هَدْم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-10-2024, 09:22 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2011م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-28-2011, 08:54 PM

طه جعفر
<aطه جعفر
تاريخ التسجيل: 09-14-2009
مجموع المشاركات: 7359

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هَدْم (Re: طه جعفر)

    المكتوب ادناه جزء من عمل اعكف علي كتابته منذ حوالي الثلاثة اعوام و هو عمل مضن يتطلب بحثا دؤوبا في التاريخ و يعود ذلك لغرائبية النص ، النص الي الان اسمه (الحواتي) و لا اعرف حقيقة اي اسم سيحمل عند نهاية السرد.



    (( الحواتي

    معظم من في مشرع (ابروف) يعتقدون انه من العبيد، صمته و نزوعه المستمر للابتعاد عن ضجيج الصيادين و المراكبية اضفتا علي غموضه غموض. في مجيئه الي المشرع ارتبط عند الصيادين و المراكبية بحاج يعقوب، ارتباط سيرته بسيرة حاج يعقوب التي ملأت ضفاف النهر جعلت الجميع يثقون في مهارته، فالحواتي لا تأتيه الا المهام الصعبة فيما يتعلق بالمراكب، صناعتها ، اصلاحها او الشباك او في امر مغالبة النهرايام الدميرة.
    كان متوسط الطول، لا تخدد صفحتي وجهه الشلوخ، في عيونه نوع من الحزن لا تدركه الا اذا عاينت وجهه حين يكون غارقاً في العمل، لم يره احد بغطاء للراس، فالحواتي لم يكن يلبس العمامة و لا يضع علي رأسه طاقية، شعره اكرت و قصير و الشعر دائما بنفس الطول، اسنانه شديدة البياض مدهشة لانها لا تري كثيراً لان شفاهه حازمة بين الامتلاء و الدقة، و جهه بين استدارة معتدلة و طول قليل، شاربه خفيف و ليست له لحية. لم يكن شديد السواد ،هذه الملامح مجتمعة تجعل مهمة ادراك عمره عصية و صعبة.
    يقال ان حاج يعقوب قد حكي عن الحواتي قائلاً: عندما جاءني للعمل معي في اول مرة، خرج مبتلا من جهة النهر، خرج من الماء و جلس علي جزء عالٍ من قيفة النهر الي ان جفت ملابسه، كان يرتدي سرولا قصيرًا و (عراقي) بالكاد ينزل الي علو ركبته، كلاهما مصنوع من نسيج قطن يدوي سميك، وقف يراقبني مبتعدا بنظراته صوب شمبات كلما التقت نظراتنا . كان الوقت حينها قريبا من وقت وجوب صلاة العصر. نزل من هناك و سَلّم عَلَي و قال لي ( اعجبتني طريقتك في نجر الخشب، كنت اراقب استخدامك للقَدَّوم ، انا اريد ان اتعلم منك ذلك) و يقول حاج يعقوب" فسألته ما هي صنعتك؟ اجابني و لكني نسيت رده! و سألته من اين انت؟ اجابني و لقد نسيت رده ايضا! ، ثم سألته عن اسمه فاجابني و حاولت ترديد الاسم في ذهني حتي لا انساه و اظنني نسيت الاسم لذلك الان اناديه باسمه الذي تعرفون هو الحواتي".
    يروي هذه الحكاية كل من عمل في المشرع بحياة الحاج يعقوب الذي توفي قبل عشرة او خمسة عشرة سنة قبل بناء خزان مكوار.
    الحاج يعقوب حضر المهدية و يتذكر دخول الانجليز الي امدرمان و هدم قبة الامام. كان والد الحاج يعقوب من المهاجرية الذين انضموا لجيوش الخليفة. الحاج يعقوب يتكلم بصوت منخفض و غليظ في ملامحه الكثير من الثقة فهو متوسط الطول و نحيف، وجهه دقيق و ملامحه محددة و طيبة.
    عادة ما تُحكي رواية الحاج يعقوب عندما يحتدم النقاش حول الحواتي فينقسم الحضور الي مجموعات كل فريق يورد الاسانيد و البراهين لاثبات روايته، هناك من يعتقد أن الحواتي سَحَّار خرج من النهر، البعض يعتقد انه عبد تم تحريره ايام الانجليز ، و هناك من يعتقد انه مجرم او قاتل هارب قد تاب و قليل من الصيادين و المراكبية يعتقدون في صلاحه و لحقان يده و قدرته العجيبة علي اجتراح المعجزات ، هذا النفر القليل من المراكبية و الصيادين ينسحب من المجالس التي تخوض في سيرة الحواتي ربما لخوف ما او سرٍ آخر.
