الإدانة والنقد الذاتي الواضح. ففي احدى المقابلات صرح د. الطيب زين العابدين بأن النظام مازال يحدد الحريات وعسكرياً شمولياً.
    ويحتار كيف يتعامل مع هذه الحقيقة، يقول: «أنا من أبناء المشروع الإسلامي وانتقادي له من هذا الباب، لأنني لا أريد له أن يفشل أو يشوه ونقدي من هذا المنطلق وليس من منطلق المعارضة السياسية وإن ظهر اتفاق معهم في بعض وجهات النظر ثم أن مشاركتي أكاديمية. ولا يمكن أن تعقد لساني عن النصح والتقييم» (صحيفة ألوان 6 ديسمبر 1997) فهو لا يستطيع أن يذهب في نقده لنهاياته ففي هذه الحالة يحدث التشويه للمشروع كما أن المعارضة قد تستفيد من هذا النقد بقوة، حسب شعار شهد شاهد من أهلها. لذلك لا يمكن أن يبادر بطلب لفتح ملف التعذيب لكي تبرئ الحركة ذمتها علناً وصراحة ورغم ذلك نحترم الاعتراف بذنب الحركة.
    يرى د. عبد الوهاب الأفندي أن نظام الإنقاذ أعطى أولوية كبيرة لبناء أجهزة فاعلة لأسباب يعددها كما يلي: «ان البلاد كانت ومازالت تعيش حالة حرب أهلية، لذلك أمر طبيعي أي نظام انقلابي ثوري ـ حسب رأيه ـ يريد إجراء تغييرات سياسية واجتماعية أساسية في البلاد، فالظروف تحتم الاعتماد على أجهزة ضاربة قوية للتغلب على المقاومة المحتملة لهذه التغييرات» (ص، 43، 1995).
    «وأصبحت الأجهزة الأمنية تلعب الدور الأكبر ليس فقط على صعيد تأمين الحكم، بل أيضاً على صعيد التنسيق السياسي وكانت النتيجة أن أجهزة الأمن الجديدة استوعبت أعداداً كبيرة من الإسلاميين ـ وفق قوله ـ في صفوفها وهي لم تختلف كثيراً في هذا عن باقي الأجهزة والمؤسسات الحكومية ولكن الاختلاف كان في النوعية التي تم اختيارها وطبيعة المهام التي أوكلت لها. فقد كان لدى جهاز الأمن موارد أكبر نسبياً من باقي المؤسسات، كما أن روح المغامرة فيه والنفوذ المتزايد استهوى كثيراً من الشباب المتحمس (ص، 46 ـ 47، 1995) .
    نحن أمام دولة أمن ومخابرات وتجسس أو هي حسب وصف النميري بأن للشريعة قانون طوارئ، يقول: «بأن نبي الإسلام أول من أعلن حالة الطوارئ في الإسلام تطبيقاً لنصوص القرآن الكريم الداعية إلى الحذر والاستعداد». وحين فتح مكة لم يغفل الحذر وهو صاحب الوحي، لذلك أعلن منادياً من دخل بيته وأغلقه عليه فهو آمن ومن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن.
    وهذا الإعلان باللغة العسكرية والمفهوم العسكري الحديث ليس إعلاناً فقط لحالة الطوارئ بل أمر بحظر التجول (صحيفة الأيام 13 يوليو 1984، أوردها د. منصور خالد، الفجر الكاذب ص 84) . ويقول: إن الإسلام رغم كل المحاذير والتحفظات «له طوارئ، ندخل البيوت، نضبط، نفتش، من يشرب في الخفاء، من يزني، كل بيت سنفتشه وندخله، الإسلام أمرنا بذلك». (الصحافة، 25 مايو 1984) .
    الاستراتيجية والثمن
    كان النميري أكثر صدقاً ووضوحاً في تقديم قوانينه الشرعية رغم كل التدريب الذي كان يقوم به «الإسلاميون» لتوجيه الإمام المجدد. بينما منظرو المشروع الحضاري حاولوا في تقعر وافتعال تفسير حكم الإنقاذ القمعي، فهم فرحون بالسلطة وخائفون أيضاً، لذلك لم تكن الوسائل مهمة. ويكتب الأفندي تفسيراً يصعب فهمه رغم بلاغة الكاتب .

    وقدراته اللغوية، فهو يرى «أن هذه الاستراتيجية كان لها ثمنها ولكن هذا الوضع أملته ضرورة كان أهمها ـ حسب رأيه ـ السعي لتجنب الإفراط الثوري! فيكتب حرفياً: منطق التحول الثوري، كما عبر عنه جاكوب بيركهارد وآخرون يحتم أن تتحول الثورة من تطرف إلى تطرف أكثر إلى أن تنهار في النهاية وتتحول إلى حكم استبدادي يجهد لإزالة الخراب الذي خلفته الفوضى الثورية.
    الحل الذي تم تبنيه في السودان حذف هذه المرحلة، ولكن هذا لم يمنع أن العناصر الثورية المائلة إلى التطرف قد عبرت عن وجودها ونفوذها في الأجهزة التي كان من المفروض فيها النجاح في كبح جماح التطرف الثوري. وإذا كان السودان جنب مشاهد العنف ونصب المشانق في الطرقات فإن هذا لم يمنع بعض العناصر من معاملة الخصوم بأساليب هي المقابل السلمي للعنف الثوري ( ص 47، 1995) هل نفهم من كل الكلام الفخم وجود انتهاكات لحقوق الإنسان السوداني يقوم بها نظام سوداني؟ وهل يدين المؤلف الانتهاكات أم يخشى فقط على غلبة الأجهزة الأمنية على التنظيم السياسي؟
    كان تأييد وتثبيت النظام الجديد يعمي «الإسلامويين» عن رؤية الجرائم والخطايا التي يعتبرها الآن «عبئاً» على النظام ولكن في أثناء تلك النشوة لم تكن حقوق الإنسان تمثل أي شيء أكثر من مناوشات غربية تعطل المسيرة الإسلامية. ونلاحظ أن (الأفندي) الملحق الإعلامي في سفارة السودان في لندن عندما زارها الترابي، كان يقلل من أهمية التطرق لموضوع حقوق الإنسان في السودان باعتباره موضوعاً محلياً وثانوياً بينما الترابي جاء ليحاور الغرب حول قضايا كبرى مثل الصحوة الإسلامية وعلاقتها بالغرب.
    تورد تغطية صحفية لزيارة الترابي: «بيد أن حقوق الإنسان وهموم المعارضة لم تكن واردة أصلاً في حسابات الترابي، فقد كانت مهمته أكبر من ذلك حسبما يقول الدكتور عبد الوهاب الأفندي مؤلف كتاب (ثورة الترابي) جاء الترابي في مهمة تتعلق بقضايا استراتيجية ومستقبلية لابد من التعاطي فيها مع الغرب، إذ ان هناك حركة صحوة إسلامية لديها ديناميات محددة.

