|
Re: مقاومة الدستور الاسلامي ضرورة من اجل ما تبقي من وطن (Re: Sabri Elshareef)
|
و الخطر المقترن بالصفة البشرية لا الدينية لمفهوم الدولة الدينية, فهي دولة بشرية, لو أمكن قيامها, تحكمها مجموعة من البشر, تتحدث باسم الدين, وتنوب عنه, وتحتكر تأويله وتفسيره, وادعاء معرفته, ومن ثم تقيم تطابقا تخييليا بينها وبينه, فتصبح هي إياه, أو يصبح هو إياها علي سبيل التخييل لا التحقيق, أقصد إلي أن شرع الله ليس هو الذي يحكم في حالة الدولة الدينية, وإنما مجموعة البشر التي تدعي الإنابة عنه واحتكار المعرفة به, رافضة أن يشاركها غيرها في الإنابة أو الحكم أو المعرفة, ولذلك فهي المصدر الوحيد لتفسير النصوص المقدسة للدين, والناطق الأوحد لمقاصدها, وقولها أو حكمها هو الحق وما عداه الباطل, ما ظلت محافظة علي هذا التطابق التخييلي بينها ونصوص الدين التي تدعي احتكار الفهم لها, ولذلك ينبني خطابها علي نوع من الوثوقية والجزم والحسم في اقترانه بأنواع الأمر والنهي والتحريم أو الإباحة التي يؤديها هذا الخطاب الذي لا يخلو من عناصر القمع الخاصة به, خصوصا حين يتوعد المخالفين بعذاب الدنيا والآخرة, ويسن خطابهم المضاد بالبدعة المقترنة بالضلالة المفضية إلي النار. والاختلاف مع خطاب هذه المجموعة يعني الكفر والخروج علي الثابت المعلوم من أمر الدين الذي تحدده هي ولا يحدده غيرها, والذي تغدو إياه في علاقتها بالآخرين الذين لها عليهم حق السمع والطاعة والتصديق وعدم المساءلة, ومن ثم الإذعان والاستجابة إلي كل ما يقال, مهما كان هذا الذي يقال. وبقدر ما تتحول العلاقة بين هذه المجموعة وغيرها إلي علاقة أعلى بأدنى, قامع بمقموع, آمر بمأمور, ينتفي حضور حق الاختلاف الذي يغدو معصية. ولا مجال للاجتهاد المغاير الذي يغدو خطيئة, ولا سبيل إلي المجادلة بالتي هي أحسن ما بين هذه المجموعة( الأعلى علي نحو مطلق) وغيرها( الأدنى علي نحو مطلق), فالمجادلة بالتي هي أقمع هي الأصل الملازم لاحتكار المعرفة الدينية, والناتج عن التطابق التخييلي بين الدين والمجموعة التي توهم الآخرين أنها تنوب عنه, أو تتحد معه كأنها إياه. ولا ينفصل عن نتائج ذلك إلغاء الاجتهاد الذي يحل محله الإتباع, وإحلال النقل محل العقل, والتقليد محل الابتكار, وسيطرة التراتب( البطريركية) بدلا من المساواة, والتعصب بدلا من التسامح, فيحل التمييز محل التكافؤ, ونخبوية المعرفة الدينية بدلا من تعميمها الذي يؤكد حق الجميع فيها أو الوصول إليها بطرائق مغايرة, فتتحول المعرفة بوجه عام إلي معرفة مضنون بها علي غير القلة التي تحتكرها, أو النخبة التي بيدها مفاتيح المعرفة المحرمة علي غيرها. ولا يؤدي ذلك إلي التضاد بين علم القلة بوجه عام وجهالة الكثرة فحسب, بل يضيف إليه انحطاط معارف الكثرة( بإطلاقها) بالقياس إلي علو مقام معارف القلة المضنون بها علي غير أهلها في كل الأحوال. والنتيجة