    من يعتقدون ان الحواتي سَحّار يحاولون اثبات ذلك بالقول ان الحواتي جاء الي هذا المكان سابحا في النهر او خارجا كما يخرج التمساح. و يقولون ان الحواتي يعرف كل لهجات من يجيئون الي المشرع من الباعة و المشترين و الصيادين ، لم تعجزه لغة قط. من يعتقدون انه عبد تم تحريره ايام الانجليز يؤكدون روايتهم بالقول لو كان له حسب او نسب لقاله و لو كان له اهل او ارحام لزاروه هنا في المشرع ، هو عبد لا اصل له و لا جذور. اولئك الذين يزعمون ان الحواتي مجرم او قاتل هارب وصل الي المشرع ليعمل بالحلال يستندون الي حكايات مثل حكاية ذلك الرجل الذي جاء الي المشرع ووصف رجلا ادرك الجميع انه الحواتي و قال للمراكبية ان هذا الرجل قد سرق ابقارنا و قتل ابن عمنا و نحن نريد ان نأخذ بثأرنا منه، هؤلاء لا يذكرون بقية القصة و مفادها ان الحواتي كان غائبا و عندما رجع نادي الناس علي الرجل الذي جاء سائلا و قالوا له هل هذا هو الرجل؟ فقال: لا .. باضطكراب خالطه الكثير من الخجل ثم انصرف الزائر تاركا وراءه الجميع باسئلتهم ، لم يسال الحواتي حتي عما كان يريده الرجل. الفريق الذي يعتقد ان الحواتي من الصالحين اهل الكرامات المعجزة يزعمون ان ( ايدو لاحقة) و يروون حكايات كثيرة مثل ايجاده للمسروق اذا سئل، و قوله لاحد الناس امشي البيت الليلة جابوا ليك بنية فيرجع ذلك الرجل و يعود غدا لتأكيد كلام الحواتي فيهنئه الناس بميلاد البنية، او قول الحواتي لمن في المشرع ودعوا صاحبكم فانه سيغيب و لن يعود فيتم ذلك و يغيب الموت رفيقهم.
    ابراهيم هو احد تلاميذ الحاج يعقوب، و هو فلاح من السروراب يعمل في الصيد و بناء المراكب علي حسب المواسم فهو لا يزرع الا اب سبعين او الفتريتة، ابراهيم قصير نسبيا ، ممتليء الجسم عيونه واسعة و ذكية، في خديه شلوخ تشبه حرف (تِي) الانجليزي، ابراهيم يقول" ان الحواتي يحب الطرب و المريسة و كنت ألتقيه احيانا في (الخدير) او( سيرو ) في الانادي و ايام اللعبات التي يحيها الصيع باغانيهم او الطنبارة بترديداتهم اللحنية ".
    و ما يحب ان يؤكده ابراهيم باستمرار ان الحواتي لا تغير المريسة ملامح وجهه او سلوكه و انه عندما يحضر حفلات الصيع يبتسم وجهه دون ان تبدوا اسنانه ، و يقول ان الحواتي ينصرف عن المكان قبل انتهاء الحفل دون ان ينتبه لانسحابه احد. كما يقول ابراهيم " أن الحاج يعقوب قال لي إن الحواتي قد قال له في احد المرات " ان طريقتك في بناء المراكب هي نفس طريقة (العنج) التي ورثوها عن المِرَيَس ".


    كنت لا احب الخوض في سيرته ، اتضايق عندما يتحدث الناس عنه بما ليس هو حقيقي ،لم اعترض يوما علي احد او اصححه ، ساقول الان كل ما اعرفه عن الحواتي.
    عملت أمي السرة بت التهامي في المشرع بائعة للطعام ، كنت اتي معها و كان الحواتي بالنسبة اليّ احد العاملين في المشرع صياداً كان ، ريس مركب، اوسطي ، تلميذ او بائع متجول او مشترٍ. كان عاديا بينهم لولا ملابسه، العراقي القصير و السروال الذي لا يصل الي منتصف الساق، ملابسه لا تبلي و لا يتغير لونها، كلاهما العراقي و السروال مصنوعان من قطن اغبش و سميك لا يشبه نسيج هذه الايام ، بهما درجة ثابتة من الاتساخ المعقول. يأتي لياكل بصمت. اثناء جلوسه للاكل، اجد فرصة لمعاينة ملامحه شاربه خفيف، و عيونه شديدة السواد و بياضها ناصع لا يشوبه اصفرار او حمرة، جسمه ذو سمت معتدل و متناسق، دقة ملامحه و جلاءها تعطي احساسا بالمجد ، دائما ما احس انه يخبيء شيئا عن الناس او كالذي لا يريد ان يفصح عما في داخله، ليس هو كما يبدو هو كانسان تملأه الاسرار و بفه غموض قاهر .
