مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) .

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-20-2024, 06:48 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-19-2011, 08:59 AM

مركز الخاتم عدلان
<aمركز الخاتم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 3485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . (Re: مركز الخاتم عدلان)

    ورقة الأستاذ كمال الجزولى
    توأمة الدَّولتين المستقلتين بين الواقع والممكن






    (1)
    كان تقديرنا&atilde;، عقب جولة مشاكوس بكينيا، في بواكير مفاوضات السَّلام بين الحكومة والحركة الشعبيَّة عام 2002م، أنه، وسواء انتهت أو لم تنتهِ تلك المفاوضات إلى أيِّ شئ، فإن أحكَمَ ما كان ينبغي تسديده من نظر تجاهها هو أن نكفَّ عن اعتبارها (يوم قيامة) سياسي ينجرد فيه (الحساب الختامي) لـ (الحالة السُّودانيَّة)، فتنغلق (الدَّفاتر) كلها، ويجري تبادل (المخالصات النهائيَّة)! ذلك أن (السَّلام) ليس محض وثيقة نمهرها بتوقيعاتنا، بل ساحة أخرى من ساحات صراعاتنا السِّياسيَّة ـ الاقتصاديَّة ـ الاجتماعيَّة التي يقع علينا وحدنا عبء مجابهتها، وتحمُّل استحقاقااتها، من حيث إحسان ترتيبها وتدبيرها وإدارتها.
    على أننا لم نفعل، كما هي عادتنا دائماً، ربَّما لأن أحداً من ميسِّري (واغ الواغ) الذين مكَّناهم، بغفلتنا، من هذا الأمر لم يحفل، أصلاً، بإشراكنا فيه! ولا يتوهَّمنَّ كريمٌ أن ضمير المتكلم للجمع (العاقل!) هنا عائد، فقط، إلى قوى المعارضة والمجتمع المدني، فثمَّة أكثر من سبب للاعتقاد بأن الحكومة والحركة نفسيهما ما انفكا يتزحزحان، على طاولة المفاوضات، من خانة (الذات) إلى خانة (الموضوع)! وما الطريقة الدراماتيكيَّة التي أخرج بها (الإتفاق الإطاري ـ مشاكوس) لدى ختام تلك الجولة الأولى، في 20/7/2002م، ببعيدة عن الأذهان&atilde;&atilde;!
    صحيح أنه لا جدال، البتة، في كون عالمنا أمسى يزداد تقارباً، وانشغالاً بأطرافه، مهما ترامت، وأن أهمَّ ما يهمُّه هو إطفاء بؤر النزاعات المشتعلة، بكلفتها العالية التي أثبتت خبراته أنه سيجد نفسه، على نحو أو آخر، مضطراً لسدادها! سوى أننا ينبغي ألا ننسى، ولو للحظة، أنه عالم منقسم، أقله قوى استعماريَّة استكملت مقوِّمات بطشها المادِّي، وأكثره شعوب ما تزال تراكم عناصر نفوذها المعنوي؛ والخلط بينهما ضرب من الغشامة في أفضل الأحوال!
    لذلك، ولأن من يفرِّط في أجندته الوطنيَّة لا يعود من سبيل، أمامه، لذمِّ الأجندات الأجنبيَّة، فإن الأمل معقود بالمدى الذي سنفيق فيه، جميعاً، إلى أن ما اصطلحنا عليه بـ (مشكلة الجنوب) هو، فى الحقيقة، محض ملمح أعلى صوتاً لمشكلة بنائنا الوطني كله؛ فهل، تراها، كفت (الوحدة)، نهائياً، عن أن تكون خيارنا المصيري؟! ألم يتبقَّ لنا، حقاً، سوى المفاضلة اليائسة، من (الجنوب) إلى (دارفور)، بين (انفصال) مأساوي، وبين (وحدة) بشعرة معاوية لا نجد في أيدينا ما نتداوله بشأنها غير حفنة من التدابير العجفاء، نتبضع بها من عاصمة لعاصمة، ونمضغها ونثفلها من جولة مفاوضات إلى أخرى، كمنصب النائب الأول، ووضع العاصمة القوميَّة، والترتيبات الأمنيَّة .. الخ؟! فأين، إذن، موقع العامل الثقافي والنفسي التاريخي من إعراب هذه التدابير التى لا يتوقف مُيَسِّرو (المبادرات) عن اجتراحها بلا هوادة؟‍‍!‍

    (2)
    لقد شاع التأكيد على عناصر (الوحدة) بين مفردات منظومة التنوُّع السُّوداني لدى أغلب الباحثين والكاتبين، بما يعفينا من الخوض، هنا، في تفاصيل اقتران الثقافي بالسِّياسي، على امتداد خطوط التاريخي والجُّغرافي والاقتصادي والإثني&atilde;&atilde;&atilde; وما إلى ذلك. على أنه، برغم علوِّ صوت السِّياسى فوق هذه العوامل مجتمعة، فثمَّة ما يدفع للتجرُّؤ على القول بأن ثمَّة مشكلة ثقافيَّة تكمن، يقيناً، خلف كلِّ مشكلة سياسيَّة في بلادنا، خصوصاً فى ما يتصل بقضيَّة (الوحدة)، لشدَّة ارتباط الثقافي بمسائل أضحى البعض يستخفُّ، مؤخراً، بقيمتها، للأسف، ويهوِّن من شأنها، عياناً بياناً، الأمر الذي ربَّما كان نتاجاً لاستصعاب التصدِّي لتعقيداتها، كمسائل الهُويَّة، والوعي بـ (الذات) وبـ (الآخر)، والاحساس المشروع بالتميُّز، قبل أن يُخرج الاقتصاد السِّياسي للتساكن القومي، وعلم اجتماعه، من فوق هذا كله، أثقال (قسمة السلطة والثروة) وما إليها.
    ولكون الثقافي/النفسي/التاريخي هو، فى المحصَّلة النهائيَّة، المختبر الأدقُّ لقياس رغائب الناس الحقيقيَّة، والتعبير الأكثر صدقاً واكتمالاً في تفسير دوافعهم وخياراتهم، فإن ضجيج التعانف السِّياسي، في ما يتصل بـ (مشكلة الجنوب)، عجز تماماً، في هذا المنظور، وعلى كلا المستويين الحربي والسِّلمي، عن إخفاء حقيقة أن المقومات الثقافيَّة/النفسيَّة/التاريخيَّة للوحدة تبقى، بالنسبة للجَّنوبيين بعامَّة، وأكثر المثقفين منهم بخاصة، أقوى من دواعى الانفصال الذي ظلوا متهومين به في مستوى الوعي الاجتماعي الزائف، والسَّائد في الشمال.
    تلك هى الفرضيَّة الرَّئيسة لهذه الكتابة، وقد تكفي أعجل نظرة مستبصرة على تاريخنا الحديث والمعاصر لالتقاط مؤشِّرات جليَّة باتجاهها؛ ومن نماذجها الوضيئة &atilde;&atilde;&atilde;&atilde;:
    (1) أن ذاكرة الرِّق التاريخيَّة لم تحُل، بكلِّ تأثيراتها السَّالبة على صورة العربى المسلم عموماً، والمستعرب السوداني المسلم خصوصاً، دون أن تتبلور صورة الإمام المهدى، عليه السَّلام، كإبن للروح المقدَّس (دينق) لدى الدينكا، مثلاً، فانخرطوا، من ثمَّ، خلف قيادته فى الحرب الثوريَّة ضدَّ الأتراك، وتأسيس أول دولة سودانية موحَّدة.