هي كثرة المحرمات المعرفية الموازية لشيوع التراتب ومنطق الاحتكار وإلغاء المغايرة. وإذا نقلنا هذا المبدأ من المعرفة بوجه عام, والدينية بوجه خاص, إلي الممارسة السياسية كانت النتيجة متماثلة, فإلغاء حق الاختلاف يبدأ من المعرفة وينتهي بالسياسة التي لن تعرف, في حالة الدولة الدينية, تعددية الأحزاب, أو تنوع قوي المعارضة وحريتها, بل تعرف الصوت الواحد الأحد الذي لا يطلب سوي الإجماع, ويحارب التنوع والتعدد وحق الاختلاف من حيث هي نقائض لحتمية الإجماع الذي يقترن بالطاعة الواجبة( دون مساءلة) لقمة الهرم المتراتب دينيا ومعرفيا وسياسيا واجتماعيا, حيث تهبط الأوامر المنزلة( كأنها الوحي) من إمام المجموعة إلي النخبة المحيطة به, بوصفها أدني بالضرورة, كي تنقلها إلي غيرها الأدنى منها.. وهكذا إلي سفح الهرم السياسي الاجتماعي المعرفي, مستعينة علي ذلك بعمليات تخييل إيديولوجي, يبرر احتكار النخبة ورأسها الأعلى لكل شيء من ناحية, ويشيع أفكارها ومبادئها بما يقنع بسلامتها من ناحية موازية, وذلك في حجاج إيديولوجي يقسم المجتمع إلي فرق متعددة, كلها في النار, ما عدا فرقة واحدة ناجية, مآلها الجنة والسعادة في الدارين, هي فرقة النخبة الحاكمة التي يخلع عليها رأسها ما تخلعه هي علي غيرها من صكوك الإيمان والرضوان, والبركة والغفران, في أحوال الإيجاب, أو صكوك' الكفران' أو اللعنة الأبدية, في أحوال السلب, فالفرق الضالة مضلة هالكة, موعودة بعذاب الدارين, واستئصال أفرادها واجب وجوب استئصال الزوان من الحنطة, فيما يقول متطرفو الحنابلة المتأخرون. والنتيجة هي شيوع العنف, مقرونا بالقمع في المجتمع, وتغدو الأجهزة الأيديولوجية الدينية ودعاتها, في علاقتها بالمواطنين الذين يتحولون إلي رعايا, أدوات إرسال ذات بعد واحد, يتجه من الأعلى إلى الأدنى دائما, أو من المركز القامع إلي الهوامش المقموعة, فارضا السمع والطاعة والتصديق والإذعان في كل الأحوال, هادفا إلي تحقيق الإجماع الذي يتم استئصال الخارج عليه, أو النظر إليه بوصفه الشاة الضالة التي خطفها الشيطان وسكنها. وعندما يصل القمع إلي ذروة ممارساته يتحول إلي عدوي, تحيل المقموعين إلي قامعين بدورهم, أو مقتولين قتلة, أعني أن المقموعين الواقع عليهم القمع يعكسونه كما تعكس المرايا ما يقع عليها وتسقطه علي غيرها الذي يسقطه علي غيره بدوره, وذلك في دورة جهنمية, لا يكف فيها القمع عن توليد القمع, ويتبادل فيها المقموع والقامع الوضع والمكان, خصوصا حين يتحول المقموع إلي قامع يمارس فعل القمع علي غيره الذي يمكن أن يقع تحت سطوته, فيتحول المجتمع كله إلي قامعين مقموعين في زمن لا يمضي إلي الأمام بل يعود إلي الخلف, وجماعة لا تتطلع إلي مستقبل واعد, بل إلي ماض تخييلي تسجنها أوهامه. *****
http://www.alyaqaza.net/ar/node/242
|
|
![Edit](https://sudaneseonline.com/db/icon_edit.gif)
|
|
|
|