سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-30-2024, 08:23 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة انتهاكات شرطة النظام العام السودانية
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-21-2004, 02:45 PM

tariq
<atariq
تاريخ التسجيل: 05-18-2002
مجموع المشاركات: 1520

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم (Re: tariq)


    سقوط المشروع الحضاري في السودان ـ الحلقة السابعة
    اتجاهان في التعامل مع مفهوم غامض، «الجبهة» تهدر إمكانية تقديم نموذج لتوافق الإسلام والديمقراطية
    تأليف :د. حيدر ابراهيم
    أعود إلى تأكيد أن الحركة الإسلامية / «الإسلاموية» لا تتوافق مع فكرة الديمقراطية والتعددية خشية الاختلاف والفتنة ويدافع الترابي عن مفهوم التوالي ويفسره بالحرية والتعدد شرط التوحد ونبذ التفرق، وأن وثيقة الدستور نابعة من الدين والعرف وحولت التباين السوداني إلى توحد.
    ويرى في الفترة الحالية أن المشكلة ليست من يحكم بل هي قضية توجه نحو مجتمع حضاري، ويرى أن المؤتمر الوطني يهدف لجمع كل الطاقات والتجارب السابقة حتى يوجد إطاراً واسعاً.
    وقال: «ان العالم كله يستقبح الحزبية والعصبية» وأنه شخصياً يستقبح وجه الحزبية والعصبية القديمة ولا يريد وجهاً آخر يستقبحه وأنه لا يمكن الخروج من الدين من أجل الوفاق. (في برنامج تلفزيوني رصد صحيفة الشرق الأوسط 5 إبريل 199.
    وغريب هذا الاستقباح فالحزب حسب أحد التعريفات هو: «ممارسة سياسية أي تحرير الإمكانيات الشعبية من قيودها كي تمارس حضورها الفاعل في الشأن اليومي الذي هو شرط الفعل السياسي من حيث هو فعل وطني جماعي».
    «الإسلامويون» يرفضون أو يتعالون على الديمقراطية باعتبار شمولية وكمال النظام الإسلامي، المصطلح المفضل لدى الكثيرين منهم فهو أكبر من مفهوم الدولة وقد يشمل المجتمع كله على أن يكون موحداً تماماً. ففي سؤال وجيه لغازي صلاح الدين، يقول: «مشكلة كثير من الحركات الإسلامية أنها حين ترفع شعارات تطبيق الشريعة الإسلامية والإسلام هو الحل تتوهم مباشرة أنها الوصية على الدين كله فتتخلى عن المبادئ الديمقراطية كيف تنظرون لهذه المسألة من واقع تجربة عشر سنوات لحكم الإنقاذ في السودان؟» كان رد غازي:
    «نحن نؤمن بالإسلام ابتداءً لأن الديمقراطية والتجارب الإنسانية الأخرى في إدارة الحكم مسائل لاحقة والمؤمن مكلف أن يعتقد الاعتقاد الصحيح ويعمل للدنيا والآخرة» (صحيفة المستقلة اللندنية 31 مايو 1999) وفي سؤال عن ديمقراطية الدستور، أجاب: «كلمة ديمقراطية كلمة فضفاضة جداً وتحتاج إلى تعريف وأحتاج إلى القول هنا أنه ليست كل ديمقراطية إسلام وليس كل إسلام ديمقراطية».
    هدر الامكانية
    كانت تجربة «الإسلامويين» في حكم السودان فرصة لتقديم نموذج واقعي لعدم تناقض الإسلام والديمقراطية. فقد كان بعض المفكرين المسلمين يحاولون إبراز ديمقراطية (وليس شورى) الإسلام مقابل ديمقراطية. فهناك كتاب مثل العقاد ومالك بن نبي وغيرهما عقدوا هذه المقارنة. وكان هناك اتجاهان في التعامل مع مفهوم الديمقراطية.
    الأول يراها فلسفة ورؤية للكون، فهي ليست مجرد آليات لطرق الحكم إنما مشروع غربي مارس القهر والذل على المسلمين ويعكس خطابه الإعلامي على الأقل عداء ظاهراً. لذلك يقول أبو الأعلى المودودي أن الديمقراطية ليست من الإسلام في شيء فلا يصح إطلاق كلمة الديمقراطية على نظام الدولة الإسلامية. ويرى أن مصطلح الحكومة الإلهية أو الثيوقراطية الأصدق في التعبير عن النظام الإسلامي ولكنها تختلف عن الثيوقراطية الأوروبية.
