نو وومان نو كراي! أولرايت...أولرايت، إلا المناحة حاصلة.
هذا عملٌ أهديه إلى مايكل جاكسون وإلى كلّ من فقدنا ممّن أتّخذ الفن (بما في ذلك فن العمل من أجل الناس) حياةً فكان أن أخذ فنّه بجديّة هي أكبر من تلك التي عالج بها ذات "حياته" أو أكبر من جديّةٍ شجعت الموت فأعلن مماته. ألا هب لي انساناً انطوت حياته على موته وانطوت بجوف موته حياة!
نو وومان نو كراي، في نسختها التي يؤدّيها بوب مارلي في أعلاه، عملٌ ينهي (بكلّ قوة عين) عن فعلٍ ويأتي (بكلّ قوة عين) بأنكى من مثله. فالعمل يجسّد ضرباً من فحص مختبري لمستوى عنصر الفقد (وما يرتبط به من عنصر المسكنة) بدم ولحم وأعصاب كلِّ واحدٍ منّا كما وتسيطر على الأغنية كثافة لا ترقى لكثافة المناحة فحسب وإنّما يخلق المسار الذي تمضي فيه الأغنية وتضامن الآلات الموسيقية فيها مع عويل الكورس مختلطاً بلغط الجمهور الشبيه بجلبة بيت البِكا مع صوت بوب مارلي احساساً يرسل المستمع متسائلاً: من مناحة أي عزيز أُستقيت هذه الأغنية!
تُفتتح الأغنية بايقاع أقرب لايقاع الدنقر ثمّ يُفجع المستمع بما فيه أوثق صلات القربى بأصوات النياح بل وينطلق الكورس في وصلة سكاليب راسها عديييل فيما ينزوي في الخلفيّة جيتارٌ يهمسُ تارة ويقْنِتُ تارة أخرى قبل أن يطلقَ جيتار آخر صرخة حرّى أو ينطلقَ إلى نحيبٍ متعب. ولا يخرج إلينا صوت بوب مارلي، من كلّ ذلك، إلا كصوت من أرهقه (وقرش حِسّو ذاتو) سهرٌ ونواحٌ امتدّ لليالٍ طوال. بل ولا يخلو العرض حتى من تصوير لحظة حمل العنقريب بكلّ ما فيها من إيقاع "حي ووب، حي ووب" وذلك إيقاعٌ تجدونه متجسّداً عند وصلة "إيفري ثينق إز قونا بي أولرايت" في حوالي الدقيقة الثالثة والثانية العشرين.
لا أحرى آلةً موسيقيةً أقدر على تجييش المشاعر مثل الجيتار. لقد أخذني هذا المقال أكثر من عام وقف فيها عند بوّابة وصلة الجيتار بأغنية نو وومان نو كراي فلزمها لا يبغي منها حراكاً وما ذلك إلا لأنّ الجيتار قد جسّد في تلك الوصلة بكاءً مراً...بكاء رجال تعجز الكلمات عن وصفه؛ هل ترى، عند الدقيقة الرابعة والثانية السابعة، رجلاً هدّه الحزن يحكِل معصمه على هامته ويصرخ: أوووووه، أووووه، أووووه...أوه أوه أوه أوه أوه يكرّرها إلى أن يهدهده جيتارٌ آخر، حوالي الدقيقة الرابعة والثانية الرابعة وأربعين، إلى شيءٍ من "استغفر الله...استغفر الله".
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة