|
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده (Re: Sabri Elshareef)
|
قراءة جديدة في أوراق الراشدين
للقارئ أن يحزن ومن حقه أن يتعجب ، وهو يستعرض معنا ما عرضناه في الفصل الأول حول مصرع عثمان ، أما الحزن فأسبابه مفهومة ، وأما التعجب فأبوابه كثيرة ، إن سددت منها باباً وحسبت أنك استرحت ، انفتحت عليك أبواب ، وأثـقلتك هموم ، وحسبك أنك إن أدنت لا تدري من تدين ، فأنت إن أدنت الثائرين لا تملك أن تبرئ عثمان ، وأنت إن أدنت عثمان لا تملك أن تبرئ الثائرين ، وأنت إن أدنت الثائرين لا تملك إلا أن تتعاطف معهم في نوازعهم ، وأنت إن أدنت عثمان لا تملك إلا أن تتعاطف معه في مصرعه ، ولعلك بحكم العاطفة الدينية أقرب إلى إنصاف عثمان ، وإلى تلمس الأعذار له ، لكنك تصطدم في سبيلك هذا بأقوال كبار الصحابة وأفعالهم ودعوة بعضهم الصريحة إلى حمل السيف والخروج عليه ، فهذا عبد الرحمن بن عوف يقول لعلي: إن شئت أخذت سيفك وأخذ سيفي ، فقد خالف ما أعطاني ثم يقول لبعض في المرض الذي مات فيه : عالجوه قبل أن يطغي ملكه وهذا طلحة في المرض يؤلب الثائرين حتى لا يجد علي مفراً من أن يفتح بيت المال ، ويوزع من أمواله عليهم حتى يتفرقوا ، ويقره عثمان على ما فعل ، ولن تمر شهور حتى يقتل عثمان ، وحتى يخرج طلحة نفسه مطالباً بالثأر له في جيش عائشة ، وحتى يصاب بسهم رماه به مروان بن الحكم ، صفى عثمان وساعده الأيمن ، وخليفة المسلمين بعد ذلك بثلاثين عاماً ، ورفيق طلحة في الجيش الثائر من أجل الثأر ، وساعتها سوف يدرك طلحة أنها النهاية ، فيردد في لحظات الصدق مع النفس ومع الله ، هذا سهم رماني به الله ، اللهم خذ لعثمان منى حتى ترضى ، وهو قول بالغ الدلالة على صحوة الضمير ، وتيقن الخطأ ، ولم يكن طلحة في هذا مبتدعاً ، وإنما كان مسايراً لفعل أصحابه ، وهم أنفسهم صحابة الرسول ، غاية ما في الأمر أنه كان أكثر تطرفاً ، فأهلك وهلك ، أما علي والزبير وابن مسعود وعمار وغيرهم ، فقد تراوحوا في معارضتهم بين العنف واللين ، وانتهوا ما انتهى إليه طلحة ، حين هلك بعضهم معه ، وتأخر البعض إلى حين .