    (2) وأن دينكا نقوك، في منطقة أبيي، قد خيِّروا، عام 1905م، بين الانضمام إلى مديريَّة (بحر الغزال) في (الجنوب) أو الانضمام إلى مديريَّة (كردفان) في (الشمال)، فاختاروا (كردفان)، حيث صاغوا، لما يناهز القرن، تحت قيادة سلطانهم دينق ماجوك، مع المسيريَّة، بزعامة ناظرهم بابو نمر، نموذجاً فريداً في إمكانيَّة التساكن بين القوامات السودانيَّة ذات الأصول المختلفة عرقيَّاً وثقافيَّاً.
    (3) وأنه، برغم (السِّياسة الجَّنوبيَّة) التى أسَّستها الإدارة البريطانيَّة على ترسانة من قوانين الفصل بين شطري البلاد، كقانون الجوازات والتراخيص لسنة 1922م، وقانون المناطق المقفولة لسنة 1929م، وقانون محاكم زعماء القبائل لسنة 1931م، وفرض الإنجليزيَّة لغة رسميَّة في الجنوب، وتحديد نهاية الأسبوع فيه بالأحد، وتحريم ارتداء الأزياء الشَّماليَّة على أهله، وابتعاث طلابه لإكمال تعليمهم بيوغندا، برغم ذلك كله لم يحتج الأمر لأكثر من وعد شمالي بتلبية أشواق الجنوبيين للفيدراليَّة، كي يصوِّت نوابهم، فى أوَّل برلمان سوداني، مع استقلال السودان الموحَّد.
    (4) وأنه، برغم المواجهات الدَّمويَّة منذ 1955م، واستمرار (العدائيَّات) الناشئة عن خراقة السِّياسة الشَّماليَّة التقليديَّة تجاه الجنوب، وقصر نظر المواقف النخبويَّة الجَّنوبية تجاه الشمال، فإن صوت التعبيرات الوحدويَّة، على نحو أو آخر، لم يخفت إطلاقاً، سواء عقب ثورة أكتوبر، في لجنة الاثني عشر أو مؤتمر المائدة المستديرة، أو فى اتفاقيَّة أديس أبابا 1972م، أو على هامش العمليَّات الحربيَّة (1983م ـ 2002م)، أو في أقصى الأمداء التي بلغتها بهذه التعبيرات الوحدويَّة (اتفاقيَّة السَّلام الشامل، 2005م).
    (5) وأنه، برغم مكابرة أقسام مهمَّة من الإنتلجينسيا الجَّنوبيَّة بالإصرار على تضمين الدُّستور نصِّاً بأن الإنجليزيَّة هي لغة الجنوب الرَّسميَّة، بل واقتراح بعضهم السَّواحيليَّة، كما في دعوة الشاعر سِر أناي كلويلجانق(1)، مضت كلمة (الثقافي) الحاسمة في هذا الأمر، فانحصر استخدام الإنجليزيَّة بين النخب المتعلمة، وهى ليست لغة أفريقيَّة بأيِّ معنى، بينما واصلت اللغات المحليَّة رسالتها، من جهة، ومن جهة أخرى تكرَّس (عربي جوبا)، لغة للتواصل lingua franca بين التكوينات القوميَّة المختلفة في الإقليم، على غرار (عربي أم درمان) في الوسط وشتى مناطق الشمال؛ ولا غرو، فالعربيَّة لغة أفريقيَّة حملها "الجَّلابي .. إلى الجنوب .. منذ 1878م ، ووزَّع مفرداتها وصيغها مع بضائعه، ووجدت فيها قبائل الجنوب .. لغة تتفاهم بها في ما بينها"(2). ومع الإقرار بأن هذا كله لا يزال أقصر من قامة المعالجات المطلوبة فى إطار أيِّ تخطيط ثقافي ديموقراطي راشد، إلا أننا ".. لسنا بحاجة إلى اعتساف هذا التطوُّر الحُرِّ والموضوعي بصيغ دستوريَّة .. تنطوي على الإكراه"(3).
    (6) وأن الكثير من التحليلات لاحظت، عن حق، نزوح أغلب الجنوبيّين شمالاً، أوان حصار الحرب والفاقة لهم، مقارنة بمَن لا يلجأ منهم إلى بلدان الجوار الأفريقي إلا مضطراً.
    (7) وأن للشاعر سِر أناى كيلويلجانق ملاحظات سديدة في هذا الاتجاه؛ منها استخدام كلِّ اللغات الجَّنوبيَّة تقريباً لمفردة (جور)، بمعنى (الغريب)، إشارة إلى اليوغندي أو الزائيري مثلاً، مقابل استخدام مفردة (مندوكورو) للإشارة إلى المستعرب المسلم الشَّمالي (الجلابي)(4)؛ وكذلك إحساس الجَّنوبي، أوان تجواله في مدن الشمال وقراه، بأنه إنما يتجوَّل في أرض تخصُّه، بعكس إحساس الغربة الذي ما يلبث أن يلفه بمجرَّد أن تطأ قدماه أرض أيِّ بلد آخر، حتى لو كان في الجِّوار الأفريقي(5)! واستطراداً لا يعود سائغاً، بالنظر إلى هذه الملاحظة، التأويل العدائي الذي ساقته غلظة كبد الإعلام الرَّسمي، وجلافته، لعبارة الرَّاحل جون قرنق بأنه كان "يشتهي أن يشرب القهوة في المتمَّة"!
    (8) وأنه، على الرغم مِمَّا كان يلوح، أحياناً، أثناء مفاوضات السلام في كينيا، من ميل (مظهري) إلى (المفاصلة)، إلا أن (عين السخط) وحدها هي التي لم تستطع أن تلمح، من وراء ذلك، طيوف رغبة جنوبيَّة حقيقيَّة في (الوحدة)، وإن بأشراط أكثر غلظة لدى ذهنيَّة (الجلابة)، تحت شعار (السُّودان الجَّديد)!
    (9) وأن النوايا السَّيّئة وحدها، أيضاً، هي التي لا تستطيع أن تلتقط الدلالات الوحدويَّة الصادحة في حدثين بسيطي المظهر، عميقي المخبر، وقع كلاهما خلال أبريل 2009م:
    أ/ أوَّلهما لمسة الوفاء التي سجلها اتحاد الطلاب الجنوبيين لمدرسة الشيخ لطفي الثانويَّة برفاعة، والتي ظلت تحتضن، منذ 1984م، وبجهد أهلي مرموق، الآلاف من طلاب الجنوب النازحين من ظروف الحرب، وتوفر لهم فرص التعليم المجَّاني، حتى بلغ عدد الذين تخرَّجوا منهم فيها 13 ألفاً، وتشمل اللمسة خطة إعادة تأهيل المدرسة من حُرّ تبرُّعات الخريجين، وحثَّ حكومة الجنوب على إطلاق اسم الشيخ لطفي على أحد أكبر شوارع جوبا، فضلاً عن إنشاء مدرسة في إحدى مدن (الجنوب) توازي مدرسة الشيخ لطفي، فتستوعب الطلاب الجنوبيين والشماليين دعماً لـ (الوحدة الوطنيَّة).