    انتهار الكبار لي بالقول (يا ولد ما تجيب موية) علمني ان اراقبهم وهم يأكلون و احمل الماء اليهم اذا خلصوا من الاكل لاصب الماء فيغسلوا ايديهم ، في ايام الحر ربما غسلوا وجوههم ناثرين الرذاذ في قدمي و ملابسي. في احد حوماتي علي الناس بابريق الماء وقفت امامه و انا غير مكترث لاي من الناس اصب الماء فيغسل فقال الحواتي :
    ( امك امراة صالحة لذلك تزوجها ابوك، كان يعلم انه سيموت و سيترككم صغاراً، يعلم انها ستقوم بكفالتكم و تربيتكم علي اكمل وجه، انت مثل ابيك!). رنت هذه الكلمات في اذني لدرجة انني اذكر انه حينما كان يتكلم لم اكن اسمع غير صوته. بعد كلماته غادر المكان و لم يستجب لنداء احد و لا الي معاكسة احد. في الايام التالية لهذه الحادثة اصبحت اراقبه باهتمام نتجية لاحساي بأنه يعرف عن ابي و امي ما لم يقله لي الآخرون هنا في المشرع.
    لم يكن من الامور المريحة لامي أن اتبادل الحديث مع من في المشرع لذلك تجبنت فكرة ان أساله عن ابي. كنت وقتها يافعا و كان عمري لا يتجاوز الاثنتي عشرة سنة.
    لا اتذكر الكثير عن حياة ابي و لكني اتذكر زحمة الناس و عويل النساء و الضجيج يوم وفاته، و اتذكر وجوه بعض الرجال هنا ممن جاءوا بجسد ابي محمولا علي ظهر" الكارو" التي يجرها حصان و اتذكر ان البكاء عليه كان قد ابتدأ قبل وصول جثمانه.
    كان ابي غليظ الصوت ، ضخماً يهتز جسده عند الضحك. لم يكن ينتهرني ، لا أحس بوجوده في البيت و عندما أدرك أنه بالبيت اتوقف عن الضجيج و اصبح هاديءً و اقلل من حركتي في الانحاء القريبة من غرفته، عادة ما ينادي علي عندما يصحو و بقول كيف كان يومك يا أسد؟ فاحكي لأبي ما لا يعحبني في يومي، يسمعني باهتمام ثم يقول احكي لي أولاً ما يعجبك! كنت دائما احكي له ما لا يعجبني ابتداءً. اشتقت إلي أبي و انا اتذكر تلك التفاصيل و عندما التفت كان الحواتي من استقبل بعينيه التفاتتي طارحا ابتسامة علي وجهه، هي ابتسامة من يعرف ما يدور بخواطرك.

    سألت أمي و نحن في طريق العودة إلي البيت و قلت" لها من ذلك الرجل الذي لا يتكلم كثيراَ و يلبس دائما العراقي الأغبش؟ ردت بهدوء : هو الحواتي! . و كنت اعرف انه الحواتي ! لكني اريد ان اعرف من هو؟ استقر الصمت بيننا إلي أن وصلنا إلي البيت.
    في اليوم التالي بعد انزال العدة و الطعام بينما كنت أنا ابحث عن أغراض عادة ما نتركها هنا في المشرع التفت و كان الحواتي هو من استقبل بعينيه التفاتتي بنفس الابتسامة ، ثم انصرف بعيدا. واصلت عملي و فعلت ما افعله كل يوم، عدلت موقع اللدايات، مسحت الدوكة التي يجلل صفو سطحها الاسود حمرة الحزف المفرهدة بفتور علي الحواف الصابرة، جلبت المنقد، ثم ذهبت بابريق النحاس الي النهر لجلب ماء الشاي و القهوة، رجعت لغسل الشرقرق و الاهتمام بامر ليفة الجبنة التي استمتع بنفض حترب البن الوديع عن خدودها الجميلة، كاسات القرع و الفناجين كانت مختبئة في القفة التي تغطيها خرقة . غاب الحواتي عن المشرع لم أصادفه بعدها لمدة طويلة.
