|
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده (Re: Sabri Elshareef)
|
لئن لم تدعني من أساطيرك لأحملن هذا المال إلى معاوية يقاتلك به " .
وهكذا أصبحت الموعظة الحسنة أساطير لدى عبد الله بن عباس ، وأصبحنا نحن في حيص بيص كما يقولون ، نضرب كفا بكف ، ونتساءل في مرارة ، هل نأتمن على ديننا من لم يؤتمن على دنيانا ؟ .
لا بأس أن نترك علياً لأحزانه ، وهو يرى ( كما يقول ) أن أمانة الناس قد خربت ، والأمة قد فتنت ، وابن عمه قد انقلب عليه ، وفضل رغد العيش من مال المسلمين في مكة ، على نضال العقيدة من أجل الإسلام في الكوفة ولن يمر وقت طويل حتى يقتل علي ، ، وحتى نرى عبد الله بن عباس ، ضيفاً على معاوية في مقر خلافته في دمشق ، مستقبلاً بالتوقير والملاطفة والعطايا ، غير أن العلة لم تكن فقط في نكوص رموز العقيدة عن حمل أعبائها ، بل كانت هناك علل أخرى قد تسللت إلى بنيان الدولة الإسلامية الوليدة فأجهزت عليه وهنا نترك حديث العقيدة ورموزها إلى حديث الدنيا وسياستها ، ونشير إلى أن أي حكم في التاريخ لا بد له مهابة ، وأن هيبة الحكم محصلة للتفاعل بين الحاكم والمحكوم ، وهي في النهاية ضرورة ليس لصلاح الحكم ، فهذا أمر آخر ، بل لتوطيد دعائمه ، واستمراره واستقراره ، ولا شك في أن أبا بكر بحروب الردة قد حفظ هذه الهيبة بل ورسخها في نفوس المحكومين ، ولا شك في أن عمر بعنفه وعدله معاً قد وصل بهذه الهيبة إلى أقصى الدرجات .
ولا شك أيضاً في أن عثمان قد هبط بها رويداً رويداً حتى تلاشت أو كادت ، فهو مرة يصدر قراراً خاطئاً ، ثم لا يلبث أن يقف على المنبر لكي يعتذر ويبكي ( حتى يبكي الجميع ) ، ثم لا يلبث أن يعود عن اعتذاره إلى عنف لا يملك مقوماته ، وهو في تأرجحه بين العنف واللين ، وتراوحه بين القرار وعكسه ، يفقد الحكم هيبته لدى الرعية شيئاً فشيئاً ، حتى يصل الأمر إلى خطف السيف من يده وكسره نصفين ، وإلى قذفه بالحجارة وهو على المنبر حتى يغشى عليه ، وإلى محاصرته ومنع المياه عنه ، بل أن يرسل إليه الأشترالنخعى خطاباً يفتتحه بالعبارة التالية :
" من مالك بن الحارث إلى الخليفة المبتلى الخاطئ الحائد عن سنة نبيه النابذ لحكم القرآن وراء ظهره "
ولعلى أجزم بأنه لم يكن هناك سبيل لعودة هذه الهيبة إلا برجل دنيا وسياسة وحكم من شاكلة معاوية ، رجل لا يتحرج أن يقتل حُجر بن عدى ، على إيمانه وعدله وزهده ، حين يعبر حجر الخيط الرفيع بين معارضة الحكم ومحاربته ، وبين الاعتراض على الحاكم ، والثورة عليه ، لأن القضية في نظره حكم أو لا حكم ، وسلطة أو لا سلطة ، وهيبة أو لا هيبة .
ولعل هذا المنطق هو ما حفظ جيش ( معاوية ) من الانقسام ، بينما سلك ( علي ) طريق الدين ، فحاور المنشقين ، وكلما أتوا بحجة أتى بحجة ، وإذا ذكروا آية أفحمهم بآية ، وإذا استشهدوا بحديث رد عليهم بحديث ، وكلما طال النقاش زادت الفرقة واتسع الانقسام ، ولم يعد هناك بد من أن يرفع عليهم السيف و أن يرفعوا عليه السيف ، و في النهاية صرعته سيوفهم ، لأنه هكذا ينتهي التطرف بالمتحاورين معه ، وهكذا يحسم الحوار ( الديني – الديني ) دائماً ، يحسمه الأكثر تطرفا لصالحه ، عادة يحسم معه أشياء كثيرة ، منها مبدأ الحوار ذاته ، وحياة المحاور ذاتها ، وإذا كنا نرى في أيامنا من المتطرفين عجباً ، فلأنهم رأوا منا عجباً ، تحسسوا هيبة الدولة فلم يجدوا هيبة ولا دولة ، عجموا عود النظام في الهين من الأمر فوجدوه مرناً مثل ( اللادن ) ، زادوا فوجدوه قد ازداد ليناً ، تمادوا فإذا به ينثني معهم أينما انثنوا ، عاجلوه بالجليل من الأمر فعاجلهم بضبط النفس ، انتظروا اللوم من قيادات الفكر السياسي ورموز المعارضة فلم يجدوا إلا من يشيد أو يستزيد ، ومن يصف مجرميهم بالشهداء ، أو ينعت فأسديهم بالشرفاء ، ولو طبقت عليهم الشريعة التي ينادون بها لعوملوا معاملة المفسدين في الأرض ، ولقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ، ولصلبوا في ميادين القاهرة والإسكندرية .