    ب/ الحدث الآخر هو تفويج أندية الاستوائيَّة لكرة القدم 300 من الشباب، من الجنسين، بقافلة بصَّات من جوبا إلى كمبالا، يلوحون بأعلام السودان، مؤازرة لفريق المريخ في مباراته أمام فريق كمبالا ستي في العاصمة اليوغنديَّة، ضمن بطولة الأندية الأفريقية، الأمر الذي شكل أهم عوامل فوزه في ذلك اليوم.
    (10) وأن الكثير من الشماليين أصبحوا أكثر تذوُّقاً للعصي وغيرها من مشغولات العاج والأبنوس اليدويَّة الجنوبيَّة handicraft، كما وأن الكثيرين من زوَّار جوبا الشماليين يلاحظون، ولا بُدَّ، ضبط سائقي السَّيارات وأصحاب الكناتين مؤشّرات راديوهاتهم على إذاعة (هنا أم درمان)، لتصدح، ليس فقط بأغاني وردي وكابلي وزيدان وإبراهيم عوض، بل حتى النعام آدم ومحمد كرم الله وسائر طنابير (الشمال) النيلي!

    (3)
    ظلت حكومات (الجَّلابة) المتعاقبة في الخرطوم أسيرة للنقوش والظلال والتلاوين التي وسمت صورة الذات كما تشكلت تاريخيَّاً لدى الجَّماعة الإثنيَّة السُّودانيَّة المستعربة المسلمة المنتشرة، بالأساس، على طول الشريط النيلي شمالاً، وامتداداتها إلى مثلث الوسط (الخرطوم ـ كوسـتي ـ سنار)، وهي الجَّماعة التي انبثقت، في الأصل، من جذور إثنيَّة نوبيَّة، سوى أنها استعربت، وأسلمت، عبر القرون، ولم يعُد لنوبيَّتها معنى لديها. لقد بلورت النقوش والظلال والتلاوين المشار إليها جانباً مهمَّاً من الوعي الزَّائف لدى هذه الجَّماعة ونخبها، والمتوطن فى العِرْق العربي الخالص، واللسان العربي الخالص، والثقافة العربيَّة الإسلاميَّة الخالصة، وإن بدأت تأثيرات الاندغام فى حيثيَّات التحرُّر الوطني تدفع بأقسام مهمَّة من هذه الجَّماعة لاستشعار نبض العنصر الأفريقي الآخر، الزنجي والنوبي والبجاوي وغيره، ضمن مكوِّنات هذا الوعي، رغم البطء والخفوت اللذين يسمان هذا الاستشعار.
    على أن أكثر ما يعنينا هنا هو اليسر الذي نستطيع به التماس ملامح من هذه الصُّورة الملفقة للذات فى أساسيَّات المنهج الذى اتبعته، عام 1956م، لجنة التحقيق في أحداث توريت وغيرها عام 1955م. لقد ركزت تلك اللجنة، كما لاحظ فرانسيس دينق، بحق، على ما يفرِّق، تحت تأثير المبالغة في تقدير النتائج التاريخيَّة لعمليَّات (الأسلمة والتعريب) فى الشمال، وتضخيم الفوارق التى ترتبت عليها بين الشمال والجنوب(6). لقد أضحت تلك الفوارق بمثابة العُمَد التي يقوم عليها أيُّ (مرشد) لعمل أية حكومة مركزيَّة تجاه الجنوب، عسكريَّة كانت أو مدنيَّة، إلى حدِّ التيئيس من (الوحدة). ويمكن حصر تلك الفوارق في خمسة:
    أوَّلها: أن الشمال، عرقيَّاً، عربي، والجنوب زنجي، وأن الشمال، دينيَّاً، مسلم، والجنوب وثني، وأن الشمال، لغويَّاً، يتكلم العربيَّة، والجنوب يتكلم أكثر من ثمانين لغة.
    ثانيها: أن الجَّنوبيين يعتبرون الشَّماليين، لأسباب تاريخيَّة، أعداءهم التقليديين.
    ثالثها: أن السِّياسة البريطانيَّة دفعت، حتى 1947م، نحو تقييد تطوُّر الجَّنوبيين على خطوط أفريقية زنجية، وإعاقة أيِّ تقارب بينهم والشَّماليين، مستعينة في ذلك بأداة القانون، كالقوانين المار ذكرها، مثلما عمل النشاط التعليمي للإرساليَّات التبشيريَّة على تغذية هذه السِّياسة.
    رابعها: أن الشمال تطوَّر سريعاً في مختلف المجالات، لعدَّة أسباب اقتصاديَّة وسياسيَّة وجغرافيَّة وغيرها، بينما ظلَّ الجنوب على تخلفه المزرى، مِمَّا أورث أهله شعوراً بأنهم ضحايا خداع واستغلال وهيمنة من الشماليين.
    خامسها: أن الجنوبيين، لهذه العوامل، يفتقرون للشُّعور بالمواطنة المشتركة مع الشَّماليين (لاحظ الإحالة المستعلية إلى الشمال في ما يتصل بمعيار المواطنة)، ويفتقرون، من ثمَّ، إلى الشُّعور بالوطنيَّة، وحتى الوعي الذي برز مؤخراً، أي عشيَّة الاستقلال، هو وعي (إقليمي) وليس (وطنيَّاً).
    وكالعادة لم ينس التقرير اتهام الشِّيوعيين، ضمنيَّاً، بالضُّلوع فى تلك الأحداث، مشيراً لازدياد نشاطهم خلال ديسمبر 1954م في مركز الزاندي والمورو وبين عمَّال صناعة القطن ونقاباتهم!
    لكن ربما اكتسي طابعاً إيجابيَّاُ، من حيث قصد التقرير إلى العكس، توثيقه لكون الجَّبهة المعادية للاستعمار (الحزب الشِّيوعي) وزَّعت منشوراتها، آنذاك، بلغة الزاندي(7).
    باختصار كان التقرير نعياً حقيقيَّاً لكلِّ مقوِّمات (الوحدة)، كونه جاء نتاجاً طبيعيَّاً للذهنيَّة النخبويَّة المستعلية بمركزويَّة (الذات) في علاقتها بـ (الآخر)، والمنطلقة من معياريَّة وَهْم صراحة العرق، وصفاء اللسان، وتفوُّق الثقافة! وفى هذا تكمن تأثيراته المأساويَّة اللاحقة، حيث شكل، عمليَّاً، المعطيات المعتمَدة في خلفيَّة جُلِّ السِّياسات المتعاقبة بشأن الجنوب، منذ الاستقلال، باستثناء القليل من الشواهد التاريخيَّة الإيجابيَّة، كبيان 9 يونيو 1969م، وجهود وزارة شئون الجنوب بقيادة جوزيف قرنق (1969م ـ 1971م)، وما انعكس منها في اتفاقيَّة أديس أبابا 1972م.
