قاطعوها .. وقفة لاجل حرية الصحافة

Quote: العدد رقم: 462 2007-02-24 حظر النشر في قضية مقتل محمد طه إجراء لا سند له من القانون وهو يشكل مصادرة لحق دستوري في يوم الخميس23/2/2007 عقدت محكمة جنايات بحري جلستها الإجرائية، حيث كما قالت صحيفة (الصحافة): (سمحت السلطات لعدد محدد من اولياء الدم وذوي المتهمين بالدخول الى قاعة المحكمة، فيما منحت كل صحيفة بطاقة دخول واحدة.. وقبل بداية الجلسة عقدت سلطات المحكمة اجتماعا بالصحافيين ومندوبي القنوات الفضائية اطلعتهم فيه على قرارها بمنع النشر الصحفي والتصوير داخل المحكمة). وقد اوردت صحيفة (السوداني) ان حظر النشر جاء لكي (لا تتأثر العدالة والاكتفاء بتقرير عن الجلسات تورده وكالة السودان للأنباء.. وقال تعميم صحفي صادر من المجلس القومي للصحافة ان المحكمة قررت وقف النشر). علنية المحاكمة حق دستوري تنص المادة (34-3) من الدستور الانتقالي على ان (يكون لأي شخص تتخذ ضده اجراءات مدنية او جنائية الحق في سماع عادل وعلني امام محكمة عادية مختصة). اذن، فالعلنية حق للمتهم، وليس منحة من المحكمة، والعلنية قررت اصلا لكي يرى الناس كيف يجري تحقيق العدل، ولكي يكونوا رقباء على ما يحدث داخل المحكمة، وهي ضمانة مهمة لعدم انحراف الإجراءات الى ما يمكن ان يضر بتحقيق العدل. ولهذا دهشت عندما قرأت ان النشر منع لكي لا تتأثر العدالة، بينما العكس هو الصحيح، لأن المقصود بالنشر هو نشر ما يدور في المحكمة دون زيادة او نقصان، ودون تعليق، طالما كانت المحاكمة مستمرة، وهو امر ينقل المحاكمة الى كل الناس كما جرت في المحكمة، فكيف تتأثر العدالة بنشر محضر المحكمة؟!. وأعتقد ان الإعلاميين جميعا يعرفون هذه الضوابط للنشر خاصة مسألة عدم التعليق على اجراءات المحاكمة حتى يصدر الحكم النهائي. والعلنية مقررة بالقانون تقرر المادة (133) اجراءات جنائية بأن (تجرى المحاكمة بصورة علنية، ويجوز للجمهور حضورها، على انه يجوز للمحكمة حسب تقديرها ان تأمر في اي مرحلة من المحاكمة منع الجمهور بصفة عامة او شخص من الحضور او البقاء في الجلسة متى اقتضت ذلك طبيعة اجراءات المحاكمة او نظامها). اذن، الأصل في الإجراءات ان تكون علنية، فالنص يقول (تجري المحاكمات بصورة علنية)، والاستثناء منع الجمهور من الحضور اي عدم تمكين الجمهور من معرفة ما يدور داخل المحكمة، وهذا يعني حظر النشر، وهو امر يحدث في محاكمات الجواسيس مثلا حيث تذكر معلومات خطيرة تتعلق بأمن الدولة داخل المحكمة، وهناك احيانا تجري محاكمات تشكل وقائعها انتهاكا للآداب العامة كقضايا الاغتصاب، وفيها يجوز للمحكمة منع الجمهور اي حظر النشر، على ان يسمح فقط لأقرباء اطراف المحاكمة بالحضور لأنهم بطبيعة الحال لن ينشروا غسيلهم امام الناس. في هذه المحاكمة رأينا كيف ان المحكمة (منحت كل صحيفة بطاقة دخول واحدة)، اي ان المحكمة قررت ان تكون الجلسات علنية كما يقضي القانون، وهذا يعني ايضا انه ليست هناك وقائع تمس امن الدولة واردة في المحاكمة، وبصفة عامة انه ليس هناك ما يمنع من النشر. وينبغي ان اشير هنا الى ان المحكمة عندما سمحت بحضور الصحفيين، وهي اقصى درجات العلنية، فإنه ما كان يجوز لها ان تحظر النشر بعد ذلك، لأنه لا يوجد مسوغ قانوني لقصر العلم بالمحاكمة على الصحفيين فقط. اذ يثور التساؤل عندها عن سبب حرمان بقية الناس من معرفة ما يدور داخل المحكمة، اليست هذه تفرقة بين الناس يحظرها الدستور والقانون؟. القانون نص على إباحة نشر الإجراءات القضائية تتحقق جريمة اشانة السمعة عندما ينشر شخص وقائع مسندة الى شخص معين قاصدا بذلك الإضرار بسمعته، وأول وأخطر استثناء يبيح النشر حتى لو كان بقصد اشانة السمعة اذا كان النشر (في سياق اي اجراءات قضائية بقدر ما تقتضيه، او كان نشرا لتلك الإجراءات). ونلاحظ هنا ان النشر المباح هو النشر الكامل للإجراءات القضائية، او انه نشر في سياق اي اجراءات قضائية بقدر ما تقتضيه، هكذا نصت المادة (159-2-أ) من القانون الجنائي. والمدهش حقا ان السيد قاضي المحكمة صرح من قبل بأن محكمته محكمة عادية وستكون علنية، ونفذ ذلك بالسماح للصحفيين بحضور المحاكمة، فكيف ينسجم امره بمنع النشر مع قوله وفعله المذكورين؟. ما علاقة وكالة السودان للأنباء بعلنية الجلسات؟ شئ غير مفهوم ان تحظى وكالة السودان للأنباء حصريا بالحق في تحديد ما ينشر من المحاكمة، وأتمنى الا يكون ذلك بسبب انها وكالة حكومية تابعة للسلطة التنفيذية للدولة، لأن المحكمة تابعة للسلطة القضائية وهي سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية، بل ومناط بها حماية الناس من افعال السلطة التنفيذية متى جاوزت القانون. ونتساءل ايضا: هل وكالة السودان للأنباء اكثر مسؤولية ومعرفة وظيفية من باقي المؤسسات الإعلامية؟ ارجو مخلصا ان يقوم السيد القاضي بإلغاء امر حظر النشر خاصة أن هذه قضية شغلت كل الرأي العام السوداني، لأن الجريمة شكلت صدمة مدوية وغير مسبوقة في السودان، ولهذا فإن من حق الرأي العام ان يعرف تفاصيل هذه الجريمة، ودوافعها، ومن ارتكبوها، وكيف فعلوا ذلك؟ طه إبراهيم المحامي