شرطة أمن المجتمع تواصل التعدى على المرأة/ القبض على كل من ترتدى بنطلون أمس بشارع النيل

Quote: بسم الله الرحمن الرحيم النساء وأمن المجتمع رشا عوض أحاديث المنعطف [email protected] تكررت بشكل ملفت ظاهرة القبض على الفتيات في الأماكن العامة بواسطة شرطة أمن المجتمع وذلك بحجة ارتداء (الزي الفاضح)، وعادة ما يصاحب هذه العملية عنف مادي ومعنوي وتجريح لفظي مشحون بالتجريم وامتهان الكرامة، وعند مناقشة مثل هذه الظواهر لا يجدي مجرد الجدل القانوني، بل لا بد من استحضار جملة من العوامل الاجتماعية والثقافية والسياسية والفكرية التي تحدد في مجموعها ملامح البيئة التي يطبق فيها القانون، فظاهرة إلصاق تهمة (ارتداء الزي الفاضح) التي أصبحت شبحا يطارد النساء في كل مكان مرجعيتها في القانون هي المادة 152 من القانون الجنائي التي تنص على الآتي: 1. من يأتي في مكان عام فعلا أو سلوكا فاضحا أو مخلا بالآداب العامة أو يتزيا بزي فاضح أو مخل بالآداب العامة يسبب مضايقة للشعور العام يعاقب بالجلد بما لا يجاوز أربعين جلدة أو بالغرامة أو بالعقوبتين معا. 2. يعد الفعل مخلا بالآداب العامة إذا كان كذلك في معيار الدين الذي يعتنقه الفاعل أو عرف البلد الذي يقع فيه الفعل. ومن نص هذه المادة يتضح أن ليست هناك معايير محددة لتوصيف الزي الفاضح فالأمر متروك للسلطة التقديرية لمن يطبق القانون، أي باختصار الأمر متروك لذهنية ما يسمى بالمشروع الحضاري، وانطلاقا من ذلك نستطيع أن نعرف الزي الفاضح بأنه كل زي لا يطابق ما يسمى (بالزي الإسلامي)، وهنا تكمن المشكلة إذ تصبح المرجعية الآيدولوجية للحزب الحاكم هي معيار الصواب والخطأ في السلوكيات الاجتماعية، وأقول المرجعية(الآيدولوجية) وليس المرجعية (الدينية)، وهنا لا بد من التمييز الصارم بين المرجعيتين لأن السلاح الذي يستخدمه سدنة المشروع الحضاري في إرهاب من يختلف معهم في أية قضية مرتبطة بإدارة الشأن العام هو المطابقة بين اجتهاداتهم (البشرية) والدين، وبهذه المطابقة الجائرة تتحول التصورات الذاتية لسدنة المشروع الحضاري إلى مرجعية عامة يحاكم على أساسها السلوك الاجتماعي في بلد زاخر بالتنوع والتعدديات ، وعند الإشارة إلى مفهوم التعددية لا يجب أن ننحصر في الإقرار باختلاف وتعدد الأديان والأعراق والثقافات فقط، بل هناك تعددية في غاية الأهمية لا يجب أن نغفلها وهي (التعددية الفكرية بين المسلمين أنفسهم)، فغالبية النساء والفتيات اللاتي تقتادهن شرطة أمن المجتمع بتهمة ارتداء الزي الفاضح هن من المسلمات، والزي الذي يرتدينه في أغلب الأحيان ليس فاضحا أو مستهجنا من وجهة نظرهن ومن وجهة نظر العرف السوداني العام الذي يتميز بالمرونة والتسامح إذا استبعدنا جماعات التعصب والانغلاق الآيدولوجي، والأهم من ذلك أنه يمكن أن يكون غير مستهجن من مفكرين إسلاميين لهم اجتهاد فكري مغاير لما هو معهود في الفقه التقليدي، ولا يتسع المقام هنا للتفصيل في ذلك ولكن نكتفي بالإشارة إلى اجتهاد الإمام الصادق المهدي الذي خلاصته أن ليس هناك زيا محددا في الإسلام اسمه(الحجاب) وأن كلمة (حجاب) وردت في القرآن سبع مرات ولم يكن معناها(زي ترتديه المرأة) وأن مقاصد الشريعة وآداب الإسلام تقتضي الاحتشام في الملبس والبعد عن الابتذال والإثارة وهذه الآداب يلتزم بها النساء والرجال على حد سواء، وهو ذات الرأي الذي يتبناه الأستاذ جمال البنا الذي أفرد كتابا كاملا لمناقشة أمر الحجاب بصورة مفصلة ومدعمة بالحجج النقلية والعقلية، وهناك أيضا اجتهاد الأستاذ محمود محمد طه الذي يرى أن الحجاب ليس من أصول الإسلام بل هو من الفروع المنسوخة، وانطلاقا من كل ذلك نستطيع أن نستنتج أن أمر الملبس يتحكم فيه العرف إلى درجة كبيرة والعرف نفسه ليس حالة جامدة وسرمدية، فالأعراف تتطور مع اختلاف الأزمنة والأمكنة وتتأثر بعوامل ثقافية واجتماعية متداخلة، وبما أن الحرية كل لا يتجزأ من حقنا أن نتساءل ما المنطق في أن يكون للمرء/ المرأة الحرية الكاملة في اعتناق الإسلام نفسه وبعد أن يصبح مسلما أو تصبح مسلمة يصادر حقها في اختيار ملابسها وإن مارست هذا الحق تكون عرضة للمطاردة (ببوكس الشرطة) وتتعرض للإهانة وإشانة السمعة والغمز واللمز لأن الكيفية التي يتم بها اقتياد النساء توحي بأنهن قبضن متلبسات بأفعال مشينة وليس الأمر مجرد اعتراض على