|
Re: الخروج من أمدرمان .. تأليف : فييلب زيقلر .. ترجمة: بدر الدين الهاش (Re: Ridhaa)
|
بدا أن كل شئ هاديء وساكن في المكان إلا حين عثر الجنود على ثلاث من الأسود الجائعة موثوقة الرباط بقرب دار الخليفة. وبدأ زئيرها الغاضب المرعب يشق الصمت القلق. ثم أطل فجأة رجل من أحد القطاطي وتقدم بحذر شديد نحو الفاتحين. وما أن أدرك آخرون معه أنه لم يصب بنيران العدو حتى ظهروا من كل الفجاج وتكاثرت أعدادهم فبلغت مئات كثيرة. كان بعضهم ما زال يحمل سلاحه. كان أولئك هم حراس الخليفة الذين عصوه وانفضوا من حوله فى ساعة (وساحة) محنته...و حان الآن أوان استسلامهم للمنتصرين. لم تكن شروط الاستسلام واضحة بينة. ومرت على الجنود المصريين والبريطانيين لحظات عصبية إذ كان المستسلمون من جنود الخليفة يفوقونهم عددا. صاح فيهم أحد الضباط آمرا إياهم بلسان عربى مبين أن ألقوا أسلحتكم. مرت لحظات ظن فيها الغزاة أن الدراوبش لن يفعلوا ما أومروا به. وفجأة انطلقت رصاصة مجهولة الهوية وانطلق معها- كالسهم- شخص من خلف زاوية فى مكان ما واختفى في الظلام. أصابت الرصاصة أحد الجنود السودانيين فى جيش الغزو فوقع ميتاً. كان يمكن لتلكم الحادثة أن تحدث مجزرة رهيبة، بيد أنها – و للغرابة- أدت إلى استسلام فورى. يبدو أن الدراويش قد خافوا من مغبة انتقام جيش الغزاة لجنديهم الذي قتل فآثروا الاستسلام وألقوا بأسلحتهم على الأرض؛ وشكلت تلك الأسلحة الملقاة تلاً كبيراً. أمر ماكسويل بالمستسلمين من الدراويش فأسروا وذهب بهم بعيدا. ولم تمر على تلك اللحظات سوى ثمانية وأربعين ساعة حتى تم تعيين ذات الرجال كجنود في جيش الخديوي المصري! بقيت الفرقة السودانية (13) بقرب مقبرة المهدي نحوا من ربع الساعة انتظارا لوصول السردار ومعرفة أوامره. لم يبدد ملل تلك الدقائق إلا أصوات دجاج الخليفة والذي راح – في استخفاف بين بالغزاة- يبحث في خشاش الأرض بحثاً عن طعامه. استحال كثير من ذلك الدجاج إلى طعام شهى للجنود في تلك الليلة. وفجأة ظهر على بوابة القصر ذلك الحصان الأبيض الشهير وصاحبه الأشهر. دلف السردار ببطء إلى وسط المكان وخلفه الحراس. كانت راية الخليفة السوداء ما زالت ترفرف عالية فوق رأسه. كلف وجود ذلك الرمز الهام للخليفة الغزاة غالياً. كانت أوامر السردار للفرقة 32 مدفعية تقضي بأن تفتح نيران مدافعها على كل أثر يدل على الخليفة. أخذ جنود تلك الفرقة وجود علم الخليفة الأسود وهو يرفرف على قبة المهدي كدليل على وجود الخليفة فى المكان. لذا لقد بدأوا فى إمطار القبة والعلم الذى يرفرف فوقها بوابل من نيرانهم. تخطت قذائف المدفعية رأس السردار بأقدام قليلة، وهبطت على رؤوس رهط من الجنود السودانيين فقتلت وجرحت منهم العشرات. مرت لحظات عصيبة لم يتبين لأحد فيها مصدر النيران الحامية. وتوالى انهمار القذائف. قفز الجنرال هنتر من على ظهر جواده والتقط بعضا من شظايا قذيفة, و بصوته الجهورى المميز خاطب قائده كتشنر قائلا: "معذرة يا سيدى ولكن يبدو أن هذه هى قذائفنا نحن" وجم كتشنر للحظات ثم قال: "حسناً يا سادتي الأجلاء.... لا أدرى كيف سنوقف هذا الهجوم. سيكون من المؤسف أن نخسر الموقف بعد انتصار اليوم الساحق. يجب أن نعطيهم ذلك الشرف". تحرك بحصانه نحو البوابة يتبعه ضباطه فى عجلة تعوزها الكرامة، وتم إخلاء المكان وسرعان ما حطت بذات المكان الذى كانوا يقفون عليه قذيفة تلتها أخريات. أزالت شظية أذن حصان فرانك سكودمور مراسل صحيفة الديلى نيوز بينما أصابت شظية أخرى هربرت هوارد مراسل التايمز فى مقتل. كان هوارد من هواة المغامرة يسعى لها ويلاحقها حتى لقي حتفه في إحداها. شهد معركة كررى ولم يصب فيها بخدش بيد أنه لقي حتفه فى تلك الحادثة الغبية.
|
|
|
|
|
|
|
|
|