|
Re: (تابع)(الدّرس الأساسيُّ في قصّة موسى والخضرم) (Re: صلاح عباس فقير)
|
<font face="Tahoma" size="3" color=red>النص التالي مقتبس من البوست الأصلي: (تفاحة التوحيد) بين [أنصارالسنة] و[الصّوفيّة]! وهو ارتجالٌ للمعاني المقرّرة في الفقرات السابقة، وربما فيه مزيد من الشرح لرؤيتي لهذه القصة:
الدرس الأساسيُّ الّذي أراد العبد الصّالح أن يعلمه لموسى عليه السَّلام، هو أنّ لهذا الوجود -بكلّ ما فيه من أحداث- ظاهراً يراه كلُّ الناس، وباطناً تتفاوت فيه الأنظار! لنقف عند إحدى الأحداث الثلاثة التي مرّت بموسى والخضر: لما قتل الخضر الغلامَ الذّكيّ الوسيم، أنكر عليه موسى محتجّاً بأنه ناشئ حدثٌ لمّا يبلغ الحِلم ولمّا يجرِ عليه القلم، فكيف يقتله هكذا بدمٍ باردٍ؟! وموسى عليه السلام، كان منطقه منطقاً قانونيّاً: {أقتلتَ نفساً بغير نفسٍ}، وكان حكمه مبنيّاً على معطيات الواقع التي يعرفها! الخضر قال له: يا موسى صدقتَ، ولكن هناك بعض المعطيات الواقعية غائبةٌ عنك، لو عرفتَها لوافقتَني! فهذا الغلام (هو كذلك) في حدود علمك! أما بناءً على الحقيقة التي أعرفها، فإنّ هذا الغلام لمّا يكبر سيُرهق أبويه بالكفر والطغيان، وأبواه صالحان، فلذلك قتلتُه! فلنلحظ أنّ كلّ الفارق بين علمي موسى والخضر، يتمثل في أنّ موسى غابت عنه بعض المعطيات، ولو توافرت لديه لكان موقفه هو موقف العبد الصالح! فالاختلاف بين علم موسى الظاهر، وعلم الخضر الباطن، ليس اختلافاً جوهريّاً، لأنّنا أصلاً لسنا أمام عِلمَين، بل هو علمٌ واحد، فالخضر أمَّن على الحقائق التي ذكرها موسى عليه السلام، لكنّه فقط قال له: غابت عنك بعض الأشياء! فالعلم لدى موسى والعبد الصالح هو علمٌ واحد، له ظاهر يراه كلُّ أحد، ثمّ كلّما عرف الإنسان شيئاً جديداً ارتقى في المعرفة! وعلم موسى هذا الظاهر، هو بالنسبة لأمّة من الهمج والرّعاع، يُعتبر باطناً، وكلّما تعمق الإنسان في معرفة حقائق الأشياء؛ توسّعت لديه مساحة الظاهر، وقلت مساحة ما كان باطناً، ليظهر من ورائه باطنٌ جديدٌ، وهكذا إلى أن نصل إلى مرحلة الظهور الكلّيّ للإدراك الإنسانيّ! فالعبد الصالح لم يكن عنده من علمٍ غير العلم الذي عند موسى عليه السلام، ولكن كُشفت له بعضُ المعطيات الواقعية المتعلِّقة بالظاهرة، فتصرّف بناءً عليها، فكان الفراق بين الرجلين، لا بسبب نوع العلم وكيفه، ولكن بسبب اختلاف مهمة كلٍّ منهما! مهمة موسى عليه السلام معروفة، وهي وظيفة كلّ الأنبياء والرسل: ألا وهي تحقيق الحكمة الإلهيّة، من خلال إقامة الشريعة الإلهيّة، وبالتّالي في حدود (العلم بالظواهر)! أمّا الخضر فهو مكلّف بإنفاذ حكمة الله العليا من خلال الواقع المحسوس، لا باتّباع الشريعة الإلهيّة، وإنّما بصورةٍ خفيّةٍ، مستعيناً في ذلك بما يكشفه الله عزّ وجلّ له من علمٍ ببعض المُغيّباتِ، مصداقاً لقوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا* إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن:26، 27]! بناءً على هذه المغيّبات هو يقوم بمهمّته ووظيفته! نحن نعلم: أنّ الله عزّ وجلّ، سواء كان الفعل أو الحدث ممّا يرضيه أو لا يرضيه، فإنّه لمّا يأذن بحدوثه، فما ذلك إلا لحكمةٍ! ولكي أُقرّبَ الأمر، إذا حدث أيُّ أمرٍ في الوجود فيمكنك أن تحاول فهمه بطريقة أخرى، حتى تكتشفَ فيه وتلمسَ آثار الله عزّ وجلّ في الفعل الطبيعيّ، ولكن من خلف ستار السببيّة، وبدون هتكها، فالخضر لما قتل الغلام سُجّلت الجريمةُ ضدّ مجهول، ولم يطّلع على هذا (الفعل الإجراميّ) إلا موسى عليه السلام، وحَزن الأبوان على ابنهما حزناً شديداً، ولو كُشف لهما الحجاب لفرحا فرحاً كبيراً بعطاء الله لهما! فالكورس الذي انتُدب سيدنا موسى عليه السلام لحضوره والمشاركة فيه، كان من أجل التّنبيه إلى أنّ وراء هذه الأحداث الظاهرة، حقائق مخفيّة لو علمناها لأيقنّا بأنّ هذا الذي حدث هو الحقُّ، وأنّه يمثّل قدرة الله تعالى وحكمته العليا! إذن، الخضر كان معلّماً لموسى عليه السلام، وكاشفاً له عن الجانب الخفيِّ في الحقيقة الكونيّة! وبغضّ النظر عن كون الخضر وليّاً أو نبيّاً، فالمؤكد أنّه كان يقوم بوظيفةٍ معيّنة ومحدّدة،! وطبيعةُ هذه الوظيفة كما تجلّت من خلال الأحداث الثَّلاثة في القصَّة، تقتضي الخفاءَ! وتقضي بأن لا يكون عنده مريدون ولا أتباع! وأنّ لا يحتاج إلى نُصرةٍ وتأييدٍ وكرامة، لأنّ الله عزّ وجلّ جعله ممثّلاً لحكمته العليا في الكون! فهو لم يكن مرسلاً لأيِّ أحدٍ من الناس، كلا ولا كان تابعاً لأيِّ شريعة رسولٍ غيره! فليس أمام من أراد أن يستدلّ بقصة الخضر على باطله أو باطنه، إلا أن يقول: أنا هو الخضر شخصيّاً!</font>
|
|
|
|
|
|
|
|
|