    وإذن، فقد توهَّمت الحكومات المتعاقبة، تبعاً لذلك (المرشد)، أن تكريس (الوحدة) لا بُدَّ أن يعني، ميكانيكيَّاً، وبصورة تبسيطيَّة مُخِلة، الانطلاق على طول الخط المعاكس لترتيبات الإدارة البريطانيَّة السَّابقة؛ فأصبحت خطة (الأسلمة والتعريب) المتلازمين، ضربة لازب، في المنظور الإجرائي البحت، والقائمين في رموزيَّات القوَّة المادِّيَّة، وشطط التفوُّق العِرقي والثقافي، وإهدار حقِّ ثقافة الآخر في التميُّز، هي البديل (الوطني الحُرِّ المستقل) للسِّياسات الاستعماريَّة تجاه الجَّنوب حتى لم تترك له سبيلاً سوى (الانفصال) بموجب استفتاء يناير 2011م! وقد فاقم من ذلك، لأقصى حدٍّ، توهُّم الجَّماعة السُّودانيَّة المستعربة المسلمة، أو بالأحرى نخبها، أن عليها الوفاء، في هذه التخوم من العالمين العربي والإسلامي، بمهمَّة (مقدَّسة) ألقت بها على عاتقها الجَّماعة العربيَّة المسلمة الكبرى في مركز القلب من هذين العالمين؛ وفحوى هذه المهمَّة (تجسير) الهوَّة التي تعيق انسياب حركة (العروبة) و(الاسلام) نحو عالم الأفارقة الوثنيين، لتنساب الحضارة باتجاه واحد: من الشمال إلى الجنوب، الأمر الذى ولد لدى غالب النخب الشَّماليَّة، وبالأخص النخبة الإسلامويَّة التي تسيِّدت اقتصاديَّاً، وسياسيَّاً، واجتماعيَّاً، منذ 1989م، ذهنيَّة (رساليَّة) تجاه الجنوب، تقصي أيَّ مشروع لمثاقفة متكافئة، كي تستعيض عنه بمناهج وآليَّات الاخضاع والاستتباع subordination، مثلما ولد لدى قطاعات عريضة من النخب الجَّنوبيَّة ردود فعل شديدة العنف والحِدَّة تجاه كلِّ ما هو عربي وإسلامي، مِمَّا يتمظهر، غالباً، في الميل إلى تضخيم الانتماء للرُّموزيَّات الثقافيَّة والعرقيَّة (الأفريقانيَّة)، وللديانة المسيحيَّة، وللغة (الإنجليزيَّة)، رغم أنف الحقيقة القائلة بأن 60% من العرب موجودون، أصلاً، في قارَّة (أفريقيا)، ورغم أنف (عربي جوبا) الذى لا تعرف القوميَّات الجَّنوبيَّة نفسها، بلغاتها الثمانين، لغة تواصل غيره فيما بينها.
    تساوت فى مستوى هذا النظر أنظمة خرطوميَّة شتَّى: بعضها يدَّعى (العلمانيَّة)، وبعضها يتلبَّس (الثيوقراطيَّة)، وبعضها (ديكتاتوري عسكري)، وبعضها الآخر (ديموقراطي مدنى)، وبعضها الثالث (عسكري/مدني) يلعب (بالبيضة والحجر)! كما تساوت في النظر المعاكس، أو ردود الأفعال، على تفاوتها، أحزاب وتنظيمات وحركات جنوبيَّة، في (المدينة) كما في (الغابة)، منها ما يطالب بـ (الفيدراليَّة)، ومنها ما يدعو إلى أشكال أخرى من (الحكم الذاتي الإقليمي)، ومنها ما يروم (الانفصال) قولاً واحداً!

    (4)
    خطل هتين النظرتين المتصادمتين، واللتين لطالما حبستا (العروبة) و(الأفريقانيَّة)، على ركاكة المقابلة الاصطلاحيَّة، فى أسر مفاهيم عرقيَّة وثقافيَّة ضيِّقة، إنما يكمن، على اختلاف الأنظمة والحكومات الشَّماليَّة، والأحزاب والتنظيمات الجنوبيَّة، في كونهما تمتحان من الأوهام بدلاً من الوعي بحقائق الواقع الموضوعي، كما وتتمثل خطورتهما فى كونهما تواصلان دعم مناخ العدائيَّات المستمرِّ بلا طائل، بدلاً من الإسهام في دعم أيِّ مشروع معقول لوحدة مرموقة.
    لسنا البلد الوحيد الذي تلاقحت فيه الأعراق؛ على أنه ما من بلد كالسودان كذب فيه فريق من الناس على أنفسهم، زاعمين الانتساب إلى عرق (خالص) يستعلون به على بقيَّة الأعراق، فوجد الآخرون أنفسهم منخرطين، أيضاً، فى الكذب على النفس، مجابهة لهذا الاستعلاء باستعلاء مساو له في المقدار، ومضاد له في الاتجاه!
    ولسنا البلد الوحيد الذي قام على تعدُّد وتنوُّع تحتاج مكوِّناته إلى حوار تاريخي هادئ، ومثاقفة تلقائيَّة رائقة؛ غير أنه ما من بلد كالسودان كابرت فيه جماعة بتفوُّقها الثقافي والديني واللغوي، طالبة تنازل الآخرين عمَّا بأيديهم، وتسليمهم لها بالرِّيادة المطلقة، فلم تحصل منهم على غير الإيغال في الكراهيَّة المختلقة والدَّم المفتعل!
    ولسنا البلد الوحيد الذى أدَّى استلحاقه القسري بفلك السُّوق الرأسمالي العالمي إلى تفاوت قسمة الثروة، وحظوظ التنمية والتطوُّر، بين مختلف أقاليمه؛ سوى أنه ما من بلد كالسودان انطمست بصائر نخبه الحاكمة عن رؤية المخاطر التى يمكن أن تحيق بسلطتها نفسها، فيما لو تحوَّلت هذه المظالم إلى (غبينة) تاريخيَّة!
    وقع ذلك كله إلى حدِّ اختيار الجَّنوبيين (الانفصال) قبل أشهر قلائل، في استفتاء يناير 2011م. ومن الغفلة اعتبار نموذج الجنوب حالة استثنائيَّة غير قابلة للتكرار! بل إن من سداد الرأي، وحسن التدبير، الإقرار، بادئ ذي بدء، بأن الجنوب ليس، في حقيقة الأمر، سوى النموذج الوحيد المرشَّح لأن يحذو حذوه، في نهاية المطاف، كلُّ إقليم أو تكوين قومي بلغت روحه الحلقوم؛ ولعلَّ حالة دارفور الماثلة هي أوَّل ما يقفز إلى الأذهان إرهاص شؤم بهذا المآل!
