غازي سليمان ورفيدة ياسين

Quote: علامات استفهام رفيدة ياسين.. وفن الحوار الصحفي د.محمد ابراهيم الشوش مرة أخرى أعود بالقارئ الى موضوع محلي، وقد كدنا نبلغ أسوار الحلول البعيدة لأزمة الثورة المصرية، كما أراها بعد محاولات مضنية لسبر غورها، وفهم حقيقتها، وطبيعة التحديات التي تواجهها. وأعرف أن القارئ السوداني لم يكن ذلك القارئ الذي عهدناه . فقدَ اتسع الافق الذي كان يجول به في شوارع العالم كلها بلا دليل. كان يعرف عن مصر وخباياها وما يدور في كواليسها أكثر مما يعرفه أغلب المصريين. الاسماء التي كانت تتلألأ في سماء مصر ، كانت بنفس القوة والوهج تتلألأ في السودان . وما زلت أذكر كيف كان المئات يتزاحمون في عطبرة حول عوض الله دبورة كل ثلاثاء بعد وصول اكسبرس حلفا ليحصلوا على صحف «أخبار اليوم» و«آخر ساعة» و«المصور» و«الاثنين والدنيا»، ويتناقشون حول آخر أخبار مصر والعالم العربي وما يتصل بهما في بريطانيا وأمريكا وأوروبا ويتحدثون عن تشرشل وإيدن وروزفلت ومصطفى النحاس ومكرم عبيد. ويتداولون حول آراء مصطفى وعلي أمين والتابعي والعقاد وطه حسين، كما لو كانوا شخصيات تعيش بينهم . وكنت يومها أرى جموع أهل عطبرة يزدحمون أمام دكان أبي يستمعون الى أخبار العالم من راديو الحكومة المنصوب أعلى الدكان. وقد أدرك عمق هذا الاهتمام كل الذين زاروا السودان وعرفوه . قالت أم كلثوم "غنيت في كل البلدان العربية ولم يتجاوب معي شعب كما تجاوب الشعب السوداني". وبكى الشاعر نزار القباني وهو يرى جموع الشعب السوداني فوق الأشجار والحيطان يستمعون اليه مع كل كلمة . وقال مثل ذلك كثيرون.. الآن خيم الظلام على السودان ، وانغلق أهله على أنفسهم فما عادوا يأبهون لأحد وما عاد أحد يأبه لهم حتى في الخليج الذي وضع أبناء السودان لبنات دولهم في كل مجالات الحياة الدبلوماسية والقانونية والاقتصادية والعسكرية والأمنية. انزوى غالب الشعب السوداني بنخبه وعامته في آلامهم وأحزانهم وأوهامهم وإشاعاتهم يأكل بعضهم لحم بعض، وينشرون الغسيل ال###### في كل أرجاء المعمورة ، ويدعو أكثرهم الى الفوضى ، ويتمنون الخلاص على يد أعداء الوطن. أخذني الاستطراد طويلا وفي النفس أشياء كثيرة لا يجب أن تقال. ولعل الغربة التي أنا مقبل عليها كارهاً، تفتح مسام القلب وتزيل الشحم الذي ران عليه. حديثي عن مصر كما قلت، لم يقصد به رقعة جغرافية معينة ومع ذلك ضاق به كثيرون من المنغلقين: كيف أتحدث عن فساد والسودان هو منبع الفساد؟ من هذا الحديث. أنتقل الآن الى موضوع سوداني خالص، وقعت عليه صدفة وضاع مني نصه، كما يقع الانسان على شربة ماء بارد في يوم شديد الحرارة: والحوار الذي أجرته الصحفية الشابة النابغة رفيدة ياسين مع كل من صديقي البروفيسور محمد ابراهيم خليل والزعيم الغائب علي محمود حسنين كل على حدة، لم يكن مجرد ماء بارد ولكنه ماء معطر. وأنا محتاج إلى أية قطرة ماء في صحراء وجودي هذه الأيام . ميدان الحوار الصحفي ظل غائبا ومجهولا، حتى برز للحظة العزيز جداً ضياء الدين بلال ثم ابتلعته الإدارة الصحفية وما يلحق بها عادة من مشاغل إدارية ومشاجرات شخصية. وفجأة ظهرت رفيدة ياسين . فالحوار الصحفي ليس تحقيقا شرطيا :" أين ولدت وبمن تأثرت ؟" ولا هي أسئلة امتحان مدرسي: "هل يمكن أن تشرح لنا..؟؟" ولا هو فرصة لتملق مسؤول معجب بنفسه :"هل يمكن أن يوضح لنا سيادتكم.. ما هي العقبات التي..؟؟" فالحوار الصحفي هو أن تدخل في عقل إنسان وتستخرج منه أشياء لا يريد أن يتحدث عنها ويفضل لو بقيت في طي الكتمان. في حوارها مع الصديق البروفسور محمد ابراهيم خليل ظلت باصرار مهني جبار تضرب على وتر التصرفات المالية : كتعيين الابنة وتضخم المكافآت المالية والصرف بغير حساب . أجبرته وهو القانوني الضليع الذي لا يهاب مواجهة أن يقول أشياء ما كان يجب أن تقال . لم يكشف عن مرتبه وهذا حقه لكنه أعلن على استحقاقه له بقوله إنه اشطر من كثيرين يتلقون مثل أجره وأكثر. وما كان في حاجة لأن يقول ذلك . وهو حقا شاطر وقانوني فذ، لكن تزكية النفس تعتبر من الصدق القبيح كما قال الامام الشاذلي رضى الله عنه. والابنة مؤهلة بحق - أشهد على ذلك - ولكن الأسلوب الذي عينت به يثير الشك. فالتعيين وتحديد المرتبات كان يجب أن يكون عن طريق هيئة محايدة نزيهة غير مرتبطة بصاحب المصلحة، بعدا عن الشبهات والقيل والقال. وفي حوارها مع الزعيم الغائب علي محمود حسنين ، حاصرته حصارا قاسياً لكي يكشف للناس عن جمهوره وجنوده الذين يريد أن يدخل بهم معركة إزالة النظام. وظل الزعيم وهو القانوني الذي لا يشق له غبار ولا تفشل له قضية، يتلوى ويتلعثم ويبرر عدم ظهور جمهوره بالخوف من بطش الحكومة. ولكن الشقية الذكية ظلت تمسك بتلابيبه وتسأله إن كانت حركته سرية إذا؟. أجاب مرتبكا: ليست سرية ولكنها غير معلنة.

(عدل بواسطة الشيخ صالح محمد on 09-13-2011, 03:00 PM)