    كما يرى آخرون أنها تعطي الفرد الحرية المطلقة وتساوي بين الإيمان والألحاد. أما الاتجاه الثاني فيرى أنها مصطلح حيادي وقابل للتبني بدون أن يكون هناك خطر على الهوية الخاصة. وأن الديمقراطية ليست عقيدة ولا تتضمن موقفاً عقائدياً أو فكرياً بذاتها مثل الماركسية ولا تتضمن موقفاً رافضاً للعقيدة كالليبرالية مثلاً. إنها صيغة لتحويل الحرية إلى نظام حياة. (محمد حسن الأمين مجلة العالم السنة 19 العدد 417 فبراير 1992).
    يؤكد مشروع حكومة الجبهة الإسلامية من البداية على ضرورة قضية الدولة المتكاملة ويحاول المشروع تفكيك لا شرعنة الدولة الليبرالية وأن تحل محلها جماعة إسلامية أو المجتمع حسب فهمهم. وقد صرح الترابي بقوله: «أن المجتمع هو المؤسسة الأولية في الإسلام وليس الدولة» (المائدة المستديرة في 10 مايو 1992 في تامبا، مركز دراسات الإسلام والعالم) وهذا ما يسميه الترابي حياة التوحيد وهي ليست مجرد التوحيد الديني بل غياب الاختلاف في كل مناحي الحياة والوجود وبالتأكيد السياسة على قمة ذلك، يقول:
    «لا ينبغي للمجتمع أن يعمل على نهج والأسرة على نهج آخر والدولة على نهج ثالث. سيتصادمون ويتناسخون فيتساقطون جميعاً وما تغذيك به بيئة المنزل يسلبه منك إعلام الدولة وما تغذيك به الدولة يعاكسك فيه أثر المجتمع. لابد من قيام مجتمع التوحيد الذي لا يعرف فرقاً بين تربية أسرية وتربية قانونية ولا بين تربية اجتماعية وتربية رسمية بل يسخر وسائل التأثير التي تحيط بالمرء من أي الجهات كانت حتى تسير متحدة فتذكر الناس بحياة واحدة هي حياة التوحيد» (الترابي. مشكلات تطبيق الشريعة الإسلامية ص 11).
    ويرى الترابي «أن المجتمع الإسلامي الأمثل هو الذي يحصر وظائف السلطة فيما لا يتم إلا بالسلطة فقط ويوسع وظائف المجتمع بكل ما يمكن، لأن ذلك يعني أن غالب الحياة يديرها المجتمع بغاية دينية خالصة لا تشوبها شائبة باعث وضعي أو أرضي» (ص، 10 ، 1992) .
    ويؤكد أحد منظري المشروع الحضاري فكرة تفكيك الدولة وإذابتها في المجتمع وهو في حالة الإنقاذ التنظيم الحاكم لأن بقية المجتمع لا تشارك في السلطة. لأن السلطة لا تنبثق من المجتمع بل تنزل الدولة وكأن المطلوب من المجتمع أن يصبح شركة مساهمة توزع أسهم السلطة أو جهاز الدولة على أعضاء التنظيم، يقول:

    «غير أن خط الحركة الإسلامية الحديثة المتمثل في تفكيك دولة ما بعد الاستقلال العلمانية وإعادة ربطها بمنظومة المفهومات والقيم الإسلامية لم يتغير أبداً. صحيح أن مثل هذه المحاولة التأصيلية الكبرى لن تمر بسهولة، فسوف تنشط القيادة الطائفية لتحافظ على الوضع الراهن. كما سينشط حلفاؤها في الداخل والخارج لإحكام المحاصرة وعرقلة أي خطوة في اتجاه إقامة الدولة الإسلامية في السودان، ألا أن العامل الحاسم سيكمن في قدرة الحركة الإسلامية السودانية على مقاومة الانشقاق الداخلي» ( ص، 35 ـ 54، 1992) وهذا ما عجزت عنه الحركة وبالتالي تحولت إلى صاحبة دولة استبدادية.