طريقة الملبس، إننا نحتاج إلى إصلاح كثير من القوانين وإصلاحات في طرق تنفيذها ولكننا قبل هذا وذاك نحتاج إلى مناقشة الجذور الفكرية والتحيزات الآيدولوجية التي تقف وراءها لأن هذه هي نقطة البداية في تقدمنا، وفي هذا السياق لا بد من مناقشة الأسباب التي تجعل النقطة المركزية في الخطاب الذي يوجهه الإسلاميون إلى المرأة هي وجوب الالتزام بالحجاب مع أنه أمر فرعي مختلف فيه، ولا يقتصر ذلك على إسلاميي السودان بل هو ظاهرة عامة في خطاب الإسلام السياسي أينما وجد، فعندما يرغب الإسلاميون في تجنيد أية امرأة في صفوفهم يكون الدرس الأول الملقى عليها في الحجاب حتى إن كانت هذه المرأة محجبة!! فهل الحجاب هو كل ما جاء به الإسلام في أمر النساء؟ وهل هذا التضخيم لأمر الحجاب ناتج عن الحرص على العفة والفضيلة كما يدعي الإسلاميون أم أن له أسبابا أخرى؟ بقراءة تجربة الإسلام السياسي في السودان ممثلة في الإنقاذ يتضح أن تضخيم أمر الحجاب والاعتماد عليه في التدليل على المشروعية الدينية والالتزام الإسلامي هو أن الحجاب من المظاهر الشكلية التي ليس للالتزام بها ضريبة سياسية أو اقتصادية إذ أن تدخل الدولة في أزياء النساء وفرض نمط معين من الملابس النسائية على الطالبات والموظفات ليست له تكاليف مادية تقع على عاتق الدولة، ولذلك لا بأس من التعبير عن الهوية الإسلامية عبر تغطية رؤوس النساء ولا مجال إطلاقا للتعبير عنها عبر توفير العلاج المجاني للنساء وعبر رعاية الحوامل والمرضعات، ولا عبر دعم المزارعات والراعيات الفقيرات وتزويدهن بالإرشاد الضروري لإنتاج غذائهن وحمايتهن بالقانون وبالسياسات الاقتصادية من الاستغلال، ولا عبر توفير المساكن الشعبية المجانية أو حتى المنخفضة التكلفة للأرامل والمطلقات وكبيرات السن والمعاقات ولا عبر محو الأمية وتوفير فرص التدريب الذي يوفر للفقيرات فرصا لكسب الرزق الحلال والابتعاد عن دروب الرذيلة، لم نسمع في خطاب الإسلاميين ربطا بين الإسلام وهذه الرعاية لحقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية ونحن في بلد فقير ومنكوب بالحروب الأهلية التي دفعت ثمنها النساء أضعافا مضاعفة فهل نفهم من ذلك أن مسؤولية النظام الإسلامي تجاه النساء تنتهي بمجرد توجيه الأمر لهن بارتداء الحجاب وما سوى ذلك ليس إلا رجسا من عمل العلمانية والصهيونية والإلحاد؟ ولكن المشكلة الأخطر التي ظهرت عبر الممارسة العملية في عهد الإنقاذ هي أن هذا التضخيم لأمر الحجاب والاحتشام في الملبس ليس محكوما برؤية فكرية شاملة لوضعية المرأة ومكانتها الإنسانية وفق تصور إسلامي عميق يعرّف الحشمة كمنظومة سلوكية تهدف إلى الارتقاء بالفكر وبالذوق العام من حالة التمركز حول الجسد التي تحصر المرأة في أنها كائن مثير للغرائز إلى حالة الاحتفاء بالمرأة الإنسان ذات العقل والضمير والموقف والمسئولية الاجتماعية والمرأة المواطنة ذات الحقوق والواجبات والمرأة العاملة ذات الموهبة والكفاءة والإنتاج،فبمتابعة أوضاع النساء في دولة المشروع الحضاري سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وبمتابعة الخطاب الإعلامي والمناهج التعليمية يتضح لنا أن قضية المرأة من أكثر القضايا التي تظهر سطحية هذا المشروع في التعاطي مع القيم الإسلامية واستغراقه في الشكليات الفارغة، ولا أدل على ذلك من الإعلان التجاري لمستحضر التجميل(فير آند لفلي) الذي عرض في بعض الصحف وفي لوحات إعلانية مجسمة عند مداخل بعض الجسور وفيه كتب بالخط العريض: برنامج تأهيل الفتاة الجامعية للحياة المهنية تحت شعار( وشك منور مستقبلك كمان نور)!! أليس في الرسالة التي يحملها هذا الإعلان ابتذالا للنساء وتسفيها لعقولهن وتكريسا لحبس المرأة في خانة الأنوثة في جانبها الحسي؟ كيف يكون مستحضرا لتجميل الوجه جزءا من تأهيل الفتاة الجامعية للحياة المهنية؟ كيف يربط المستقبل المهني (بنورة الوجه) بكل هذه الصفاقة والابتذال في دولة فقيرة ومتخلفة أحوج ما تكون لنور العلم والمعارف والتقنيات ولاستنارة العقول ومهارات الإنتاج والإنجاز؟ ولماذا لم تتدخل سلطات المشروع الحضاري لمنع هذا الإعلان أو تعديله حماية لكرامة النساء ولقيم العمل وإثباتا لتميز وضع المرأة في المجتمع الإسلامي عن المجتمعات الموصوفة في أدبيات الإسلاميين بالجاهلية التي تتحول فيها المرأة إلى أداة تسويقية؟