    وهي مهمة أكبر من السودان والأوضاع الخاصة». (صحيفة الحياة 19 مايو 1992) وكان الدكتور الأفندي يظن انه سوف يخلب العقول الغربية بكلامه المعسول ولغته المتأنقة عن صحوة إسلامية توجد على سطح القمر، ولكن كان سؤال حقوق الإنسان في السودان هو سؤال الغرب الحقيقي حيثما حل الترابي ولم يسأل عن الرؤى الفلسفية التأصيلية للصحوة الإسلامية.
    سوء الظن يسري
    يقدم الترابي نقداً مخففاً بعد الانشقاق ويؤخذ على «الإسلامويين» أنهم تعرضوا لملاحقات ومراقبات وتشريدات وسجون وصنوف أذى في الإعلام. فما عجب لما استوى لهم الأمر منقلباً وتمكنوا من القوة بثورة الإنقاذ أن يأخذوها حاملين رواسب الثارات المستفزة فيقابلوا الآخرين جميعاً بروح المقاصة والمجازاة بالمثل، سيما أن الدفاع عن الأرض والولاية التي استخلفوا عليها دعتهم إلى الجهاد والاستشهاد .
    وذلك لغير المتفقه التقيّ يهيج روح الثورة الغاضبة تصويباً على الأعداء لإهلاكهم والقضاء عليهم انتقاماً أو كبت معارضة بما يكاد ينسى مقاصد الجهاد ووصايا القرآن للمتقين الصابرين بكظم الغيظ والعفو والسماحة وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم بإطلاق العدو المغلوب والمعارضين المؤذين، وثمة هدى الحكمة بأن التعايش والتدافع سلماً بين الحق والباطل مهما شق الصبر إنما هو منبت الصلاح.
    فالرأي إذا لم يقابله بالجدال الحر رأي معارض يستفزه فيفجر فيه ما يغذيه ويثريه إنما يخمل ويفقر، والقوة مغالبة أو محاربة إذا لم تقابلها قوة تهيجها تفتر وتنتهي، بل ان الفطرة المنطوية على بعض شر المستعدة لأن تقذفه في وجه من يصارع إنما تلهم أصحابها إن لم يجدوا عدواً أن يتخذ بعضهم بعضاً عدواً لأوهى أسباب الخلاف.

    فالذين احتكروا السلطة من أبناء الإسلام انصرفوا عمن قد ينتقدهم أو يباريهم فيضطرهم لتجويد أدائهم وتخريج حيثيات سياسية وثمراتها حقاً وخيراً على الناس أصبحوا يسيئون ولا يخاطبون أو يبالون بأحد، فسرى بين الناس سوء الظن بهم وتضاءل الرضا بما يفعلون، وأجهزة تأمين سلطتهم غدت تظلم وتستبد حتى إذا حسبت أنها قضت على الأعداء انقلبت على الأقربين لتصوب عليهم شرها البالغ. والذين احتكروا مؤسسات المال العام محصنةً لا ينافسها أحد كان يثاقل جهدهم ويخفق كسبهم (وثيقة حركة الإسلام).
    من يقرأ هذا الحديث الذي كتبه الترابي لتقييم الحركة بعد اثني عشر عاماً، يدرك تماماً أن الترابي لا يدافع عن حقوق الإنسان ولكنه يتألم لأن السلاح الذي استخدمه قد ارتد إليه وقد قال ذلك صريحاً. فالحقد الذي ظن أنه سيوجه نحو «المصارعين الأعداء» قد تقذفه تلك العناصر إلى إخوانهم «إن لم يجدوا عدواً ان يتخذ بعضهم بعضاً عدواً لأوهى أسباب الخلاف».
                  

العنوان الكاتب Date
سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-21-04, 09:51 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-21-04, 10:55 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-21-04, 11:30 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-22-04, 01:20 AM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-23-04, 02:56 AM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم Hani Abuelgasim10-20-04, 05:10 AM
    Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم AnwarKing10-21-04, 12:41 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:41 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:43 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:45 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:46 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:47 PM
    Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم بكرى ابوبكر08-04-10, 06:29 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم Agab Alfaya10-22-04, 05:27 AM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم Khatim10-24-04, 00:06 AM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم Elbagir Osman10-24-04, 11:21 AM
    Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم AnwarKing08-07-10, 00:44 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de