|
Re: مبروكـــ( لهاشم كرار )ــــــــ المولود الثاني !(صور) (Re: Faisal Al Zubeir)
|
وهنا ما جاء في (الشرق) القطرية في الصفحة الثقافية الثلاثاء 16 اغسطس 2011 :
Quote: هاشم كرار.. الخارج على النص!
ما بين كتابة هاشم كرار وشخصيته مسافة غير مرئية، أو لا توجد مسافة أصلاً، من يقرأ هذا الهاشم الكرار لا يحتاج إلى الجلوس معه للتعرف عليه والتحادث معه حول أصغر القضايا وأكبرها والتي يتناولها هكذا بلا حرج .. بتلقائية زعيم لا يحاسب، و "زول" على باب الله، لا يحاسب أيضاً، فالرجل يضع ذاته على الورق، يكتب ويتجول ويأخذ نفساً عميقاً ويصمت ويستغرب تجاه كل ما يجري بدهشة نادرة، فينسى أحياناً ضحكته أو صرخة التعجب (يااااااااه) أو جعب سيجارته المشتعل بدلاً من النقطة في نهاية السطر. هاشم كرار كاتب من طراز خاص، لا أدري لماذا لم يصبح مشهوراً جداً حتى الآن؟ رغم أنه يمتلك كل مواصفات الكتابة الخرافية الجميلة في زمن تقنية "الكوبي بست"، والتي أصبحت صنعة رائجة على امتداد الصفحات الثقافية في وطننا العربي المهترئ؟! مناسبة هذا الحديث، صدور كتابه الأعجوبة "طق .. توقف الزمبرك"، حديثاً عن دار بيسان في بيروت، أما لماذا هو أعجوبة، مع أنه يضم بين دفتيه مختارات من زاويته الصحفية اليومية، فالجواب عن ذاك يطول، وسنأتي عليه لاحقاً. أول لقاء لي مع الزميل والصديق السوداني هاشم كرار كان في بيت الروائي السوداني (الآخر) أمير تاج السر، قبل نحو عقد من الزمان، وأكاد أتذكر كل التماعة عين ورشفة قهوة وقفزة من الكرسي باتجاه النافذة .. أثناء قراءة أمير فصلاً من روايته الجديدة آنذاك "صيد الحضرمية". اتفقنا على التواصل، كما يفعل معظمنا اليوم، لكنه لم يتم إلا عبر مساحته المتمردة في معظم الأحيان، وشيئاً فشيئاً أدركت أن هذا الكائن الغريب الأطوار قد جاء إلى الكتابة ليهدم جداراً وهمياً كبيراً بينها وبين الناس، في الصحافة، وفي الأدب أيضاً (له مجموعة قصصية بعنوان "بطعم أبرهيد .. بطعم الحصاد" عام 2007)، منطلقاً من قناعة بديهية مفادها أنه يكتب ليقرأه الآخرون، يرمي بحذق كل ما في جعبته، ويمضي إلى شؤونه الخاصة، فالحياة أجمل من كل النظريات، والعمر قصير، مجرد دقة من دقات الساعة، و "طق .. توقف الزمبرك"! لغة هاشم كرار لصيقة بكل ثانية وجزئية وتفصيل في الحياة، ولأنه متعلق بالحياة، ويعشق كل ما فيها من أفراح وأتراح ومؤامرات ولقاءات ووداعات، فقد اختار موقعه الإشكالي منها، موقع المعني بكل شيء، والزاهد بكل شيء. يسمع مثلاً في نشرة الأخبار مثله مثل الآخرين بأن قمة روسية يابانية عقدت في مكان ما، فيسافر هاشم كرار إلى هناك، ويحضر القمة مع الزعيمين، ولكن عبر الخيال والورقة والقلم وشيئاً من خبرته في مهنة المتاعب، فتخرج الزاوية السياسية في اليوم التالي، قطعة أدبية بارعة الجمال والتأثير: "راح القارب الرئاسي الروسي، يشق عباب نهر (ينيزي) والرجلان يتحدثان مرة، ويلوحان بيديهما مرة، ويبتسمان مرة، ويمسحان حبات المطر، بين كل مرة ومرة، وأي منهما يرمي (شبكته)! - أوه، أخيراً، ها أنا ذا أصطاد أول سمكة في حياتي! هتف هاشيموتو في فرح حقيقي، وهو يجذب شبكته وينظر إلى يلتسن". وقائع كثيرة جرت منذ نشر تلك الزاوية في 2 نوفمبر 1997، وها هم الناس البسطاء يكتشفون أن الهالة المحاطة بالقادة الكبار ليست سوى أكذوبة كبرى، يصدقها هؤلاء في كثير من الأحيان، فيستمرئون فعل أي شيء (إلا من رحم ربي)، ظانين أن حالهم ستدوم، ولكنها تنقلب فجأة رأساَ على عقب، واللبيب منهم من الإشارة يفهم، وإليكم زاوية أخرى من كتاب "طق" وعنوانها كما ورد بالإنجليزية "SORY" وتبدأ هكذا: شقة فاخرة، أطاحت بوزير المالية الفرنسي، أيرف غيمار. التفاصيل معروفة: أثارت أسبوعية ساخرة المسألة: غيمار يعيش في شقة فاخرة، إيجارها الشهري 14 ألف يورو، وهو ما يعادل راتب عامل فرنسي لعام كامل! ثم يعالج هاشم كرار ظاهرة الخطأ والاعتذار على هدي تعاليمنا في الثقافة العربية الإسلامية مستدلاً بالحديث النبوي الشريف: "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" .. هذا ما دفع الوزير غيمار، ابن الثقافة الغربية، إلى تقديم استقالته بعد الاعتذار، ليرتفع في عيون الفرنسيين، فيما أصحاب الكراسي العرب يتشبثون بها حتى لو احترقوا بنيران جهنم! هاشم كرار في مقالاته التي امتدت على 304 صفحات من القطع المتوسط يعرف تماماً ماذا يريد، ويعرف جيداً أن "لكل مقام مقال"، هذه القاعدة الفطرية الحصيفة التي تجعل أعتى الخطابات بلاغة أكثرها رداءة في غير موضعها، فيمد "الإمام أبو حنيفة"، ومعه هاشم كرار، رجليهما، والعكس صحيح، يقول في زاوية له بعنوان "رقدة في ضو القمر" متعمداً حذف حرف الهمزة من الضوء لغاية في نفسه: ما هذه اللغة الرسمية الركيكة، حتى حين يموت شاعر؟! (فقدنا علماً من أعلام الشعر والأدب) هكذا نعى الناعي الرسمي في دمشق الشاعر والأديب محمد الماغوط، يا للركاكة! لو كنت هو – الناعي – لقلت عن موته إذن: واندلق "كأسك يا وطن"! وبعد: أعتقد جازماً أن كل مقالة من مقالات هاشم كرار في كتابه هذا "طق .. توقف الزمبرك!" تعطي درساً في فن الكتابة، درساً عملياً يعلم المبتدئين، والمحترفين أيضاً، كيف يدخل الكاتب إلى نصه، وكيف يخرج عليه، بمنتهى السهولة، كاسراً كل الحواجز والأساليب الطنانة الرنانة، بلغة سلسة طيعة حميمة .. وفتاكة إذا اقتضى الأمر!
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|