قِيَامَةُ الزِّئْبَق! (فرصة ثانية لقراءة هذا الرواية العجيبة)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-10-2024, 09:05 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-04-2011, 02:15 AM

النصرى أمين

تاريخ التسجيل: 10-17-2005
مجموع المشاركات: 9384

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قِيَامَةُ الزِّئْبَق! (فرصة ثانية لقراءة هذا الرواية العجيبة) (Re: النصرى أمين)

    (7)
    كانت قد مضت على تلك الأحداث قرابة الخمسة عشر عاماً حين تلقيت، كأمين عامٍّ لاتحاد الكتاب، دعوة للمشاركة في ندوة بفندق ماريوت بالقاهرة، بمناسبة إعادة إحياء رابطة كتاب آسيا وأفريقيا.
    وصلت القاهرة صباح اليوم السابق على الندوة، وتوجَّهت إلى الفندق. وعند الظهر تناولت غداءً خفيفاً، ثمَّ قصدت مكتب السكرتاريَّة بالطابق الأرضي لأطلع على قائمة المشاركين. رحَّبت بي الموظفة في لطف، وسلمتني إضبارة أنيقة بأوراق الندوة، وفيها القائمة المطلوبة. شكرتها وصعدت إلى غرفتي بالطابق الخامس لأراجعها على راحتي.
    كانت القائمة مرتبة بالأبجديَّة الإنجليزيَّة. وبعد أن تأكدت من ورود بعض الأسماء، كدت أغلق الإضبارة. لكنني قفزت، فجأة، كالملدوغ، وكدت أطير فرحاً، حين لمحت، في اللحظة الأخيرة، تحت الحرف (إس)، دولة سيراليون، واسم المشارك الثالث منها .. ديفيد روبرت مورغان ـ شاعر!
    قدَّرت أنهم ربَّما خلطوا في مجاله الإبداعي. لم أنتظر المصعد، بل أسرعت أركض على الدرج هبوطاً، مرَّة أخرى، إلى مكتب السكرتاريَّة، لكنني وجدته، هذه المرَّة، مغلقاً، فركضت إلى الاستقبال الذي حاول الاتصال هاتفياً بغرفته رقم 512 في نفس طابقي الخامس، بل إلى الجوار من غرفتي رقم 511، لكن بلا طائل، إذ لم يكن مورغان بالغرفة. فعدت أركض بين قاعة الطعام، والمقهى، والمقصف، والمصرف، وحوض السباحة، ومحلات الملبوسات، والنظارات، والساعات، والجواهر، والأناتيك، والصيدليَّة، ولعب الأطفال، أتفحَّص الوجوه الأفريقيَّة، الواقف منها والعابر، حتى اجتزت بوَّابة الزجاج الدائريَّة إلى الشارع، أطوف بدكاكين الجوار، وأكشاك السجاير، وأعدو على تلتوارات الشوارع، ومماشي الحدائق، لكن بلا جدوى.
    أخيراً، عدت إلى الفندق، وطلبت من موظف الاستقبال أن يبعث بمن يترك له مذكرة تحت بابه، ثمَّ صعدت إلى غرفتي أحاول الاتصال به هاتفياً، كلَّ دقيقتين، عساه يكون قد عاد. وعندما لا أجده أترك له، المرَّة تلو المرَّة، رسالة صوتيَّة ليتصل بي عندما يعود من أيِّ جحيم يكون قد ذهب إليه. لكنه لم يعُد حتى انتصف الليل، وبلغ بي الارهاق مبلغاً أسلمني إلى نوم مشوَّش متقطع بلا عشاء.