حدث ما حدث ، وقتل المسلمون بسيوف المسلمين ، وهلك الصحابة بسيوف الصحابة ، وبقيت دلالات الحوداث تؤرق أذهاننا حتى اليوم ، واختلف الفقهاء حتى يومنا هذا مع ما لم يتمن أحد أن يناقش ، ناهيك عن أن يحدث ، وهو ( شرعة قتال أهل القبلة ) ، أي مشروعية قتال المسلمين للمسلمين ، ويحلو للبعض أن ينسب نشأة هذه الظاهرة إلى أوائل عهد علي ، لكنا نعود بها إلى عهد أبي بكر ، حين نتوقف أمام حروب الردة متأملين مفرقين بين قتال أبي بكر للمرتدين عن الإسلام ، وبين قتاله للممتنعين عن دفع الزكاة له أو لبيت المال ، ولنا في التفرقة بين الفريقين منطق بسيط ، يسلم بارتداد الفريق الأول ، ويتحرز في وصف الفريق الثاني بالردة ، فقد كانوا ينطقون بالشهادتين ، ويؤدون جميعا دون إنكار ، ويؤدون الزكاة نفسها لكن للمحتاج وليس للخليفة أو لبيت المال ، وكانت حجتهم في ذلك الآية الكريمة ( خذ من أموالهم ) ، منصرفة إلى الرسول ، موجهة إليه ، ولا يجوز أن تنصرف لغيره ، لأنها لم توجه إلى غيره ، حتى لو كان هذا الغير خليفة الرسول ، ولعلنا ونحن نتأمل ونفرق ، وربما نتعاطف ، نستحضر في أذهاننا موقف عمر من أبي بكر ، وهو يسائله عن حجته في قتل من ينطق بالشهادتين ، فيجيبه أبو بكر بما يعنى أن للشهادة ( حقها ) ، يقصد بهذا الحق أداء الزكاة لبيت المال ، وهو اجتهاد مجهد وجهيد ، ولعل عمر كان يستحضر في ذهنه وهو يحاور أبا بكر حديث الرسول عن أن المسلم لا يقتل إلا لثلاث ، إن زنى بعد إحصان ، أو أرتد بعد إيمان ، أو قصاصاً لقتل النفس بغير حق ، ولعله كان يرى أن نفى الإيمان عن ناطق الشهادتين ، مؤدى الصلاة ، صائم رمضان ، حاج البيت أن استطاع لذلك سبيلاً ، مؤدى الزكاة إلى المحتاج دون وساطة ، أمر أن لم يتسع له الإنكار ، ونظنه يتسع له ، فلا بد أن يضيق به باب القبول أي ضيق ، ولعلنا إلى مثل ذلك الضيق أقرب ، بل لعلنا منكرون كل الإنكار ، لسبب يتصل بنا أكثر مما يتصل بعمر أو بأبي بكر .
فنحن نفعل ما فعله أولئك القوم تماماً ، وندفع الزكاة للمحتاج كما كانوا يدفعونها تماماً ، ولا ندفعها مثلاً لوزارة الخزانة أو لرئيس الجمهورية ، وإن جاز لأبي بكر قتالهم وقتلهم ، فإنه يجوز للبعض أن يخرجوا علينا مقاتلين وقاتلين ، لا يشفع لنا عندهم أن نرفع عقيرتنا بالنطق بالشهادتين ، ولا أن نقسم على أننا ملتزمون بأركان الدين ملزمون لأنفسنا بها ، ولولا أننا لم نجد في ديننا عصمة لغير النبي ، ولولا أيضاً أننا نرى أن اجتهاد أبي بكر من يليه ، وإلا لسلك جميع جمع الخلفاء سبيله في تولية من يليه ، بالنص على اسمه في كتاب مغلق يبايعون عليه مغلقاً ، وهو ما لم يأخذ به أحد بعده ، لولا هذا كله ، ولولا إيماننا بأن الإسلام حق ، والقرآن حق ، ونبوة الأنبياء حق ، وبشرية غيرهم حق ، ما تناولنا ما أوردناه .
و ما استطردنا فذكرنا أن أبا بكر كان على حق ، إذا ناقشنا الأمر من باب آخر هو باب السياسة . فلولا ما فعل ما أصبح للإسلام دولة ثابتة الأركان ، متينة البينان ، تفتح البلدان ، وتنشر العقيدة وتثبت دعائمها ، ولقد اجتهد أبو بكر في السياسة فأصاب دون شك ، واجتهد في الدين فأصاب أجرين في رأيه ، وأجراً واحداً في رأينا ، وربما أثبت لمن يرونه أصاب أجراً واحداً أن السياسة قد تتناقض مع قواعد الدين وأصوله ، تلك المحفوظة لنا تماماً كما وجدها ، وكما نجدها قرآناً وسنة .