ما علينا ولنعد إلى صفحات التاريخ ، فقد توقفنا عند عثمان وعلي وذكرنا أن الخلافة الإسلامية قد انتهت علاقتها بالإسلام بعدهما ، ولم تكن لها بالإسلام صلة إلا في ومضات خاطفة تمثلت في عهد عمر بن عبد العزيز أو المهتدى ، ولعلها بدأت هذا المسار كما أشرنا في بداية عهد عثمان ، وإذا كنا ننزع صفة الإسلام عن الخلافة فيما ذلك من عهود فإن لنا في ذلك حجة سوف نسردها في موقعها من السرد ، والصحيح في رأينا أنها كانت خلافة عربية ، إن جاز التعميم وهو جائز ، والأدق أن نقول أنها قرشية إن شئنا الدقة في اللفظ وهو دقيق ، فقد حكمت قبيلة قريش المسلمين أكثر من تسعمائة سنة ) ، بينما حكم الإسلام ربع قرن أو أقل ، فالخلفاء الراشدون قرشيون ، والأمويون قرشيون والعباسيون قرشيون ، وقد استمرت الدولة العباسية بصورة رسمية ثم بصورة شكلية بعد سقوط بغداد حتى سقوك دولة المماليك في أيدي العثمانيين عام 918 هــ ، وأكاد أجزم بان قبيلة قريش بذلك تمثل أطول أسرة حاكمة في تاريخ الإنسانية كلها ، بل إن التاريخ لا يحدثنا عن أسرة واحدة حكمت نصف هذه الفترة ، ولو كان الأمر أمر رضا من المسلمين ، أو اختيار منهم لهان علينا وما توقفنا عنده ، لكننا نتوقف عنده طويلاً ، ونتأمله كثيراً لكونه ارتبط بأعز ما نملك وهو العقيدة ، وتستر بأقدس رداء وهو الدين ، واستند إلى أحاديث نبوية ننكرها على من ادعوها ، لأنها لا تمت لروح الإسلام بصلة .
وحسبك ذلك الحديث الذي استند إليه العباسيون حتى استمر حكمهم قرابة سبعمائة وستة وثمانين عاماً ، ومضمونه أن الخلافة إذا انتقلت إلى أيدي أولاد العباس ، ظلت في أيديهم حتى يسلموها إلى المهدى أو عيسى بن مريم ، وهو حديث كاذب ، ومختلقة كذوب ، وأنا وأنت أيها القارئ لا نختلف الآن على كذب الحديث ولا تكذيب قائلة ، حجتنا في ذلك أنه ببساطة لم يتحقق ، لكن هذه الحجة لم تكن متاحة لأجدادنا ، وما كان لهم إلا أن يخضعوا صاغرين للحديث ، وإلا اتهمهم فقهاء العصر ، شأنهم شأن بعض الفقهاء الذين يظهرون في كل عصر ، بنقص في دينهم ، والتواء في عقيدتهم ، وحسبنا أن مراجع الحديث ومنها الصحيحان وابن حنبل والدرامى وأبو داود تجمع على حديث يأتي حديث لو اجتمع عليه أهل الأرض لعارضناه ، فالإسلام السمح ، الذي أتى ليساوى بين العربي والأعجمي ، لا يميز أسرة من الأسر عن غيرها بدم أزرق ، لمجرد أنها قريش ، وها هو عمر يعلن قبيل وفاته ( لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لوليته ) ، وما كان سالم قرشياً ، وما كان عمر بالذي يجهل حديثاً له هذا القدر من الأهمية ، وها هو سعد بن عبادة ( الخزرجى ) ينافس أبا بكر على الخلافة ، ويرفض بيعته حتى وفاته ، ولو علم سعد بالحديث ما نافس ولا أنكر ولا رفض ولا أصر ، لكنه هكذا كان الأمر .
وهكذا خضع أجدادنا لحكم الخلفاء ، الفضلاء منهم ( و ما أندرهم ) والسفهاء منهم ( وما أكثرهم ) ، خوفاً من اتهامهم بالخروج على الطاعة ، أو المخالفة للجماعة ، ويا حسرة على إسلام عظيم أتي ليساوي بين الناس ، فأحاله البعض بالكذب ، إلى دين يرسخ التفرقة العنصرية ، ويرفع البعض فوق البعض بالنسب ، ولعل المنادين بالخلافة في عصرنا الحديث ، يدلوننا على سبيل نتحقق به من أنسابنا ، فربما كنا قرشيين دون أن ندري ، فنزايد في السياسة مع المزايدين ، ونطمع في الحكم مع الطامعين ونكره المنطق مع الكارهين .
وأخيراً ونحن نتجاوز عهد الراشدين إلى غيرهم ، يجدر بنا أن نستخلص نتيجتين :
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 08:29 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 08:31 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 10:27 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 10:28 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | adil amin | 11-25-06, 10:33 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 10:35 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 10:38 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 10:39 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 10:41 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 10:44 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 10:48 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 10:49 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Salah Musa | 11-25-06, 11:00 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 11:01 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 11:12 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 11:18 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 11:20 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 11:22 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 11:23 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 11:25 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 11:32 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 01:00 PM |
|
|
|