    مع ذلك لا يأس؛ فليس من قبيل المعجزات، إن نحن تدجَّجنا بما يلزم من الوعي، وما يكفي من الإرادة السِّياسيَّة، أن يفضي بنا الانتباه لإيجابيات تساكننا السابق، وحقائق صراعاتنا نفسها، فضلاً عن حركة التدافع، وطنيَّاً وإقليميَّاً وعالميَّاً، إلى مستقبل (تستعيد) فيه بلادنا (وحدتها)، لا على خط الانحدار السَّابق، وإنما على أسس وطنيَّة جديدة وراسخة، حيث تنعم بدرجة معقولة من توازن التطوُّر، وتساوي الأعراق، وتعايش الأديان، وتحاور الثقافات، وتساكن التكوينات القوميَّة المختلفة. وما من شكٍّ في أننا سنكون أكثر قرباً من هذا المستقبل، بقدر ما سيراكم تاريخنا من معطيات موضوعيَّة تتيح لكل مفردة في منظومة تنوُّعنا وتعدُّدنا أن تعي (ذاتها)، في نسق علاقاتها بالمفردات (الأخرى)، دونما أوهام؛ وأن تعي مصالحها، في لجج هذا الصراع والتدافع، بصورة أفضل وأكثر واقعيَّة، الأمر الذي سيجعل من (التوازن)، و(التكافؤ)، و(النديَّة)، و(المساواة)، و(الحوار)، و(التعايش)، و(التساكن)، ليس، فقط، حالة بديلة عن حالة الاحتراب التي أسلمتنا إلى (الانفصال)، بل ضرورة لا غنى عنها لوجودنا نفسه!
    هذا هو التحدِّي الشاخص في أفق تطوُّرنا، في الوقت الراهن، والذي يَفترض أن نعكف، منذ الآن، على إتقان مجابهته بإحسان تدبُّر أمر أخطائنا السَّابقة التي أودت، في بعض مآلاتها، بوحدة الوطن؛ فالمستقبل المأمول ليس محض طور من أطوار الارتقاء التلقائي، بحيث يقع حتماً، في كلِّ الأحوال، سواء عملنا أو لم نعمل لأجله، وإنما يحتاج إلى حركة دفع قصديَّة جادَّة باتجاهه، تستهدف تحقيق درجات عليا من (التنمية)، لا مجرَّد (النمو)، وتسعى لبلوغ هذه الدرجات في مستوياتها (البشريَّة)، لا مجرَّد (المادِّيَّة)، وتخرج بهذه العمليَّات، بالغاً ما بلغت من الشُّح والبطء، من احتكار (مثلث الوسط الذهبي)، و(المركز) بالأخص، إلى رحاب الوطن بأسره، و(هوامشه) كافة، مِمَّا يمكن إجماله فى ثلاثة محاور أساسيَّة:
    (1) الإنطلاق من مجرَّد الإقرار بواقع التنوُّع إلى تصميم برامج لـ (التنمية المتوازنة) بين مكونات هذا التنوُّع كافة، مع إعطاء الأولويَّة لـ (إعادة استثمار الموارد القوميَّة)، بما في ذلك البترول حيثما وجد في أيَّة بقعة من الوطن، في القطاعين الزِّراعي والصِّناعي، وفي كلِّ مجالات التنمية القوميَّة الاقتصاديَّة ـ الاجتماعيَّة، كخطة ذات جدوى أكبر من مجرَّد الاقتصار على (قسمة العائد) البائسة التي سبق لحكومة الإنقاذ أن اتفقت عليها مع مجموعتي رياك مشار ولام أكول، ضمن ما عُرف، وقتها، بـ (اتفاقيَّة الخرطوم للسَّلام لسنة 1997م)، فما لبثت أن غدت، لاحقاً، (عجلاً مقدَّساً) لم يمكن تجاوزه ضمن مفاوضات السلام الشامل في ضواحي كينيا! غير أنه من المهم، أيضاً، وفي نفس الوقت، تخصيص ما يكفي من الموارد للإسراع في ردم فجوة التهميش التى تعانى منها مناطق شاسعة من الوطن، وذلك بتفعيل نظام (التمييز الإيجابي positive discrimination)، حيث لا بُد من إيلاء الاعتبار الكافي لمبدأ (المعاملة التفضيليَّة) للمناطق التي تشكل منابع الثروات القوميَّة، وإعادة استثمار عائدات هذه الثروات، كالبترول، والذهب، والإنتاج الزِّراعي والحيواني، مثلاً، لأغراض الارتقاء بخدمات الصحَّة والتعليم وغيرها في هذه المناطق، سواء كان ذلك من خلال ما تخصِّصه الميزانيَّة السَّنويَّة العامَّة، أو ما يُرصد ضمن ميزانيَّة التنمية.
    (2) ولأن العامل الاقتصادي غير قمين، وحده، بكفالة حل مشاكل التساكن القومي، ولنا الأسوة غير الحسنة، رأسماليَّاً كان ذلك أو اشتراكيَّاً، في ما وفرت، على سبيل المثال، خبرة الاتحاد السُّوفيتي وبعض بلدان الديموقراطيَّات الشعبيَّة سابقاً، فضلاً عن المشاهَد، عياناً بياناً، من مشكلتي الباسك في أسبانيا، والبريتان في فرنسا، والجَّيش الجُّمهوري الإيرلندي في بريطانيا، والكويبك في كندا، فلا مناص من التواضع على بناء دولة مدنيَّة ديموقراطيَّة قائمة في معياريَّة المواطنة، والعدالة الاجتماعيَّة، والحُرِّيَّات العامَّة، وحقوق الإنسان كافة، كما نصَّت عليها المواثيق الدَّوليَّة، لتكون حاضنة وطنيَّة لهذه العمليَّات، ليس في مستوى الإطار الدُّستوري والقانوني، فحسب، وإنما بالمراجعة التاريخيَّة المطلوبة بإلحاح لمحدِّدات الهُويَّة الوطنيَّة في السِّياسات الثقافيَّة، ومناهج التربية والتعليم، وبرامج الراديو والتلفزيون، وغيرها من أجهزة الإعلام ووسائط الاتصال الجَّماهيريَّة الأخرى ذات الأثر الحاسم في صياغة بنية الوعي الاجتماعي العام، بما يشيع مناخاً صالحاً لازدهار كلِّ المجموعات القوميَّة داخل الوطن، بمختلف ثقافاتها، وأديانها، ومعتقداتها، ولغاتها، ويهيئ لانخراطها في مثاقفة ديموقراطيَّة هادئة في ما بينها، "فليس أمرُّ من صدام الثقافات .. وأدمَى"، على قول شهير للمرحوم جمال محمد أحمد. خطوة كهذه يستحيل إنجازها عبر صفقة منفردة بين نخب في (الهامش)، مهما بلغ نفوذها، وبين نخبة في (المركز)، بالغاً ما بلغ فلاحها في بسط سلطانها، بل لا بُدَّ من إنجازها عبر أوسع مشاركة للجماهير المنظمة، على مستوى (المركز) و(الهامش) سواء بسواء، في أحزابها، وتنظيماتها السِّياسيَّة، ونقاباتها، واتحاداتها المهنيَّة والنوعيَّة، ومؤسَّساتها المدنيَّة الطوعيَّة، وروابطها الإقليميَّة والجهويَّة وغيرها.