    ضبط المعادلة
    يقدم حازم صاغية تحليلاً دقيقاً لتطور الدولة لكي تكون استبدادية، يقول: «الدول ذات الأيديولوجيا التوحيدية كانت الأكثر توطيداً للسلطة، فإن مفارقتها الكبرى أنها هي نفسها الأكثر إساءة للدولة بفكرتها كما بواقعها. فهي، في سلطويتها الطائفية، جمعت أسوأ الاستبداد الشرقي إلى أسوأ الاستبداد الحديث.
    من الأول استمدت معادلة السياسة بالسلطة مضافاً إليها انعدام الرقابة على القرار، والاستزلام والتنفيع والمحسوبية. ومن الثاني اعتمد الحزب الواحد وتمت تقوية الجيش وتعزيز المخابرات، فضلاً عن توسيع القطاع العام الذي تمسك بخناق الحياة الاقتصادية للمجتمع بأسره» ( ص، 48، 1999).
    من أهم تناقضات «الإسلامويين» مع الديمقراطية الموقف من المجتمع المدني، تبتلع المجتمع لأنها تسيطر على كل مناحيه ابتداء من الملبس وحتى حق التصويت. أدرك الترابي هذه الإشكالية، لذلك اهتم بما أسماه:
    ضبط المعادلة بين المجتمع والدولة في بناء الحياة الإسلامية. يقول: «ما يحدث الآن في السودان هو ضبط المعادلة بين المجتمع والدولة في بناء الحياة الإسلامية.
    والقضية اليوم هي التوازن والتكامل بين الطرفين. فالمجتمع يجب أن يتمتع بحرية واسعة في المجالين السياسي والاقتصادي والدولة تقوم بضبط الشذوذ عبر القوانين والسياسات. وأشار الترابي إلى أن الدولة تعيد الآن إلى المجتمع الكثير من السلطات السياسية التي كانت تحتكرها فتفتح نظام المؤتمرات والمجالس وتعيد إلى المجتمع النظام الاقتصادي فتحوله من قطاع عام إلى قطاع خاص يتولى التنمية والتكامل» (القدس العربي 12 مارس 1992).
    من الواضح أن الترابي والإسلامويين عموماً يخلطون بين المجتمع والحركة الإسلاموية (الجبهة الإسلاموية القومية ثم المؤتمر الوطني) ويبررون ذلك بقولهم أن المجتمع السوداني مسلم بأكمله، فالإسلام الشعبي يدعو إلى عودة الحياة العامة إلى الدين ـ حسب رأيهم ـ وبالتالي أصبح الإسلام دين الراعي والرعية.
    ويكشف الواقع كيف يحتكر أنصار الحركات السلطات السياسية ويهيمنون على الاقتصاد من خلال عملية الخصخصة التفضيلية، وعلى الرغم من إبعاد وتهميش كل المعارضين والمخالفين عن مجالات إصدار القرار السياسي ومصادرة الثروة، إلا أنهم ـ أي «الإسلامويين» ـ يدلسون فكرة المجتمع والحزب الواحد.
    هذه الحقوق المهدرة
    في مواجهة صحفية ساخنة مع إبراهيم السنوسي، وهو من القيادات النافذة والمتشددة داخل الحركة الإسلاموية، ومن المقربين للترابي الذي كلفه بمهام حساسة فقد كان نائبه كأمين عام في المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، ثم صار الأمين العام وتقلد منصب والي شمال كردفان، ثم انشق مع الترابي وانضم للمؤتمر الشعبي، كان السنوسي صريحاً بعد أن تغيرت الأمور ووجد نفسه خارج السلطة.

    لذلك جاءت إجاباته عن التعذيب وبيوت الأشباح والممارسات غير الإنسانية، لتعترف وتبرر أفعال الحكام «الإسلامويين» بعد أحد عشر عاماً من الحكم وعلى الرغم من أنه كان يحاول التهرب من الإجابة عن الأسئلة الخاصة بالتعذيب ولكن الصحافية التي أجرت الحوار كانت حاذقة واستنطقته جيداً وأدخلته في مآزق أخلاقية كان يحاول تجنبها، ففي سؤال يقول:
    يرى البعض أن انتهاكات حقوق الإنسان التي تمت في عهدكم كانت سبباً في انهيار العلاقات مع دول الجوار والعالم الأوروبي ما رأيكم في ذلك؟ أجاب: «عجبت أن تكون انتهاكات حقوق الإنسان كانت سبباً لسوء العلاقات بين السودان والدول العربية وأميركا وهل كان السودان وحده محلاً لانتهاكات حقوق الإنسان والعالم العربي ليس محلاً لانتهاكات حقوق الإنسان؟» .