    نهضت في الصباح الباكر، وليس في ذهني سوى مورغان، فقفزت إلى التلفون. رنَّ الجرس ثلاثاً. فجأة رُفعت السماعة من الطرف الآخر، فانخلع قلبي، لكنها أعيدت إلى موضعها في التو! عاودت الاتصال سريعاً. رُفعت السماعة. لكن، في اللحظة التي بدأت أصرخ فيها: "ألو .. ألو، يا مورغان، لا تغلق الخط، هذا أنا كمال"، كانت السماعة قد أعيدت إلى موضعها في برود! عاودت الاتصال في لمح البصر، للمرَّة الثالثة، غير أن أعصابي احترقت تماماً عندما وجدت السمَّاعة معلقة! إنحشرت في بنطالي بسرعة البرق. فتحت باب غرفتي، ومرقت كالسهم صوب باب غرفته المجاورة. طرقته بعنف، ثمَّ بعنف أكثر، ثمَّ بعنف أشد. لم يثنني عن ذلك انفتاح جلِّ أبواب الطابق، وخروج الناس منها، منزعجين، بملابس النوم! خواجات وخليجيون وآسيويون يحدِّقون فيَّ بعشرات العيون الرجاليَّة والنسائيَّة المستهجنة! لكن ذلك ما زادني إلا عناداً، فلم أتوقف، قط، عن رفع وتيرة الطرق، وتصعيد عنفه، حتى دميت كفي، وكاد الباب ينخلع، بل زدت عليه أن بدأت أصرخ بأعلى صوتي:
    ـ "مورغاااان .. إفتح الباب، مورغاااان أرجوك أنا كماااال، مور .."!
    لحظتها، فقط، إنفتح الباب، وأطلَّ صديقي القديم بذاته وصفاته، محمرَّ العيون، مقطب الجبين، مورَّم الأنف، منتفخ الأوداج! لم تتغيَّر ملامحه إلا من بعض شيب على الفودين، وقليل من التجاعيد على الجبين، ونظارة طبيَّة يحاول تثبيتها على عينيه بأصابع مرتبكة!
    وقفنا قبالة بعضنا البعض لا تفصل بيننا سوى بضعة سنتمترات. لكنه، لدهشتي، لم يرحِّب بي، لم يأخذني بالأحضان، لم يدعني للدخول، بل حتى لم تتهلل أساريره، أو يفترَّ ثغره ولو عن طيف ابتسامة! لم تكن وقفتنا تلك، في ساعتنا تلك، وقفة صديقين حميمين افترقا لأكثر من خمسة عشر سنة، إنما وقفة غريمين متحفزين للاشتباك في عراك يأخذ كلٌّ منهما فيه ثأراً ما من الآخر! وفاقم من دراماتيكيَّة المشهد أن من وقفوا أمام أبوابهم بدافع الاستهجان، واصلوا وقوفهم بدافع الفضول! وأن من كاد بابه يتحطم قبل لحظات، يكتفي، الآن، بالتحفز الصامت، أمام من كاد يحطمه! وأن الطابق كله استحال إلى ما يشبه متحف مدام توسو!
    أخيراً، وبعد مضي زمن خلته دهراً، قرَّر صديقي القديم، في ما يبدو، أن يغيِّر من أسلوبه، فقد انطرحت أساريره، فجأة، وراح يخاطبني بهدوء، وبأدب جم، وبذات صوته العميق الأجش الخارج من تجويف فونوغراف:
    ـ "نعم سيِّدي .. كيف أستطيع مساعدتك"؟!
    صار الأمر غامضاً، لكنني تمالكت نفسي، وهتفت كمن يوقظ، من على البعد، نائماً:
    ـ "مورغان .. روبرت ديفيد مورغان"!
    هزَّ رأسه مستفسراً، فازداد الأمر غموضاً، فصحت بالروسيَّة:
    ـ "قد يكون شكلي تغيَّر شيئاً .. لكن لا أظنُّ إلى الحدِّ الذي لا تستطيع معه التعرُّف على صديقك القديم كمال من السودان"!
    رفع كتفيه، وقال ببرود، وهو يضع كلتا يديه في جيبي قميص بيجامته:
    ـ "معذرة .. أنا لا أفهم لغتك، فأرجو أن تكلمني بالانجليزيَّة"!
    لم يكن ثمَّة مناص من أن أتمالك أعصابي، فأخذت نفساً عميقاً، وقلت له وأنا أتصنع الهدوء:
    ـ "ألست أنت روبرت ديفيد مورغان .. القاص من سيراليون"؟!
    ـ "نعم أنا روبرت ديفيد مورغان، ومن سيراليون، لكنني لست قاصَّاً .. أنا شاعر"!
