قِيَامَةُ الزِّئْبَق! (فرصة ثانية لقراءة هذا الرواية العجيبة)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-10-2024, 04:31 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-04-2011, 02:14 AM

النصرى أمين

تاريخ التسجيل: 10-17-2005
مجموع المشاركات: 9384

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قِيَامَةُ الزِّئْبَق! (فرصة ثانية لقراءة هذا الرواية العجيبة) (Re: النصرى أمين)

    (6)
    إستيقظت، بغتة، على أنوار الطائرة تخفت، وحركة الأقدام تنشط في الممرَّات، وصوت المضيفة تعلن أن الطائرة على وشك الهبوط، وتطلب من الجميع التزام مقاعدهم وربط الأحزمة. دعكت عينيَّ، ثمَّ مضيت أحدِّق من النافذة، فبدت لي الخرطوم بدويَّة حسناء تستحم تحت رذاذ صباح خريفي غائم.
    في الصالة استقبلني بعض أهلي وأصدقائي، وفي مقدِّمتهم أبي، عليه رحمة الله، بملابسه الرسميَّة، فقد كان ما يزال، وقتها، ضابطاً بالسلاح الطبي. إنخرطنا أجمعين في عناق طويل أسلنا خلاله دمعاً غزيراً على أكتاف وصدور بعضنا البعض. أحسست بأن ما ذرفت عيناي كان بعضه للفرح وبعضه للشجن، بينما خيِّل إليَّ أن كلَّ ما ذرفت أعينهم كان لفرحة التلاقي بعد طول غياب. غير أن الصاعقة القاصمة ما لبثت أن هوت على أمِّ رأسي حين اقتربنا من موقف سيارات الجمع في باحة المطار!
    إنتحى بي أبي جانباً ليقول لي بصوت متحشرج:
    ـ "شوف يا كمال يا ابني.. إنت طبعاً عارف انو الموت حق علينا كلنا، والخبر العايز أبلغك بيهو ده أنا حزين ليهو جداً، ومع كده أنا حبيت إنك تعرفو من هنا عشان ما تتفاجأ لما نصل الحلة، لأنو الدنيا هناك مقلوبة، و .."!
    صحت جزعاً:
    ـ "أمي يا بوي"؟!
    قال وهو يزدرد ريقه، ويتحاشى أن تلتقي أعيننا:
    ـ "لا، أمك الله يديها طول العُمُر .. لكين صاحبك .. صاحبك أسعد .. إتلقى فجر الليلة مكتول، للأسف، تحت النيمة الكبيرة في بيتهم .. مضبوح من الأضان للأضان .. وراسو مفصول من باقي جسمو .. جبنا البوليس والإسعاف .. نقلناه عندنا في مشرحة المستشفى العسكري، ودلوقت خليناهم بيكمِّلوا في الإجراءات وجينا نقابلك ونرجع ندفن"!
    أحسست برأسي يدور، وبحلقي يجفُّ، وبلساني يتخشَّب، وبالرؤية ترتجُّ في عيوني، وبالرعدة تسري في فرائصي، وبالعرق يتفصَّد من ظهري، وبالأرض تميد من تحتي، وبساقيَّ لا تقويان على حملي!
    ............................
    ............................
    دفناه، ثمَّ قفلنا راجعين ننصب سرادقاً أمام بيتهم، ونقيم مأتماً من ثلاث ليال نعزي فيه بعضنا البعض، ونذرف الدَّمع السخين مرَّتين: مرَّة على شبابه الغضِّ، وذكائه الوقاد، وحيويَّته الدَّفاقة، وكلَّ ما ظللنا نتوهَّم أن مستقبلاً وضيئاً يبشِّر به، ومرَّة على مضيِّه المأساوي هكذا، بلا ولد، ولا أسرة، ولا مجرَّد أقارب بعيدين! حتى آدم اب اضان الذي كان أوَّل من عثر عليه، حين نهض لصلاة الصبح، غارقاً في الوحل تحت النيمة الكبيرة، مقطوع الرأس، مضرَّجاً بدمائه، فأطلق أوَّل صيحة ذعر في تاريخ حيِّنا الآمن، وركض بأرجل الرُّعب يستغيث من باب لباب، هذا الوفي المخلص الأمين الذي خدم هذا البيت قرابة ربع القرن، والذي حمل مورغان طفلاً في المهد، واجتهد في لمِّه من الطرقات شاباً ذاهلاً في أخريات أيامه، آدم اب اضان هذا كان هو أوَّل متهم في نظر الشرطة التي طعنته عميقاً في قلب فجيعته الانسانيَّة النبيلة حين انتزعته بلا رأفة من وسط ذلك الحزن العام، وقيَّدته بالسلاسل الغلاظ، لتقذف به، دون رأفة، على ظهر لوريها الشائخ، حتف أنف صرخات الاحتجاج التي أطلقها الجيران رجالاً ونساءً وأطفالاً، ليصبح الفقد فقدين!