    بهذه الطريقة يحاول «الإسلاميون» تبرير الخطأ بخطأ آخر فهل تبرر تلك الانتهاكات أن يقوم أصحاب المشروع الحضاري بمجاراتهم وهم الآتون بمشروع رباني وأخلاقي، ويؤكد دائماً تمايزهم واختلافهم ولكن في هذه الحالات الحرجة يساوون أنفسهم مع الآخرين العاديين. ويرى السنوسي أن انتهاكاتهم مختلفة في أسبابها وأشكالها، يقول:
    «أما ما حدث في الإنقاذ فإن (الإنقاذ) جاءت عبر بوابة العسكرية وفي ظروف استثنائية قلتها من قبل ذلك حيث كان السودان مهدداً في وحدته وفي معتقداته وكان لابد من تلك الإجراءات الاستثنائية من اعتقالات التي انتهكت فيها الإنقاذ حقوق الإنسان وهذا أمر لا نوافق عليه ولا نقره. وهذا ليس خوفاً الآن من أي جهة تحاسبنا ولكن خوفاً من الله سبحانه وتعالى ولو حدثت تلك الممارسات ندينها ولا ندافع عنها. » مسألة الأوضاع الاستثنائية والمهددات لا تبرر بأي حال تعذيب المعارضين لأن التهديد في هذه الحالة يكون للنظام الحاكم .
    وليس للدولة والوطن. وفي سؤال آخر يجيب بضيق واضح: «وأنا لست من المنكرين بأنني واحد من قيادات الإنقاذ وكل الذي حدث من انتهاكات لحقوق الإنسان كان باجتهادات وكنا نرى فيه مصلحة للإسلام وللسودان حين أقدمنا على استلام الحكم وإن كان فيه خطأ فليغفر لنا الله سبحانه وتعالى وإن كان فيه صواب فان الله يجزينا عليه ثواباً وهذا شيء طبيعي!» (حاورته عفاف أبو كشوة، الصحافة 9 سبتمبر 2000) لا أدرى هل يتوقع الثواب على بيوت الأشباح والتعذيب حتى وإن كانت من أجل الإسلام والسودان؟
    كرر حسن الترابي المنطق المعوج والمتهرب نفسه عند تطرقه لانتهاكات «الإسلامويين» لحقوق الإنسان، بالذات أثناء رحلته إلى بريطانيا والولايات المتحدة في مايو 1992. فقد تمت مواجهة الترابي في لندن وواشنطن بحالات محددة. ففي مطلع رحلته، وأثناء محاضرة عامة فاجأه محام شاب بترت ساقه بعد تعذيب في بيوت الأشباح، فقد وقف المحامي عبد الباقي عبد الحفيظ الريح في قلب القاعة ملوحاً بساقه الاصطناعية .
    وقال بأن الأطباء في بريطانيا صنعوها له بعد أن اضطروا إلى بتر ساقه نتيجة التعذيب الذي تعرض له في مقر تابع لجهاز الأمن. لم يحاول الترابي أن يعد بالتحقيق في الحادثة وهو القانوني الشهير في اللحظة، وتجاهل الموقف ولكن في إجابة لاحقة على سؤال يقول: أثناء محاضرة لك في لندن في 27 إبريل الماضي أثبت محام سوداني أن ساقه بترت بعد التعذيب في مراكز الأمن السوداني؟
    رد الترابي: «لم يثبت المحامي شيئاً. ولأنه فقد ساقه لم أشأ أن أجادله في حقيقة قطع ساقه. فأنا أعلم أنه قد بترت ساقه لأسباب صحية لأنه أصيب بالسرطان، وبعد ذلك حاولت المعارضة أن تستعمل هذه المأساة الإنسانية الصحية لأغراض سياسية. فلم يثبت المحامي شيئاً» (صحيفة الحياة 14 مايو 1992).
    يقتضي الموقف الأخلاقي والديني والقانوني أنه طالما لم يثبت المحامي شيئاً، أن يثبت الترابي شيئاً آخر مخالفاً من خلال فتح التحقيق ثم إصدار بيان بنتائج هذا التحقيق. ولكن الترابي ورفاقه من «الإسلامويين» دأبوا على الاستخفاف بالشعب السوداني. إذ خلال هذه الرحلة نفى باستمرار أن ممارسات «الإسلامويين» هي انتهاك لحقوق الإنسان في السودان وفي مايو 1992 ألقى محاضرة مع نقاش مائدة مستديرة (10 مايو في منظمة دراسات الإسلام والغرب ).

