|
Re: الخروج من أمدرمان .. تأليف : فييلب زيقلر .. ترجمة: بدر الدين الهاش (Re: Ridhaa)
|
صار البحث عن الخليفة هو الشغل الشاغل للجيش الإنجليزى المصري. كان من المقرر أن تقوم فرقة الخيالة 21 بتعقب الخليفة، بيد أن تلك "النيران الصديقة" التى أصابتهم فى ذلك اليوم قد جعلت السردار يقرر عدم مشاركتهم فى العملية. ترك أمر تعقب الخليفة إلى بروود وود وفرسان الجيش المصري. كان الضابط "هيج" قد سار بجنده نحو خور شمبات وهم في غاية الإنهاك. كانوا يمنون أنفسهم بالنوم والراحة فإذا بسلاطين يأتيهم مسرعا على صهوة جواده فى حوالي السابعة مساء لينقل إاليهم أمر السردار بمواصلة المسير تعقبا للخليفة الهارب. ما أن مرت عشر دقائق حتى كان بروود وود قد استأجر خبيرين من قبيلة الكبابيش ليدلاه على طرق الصحراء. كانت مهمة الفرقة مقضي عليها بالفشل من قبل أن تبدأ، إذ لم تكن تعلم إلى أي الأصقاع توجه الخليفة. كان الأمر يشبه البحث عن إبرة فى كومة قش (وما أكثر "كيمان" القش في السودان). أدلى كل من سأله سلاطين أو بروود وود عن مكان الخليفة بإجابات متباينة، وكان مبعث ذلك فى بعض الأحوال هو الجهل وفي غالبها هو الإخلاص للزعيم المهزوم. كانت القوات تتحاشى جموع جيش الدراويش المنسحب، وصادفت في مسيرها أرضا رملية مبتلة صعب على الخيل السير فيها مما عطل المسيرة. وعندما حلت الساعة الحادية عشر ليلا قرر بروود وود أنه من الغباوة الاستمرار فى المسير، فلبث منتظرا وجنده حتى الثالثة صباحا عند طلوع القمر. كان الجند فى أقصى حالات الإنهاك والجوع، إذ لم يكونوا قد ذاقوا طعاماً سوى قليل من البسكويت وبضع قطرات من الماء الآسن. اقتربت الفرقة عند السابعة صباحا من النهر ولاحت لهم من على البعد الباخرة "المتمة" والتى كانت تحمل الزاد لهم ولخيولهم, فارتفعت الروح المعنوية ومنوا النفس بطعام لذيذ وشراب ساخن. و لكن لم يتم لهم ما تمنوا إذ أن الباخرة ذات الإمداد (والتى لم تكن لتبعد عنهم سوى نحو أربعمائة ياردة) تعذر رسوها على الشاطئ بسبب الأعشاب الكثيفة والأشجار المقطوعة الملقاة على ضفة النهر. وقف الجند يرمقون باخرة زادهم بأسى وهى تعود أدراجها ومعها راحت أدراج الرياح أمانيهم فى طعام طيب وشراب. صدرت لهم الأوامر بمواصلة السير بمحاذاة النهر حتى يتسنى العثور على مرفأ مناسب للباخرة ولكن هيهات... وتوغل الجند أكثر فأكثر فى الصحراء. وفى أثناء سير الجند سرت أنباء عن وجود مجموعة من الدراويش "المهمين" يختبئون خلف الشجيرات على مقربة منهم. تهيأ الجند للقتال ولكن سرعان ما ثبت أن تلك المجموعة لم تكن سوى بعض نساء الخليفة (من بينهن كبيرتهن فاطمة الزوجة الأولى ووالدة شيخ الدين) فتم أسرهن. تفحص قرين ولكنسون النسوة الأسيرات جيدا وكتب فيما بعد: " كانت إحداهن جميلة جداً لم يتعد عمرها السابعة عشر ربيعا. وكانت هجينا من الأمهرة وشعب آخر. ولعلها المرأة المليحة الوحيدة التى رأيتها فى السودان. كانت كل النساء الأسيرات ودودات، بيد أن الجوع كان قد نال منهن، فقمنا بإرسالهن للسردار". لا أظن أن السردار كان فرحاً بهديته تلك (حتى وإن كان من بينهن تلك الصغيرة المليحة) بيد أن أسر فاطمة كان قد أحدث ضجة وشعوراً بالحماس في أمدرمان وأسهم فى زيادة تحطيم الروح المعنوية للخليفة و أتباعه.
|
|
|
|
|
|
|
|
|