    (3) وإلى ذلك لا بُدَّ من انخراط الجَّماعة المستعربة المسلمة في حوار داخلي سلمي وحُر بين جميع أقسامها، حول فهومها المتعارضة، هي نفسها، لدينها الواحد، فى علاقته بالدَّولة والسياسة، الأمر الذي لطالما شكل، منذ فجر الحركة الوطنيَّة، بؤرة نزاعات خطرة لم يقتصر أثرها السَّالب على معظم هذه الأقسام، فحسب، بل وامتدَّ ليطال علاقات هؤلاء المستعربين المسلمين عموماً بمساكنيهم من أهل الأعراق والأديان والثقافات الأخرى، بما أعاق وما زال يعوق (الوحدة الوطنيَّة) من كل الجوانب.
    تفصيل هذه المعالجات ما يلبث أن يكشف عن أنها ليست محض جداول لإجراءات إداريَّة محدَّدة، بل سيرورة تاريخيَّة باحتمالات برامجيَّة لانهائيَّة. ولذا من الصَّعب، بل من العبث، محاولة توصيفها، هنا، تفصيلاً، أو تقييدها بمدى زمني محدَّد، أو بترتيبات معيَّنة، أو بحكومة بعينها. وقد تتعرض هذه البرامج لانتكاسات حتى بعد التواضع عليها، وقد تبلغ هذه الانتكاسات حدَّ تكرار تجربة (الانفصال) نفسه في المديين القريب والمتوسِّط. على أن جملة عوامل (التوحيد) التي أشرنا اليها تدفعنا إلى التفاؤل بأن خيار (الوحدة)، أو (إعادة التوحيد!) سوف يشكل الخيار النهائي في المدى البعيد. وربما زودتنا بالمزيد من التفاؤل عبارة سر أناى الشاعرية الحكيمة: إن الآلام التى يعانيها وطننا الآن هي، يقيناً، الآم (الطلق)، لا (المرض)!

    (5)
    كثيرون هم المفكرون والمثقفون والسِّياسيُّون السُّودانيُّون الذين أفاقوا، منذ أزمان، في الشمال كما في الجنوب، على وعي جديد بخطل، بل وبخطورة توصيف حالة بلادنا بالاستناد إلى النظرتين المتصادمتين لـ (العروبة الخالصة) و(الأفريقانيَّة الخالصة). وحتى من لم يفِق، بعدُ، تماماً، أو ما يزال في طور المكابرة الفصاميَّة، فإن تعبيراته لا تعدم، فكريَّاً أو سلوكيَّاً، لمَّعاً وإشراقات من هذا الوعي الجَّديد الذى أنتج، على الأقلِّ، دعوة جادَّة ومؤثرة، على صعيدي السِّياسة والثقافة، من أجل صياغة مداخل (سودانويَّة) &atilde;&atilde;&atilde;&atilde;&atilde;جديدة للتعامل مع قضايانا ومشكلاتها، ليس بالنسبة للجنوب، فحسب، بل ولكلِّ إثنيَّات وجهويَّات الوطن، انطلاقاً من ضرورة الوعي الذى لا غنى عنه بحقائق السودان ذاته، على ما هو عليه، دونما حاجة للإحالة إلى غيره. لقد شكلت هذه الدعوة أحد أهمِّ المحاور التى اشتغل عليها كثيرون، من أبرزهم د. فرانسيس دينق، خصوصاً فى مباحثه حول إشكاليَّة الهويَّة وديناميكيَّاتها.
    منهج الإحالة هذا قد يفضي، أحياناً، إلى حدٍّ مُروِّع من البؤس المعرفي، ومن ذلك، على سبيل المثال، توصيف السودان كمحض (جسر) بين العالمين العربي والأفريقي! ولعلَّ فى هذا شيئاً مِمَّا نبَّه د. نور الدين ساتي لخطورته الاستثنائيَّة، كونه لا يورث الإنسان السوداني، في المحصلة النهائيَّة، سوى النظر إلى الذات "كجورب مقلوب!"(6).
    أما مقاربة الإشكاليَّة من مداخلها (السُّودانويَّة) فقمين، على العكس من ذلك، بتوفير معرفة أكثر قرباً من الحقيقة حول بلادنا، تاريخها، وحاضرها، ومستقبلها، دون تهويل من عناصر هذه المعرفة، أو تقليل من شأنها. وربَّما كان هذا هو أقصى ما تأمل في بلوغ شئ منه هذه الورقة التي تتحرَّك، كما سبق وأوضحنا، من افتراض أصالة العمق (الوحدوي) بين مختلف المكوِّنات القوميَّة في بلادنا، بما في ذلك، كما سبق وأوضحنا، أغلبيَّة الجَّنوبيين، عموماً، والمثقفين منهم خصوصاً، الأكثر تأثيراً على الوعي والقرار السِّياسيين، برغم قشرة الجَّفاء المظهريَّة السَّميكة، بل وبرغم نتيجة استفتاء يناير 2011م، والتي جاءت لصالح (الانفصال)، الأمر الذي يتيح أفقاً للتفاؤل، ليس، فقط، بإمكانيَّة المحافظة على وحدة ما تبقى من هذه المكوِّنات، بل وبإمكانيَّة استعادة الجنوب نفسه إلى ساحة الوحدة!
    مقاربة الإشكاليَّة على هذا النحو، وبهذه الفرضيَّة، يشرع الأبواب على مصاريعها لبروز مبادرة مفكَّر فيها إلى حدٍّ معقول، بحيث تجترح من المعالجات ما يمكن تحقيقه على أرض الواقع، تجاوزاً لحالة اليأس التي قد تشيع عقب التاسع من يوليو 2011م، أي في ظلِّ وضعيَّة ما بعد (الانفصال) التفكيكيَّة.

    (6)
    يتعيَّن علينا، عند هذا الحد، وإسهاماً في حفز الجُّهود الوطنيَّة بهذا الاتجاه، أن نعيد، باختصار، ومع شئ من التعديل الطفيف، طرح حزمة الأفكار التي سبق أن قدَّمناها قبيل وبُعَيد استفتاء يناير 2011م، والتي لا نجد بديلاً مقنعاً عنها، خصوصاً وقد تداعت إليها، في حينها، مجموعة مقدَّرة من المواطنين، يتقدَّمهم مفكرون، وأدباء، وفنانون، وكتاب، وصحفيون، وناشطون، وقادة مجتمع مدني، رجالاً ونساءً، حيث لمسوا فيها مبادرة كفيلة بسدِّ ذرائع اليأس، حال تبلورها، من جهة، كمحور لحراك شعبي واسع في الشمال والجنوب، ومن جهة أخرى كسياسة متبناة، رسميَّاً، من جانب كلتا الدَّولتين الشماليَّة والجنوبيَّة، ابتداء من ترتيبات الوفاء بمستحقات ما بعد الاستفتاء/الانفصال&atilde;&atilde;&atilde;&atilde;&atilde;&atilde;، وذلك على النحو الآتي:

    أوَّلاً: في المستوى الرَّسمي:
    (1) أن يقرَّ الطرفان، وبالأخص الطرف الشمالي، نتيجة الاستفتاء بشكل سلمي، فعلاً لا قولاً، وذلك بنشوء (دولتين مستقلتين) استقلالاً تاماً في الشمال والجنوب، بحيث تصبح حدود 1956م الإداريَّة القديمة بينهما حدوداً دوليَّة؛
    (2) وأن يتفقا، فوراً، على توأمة هتين الدَّولتين، رغم استقلالهما، وذلك بإنشاء (اتحاد) بينهما، أساسه سوق مشتركة، وعملة موحَّدة، وجنسيَّة مزدوجة جزئيَّاً؛
    (3) وأن تكون لهذا الاتحاد أجهزة مشتركة لخدمة المسائل المحدَّدة المذكورة أعلاه، وغيرها مِمَّا يمكن الاتفاق عليه بين الدولتين؛
    (4) وأن تشرف على عمل هذه الأجهزة مفوضيَّة يتفق على تكوينها بين الدولتين؛
    (5) وأن تكون لهذه المفوضية رئاسة وأمانة عامة تداوليتان متفق عليهما بين الدولتين؛
    (6) وأن تكون (أبيي)، التي ينبغي أن تتمتع، بعد مشورة أهلها، بشكل يتفق عليه من الحكم الذاتي، سواء أتبعت إلى الجنوب أو إلى الشمال، منطقة تمازج، وعاصمة إدارية للاتحاد.
