|
Re: الخروج من أمدرمان .. تأليف : فييلب زيقلر .. ترجمة: بدر الدين الهاش (Re: Ridhaa)
|
قام عازف البوق (الترمبيطة) بعزف "وقف إطلاق النار Cease Fire " من على سطح مبنى قريب لقبة المهدي في محاولة متأخرة لإخماد غضب نيران فرقة المدفعية 32. تقدم كتشنر على ظهر حصانه نحو سجن الخليفة. كان تشرشل قد وصف ذلك السجن بأنه "عرين متعفن مظلم". كان بالفعل متعفناً بيد أن حالة كونه مظلماً كان مما يحبه السجناء لانعدام أى نوع من الظل فى ذلك السجن. كان سور السجن طينياً رقيقاً لم يكن ليحول دون هروب السجناء، ولكن كان هؤلاء المساجين التعساء مقيدين بسلاسل حديدية مؤلمة وثقيلة تحد من الحركة بل وتمنعها تماماً. وعلى مرأى من المساجين علقت المشانق على رؤوس الأشجار. كان هناك جسد يتدلى من أحد تلك المشانق...و كان هذا مشهد يومي مألوف القصد منه ردع من تسول له نفسه مجرد التفكير فى التحدي ومحاولة الهرب. كان كتشنر يعلم أن التاجر الألماني شارلس نيوفلد كان من بين مساجين الخليفة فى أم درمان لمدة جاوزت أحدى عشر عاماً، لكنه لم يكن متأكدا من أنه ما زال على قيد الحياة ومن من الآخرين كان مسجونا معه. ظن كتشنر أن الخليفة – وكعمل انتقامي- قد يقوم بقتل المحبوسين فى سجنه. أكد إدريس مسئول الشنق (عشماوى الخليفة) أن الأوامر كانت قد صدرت إليه بذلك، بيد أنه أكد أنه وبداعي الإنسانية (كما أقسم هو للسجناء المحررين) أو بداعي المصالح الذاتية (كما يعتقد السجناء) لم يفعل ما أمر به بل ظل يسوف ويماطل في تنفيذ أوامر الشنق لسبب أو لآخر حتى ظهر الكفار على الباب. حينها اقتنع الرجل بأن الوقت قد فات لعمل أى شيء قد يثير غضب أسياده الجدد, فأسرع الخطا نحو المكان الذى كان نيوفلد مسجونا فيه. كان مقيدا بالسلاسل الثقيلة و كانت أحدى قيوده الحديدية تزن أربعة عشر رطلا. أصابت نيوفلد الفرحة لدرجة الهستريا عندما أخبره إدريس بأن إخوانه الإنجليز يملأون القصر وأن رجلا طويلا ضخما يسأل عنه. وبمعاونة اثنين من الحراس قام نيوفلد متعثرا نحو البوابة وهو ينتحب بشدة. سمع من على البعد صوتا مبحوحا يناديه: "هل أنت نيوفلد؟ هل أنت بخير؟" قام كتشنر و أطبق على يد الرجل محييا. كان صوته هامسا بيد أن مشاعره كانت بالغة العمق: " ظللت لثلاث عشرة سنة أترقب مثل هذه اللحظة". وأمر السردار بفك قيوده ففكت، وربت على كتفه قائلا: " نيوفلد....أذهب فأنت حر طليق. سأذهب أنا الآن". و أتى من بعده رتل من المساجين الأوربيين من بينهم سستر تريسا جريوجولين والتى اعتقلت مع الأب أوروولدر من قبل سنين سبع، وجوزيف رجونين و والعديد من التجار اليونانيين. كانوا جميعا جائعين وخائفين ولكن أحدا منهم لم يكن مقيدا بسلاسل كنيوفلد، إذ أنه كان قد أتهم قبل حين بمحاولة الهرب من سجن الخليفة. وضع نيوفلد على ظهر حصان وسيق لميز (mess) القيادة شمال المدينة حيث شارك الضباط العشاء الإحتفالي والمكون من البسكويت والماء مع قليل من كسرة السجن (و التى جلبها نيوفلد معه لإضافة بعض التجديد فى قائمة طعام العسكر). و فى ذلك الأثناء دخل سلاطين وماكسويل ومجموعة من الجنود السودانيين إلى قصر الخليفة وطافوا بغرفه وغرف حريمه وكانت كلها خاوية على عروشها. كان الخليفة فى ذلك الأثناء فى عرض الصحراء فى طريقه لنقطة معدة سلفا للقاء مجموعة تنتظره على ظهور إبلها. كانت تلك ضربة موجعة لسلاطين، إذ كانت أحدى المهمات الموكلة له هى ضمان عدم هروب الخليفة. وكانت تتملكه غريزة الانتقام الشخصي. كان يطوف بين الغرف فى عصبية واضحة بحثا عن غريمه اللدود وهو يردد و والغيظ يتملكه: " لقد فقدت أثره...لقد فقدت أثره!"
|
|
|
|
|
|
|
|
|