    لا اعرف عن أبي إلا اسمه هو (مبارك الفاضلابي) و ذكريات اسكنتها في ذهني تفاصيل غير كافية لايام لا اعرف عددها بيني و بين ابي الذي غيبه الموت و انا بعد صغير.
    بعد كلام الحواتي عن أبي اشتدت بذهني الأسئلة أردت أن اعرف عن أبي أكثر مما قالته لي أمي عنه. و كنت أيضا أريد أن اعرف عن الحواتي لأنه الرجل الوحيد الذي قال لي شيئا عن أبي في هذا المكان و ليس عندي من اسأله غير امي. جدتي تقول عن أبي انه قد نزح بنا من الجيلي إلي هذا المكان بعد انقضاء المهدية و كانت لابيك مركبا في هذا المشرع، لم أجد من يقوم بأمره فبعته، لانك اعمامك عليهم رحمة الله كانوا فلاحين لا كبير شأن لهم بالمراكب. و تقول جدتي ان ابوك كان يقول" الحمد لله اننا لم نأت الي امدرمان الا بعد ذهاب الخليفة عبد الله عنها". عندما سألت امي عن الحواتي للمرة الثانية قالت: هو من حكي لي كيف مات ابوك. هو من اخبرني عن حادث الوفاة
    ثم قالت: " خرج ابوك مع جماعته من المشرع و كان ذلك ايام نزول البحر بعد الدميرة. ذهبوا لنقل الذرة من حجر العسل الي امدرمان. في السبلوقة يغطي الطمي الصخور البازرة فتبدو كاليابسة، كان الرجال ينقلون الذرة من احد المزارع علي ظهر المركب، انزلق ابوك بين فرجات الصخور، تلك الفتحات التي يغطيها الطين الجاف ، صعد به الماء فارتطم رأسه بالصخور و لم يستطع الرجال انقاذه لان النهر قد اخذه بعيدا و لم يدركوه الا جسدا ميتا و نازفاً، عادوا به الي امدرمان و جهزوه هنا في بيت عمك ابراهيم و دفناه في الخُدَير".
    بعد ايام عاد الحواتي، عاد بعدما ابتدأت امي بيع الطعام في صباح احد ايام الشتاء الذي تعصف بلحظاته زخات الغبار المعاودة بلا كلل، كان الحواتي كالخارج تواً من الحمام كانسان لا يلتصق الغبار بملابسه او بجسده. ذهبت لاسلم عليه، رد علي بكلمات لم اتبينها من انخفاض صوته ، وضع يده علي كتفي و مضي معي الي امي فحياها راداً علي اسئلتها بكلمات مثل .. الحمد لله .. بخير .. كيف الاولاد؟.
    أحسست انه لا يريد ان يتكلم كثيراً بالرغم من ملامح الرضي و السكينة التي خيمت عليه. امضي الحواتي بقية نهاره في نفس الهدوء غارقا في العمل.
    ضج بعد ذلك المكان بمقدم (كافي) الذي يأتي المشرع في نهاية اليوم ليبيع النيفة و الكوارع لاولئك الذين يحملون مؤونة ليلهم الي بيوتهم من الطعام اللازم لشرب العرقي.
    (كافي) يلبس ملابس افرنجية، رداء كاكي محزز بحزام جلدي غليظ، يعطي الرداء بالكاد ركبتيه و يلبس قميص كاكي بجيبين مستطيلين علي الصدر، واحد باليمين و الاخر باليسار كلاهما بغطاء مثلث في وسطه زرارة باربعة فتحات ، للقميص ياقة مكوية بعناية، يعتمر( كافي) قبعة من سعف النخيل تزينها ريشات سوداء ناعمة ، ينتعل حذاء جلدي بسيور جلدية غليظة و متخالفة، ليس بالحذاء ابزيم معدني وكعبه طبقات من الجلد من ذلك النوع المثبت بمسامير النقلة. الجميع في المشرع يلبسون العراقي و السروال و عند نهاية اليوم يبدلون ملابسهم و يعتمرون العمامات البيضاء عدا الحواتي الذي لا يغير ملابسه العراقي نفسه و نفس السروال من ذلك النسيج غير المعتاد.
    كان الحواتي اكثر من تكلم مع (كافي) بكلام النوبا لم افهم من كلامهم شيئاً لكنني ادركت أن بين الرجلين الكثير من الشؤون المشتركة، ضحك الحواتي و اسهب في الكلام و ضحك (كافي) كثيرا.
