|
Re: السودان ... مخاض التاسع من يوليو،، كمال الجزولي يكتب للجزيرة نت (Re: معاوية الزبير)
|
ظلت حكومات الخرطوم الوطنية المتعاقبة أسيرة للتلاوين التي وسمت صورة الذات الإثنية المستعربة المسلمة، المنتشرة، تاريخياً، وبالأساس، على طول الشريط النيلي شمالاً، وامتداداته إلى مثلث الوسط الذهبي (الخرطوم ـ كوستي ـ سنار)، منبثقة، أصلاً، من جذور نوبية استعربت وأسلمت، عبر القرون، ولم يعد لنوبيتها تلك معنى محدد.
هذه التلاوين هي التي بلورت أخطر جوانب الوعي الزائف بهوية الذات لدى هذه الجماعة ونخبها، وهو المتوطن في توهم عروبة العرق الخالص، واللسان الخالص، والثقافة الخالصة، دون استشعار لنبض العنصر الآخر، الزنجيِ والنوبي والبجاوي وغيره.
ملامح هذه الصورة الملفقة انعكست، عام 1956م، على منهج لجنة التحقيق في أحداث توريت وغيرها عام 1955م، والتي ركزت، كما لاحظ فرانسيس دينق بحق، على ما يفرق، وعلى المبالغة في تقدير نتائج عمليات الأسلمة والتعريب في الشمال، والفوارق التي ترتبت عليها بين الشمال والجنوب، حتى أضحت تلك الفوارق مرشداً لعمل أية حكومة مركزية تجاه الجنوب، إلى حد التيئيس من الوحدة. ويمكن حصرها في خمسة:
(1) الشمال، عرقياً، عربي، والجنوب زنجي؛ والشمال، دينياً، مسلم، والجنوب وثني؛ والشمال، لغوياً، يتكلم العربية؛ والجنوب (يرطن) بأكثر من ثمانين لغة.
(2) الجنوبيون يعتبرون الشماليين أعداءهم التقليديين.
(3) الاستعمار دفع بتطور الجنوبيين، حتى 1947م، على خطوط زنجية، فأعاق أي تقارب بينهم وبين الشماليين، مستعيناً بأداة القانون والنشاط التعليمي للإرساليات التبشيرية.
(4) الشمال، لأسباب تاريخية، تطور سريعاً، بينما ظل الجنوبيون على تخلفهم، مما أورثهم شعوراً بأنهم ضحايا خداع الشماليين.
(5) الجنوبيون، لهذه العوامل، يفتقرون للشعور بالمواطنة والوطنية مع الشماليين (لاحظ الإحالة المعيارية المستعلية إثنياً).
واستطراداً، لم ينس التقرير اتهام الشيوعيين، ضمنياً، بالضلوع في أحداث 1955م، مشيراً لازدياد نشاطهم خلال ديسمبر/كانون الأول 1954م في مركز الزاندي والمورو، وبين عمال صناعة القطن ونقاباتهم، ولتوزيعهم منشوراتهم، وقتها، بلغة الزاندي.
باختصار كان التقرير نعياً لكل مقومات (الوحدة)، ونتاجاً للذهنية النخبوية المستعلية بمركزوية (الذات) في علاقتها بـ(الآخر)، والتي طفحت آثارها المأساوية بعد الاستقلال، حيث شكلت أيديولوجية السياسة الوطنية تجاه الجنوب، باستثناء شواهد قليلة، كبيان 9 يونيو/حزيران 1969م، وجهود وزارة شؤون الجنوب (1969م ـ 1971م)، وما انعكس منها في اتفاقية أديس أبابا 1972م.
|
|
|
|
|
|
|
|
|