|
Re: سليمان الخراشي: عن ثقافة التلبيس فى مدح الاختلاف بين المسلمين وتس (Re: Abobakr Shadad)
|
هل يدخل أهل السنة في أهل الاختلاف المذموم ؟!
قد يقول قائل : وماذا عن أهل السنة المختلفين في مسائل الفقه ، هل يدخلون في أهل الاختلاف الذين ذمهم الله تعالى ؟!
فالجواب ماقاله الشاطبي رحمه الله :
( قد نقل المفسرون عن الحسن في هذه الآية أنه قال " أما أهل رحمة الله فإنهم لا يختلفون اختلافًا يضيرهم " .
يعني : لأنه في مسائل الاجتهاد التي لا نص فيها يقطع العذر ، بل لهم فيه أعظم العذر ، ومع أن الشارع لما علم أن هذا النوع من الاختلاف واقع ، أتى فيه بأصل يُرجع إليه ، وهو قول الله تعالى ( فإن تنازعتم في شيئ فردوه إلى الله والرسول ) فكل اختلاف من هذا القبيل حكم الله فيه أن يُرد إلى الله ، وذلك رده إلى كتابه ، وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك رده إليه إذا كان حيًا ، وإلى سنته بعد موته ، وكذلك فعل العلماء رضي الله عنهم .
إلا أن لقائل أن يقول : هل هم داخلون تحت قوله تعالى ( ولا يزالون مختلفين ) أم لا ؟
والجواب : أنه لا يصح أن يدخل تحت مقتضاها أهل هذا الاختلاف من أوجه :
أحدها : أن الآية اقتضت أن أهل الاختلاف المذكور مباينون لأهل الرحمة ؛ لقوله ( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ) ، فإنها اقتضت قسمين : أهل اختلاف ومرحومين ، فظاهر التقسيم أن أهل الرحمة ليسوا من أهل الاختلاف ، وإلا كان قسم الشيء قسيماً له، ولم يستقم معنى الاستثناء .
والثاني : أنه قال فيها ( ولا يزالون مختلفين ) فظاهر هذا أن وصف الاختلاف لازم لهم ، حتى أطلق عليهم لفظ اسم الفاعل المشعر بالثبوت ، وأهل الرحمة مبرؤن من ذلك ؛ لأن وصف الرحمة ينافي الثبوت على المخالفة ، بل إن خالف أحدهم في مسألة فإنما يخالف فيها تحريًا لقصد الشارع فيها ، حتى إذا تبين له الخطأ فيها راجع نفسه وتلافى أمره ، فخلافه في المسألة بالعرض لا بالقصد الأول ، فلم يكن وصف الاختلاف لازمًا له ، ولا ثابتًا ، فكان التعبير عنه بالفعل الذي يقتضي العلاج والانقطاع أليق في الموضع .
والثالث : أنا نقطع بأن الخلاف في مسائل الاجتهاد واقع ممن حصل له محض الرحمة ؛ وهم الصحابة ومن اتبعهم بإحسان رضي الله عنهم ، بحيث لا يصح إدخالهم في قسيم المختلفين بوجه ، فلو كان المخالف منهم في بعض المسائل معدودًا من أهل الاختلاف – ولو بوجه ما – لم يصح إطلاق القول في حقه : إنه من أهل الرحمة . وذلك باطل بإجماع أهل السنة .
الرابع : أن جماعة من السلف الصالح جعلوا اختلاف الأمة في الفروع ضربًا من ضروب الرحمة ، وإذا كان من جملة الرحمة ، فلا يمكن أن يكون صاحبه خارجًا من قسم أهل الرحمة ) . (الاعتصام 3/122-124) ( وانظر : مقدمات في الأهواء ، للشيخ ناصر العقل ،ص 32).
قلت : يعني بالرابع : مثل قول الإمام أحمد لما قال لمن ألف كتاب الاختلاف :" سمه كتاب السعة " ، ومثل قول عمر بن عبدالعزيز عندما قال : " ما أحب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا ، لأنه لو كان قولا واحدًا كان الناس في ضيق ، وإنهم أئمة يُقتدى بهم ، فلو أخذ أحد بقول رجل منهم كان في سعة " .
