مرشح الوالى فى جنوب كردفان: عبد العزيز الحلو يفقد تعييد سكان الجبال بسبب تدخل الجلابة فى حملته

Quote: حامد البشير ابراهيم [email protected] في يوم 30 ديسمبر 2008 أتيحت لي الفرصة ان أشارك في ملتقى جنوب كردفان المعني بمناقشة تقرير مجموعة الأزمات الدولية عن جنوب كردفان أو كردفان الجنوبية كما يسميها التقرير. ومجموعة الأزمات الدولية رئاستها في أوروبا وأمريكا – قد أثارت ذات الموضوع الذي نبهت اليه من قبل في خمس مقالات متتالية عن خطورة الوضع في كردفان عامة وجنوب كردفان على الأخص وإمكانية ان تتجدد الحرب فيها أو تصبح دارفوراً جديدة في كردفان. كان اللقاء منعقداً في معهد دراسات المستقبل بالخرطوم وقد رحب بي بحفاوة بالغة أثلجت صدري إخوتي الأعزاء السيد عمر سليمان – والي جنوب كردفان والسيد الوزير أحمد محمد هارون والسيد مركزو كوكو والسيد حسين جلال الدين والسيد مكي علي بلايل والسيد الشفيع الفكي علي المأمون والسيد صفي الدين جلال الدين والأب يوناثان كوكو والسيد اسماعيل سعد الدين والسيد خميس جلاب الوالي السابق والسيد حماد الطاهر تاور والدكتور خميس كجو والاستاذ عثمان قادم وغيرهم من نخب جنوب كردفان وكذلك السفير بشير البكري. وشكري الجزيل للأخ السيد عمر سليمان الذي أصر على ان أكون معقباً على ورقة الاستاذ القدير محمد الشيخ مدني التي طرح فيها تجربة ولاية الخرطوم في تسجيل أراضي القرى وكذلك المحاجر والغابات والمناطق الرعوية في ولاية الخرطوم بالاضافة للأراضي السكنية بالضرورة. والهدف الاستراتيجي (البعيد) من ورقة السيد محمد الشيخ مدني عن ولاية الخرطوم هي إمكانية استفادة جنوب كردفان من تجربة ولاية الخرطوم في تسجيل مختلف أنواع الأراضي علّ وعسى ان يسهم مثل هكذا إجراء في ترسيخ دعائم سلام اجتماعي مستدام طالما ان نزاعات الأراضي هي إحدى اهم مهددات ذلك السلام المنشود في جنوب كردفان ولنا في دارفور خير مثال. فإلى المداخلة: فيما يتعلق بالأرض في جنوب كردفان هنالك ست نقاط لابد من إدراكها بتعمق وبتروٍ وتشمل الآتي: 1. في الآونة الأخيرة ان الأرض أصبحت مكوناً أساسياً في الحراك السياسي في جنوب كردفان خاصة في ارتباطها بقضية الهوية الاثنية. هذا العامل جديد في الحراك المجتمعي بخلاف صورته القديمة حيث ان الأرض كانت ذات أهمية اقتصادية لكنها الآن اكتسبت اهمية سياسية بالاضافة للأهمية الاقتصادية وهذه إحدى إفرازات الحرب الأهلية وتسييس الاثنيات و القبائل. 2. اكتساب الأرض لأهمية سياسية في حراك جنوب كردفان السياسي يمكن ان يطلق عليه أيضاً تسييس الأرض والذي للأسف قد أصبح عائقاً في وجه التنمية كما نلحظه في تناقض المساحات المزروعة خاصة بالزراعة الآلية. وللمعلومية ان المساحة المزروعة في جنوب كردفان في إطار الزراعة الآلية قد انخفضت بحوالي نسبة 94% من المساحة المزروعة في عام 1980م. في عام 1980 كانت جملة المساحة المزروعة تقدر بأكثر من 4 ملايين أفدنة في حين ان المساحة المزروعة الآن لا تتعدى 250.000 فدان. هنالك عدة أسباب للانخفاض لكن عامل تسييس حيازة الأرض يعتبر معوقاً أساسياً للتنمية الزراعية مما أدى لإحجام كبار المزارعين عن الزراعة وبالتالي لابد من معالجته في سبيل تحقيق النهضة المنشودة في الولاية والتي لا يمكن ان تتم بمعزل عن المكوّن الزراعي والرعوي). ) 3. هنالك ضرورة ملحة لتطوير العرف القديم في موضوع حيازة واستغلال الأراضي بحيث تتناسب مع ضرورات التنمية ومع متطلبات الدولة المدنية الحديثة في تأمين حق مختلف المواطنين في الموارد الطبيعية في الوطن الواحد دون ان يكون ذلك على حساب السكان المحليين ومع ضمان حقهم في الانتفاع من الموارد المحلية في وطنهم الأصلي (ديارهم). 