    ............................
    ............................
    قبيل صلاة مغرب اليوم الثالث كفكفنا سرادق مورغان من الشارع، ليستقرَّ، مرَّة وللأبد، في أعماق القلوب. مع ذلك أفقنا على أن الحيَّ أبقى من الميِّت، فانقلبنا نولي اهتمامنا لآدم اب اضان، نزوره في حراسة القسم الجنوبي بانتظام، نحمل له المأكل والمشرب والملبس وأدوية السكري الذي أصابه في كهولته. وتولى قضيَّته، تطوُّعاً، أحد أشهر محاميي المدينة الأشداء، فخاض، لأشهر طوال، معركة قانونيَّة شرسة تكللت بنصر مؤزَّر يوم انتزع القرار النهائي بإخلاء سبيله لعدم كفاية الأدلة! فأقله من القسم بعربته الخاصَّة، ليطوف به أزقة الحيِّ، وسط الزغاريد والهتاف الدَّاوي: يحيا العدل!
    بعد زهاء الأسبوعين تبيَّنت أن خسارتي الشخصيَّة، فضلاً عن فقد أسعد مورغان، كانت كبيرة بحق. فقد أضعت، وسط كرنفال النواح الذي أقمناه بالمطار، يومذاك، بعض حقائبي ومتعلقاتي. لكنني لم أحزن عليها، بعد أن تأكدت من وجود الشهادات وألبوم الصور التذكاريَّة، قدر حزني على دفتر روبرت مورغان بغلافه البُنِّي، بما فيه عنوانه البريدي؛ فقد نسيته في جيب ظهر مقعد الطائرة! وكم كنت أتحرَّق للكتابة إليه، وسؤاله، بالأخص، عن سرِّ كلِّ تلك الموافقات (الصُّدفيَّة) التي نبَّهتني إليها، بقوَّة أشدِّ من أيِّ شئ آخر، وأكثر من أيِّ وقت مضى، فاجعة مقتل أسعد مورغان بأم درمان، بعد أقل من نصف أسبوع على اختياره هو، روبرت مورغان، بكييف، لفاجعة مقتل برنس مارغاي بفريتاون .. حدَّ التطابق!
    طرقنا أبواب الإيروفلوت، وإدارة المطار، ورئاسة الطيران المدني، لكن بلا جدوى، إذ كانوا يرفعون أك########م، حيثما يمَّمنا وجوهنا، ويقولون إننا تأخرنا كثيراً في التبليغ.
                  

العنوان الكاتب Date
قِيَامَةُ الزِّئْبَق! (فرصة ثانية لقراءة هذا الرواية العجيبة) النصرى أمين05-04-11, 02:07 AM
  Re: قِيَامَةُ الزِّئْبَق! (فرصة ثانية لقراءة هذا الرواية العجيبة) النصرى أمين05-04-11, 02:09 AM
    Re: قِيَامَةُ الزِّئْبَق! (فرصة ثانية لقراءة هذا الرواية العجيبة) النصرى أمين05-04-11, 02:10 AM
      Re: قِيَامَةُ الزِّئْبَق! (فرصة ثانية لقراءة هذا الرواية العجيبة) النصرى أمين05-04-11, 02:11 AM
        Re: قِيَامَةُ الزِّئْبَق! (فرصة ثانية لقراءة هذا الرواية العجيبة) النصرى أمين05-04-11, 02:13 AM
          Re: قِيَامَةُ الزِّئْبَق! (فرصة ثانية لقراءة هذا الرواية العجيبة) النصرى أمين05-04-11, 02:14 AM
            Re: قِيَامَةُ الزِّئْبَق! (فرصة ثانية لقراءة هذا الرواية العجيبة) النصرى أمين05-04-11, 02:15 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de