    وفي سؤال عن التعذيب والذي وصلت أصداؤه كل العالم ونشطت منظمات حقوق الإنسان. تعامل الترابي باستخفاف ولم يكلف نفسه كقانوني بالرد أنه ـ مثلاً ـ سيطالب بالتحقيق حين يعود، بل قال : السودانيون حساسون لكرامتهم فقد يسمون الكلمات الخشنة أو الإضاءة الشديدة أو التحقيق في منتصف الليل «تعذيباً».
    وطالما الترابي يعرف حساسية السودانيين فلماذا يعرضهم نظامه لهذه التجارب المهينة؟ ولماذا اعتقل أصلاً وهل تم الاعتقال بطريقة قانونية؟ وفي مجلس النواب الأميركي أمام اللجنة الإفريقية التابعة للجنة العلاقات الخارجية خلال دفاعه عن سجل النظام في حقوق الإنسان رفض المقارنة بين اعتقال 20 إلى 30 شخصاً في السودان (حسب قوله) وبين دول أخرى تعتقل أكثر من 50 ألف شخص.
    وكرر القول ان سجل السودان ليس الأسوأ في المنطقة، لذلك اعتبر إغلاق الجامعات مسألة عادية في كل العالم. وعن الهجرة الجماعية للسودانيين، يقول: «ان الناس يخرجون من السودان في كل العهود وهذا أمر يحدث في كل الدول» ولا يهم الأسباب والأعداد عند الترابي في هذه الحالة وهو الذي قبل رفض المقارنة بين أعداد المعتقلين في السودان وفي البلدان الأخرى. وكان الأجدر به أن يهتم بالمبدأ وليس الكمية لأن اضطهاد وتعذيب مواطن واحد هو خرق لقاعدة أخلاقية وإنسانية.
    سؤال وجيه
    في مقابلة صحافية مع الرئيس عمر البشير خلال الأيام الأولى، سئل: ماذا عن عملية تعذيب المعتقلين؟ أجاب: ان التعذيب المزعوم هو أيضاً من أكاذيب خصوم الثورة ومعظمهم من كانوا في المعتقلات هم الآن في الشارع ومن وجدت عليه آثار تعذيب فلماذا لا يظهرها للناس! (مجلة الملتقى 1- 15 مارس 1990 العدد الأول، ص 9). على الرغم أنها ليست هذه هي الطريقة القانونية للتحقق من صحة التهمة، فقد رأيت في ذلك الوقت آثار تعذيب على ظهور مواطنين من بينهم د. فاروق محمد إبراهيم.

    لم يتخذ «الإسلامويون» أصحاب المشروع الحضاري أي مبادرة تثبت التزامهم وفق تعاليم الدين أو أعراف السودان أنهم ضد التعذيب والاعتقال والفصل التعسفي، وحتى هذه اللحظة يتهرب «الإسلامويون» من هذا السجل المخزي. وفي محاولة ساذجة للتمويه دعت الحكومة لمؤتمر في 11- 13 يناير 1993 تحت عنوان:
    «حقوق الإنسان في الإسلام». ولكن نشكر الضغوط الخارجية وجهود التجمع الوطني المعارض التي فرضت بعض التراجع والخجل. وقبل سنوات دخلت حكومة الإنقاذ في معارك شرسة مع لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. فقد تحرك المجتمع الدولي بمنظماته الحكومية وغير الحكومية حين تنامت إليه أخبار ممارسات حكومة الإنقاذ والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان.
    لذلك قامت الأمم المتحدة عام 1993 بتعيين مقرر خاص لرصد وضعية حقوق الإنسان في السودان واختير المحامي المجري غاسبار بيرو لهذه المهمة وقدم تقريراً أولياً في أواخر العام. وفي هذه الأثناء قام عدد من الهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان بالنظر في شكاوى مقدمة ضد حكومة السودان من خلال آليات موضوعية معلومة في المجتمع الدولي.