4. أنا أؤيد بتحفظ تسجيل الأراضي في ولاية جنوب كردفان على ان يشمل ذلك التسجيل الأراضي الزراعية وأراضي القرى والغابات والمراعي والمراحيل وكذلك المخارف والمصايف التي تستضيف الرحل في الخريف والصيف على التوالي. ومثال على ذلك مخرف الجنزير الذي يستضيف بدو الحوازمة حول مدينة الأبيض من قبل مئات السنين وكذلك منطقة أضيات خديجة بجوار مدينة الأبيض أيضا. 5. النقاط (3) و (4) أعلاه الخاصة بتطوير العرف في قضايا حيازة الأرض والخاصة بتسجيل مختلف أنواع الأراضي حسب الاستغلالات المختلفة لها (سكن، رعي، زراعة، مراحيل، غيرها) نقاط تعتبر كبيرة ومهمة وربما خطيرة في ذات الوقت وذلك يستوجب على ولاية جنوب كردفان ان تتعاقد مع بيت خبرة (بيت استشاري) كبير من خارج أو داخل السودان ليقدم دراسة وافية في هذه المسائل ويحدد على ضوئها خارطة طريق لإعادة اصلاح انماط وقوانين حيازة وتسجيل مختلف أنواع الأراضي في ولاية جنوب كردفان. ويسعدني ان أرى بين الحضور البروفيسور ادريس سالم الحسن من قسم الانثروبولوجيا بجامعة الخرطوم والذي يمكن هو وزملاؤه من السودان أو من خارج السودان ان يقوموا بهذه الدراسة الوافية مع التوصيات العملية للولاية حتى يتسنى لنا تحقيق هذه الخطوة المهمة في إصلاح القوانين والأعراف الخاصة باستغلال الأراضي منعاً للإحتكاكات المؤدية للعنف والحرب وتحقيقاً لضرورات التنمية التي لا يمكن ان تتم بدون الزراعة في هذه الولاية الزراعية بمكوناتها ومعطياتها البيئية الجيدة. 6. على سلطات ولاية جنوب كردفان وعلى الخبراء الذين يقدمون النصح من خلال الدراسة المقترحة ان يدركوا ان الطريقة التقليدية لسلوك وأنماط حيازة الأرض مرتبط بصورة أساسية وديناميكية بالبناء القبلي وبالحراك الذي يتم بداخله بصورة (ربما يومية) مثلاً: حينما يأتي شخص غريب للقرية (الحاجز مثلاً) يتم استقباله على الفور وان كان ينوي الاستقرار بالقرية لفترة وجيزة بقصد الانتفاع يعطى أرضاً على واحدة من الأسس التالية: - اكل قوم (ان يزرع ويحصد وينصرف لعام واحد). - دفع التقندي (ايجار الأرض). - بالزكاة (يدفع جزءاً من المحصول لصاحب الأرض). إما إذا كان هذا الغريب ينوي ان يستقر ويصبح جزءاً من نسيج القبيلة عن طريق الزواج أو حلف الكتاب وان يكون له عود (سهم) في دفع الدية مع أفراد القبيلة فإذن يعطى الأرض بلا مقابل مادي. لكنه في الحقيقة يدفع مقابلاً معنوياً لأنه أصبح فرداً في القبيلة حامياً لها ومنتمياً لها في السراء والضراء. مثل هكذا شخص يعتبر اضافة ديمغرافية ومعنوية (استراتيجية) للقبيلة وبالتالي لا يؤخذ منه أجر مادي على استغلال الارض الخاصة بالقبيلة. بهذه المرونة تكون القبيلة جسماً تكوينياً ومتحركاً بصورة مستمرة بدخول أعضاء