وهذا كما قال القاضي إسماعيل : ( إنما التوسعة في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توسعة في اجتهاد الرأي ، فأما أن يكون توسعة أن يقول الإنسان بقول واحد منهم من غير أن يكون الحق عنده فيه فلا . ولكن اختلافهم يدل على أنهم اجتهدوا فاختلفوا )
قال ابن عبدالبر معلقًا : ( كلام إسماعيل هذا حسن جدًا ) .( جامع بيان العلم ، ص 395).
وقال الدكتور عبدالسلام المجيدي : ( المراد من كون الاختلاف رحمة ومن قول عمر بن عبدالعزيز رحمه الله إن صح عنه : هو السعة في جواز أصل الاجتهاد ، فكما حل لهم الاجتهاد حتى اختلفوا ؛ حل لمن بعدهم ، فالرحمة في جواز أصل الاجتهاد ، وفيما أدى إليه اجتهادهم في المسائل الاجتهادية ، لا فيما أدى إليه اجتهادهم في كل مسألة ورد فيها خلاف ) . ( لا إنكار في مسائل الخلاف ، ص 154-155) .
إذًا : فليس معنى التوسعة في الخلاف التشهي بين الأقوال المختلفة ، كما يظن البعض . قال شيخ الإسلام : ( وأما قول القائل : كلٌ يعمل في دينه الذي يشتهي ، فهي كلمة عظيمة يجب أن يُستتاب منها ، وإلا عوقب ، بل الإصرار على مثل هذه الكلمة يوجب القتل ، فليس لأحد أن يعمل في الدين إلا ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم دون ما يشتهيه أو يهواه ) . ( الفتاوى 22/240) ( وانظر : دراسة نقدية ..للعثمان ) . فأهل السنة – ولله الحمد – مجتمعون على أصول واحدة ، وخلافاتهم الفقهية يُرجع فيها إلى الدليل ، فإن كانت من المسائل الاجتهادية – وهي قليلة – عذر بعضهم فيها بعضًا ، ولم يُنكر عليه . وإن كانت ليست مسألة اجتهاد ، بل الدليل فيها بيّن ؛ أنكر على المخالف .
( ولمعرفة الفرق بين المسائل الخلافية التي يُنكر فيها على المخالف ، والمسائل الاجتهادية التي لايسوغ فيها الإنكار ؛ ارجع إلى هذه الرسائل المهمة : " الاختلاف وماإليه " للشيخ محمد عمر بازمول ، و " حكم الإنكار في مسائل الخلاف " للدكتور فضل إلهي ، و " حجج الأسلاف في بيان الفرق بين مسائل الاجتهاد ومسائل الخلاف " للشيخ فوزي الأثري ، وبحث " الإنكار في مسائل الخلاف " للدكتور عبدالله الطريقي ، منشور في مجلة البحوث ، عدد 47 ) .
وبهذا تجتمع الأمة على الحق وتأتلف ، وتستجيب لقوله تعالى ( واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا ) .
أما من يريد بقاء الأمة على اختلافاتها ، ويسوغ لها ذلك ، فهو مريد لها استمرار الهوان والضعف ، سواء قصد هذا أم لم يقصده ، كما قال تعالى ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) .
والله الهادي والموفق .
ثقافة التلبيس (1) : مصطلح "أهل القبلة" !.. ثقافة التلبيس (2) : مصطلح (الإصلاح) ثقافة التلبيس (3) : مصطلح (الحياد) ثقافة التلبيس (4) " المجتمع المدني " الموضة الجديدة لأصحاب " اللحى الليبرالية " ثقافة التلبيس (5) : مدح الاختلاف بين المسلمين وتسويغه
http://www.saaid.net/Warathah/Alkharashy/m/36.htm
|
|
|
|
|
|
|
|
|