    (7) وأن يتفق الشَّريكان على تعميم حُرِّيَّات (التنقل ـ الإقامة ـ العمل ـ التملك)، داخل الاتحاد؛
    (8) وأن يتفقا على أن تمتنع (الدَّولة السَّلف Predecessor State) عن إسقاط جنسيَّتها عمَّن اكتسبوها أو استحقوها بالميلاد أو التجنس، قبل حصولهم على جنسيَّة (الدَّولة الخلف Successor State) بالاختيار، تفادياً لخلق أيَّة حالة (بدون Statelessness)؛
    (9) وأن يتفقا على ضرورة أن يشتمل النظامان القانونيَّان في البلدين على السَّماح باكتساب الجِّنسيَّة المزدوجة، مع مراعاة أولويَّة منحها للمجموعتين الآتيتين:
    أ/ الشَّماليين الذين ارتبطت حياة ومصالح أجيالهم، عميقاً، بالجنوب، والجنوبيين الذين ارتبطت حياة ومصالح أجيالهم، عميقاً، بالشمال، تزاوجوا أو لم يتزاوجوا. إحساس هؤلاء بتهديد ترتيبات الانفصال الجَّديدة لحياتهم ومصالحهم قد يؤدي إلى العنف، وربما استعادة مناخ الحرب.
    ب/ القبائل الحدوديَّة بين الدَّولتين، من أقصى الغرب إلى أقصى الشَّرق، ويقدَّر عدد أفرادها بـ 9 ملايين شمالي، و4 ملايين جنوبي، أي قرابة ثلث إجمالي سُّكان الدَّولتين. فإذا علمنا، مثلاً، أن قبيلة المسيريَّة الشَّماليَّة وحدها، والموزَّعة على 9 أفرع، ويبلغ عدد أفرادها زهاء الـ 135 ألف شخص يمارسون الرَّعي، بالأساس، ويمتلكون 10 ملايين رأس من الأبقار التي ترتبط حياتها بالتوغَّل وراء الماء والمرعى، في موسم الجَّفاف، إلى الجنوب من بحر العرب، وصولاً إلى بانتيو، لأكثر من 6 أشهر في السَّنة، وفي مناطق تتبع لقبيلة دينكا نقوك الموزَّعة على 9 أفرع، أيضاً، والبالغ عدد أفرادها زهاء الـ 75 ألف شخص يمارسون الرَّعي، أيضاً، إلى جانب الزِّراعة والتجارة في مدينة أبيي، بالأساس، لاستطعنا أن ندرك حجم الخطر الذي يمكن أن ينجم، غداً، عن مجابهة الرُّعاة المسيريَّة لحقيقة عدم استطاعتهم ممارسة (رحلتهم الجَّنوبيَّة) هذه بسبب حظرها غير المستبعد غداً، فجأة، من جانب (الدَّولة المستقلة) الجَّديدة في الجنوب! صحيح أن القاعدة المرعيَّة في القانون الدَّولي، وقد نبَّه إليها قرار تحكيم أبيي في لاهاي، أن القبائل الحدوديَّة ينبغي ألا تضار من أيِّ ترتيبات تقع بين دولتين! لكن هذه القاعدة التي يمكن النطق بها في عبارة موجزة، وكلمات قلائل، قد يحتاج تطبيقها إلى سنوات، وربَّما عقود، من التفسير، والتقاضي، والجهود الدِّبلوماسيَّة، واللجوء إلى منظمات إقليميَّة ودوليَّة، الأمر الذي لا يُتصوَّر أن يتحمَّل المسيريَّة انتظار نتائجه، وهم ينظرون إلى الآثار الكارثيَّة المدمِّرة لحرمان قطعانهم من الماء والكلأ، علماً بأنها لا تمثل، بالنسبة لهم، ثروة ماديَّة، بقدر ما تمثل قيمة معنويَّة؛ فتنفتح، هنا أيضاً، ذريعة أخرى للحرب!

    ثانياً: في المستوى الشَّعبي:
    (1) أن يجري، منذ الآن، تحريك دفع شعبي واسع، في كلا البلدين، باتجاه خلق وضعيَّة ذهنيَّة ونفسيَّة تحجِّم (الانفصال)، وتحاصره في مستوى (قمَّة هرم) الدَّولتين فقط، بحيث لا تتأثر به (قاعدته) إلا في أدنى الحدود.
    (2) ولأجل هذا الهدف يتم استنهاض حركة واسعة، وقودها الإبداع في حقول الآداب والفنون، وتستوعب النشاط الحزبي والنقابي والمدني الهادف، في كلا الدَّولتين، لتوحيد الطموحات الشعبيَّة، وتوجيهها نحو هذه الغاية المشتركة.
    (3) في هذا الإطار يجري، على سبيل المثال، توحيد، أو، على الأقل، تنسيق جهود الاتحادات الدِّيموقراطيَّة لعمَّال البلدين، ومهنييهما، ونسائهما، وطلابهما، ورياضييهما، وما إلى ذلك، وبالأخص ما يتصل من هذه الجهود بالتمثيل الخارجي.

    ***
    الإشارات:
    &atilde; ورقة قدِّمَت فى ندوة (مركز الدِّراسات السُّودانيَّة) بقاعة اتحاد المصارف بالخرطوم في 30 ـ 31 أكتوبر 2002م، بعنوان "التنوُّع الثقافي وبناء الدَّولة الوطنيَّة في السودان"، بمناسبة اكتمال ترجمة ونشر أعمال د. فرانسيس دينق باللغة العربيَّة؛ ثمَّ نشرت ضمن كتابنا (الآخر) الصادر عن دار (مدارك) عام 2006م.
    &atilde;&atilde; في التاريخ المذكور، وبعد أن تطاولت، نوعاً ما، الجولة الأولى من المفاوضات، أقدم الوسيط الكيني الجنرال سيمبويا، فجأة، وبأسلوب عسكري صارم، على وضع مشروع بروتوكول مشاكوس أمام الطرفين للتوقيع عليه فوراً، مهدِّداً من يمتنع منهما عن التوقيع بتحميله المسئوليَّة، كاملة، عن فشل تلك المفاوضات!