جدد مقابل الأرض وبالطبع هناك من يخرجون أيضاً ولابد من خلق التوازن في بناء القبيلة. إذن. هذه العوامل والديناميكيات والتحولات المجتمعية يجب مراعاتها حينما تنوي ولاية جنوب كردفان تسجيل الأراضي في الريف والذي يستوجب تطوير العرف كما ذكرنا دون ان يحدث ذلك هزة سالبة في بناء المجتمع ككل. وعلى صعيد آخر هناك سبعة متطلبات في الإطار العام للمجتمع في جنوب كردفان لابد من توفيرها حتى توفر مناخاً ملائماً لتحقيق الإصلاح وحل نزاعات الأراضي وتشمل الآ تي: 1. لابد من الحوار العام بين مختلف مكونات وفعاليات المجتمع حول ضرورة التنمية ومتطلباتها وأولويات هذه التنمية حتى لا يكون حولها خلاف. ومن خلال هذا الاجماع يسهل حل نزاعات وقبول معالجات الاراضي بصورة تفيد المجتمع بكلياته. بدون هذا الحوار الواسع يصعب بناء اجماع وبدون بناء اجماع محلي في الولاية ستظل كل قبيلة متمترسة بأرضها وسيكون المتضرر الأول هو الولاية وبالضرورة هو المواطن أيضاً في التحليل النهائي. 2. ولاية جنوب كردفان عاشت في حرب أهلية استمرت زهاء العقدين (1982 – 2002) خلفت أعداداً مهولة من المعاقين والأيتام والأرامل. بالاضافة الى ان كثيراً من الأسر فقدت العائل. وفوق ذلك ان الحرب دمرت البنية التحتية للاقتصاد الريفي وخاصة الزراعة والرعي حيث مئات الآلاف هجروا قراهم وفقدوا زراعتهم ومواشيهم وأصبحوا في أطراف المدن أو في المعكسرات . وذلك بالاضافة لعشرات الشباب الذين كانوا جنوداً في الحرب الأهلية ولم يتم تأهيلهم وإعادة دمجهم في المجتمع من خلال مشاريع تنمية توفر لهم أساسيات وضروريات الحياة الكريمة. لكل هذه الأسباب فإن التقديرات الموضوعية تشير الى ان نسبة الفقر لا تقل عن 90% في جنوب كردفان. وهذا التقدير مبني على الملاحظة الثاقبة وعلى الاستقصاء الاجتماعي المحدود الذي أجريته خلال عطلتي بقريتي الحاجز وبالمنطقة عموماً. ومعدل الفقر يمكن حسابه بعدة طرق أهمها حساب المتطلبات اليومية للشخص (بالقروش) لكل أفراد الأسرة. وهذه المتطلبات للشخص الواحد تشمل: الطعام، الشراب، العلاج، الكساء، المسكن (والتعليم في حالة يكون الأشخاص في سن التعليم) وغيرها. هذه المتطلبات للشخص الواحد تصل حوالي 200 جنيه في الشهر. حينما تقدر ذلك للأسرة ( مع مراعاة ان متوسط الأسرة في السودان حوالي 6 أفراد) يكون الحد الأدنى المطلوب أو خط الفقر يعادل 1200 جنيه (600 دولار). ما دون ذلك تعتبر الأسرة تحت خط القر وهو 600 دولار . في تقديري المتواضع وبحساب الحد الأدنى للفقر (1200) جنيه في الشهر فإن نسبة الفقر على الأقل تكون (90%). بدون معالجة قضية الفقر ليس من السهل تحقيق الإصلاح المنشود في موضوع ملكية وحيازة الأرض في جنوب كردفان. حيث مع ظروف الفقر هذه أصبحت الأرض ذات قيمة تأمينية أي كنوع من الضمان والتأمين الاجتماعي للأسرة وللفرد وللقبيلة. عليه أقترح على حكومة ولاية جنوب كردفان ان تفكر جدياً في ولوج مشروعات لتخفيف حدة الفقر في الولاية وان ذلك تلقائياً سيقوي من فرص السلام الاجتماعي وسيقوي من فرص التنمية. لأنه بسبب الفقر أكثر من 90% من الأطفال يتسربون بين الصف الأول والصف الثامن في التعليم الأساسي أو قبل وصول الصف الثالث من المرحلة الثانوية وهذا يعني هدراً للموارد البشرية من خلال التسرب المستمر للأطفال . 