وما كان اجتهادنا إلا اجتهاداً وما كان لأحد أن يزعم أن اجتهاد أبي بكر أصل من أصول العقيدة أو ركيزة من ركائز الإيمان ، وما كان لنا أن نؤيد ما قد يراه من أن قرار أبي بكر كان سياسياً وليس دينيا ، وبمعنى آخر كان علمانياً يفصل بين السياسة والدين ، فنحن لا نود أن نرد على تعسف في الاجتهاد بتعسف في الإستنتاج ، ولعل فيما ذكرناه ونذكره الكفاية لاستنزال اللعنات علينا ممن يرون في أسماء الصحابة قدساً من الأقداس ، وفي أفعالهم طوطماً لا يمس ، وحسبنا أن نذكرهم بحديث الرسول الكريم ، عن أن عمار بن ياسر سوف تقتله الفئة الباغية ، وهو حديث ثابت وصحيح ، لأن الجميع تذكره حين قتل عمار ، تذكره جيش علي فتهلل ، وتذكره جيش معاوية فتزلزل ، ولم يهدئ روعه إلا رد معاوية المحنك " قتله من أخرجه " .
غير أنا نرى الأمر بعد هذه السنوات عظيماً وجليلاً وذا خطر ، ونقرأه بعد كل هذه السنوات فنتزلزل ، فإحدى الفئتين باغية لا شك ، ولو سلمنا بظاهر الحديث لحكمنا عل جيش معاوية بالبغى ، ولأصبح معاوية باغياً وعمرو بن العاص باغياً ، ومروان بن الحكم باغياً ، وعبيد الله بن عمر باغياً ، وغيرهم وغيرهم .
ولو سلمنا بتفسير معاوية لأصبح البغاة فريقاً من كبار الصالحين لا نجرؤ على ذكر أسمائهم مقترنة بالبغى ، وإذا كنا قد توقفنا عند مقابلة اجتهاد أبي بكر باجتهاد مقابل ، فإن بعضاً من كبار الصالحين مثل واصل بن عطاء ، فقيه المعتزلة وإمامهم ، وعمرو بن عبيد ، الزاهد الورع ، الذي وصفه الخليفة المنصور بقوله الشهير ( كلكم يطلب صيد . غير عمرو بن عبيد ) ، كانا أجرأ منا حين أطلقا لعقولهم العنان ، وهما من هما ، تديناً وفقهاً وعلماً ، فأنكرا فعل الفريقين في أصحاب الجمل ، وأصحاب صفين ، وذكرا أنه " لا تجوز قبول شهادة علي وطلحة والزبير على باقة بقل ( كل نبات اخضرت له الأرض ) " ، وأوضح من قول واصل وعمرو ، قول عبد الله بن عباس لعبد الله بن الزبير ( لو كان جيش الإمام على حق فقد كفر الزبير بقتاله ، ولو كان جيش عائشة على حق فقد كفر الزبير بتخليه عنه ) .
وهي أقوال لا نفحصها ولا نمحصها ، وإنما نذكرها متأملين ، مقارنين عصراً بعصر ، ومناخاً بمناخ ، وفكراً بفكر ، وحسبنا أننا لا نتجاوز الاجتهاد في تفسير الوقائع ، بينما اجتهد عمر بن الخطاب فيما هو أجـّل وأعظم ، مخالفاً ما نعرفه ونلتزم به من أنه لا اجتهاد في النص ، أو لا اجتهاد مع وجود نص ، ولم يكن اجتهاده قاصراً على التفسير أو التعديل ، بل امتد إلى التعطيل والمخالفة ، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة اجتهاده ، ولعلنا لا نعرف نظيراً لعمر كرجل دين ورجل دولة على مدى التاريخ الإسلامي كله ، فهو القاسي على نفسه في الحق ، ومن هنا قبلت الرعية قسوته ، ثقة منها أنه على حق ، وهو الزاهد في الدنيا زهداً لم يعرفه حاكم قبله أو بعده ومن هنا قبل الجميع أن يحاسبهم ، وأن يتحرى عن كسبهم ، وأن يأخذ منهم ما يفيض عن حاجتهم ، وأن يعنف عليهم أشد العنف ، إن رأي فيهم أهون الميل للهوى ، أو الهوى للميل ، وهو الذي يخطئ فيتعلم من الخطأ ولا تأخذه العزة بالإثم .