    &atilde;&atilde;&atilde; نستخدم مصطلح (الإثنيَّة)، هنا، بدلالة المزاوجة بين مصطلحي (العِرق) و(الثقافة).
    &atilde;&atilde;&atilde;&atilde; راجع المزيد من هذه المؤشِّرات ضمن مؤلفنا (الآخر) المشار إليه، وكذلك ضمن رزنامة 15/6/2009م بعنوان (شرب القهوة في المتمَّة)، وفي ورقتنا أمام (مؤتمر جوبا) في سبتمبر 2009م، وضمن رزنامة 12/10/2009م بعنوان (يا واحداً في كلِّ حال: آخر العلاج الكي)، وكذلك ضمن ورقة (محدِّدات الفرصة الأخيرة لبقاء الدَّولة السُّودانيَّة موحَّدة) التي نشرت على حلقات بصحيفة (الأحداث) ما بين أواخر نوفمبر 2009م ومطالع ديسمبر 2010م، وقدِّمت كمحاضرة لـ (جمعيَّة الصحفيين السُّودانيين بالسُّعوديَّة)، بـ (فندق القصر الأبيض) بالرِّياض، في 24/3/2010م، وكذلك لـ (مركز الخاتم عدلان للاستنارة بالخرطوم) في 30/3/2010م، ثمَّ ضمن محاضرة (سيناريوهات الوحدة والانفصال) بـ (دار الحزب الشِّيوعي بالخرطوم بحري) في 14/10/2010م.
    &atilde;&atilde;&atilde;&atilde;&atilde;نور الدين ساتي، وليس المرحوم أحمد الطيِّب زين العابدين كما يعتقد الكثيرون خطأ، هو أوَّل من سكِّ وأشهر هذا المصطلح، في محاضرته التي نظمتها (جمعيَّة أصدقاء الكتاب)، حول (معضلات التمازج الثقافي في السودان)، بالنادى الكاثوليكى بالخرطوم، في نوفمبر 1979م، وقد نشرت جريدة (الصَّحافة)، آنذاك، ملخصاً وافياً لها؛ ثمَّ فى مقالته المشار إليها بعنوان (الحوار بين المكونات الثقافيَّة للأمَّة السُّودانيَّة) التي تعتبر امتداداً مستفيضاً لتلك المحاضرة، وقد نشرت على ثلاث حلقات بـ (مجلة الثقافة السُّودانيَّة)، ع/15، 16، 17 بتاريخ أغسطس وديسمبر 1980م، وفبراير 1981م، وقدِّمت أمام المؤتمر الأوَّل للميلاد الثاني لاتحاد الكتاب السُّودانيين، بقاعة الشَّارقة بالخرطوم، في سبتمبر 2006م، كما أعادت نشرها مجلة الاتحاد (كرامة)، في عددها الأوَّل الصَّادر في سبتمبر 2007م، بعنوان (الهُويَّة والوحدة الوطنيَّة ـ رؤية سودانويَّة).
    &atilde;&atilde;&atilde;&atilde;&atilde;&atilde; ولعلَّ مِمَّا يبشر برجحان القبول الرَّسمي لهذا المشروع، على الأقل من جانب دولة الجنوب المحكومة، في الوقت الرَّاهن، بالحركة الشعبيَّة لتحرير السودان، تصريح الأستاذ ياسر عرمان، نائب الأمين العام لهذه الحركة، والأمين العام لقطاعها الشَّمالي، بقوله عن زيارة وفد حركتهم للولايات المتحدة الأميركية، خلال مارس 2011م، إنهم ركزوا على قضيَّة العبور من ضيق التحيُّزات الإثنية والدينية إلى "إعادة توحيد السودان على أساس طوعي، بدءاً من تحقيق وحدة بين دولتين مستقلتين ذاتي سيادة في الجنوب وفي الشمال على غرار الاتحاد الأوربي، او كونفدراليَّة تجمع بين الدولتين وجيران السودان عربا وافارقة، وهذا هو ما ينفع الناس" (صحف ووكالات، 28/3/2011م).

    الهوامش:
    (1) Sir Anaye, Nile Mirror, Feb. 1974
    (2) عبد الله على إبراهيم؛ الماركسيَّة ومسألة اللغة في السودان، عزة للنشر، الخرطوم 2001م، ص 40
    (3) نفسه
    (4) كمال الجزولي؛ الآخر، مدارك للنشر، القاهرة 2004م
    (5) نفسه، ص 25
    (6) فرانسيس دينق؛ مشكلة الهوية في السودان ـ أسس التكامل القومي، ترجمة محمد على جادين، مركز الدِّراسات السُّودانيَّة، القاهرة 1999م، ص 122 ـ 123
    (7) تقرير لجنة التحقيق في الاضطرابات التي حدثت بجنوب السودان في أغسطس 1955م، الخرطوم 1956م ـ يوسف الخليفة أبوبكر في حريز وهيرمان بل، 1965م ـ ضمن عبد الله علي إبراهيم، 2001م
    (8) م/الثقافة السُّودانيَّة، ع/15، أغسطس 1980م


    (عدل بواسطة مركز الخاتم عدلان on 05-22-2011, 03:48 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . مركز الخاتم عدلان05-15-11, 11:08 AM
  Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . مركز الخاتم عدلان05-15-11, 11:28 AM
    Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . مركز الخاتم عدلان05-15-11, 11:46 AM
      Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . مركز الخاتم عدلان05-15-11, 04:55 PM
        Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . مركز الخاتم عدلان05-15-11, 07:30 PM
          Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . حاتم شناب05-15-11, 08:18 PM
            Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . Bashasha05-16-11, 04:08 AM
              Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . Mohamed Yassin Khalifa05-16-11, 06:20 AM
                Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . مركز الخاتم عدلان05-16-11, 09:10 AM
                  Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . مركز الخاتم عدلان05-18-11, 08:36 AM
                    Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . مركز الخاتم عدلان05-18-11, 09:06 AM
                      Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . مركز الخاتم عدلان05-19-11, 08:59 AM
                      Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . مركز الخاتم عدلان05-19-11, 09:03 AM
                        Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . مركز الخاتم عدلان05-19-11, 06:08 PM
                          Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . مركز الخاتم عدلان05-22-11, 03:36 AM
                            Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . مركز الخاتم عدلان05-22-11, 04:26 AM
                              Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . مركز الخاتم عدلان05-22-11, 04:38 AM
                                Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . مركز الخاتم عدلان05-22-11, 04:41 AM
                                  Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . مركز الخاتم عدلان05-22-11, 04:52 AM
                                    Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . مركز الخاتم عدلان05-22-11, 04:58 AM
                                      Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . مركز الخاتم عدلان05-22-11, 05:01 AM
                                        Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . Abdel Aati05-24-11, 11:51 AM
                                          Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . مركز الخاتم عدلان05-24-11, 02:15 PM
                                            Re: مؤتمر مستقبل السودانين : عبور قضايا مابعد الإستفتاء , حتى متى ؟ (اوراق + صور) . مركز الخاتم عدلان05-24-11, 02:31 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de