3. الشباب الذي لم يجد حظاً في التعليم نتيجة لاغلاق المدارس أثناء الحرب أو لعدم توفر البيئة المدرسية الصالحة الآن مصابون بقدر كبير من الإحباط ويمكن ان يكونوا وقوداً لحرب أهلية قادمة حول الأرض التي أصبحت مكوناً أساسياً للهوية السياسية الآن. لابد من الدخول في مشروعات تنموية تستوعب طاقات الشباب قبل ان توجه هذه الطاقات في شكل رصاصات لصدر الدولة ولصدر المجتمع. 4. قضية الأرض مرتبطة بالحرب وبالتصالحات القبلية. على حكومة جنوب كردفان ان تسعى لعقد مؤتمرات للحقيقة والتصالح القبلي البيني (بين مختلف قبائل النوبة وقبائل العرب). بدون تحقيق هذه المصالحات لا يمكن تحقيق إصلاح منشود في قضايا الأرض والنزاعات المرتبطة بها. وفي الحالة الراهنة فإن أي انفلات أمني كبير في المجتمع أو تجدد في الحرب الأهلية ستكون دوافعه مرتبطة بالأرض. لذلك أنا أقترح على الدولة ممثلة في حكومة ولاية جنوب كردفان ان تتبنى الدعوة لمؤتمر عام بين النوبة والعرب يعالج كل القضايا العالقة ويضع خارطة طريق لمستقبل التعايش والتنمية والنهضة في الاقليم بين مختلف اثنياته . 5. على حكومة الولاية ان تحيي من جديد ملامح دولة الرعاية الاجتماعية حيث لابد من برامج تستهدف الفقراء والمعاقين والأرامل والأيتام وإلا بدون ذلك سيتخبئ الجميع خلف الأرض ويتمسكون بها وبذلك يستحيل تحقيق الاصلاح المنشود والذي بدونه لا تتحقق التنمية ولا الاستقرار. 6. اصبح هنالك شعور عام في الريف في جنوب كردفان بغياب هيبة الدولة وذلك لغياب الخدمات الاجتماعية وكذلك الخدمات الأمنية. لابد من عمل مجهود كبير لإعادة رتق صورة الدولة التي تمزقت في عقل المواطن. بدون رتق هذه الصورة لا يمكن للمواطن ان يأتمن الدولة في موضوع الأرض والاصلاح المنشود فيها خاصة التسجيل والتخطيط. 7. على حكومة الولاية ان تسعى لخلق اجماع عام في الولاية دون عزل لأحد على أسس سياسية أو اثنية خاصة في القضايا المحورية الاستراتيجية التي تهم كل سكان الولاية على اختلاف مشاربهم وثقافاتهم. بدون هذا الاجماع لا يمكن الدخول في مشروعات اصلاح الارض ومشروعات التنمية والتي جميعها تتطلب اطار عام يتسم بالثقة بين المجموعات المختلفة والثقة في الدولة. وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه القائمون على أمر السدود في الولاية الشمالية حينما شرعوا في تنمية دون استشارة قواعد المواطنين والذين رفضوا المشروعات المطروحة من الدولة طالما سلبتهم أراضيهم. أقول كلماتي هذه قاصداً منها الاصلاح الكبير المنشود للوطن الصغير جنوب كردفان وللسودان. وأشكر لكم هذه الفرصة التي أتت بتوصية كريمة من الأخ الوالي للاخ والصديق رئيس الجلسة الاستاذ صفي الدين جلال الدين. لكم جميعاً مودتي وتهنئتي باتباع هذا النهج الديمقراطي في مناقشة قضية جنوب كردفان وما يتهددها في المستقبل ان لم نحسن التحليل واتخاذ التدابير المناسبة. ان المسؤولية الكبرى أمام النخب من جنوب كردفان ان يجمعوا ويتفقوا على ألا يجعلوا من جنوب كردفان دارفور جديدة. نحن محاسبون أمام أنفسنا وأمام الله وأمام الأجيال القادمة بأن نسلمهم وطن واحد آمن ومتماسك.