    وقد أرسل مقرر الأمم المتحدة المعني بالتعذيب العديد من المناشدات العاجلة وخلص في تقريره أن التعذيب يمارس بصفة معتادة في السودان. كما ذكر مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحالات الإعدام خارج نطاق القانون والإعدام بلا محاكمة والإعدام التعسفي في تقريره الصادر في ديسمبر 1993 أنه يشعر بقلق بالغ بسبب نطاق انتهاكات حقوق الإنسان التي ترد أنباؤها من السودان. كذلك عبر الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي التابع للأمم المتحدة عن تدهور هذه الحقوق في قرار أصدره في العام نفسه.
    وجاء التقرير النهائي في فبراير 1994 معبراً عن موقف إدانة واضحة: «لاستمرار وقوع انتهاكات جسيمة وواسعة النطاق لحقوق الإنسان على أيدي موظفي الحكومة ووكلائها وكذلك استمرار الاعتداءات على حقوق الإنسان التي يقترفها أعضاء فصائل الجيش الشعبي لتحرير السودان في المناطق التي يسيطرون عليها» (دموع اليتامى لا مستقبل بدون حقوق الإنسان السوداني، لندن، منظمة العفو الدولية 1995، ص 108- 110) .
    وعلى الرغم أن المقرر حاول أن يكون موضوعياً وعادلاً ولم يسكت عن انتهاكات الحركة الشعبية إلا أن الحكومة السودانية رفضت التقرير بصورة قاطعة وقلبت الأمور بقدراتها الديماغوجية والإعلام المهرج وبادرت بمهاجمة الأمم المتحدة والغرب وحاولت أن تجعل منها معركة ضد الإسلام. وذكرت بأن هذا الموقف سببه استحداث الحكومة للقانون الجنائي لعام 1991 المستند على الشريعة حسب رؤية الإنقاذ.
    ثلاثة محاور
    ترى منظمة العفو الدولية أن هذا الموقف الحكومي يكشف عن السياسة التي تنتهجها الإنقاذ إزاء ضغوط المجتمع الدولي وتسعى لتغيير أسس المعركة. وتدور هذه السياسة على ثلاثة محاور: أنه عداء للإسلام، ثانيا، تسعى الحكومة لكسب تأييد الدول العربية والإسلامية والمنظمات الحكومية للحصول على مساندة دولية.
    ثالثاً، أنشأت عدداً من التنظيمات الرسمية لصياغة ونشر آرائها حول حقوق الإنسان (المصدر السابق ص 111). وظهرت فلسفة الحكومة حول حقوق الإنسان في: «وثيقة السودان لحقوق الإنسان» التي اعتمدها المجلس الوطني الانتقالي في يوليو 1993، وتوضح الوثيقة بشكل خاص مكانة حقوق الإنسان في تفسير الحكومة للإسلام، وتهاجم الوثيقة:
    «ظاهرة الاستغلال السياسي لحقوق الإنسان، من قبل أعداد متزايدة بين الدول والمنظمات الطوعية قد أصبحت محكومة في عامة سلوكها وفي تحركاتها المعلنة باسم حقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية على وجه الخصوص، باعتبارات سياسية» مما أفضى حسب زعم الوصية إلى نسف السياسة القومية وزلزلة الثقة في المؤسسات الدولية« ورفضت الوثيقة القرارات التي اتخذت في المحافل الدولية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في السودان باعتارها مجافية للحقيقة والعدالة جميعاً» (المصدر السابق، ص 112- 113).
    لم يقف احتجاج النظام عند هذا الحد بل تعرض مقرر حقوق الإنسان غاسبار بيرو لحملة شرسة ومسعورة، وصلت درجة أن طالب أحد «الإسلامويين» بجلده لأنه أساء للإسلام. واستخدم «الإسلامويون» ذخيرتهم في الابتزاز والمغالطات بطريقة يجيدونها تماماً حين يريدون مداراة الحقيقة ونصر الباطل. وهذه نماذج لإعلام الإنقاذ وحملته على مقرر حقوق الإنسان. نقرأ في الصحيفة الرسمية (السودان الحديث) بتاريخ 24 فبراير 1994 بعد ظهور التقرير، ما يلي:
    «الحمد لله الذي كشف نوايا الغرب الشيطانية ضد الإسلام والمسلمين عبر هذا المدعي بيرو الذي تطاول في كفر صراح على قوامة الدين الإسلامي السمح وتشريعاته السماوية التي تعلو على قصور العقل البشري الضيق ومن دون أن تهزنا هذه البدع المشتركة فأننا نتوقع في هذا الزمان الغريب الكثيرين من أمثال سلمان رشدي الذي اقترب الآن من حافة الجنون الكلي عقاباً من الله سبحانه وتعالى بسبب جرأته الوقحة على قداسة القرآن الكريم. . . وغداً ستنتهي يا بيرو مثله لأنك مكرت وتطاولت والله خير الماكرين».