فها هو يولى عمار بن ياسر على الكوفة ، ثم لا يلبث أن يتبين أن صلاح الدين لا يعنى بالضرورة صلاح الدنيا ، وأن للحكم ميدانه وللسياسة فرسانها ، وليس بالضرورة أن يكونوا رجال الدين وفرسانه ، فيعزل عمار ، ويولى أمثال المغيرة بن شعبة ويزيد بن أبي سفيان ومعاوية بن أبي سفيان ، ويرفض أن يولى أباذر معلناً أمامه أن به ضعفاً ، وأن الضعيف لا يولى مهما ارتفع في سلم العقيدة درجات ، فهذه ساحة وتلك ساحة ، إن اجتمعتا – ونادراً ما تجتمعان – فهو الكمال ، وإن افترقتا – وغالباً ما تفترقان – فلكل ساحة رجالها ، ولكل ميدان فرسانه ، فرجال السياسة أجدر بالحكم ، ورجال الدين أحفظ للعقيدة ، غير أن أعظم ما تركه عمر لنا ، هو ذاته أكثر ما تجنبه اللاحقون ، وما ارتعدوا عند ذكره ، ناهيك عن الإقدام عليه ، ونقصد به الاجتهاد ، ذلك الذي بدأنا حديث عمر بذكره وما تميز عمر فيه عن الجميع ، حين اجتهد -كما ذكرنا – مع وجود النص القرآني ، وبالمخالفة له ، وقدم في تبرير ذلك حجة رائعة ، ما أجدر المنغلقين في زماننا أن يقفوا أمامها بالتأمل طويلاً ، وما أجدرنا بأن نذكرها لهم تفصيلاً ، عسى أن تتسع لها قلوبهم ، ويتعلموا منها أن العقل قد يسبق النقل ، وأن التفكير لا بد وأن يسبق التكفير ، ولعلنا نسائلهم مداعبين قبل أن نعرض عليهم ما نعرض ، ما حكمكم إذا ذكرنا لكم دون تخصيص أو تفصيل أن حاكماً مسلماً ، لدولة مسلمة ، قد أفتى بمخالفة نص قرآني مع علمه به ، وطبق قاعدة مختلفة معه ومخالفة له ، وأفتى بجواز مخالفة النص ذاكراً أن واقع الحياة قد تجاوزه ، وأن المنطق لم يعد يستقيم معه ، ولعلنا متصورون ، بل ومتأكدون من الإجابة ، ولعلنا أيضاً هاتفون بهم حنانيكم ، تمهلوا قليلاً ، وتحسبوا كثيراً ، فنحن نتحدث عن عمر بن الخطاب ، وهاكم النموذج كما يسرده عالم جليل ، في كتاب من أهم وأرقى ما كتب في السنوات الأخيرة .
أما العالم فهو الدكتور عبد المنعم النمر وأما الكتاب فعنوانه ( الاجتهاد ) وأما القاعدة التي نتحدث عنها فهي خاصة بسهم المؤلفة قلوبهم وهاكم ما كتبه الدكتور النمر:
( سهم المؤلفة قلوبهم وهو سهم قد نص عليه القرآن ما كتبه القرآن الكريم في آية توزيع الزكاة " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم " التوبة / 60
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعطيهم – وهم كفار – أو ليسوا على إسلام صحيح صادق بل متأرجحين ، ليتألف بالعطاء قلوبهم – وطالما استعبد الإنسان إحسان – فيكفوا عن المسلمين شرهم ، وليكسب ودهم أو لسانهم ، وربما حبهم وإسلامهم ، يروى سعيد بن المسيب عن صفوان بن أمية قال : " أعطاني رسول الله وإنه لأبغض الناس إليّ ، فما زال يعطيني حتى أنه لأحب الخلق إلى
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 08:29 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 08:31 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 10:27 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 10:28 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | adil amin | 11-25-06, 10:33 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 10:35 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 10:38 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 10:39 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 10:41 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 10:44 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 10:48 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 10:49 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Salah Musa | 11-25-06, 11:00 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 11:01 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 11:12 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 11:18 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 11:20 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 11:22 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 11:23 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 11:25 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 11:32 AM |
Re: الحقيقة الغائبة / الشهيد فرج فوده | Sabri Elshareef | 11-25-06, 01:00 PM |
|
|
|