    ـ "ألم يكن أبوك ضابطاً بالجيش والتحق، بعد التقاعد، إدارياً بشركة تجاريَّة في فريتاون"؟!
    ـ "حتى وفاته .. نعم"!
    ـ "أليست أمُّك معاونة في جمعيَّة نسائيَّة لنشر الوعي بمضار تناول الحوامل لطين وسو"؟!
    أجاب، وهو يجعِّد جبينه، ويضيِّق ما بين حاجبيه، كمن يستغرب، فعلاً، معرفتي بكلٍّ تلك التفاصيل:
    ـ "قبل وفاتها بفترة .. نعم"!
    ـ "وإذن، ألا تذكر أنك كنت تؤلف قصصاً بديعة، تنسخها بخط جميل، وعناوين ملوَّنات، في دفتر بُنيَّ الغلاف"؟!
    ـ "سيِّدي .. قلت لك أنا شاعر ولم أكتب قصَّة في حياتي"!
    ـ "ألا تذكر مارغاي، والقلعة، والطباخة العجوز، والسائق الأهتم، والبستاني الريفي"؟!
    بدأ يرنو إليَّ كالمتشكك في قواي العقليَّة:
    ـ "عفواً، سيِّدي، لكنني، في الحقيقة، لا أفهم عمَّ تتحدَّث"!
    ـ "حسناً .. ألا تذكرني؟! لقد تصادقنا طوال دراستنا للقانون الدولي بجامعة كييف"؟!
    ـ "كان ذلك سيشرفني حقاً، يا سيدي، لكن يؤسفني أن أقول إنك مخطئ تماماً، فأنا لم أزر هذه الكييف في حياتي، ولم أدرس لا القانون الدولي ولا القانون أصلاً. أنا إختصاصي في علم النفس، وقد درسته بجامعة لندن"!
    ............................
    ............................
    أحسست برأسي يدور، وبحلقي يجفُّ، وبلساني يتخشَّب، وبالرؤية ترتجُّ في عيوني، وبالرعدة تسري في فرائصي، وبالعرق يتفصَّد من ظهري، وبالأرض تميد من تحتي، وبساقيَّ لا تقويان على حملي!
    ............................
    ............................
    المفاجأة الأضخم كانت بانتظاري لدى عودتي من القاهرة! فقد هُرعت، فور وصولي، إلى الألبوم الذي يضمُّ بين سوليفانه مجموعة صورنا التذكاريَّة بكييف. لكنني، لدهشتي، وعلى قدر ما بحثت ودققت النظر، لم أقع، هذه المرَّة، للغرابة، ولو على مجرَّد شبيه بصديقي مورغان .. روبرت ديفيد مورغان .. القاص من سيراليون!
    (إنتهت)
                  

العنوان الكاتب Date
قِيَامَةُ الزِّئْبَق! (فرصة ثانية لقراءة هذا الرواية العجيبة) النصرى أمين05-04-11, 02:07 AM
  Re: قِيَامَةُ الزِّئْبَق! (فرصة ثانية لقراءة هذا الرواية العجيبة) النصرى أمين05-04-11, 02:09 AM
    Re: قِيَامَةُ الزِّئْبَق! (فرصة ثانية لقراءة هذا الرواية العجيبة) النصرى أمين05-04-11, 02:10 AM
      Re: قِيَامَةُ الزِّئْبَق! (فرصة ثانية لقراءة هذا الرواية العجيبة) النصرى أمين05-04-11, 02:11 AM
        Re: قِيَامَةُ الزِّئْبَق! (فرصة ثانية لقراءة هذا الرواية العجيبة) النصرى أمين05-04-11, 02:13 AM
          Re: قِيَامَةُ الزِّئْبَق! (فرصة ثانية لقراءة هذا الرواية العجيبة) النصرى أمين05-04-11, 02:14 AM
            Re: قِيَامَةُ الزِّئْبَق! (فرصة ثانية لقراءة هذا الرواية العجيبة) النصرى أمين05-04-11, 02:15 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de