    كذلك «اصدرت هيئة علماء السودان بياناً أدانت فيه مسلك غاسبار بيرو المقرر الخاص لحقوق الإنسان الذي زار السودان في ديسمبر الماضي مبعوثاً من الأمم المتحدة لرفع تقرير عن حقوق الإنسان في السودان إلا أنه استقى معلوماته من دوائر المعارضة وأعد تقريراً هاجم فيه قوانين الشريعة الإسلامية.
    وطعن في مصدر التشريع وتعرض للشريعة بالزراية والاستخفاف. وانتقد البيان غاسبار بيرو الذي ورد فيه أن القانون الجنائي السوداني يحتوي على مكونين أو عنصرين يخالفان المواثيق الدولية مخالفة جذرية وادعى غاسبار بيرو زوراً وبهتاناً أن الحدود وهي التي تشمل النهب والسرقة الحدية والردة والزنا والقذف وشرب الخمر ثم القصاص الذي يمثل الجانب الثاني في القانون الجنائي الإسلامي السوداني أنها تشريعات تتنافى مع المواثيق الدولية.
    وندد البيان بتصريحات غاسبار بيرو التي قال فيها بجرأة غريبة أنه لا يهمه من صاغ هذه القوانين ولا مصدر وحيها وإنما الذي يهمه فقط هو هل الشريعة تتفق مع المواثيق الدولية أم لا ومضى بيرو إلى أكثر من ذلك عندما دعا حكومة السودان إلى إلغاء الشريعة وقوانينها. وأكد البيان أن منهج الشريعة الإسلامية يقوم على رعاية الإنسان وحقوقه وعداوة الإسلام هي الدافع لكل هذه الافتراءات.
    وأهاب بيان هيئة علماء السودان بالمسلمين قاطبة وبقياداتهم وبالدول الإسلامية أن تتصدى لهذه الهجمة الشرسة التي يقودها أمثال كاسبار بيرو. وقال البيان أن الدول الإسلامية عليها أن تراجع مواقفها من هذه المواثيق الدولية المزعومة التي يراد بها الكيد لعقائد المسلمين وشريعتهم إذ أن المقصود هو الشريعة الإسلامية وهويتها.
    وأضاف أن تطبيق الشريعة الإسلامية هو من أصل العقيدة ولا مجال للتخلي أو التراجع عنه مهما كانت المواجهات ومعلوم أن الطعن في مصدر التشريع طعن في العقيدة ذاتها وفي كتاب الله وفي من بلغ بها. وأكد البيان أن التصدي لمثل هذه الترهات أمر واجب على كل مسلم وجوباً عينياً لا يجوز التغاضي عنه، ودعت هيئة علماء السودان السلطات إلى عدم السماح للذين يسيئون للسودان.
    وشعبه ومعتقده بدخول البلاد إذ أنهم ليسوا طلاب حقيقة وناشدوا ولاة الأمر بالمضي قدماً في تطبيق الشريعة حتى تظل للسودان شخصيته المسلمة المحكومة بالشريعة في كل جوانبها. وأمن البيان على أن الشعب السوداني سيكون حامياً للدولة من كل أصناف المؤامرات والدسائس والكيد
                  

العنوان الكاتب Date
سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-21-04, 09:51 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-21-04, 10:55 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-21-04, 11:30 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-22-04, 01:20 AM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq09-23-04, 02:56 AM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم Hani Abuelgasim10-20-04, 05:10 AM
    Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم AnwarKing10-21-04, 12:41 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:41 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:43 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:45 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:46 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم tariq10-21-04, 02:47 PM
    Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم بكرى ابوبكر08-04-10, 06:29 PM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم Agab Alfaya10-22-04, 05:27 AM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم Khatim10-24-04, 00:06 AM
  Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم Elbagir Osman10-24-04, 11:21 AM
    Re: سقوط المشروع الحضاري في السودان - تأليف :د. حيدر ابراهيم AnwarKing08-07-10, 00:44 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de