    في تلك الاثناء كانت امي مهتمة بتجميع اغراضها و غسلها، حزمت مالها في صرة مثلثة هي نهاية ثوبها المتلدية من كتفها ثم شرعنا في الرحيل، لم ارد ان امضي الي البيت باسئلتي عن الحواتي اردت ان اتلكم معه و اساله عن ابي، لكن الحواتي كان منشغلا مع (كافي).
    مشيت مع امي بصمت، كنا نسابق المساء حتي نصل الي البيت مباشرة عند المغيب، تذكرت ان غداً هو الجمعة فقلت لامي "غدا سأحضر الي المشرع و ساذهب الي سوق الجمعة في وسط البلد" استقبلت امي اقتراحي بفتور، هي لا تحب مثل هذه المغامرات، نظرت الي و قالت: مع من ستذهب؟
    فاجبتها قائلاً " وحدي...". صمتنا و كنت لا اسمع الا وقع خطواتنا علي الطريق.
    بالبيت اغتسل و اغير ملابسي و اجلس مع جدتي و قليل من ابناء الجيران ممن ياتون في المساء للاستماع الي جدتي عندما (تحجينا) و تختبرنا (بالغلوتيات) او للعشاء معنا ثم يذهبون.
    في ذلك المساء كنت أترقب الصباح حتي آتي الي المشرع و أجد زمنا لا سئلتي مع الحواتي ثم امضي الي سوق الجمعة، فكرت في أن اكلم امي بشأن الحمار حتي استطيع ادراك المشرع و السوق بلا تعب و بسرعة ، نمت نوما متقطعا، كنت اصحو للحظات محاولا تذكر الحلم الذي ايقظني . رايت نفسي في مكان مسور بحائط عالٍ مبني من الحجر الرملي الملون، قطع الحجر كبيرة، مقطوعة بعناية كمكعبات، يعلو الحائط بطول رجلين، الاحجار اعلي الباب مثبتة علي اعواد عنيدة كانها قطع من السنط او الحراز او جزوع دوم ، الباب الخشبي بضرفتين، كل ضرفة صف من اعواد دائرية محزومة بحبال و قطع حديدية، للباب مزلاج خشبي ( الكشر)، بداخل السور غرفتين من الحجر ابوابها و نوافذها خشبية مصنعة بنفس طريقة باب السور، رايت داخل الغرف دون ان ادخلها، الاسقف محمولة علي اعواد السنط، السقف نفسه نسيج من السعف كانه (برش) في وسط الغرفة ينتصب عمود حجري مزين برسومات دقيقة، يحمل وسط السقف فيمنع انبعاجه، ارض الغرفة مغطاة برمل ابيض، ليس فيهما اثاث كثير بأي من الغرفتين مقاعد كبيرة بحجم العنقريب، ليس فيها وسائد، هي كتل حجرية عليها قطع من قماش سميك ، تنتشر رسومات ملونة لوجوه ودودة و حيوانات منها النسر و التمساح و الكبش و الثيران و الاسودبعضها علي اجساد بشرية. الضوء المنسرب من الطاقات القريبة من السقف يتدفق علي الرسوم فينيرها بنور هاديء، رايته هناك جالساً بخشوع امام احد التماثيل، بنفس لباسه الذي اراه فيه هنا في المشرع، كان منجذبا نحو رسوماته باستقراق و خشوع، وجدت نفسي في بطن الغرفة و قد امتلأت انفي برائحة بخور اللبان ، القرض و اعشاب اخري زكية الرائحة لم اكن مشوشاً او خائفا، كنت مطمئنأ و هاديء البال، كان الجالس هناك هو الحواتي و المنحوت علي الصخر هو الحواتي نفسه. صحوت و قد غمر ضياء الصباح عيني بالنورو انتشر السكون و السلام في نفسي لدرجة انني احسست بفرح او ربما طرب، استرجعت الحلم فجأني كأنه حقيقة.
    تحركت فرحا من فراشي لانني قد استرجعت الحلم الذي ظللت الوانه صباحي النشيط، شربت شايا بالحليب و تذوقت لقيمات الجمعة و مسحت غباش الشتاء بزيت اللقيمات الدافيء.
    شددت الحمار و كربت السرج ثم تحركت، كان الحمار طيعا و كريما و مضي بي طاويا المسافة تحت خطواته النشطة التي رافقنها ضرطات الشبع في احيان قصيرة.
    ادركت المشرع في صباح الجمعة الكسول، قليل من الصناع يتمون مهاماً ضرورية لاكمال عمل لا ينتظر. كان الحواتي منتحيا في جانب المكان الاقرب الي ضفة النهر امامه الفأس و بيده القدوم يهم بمعالجة قطعة من خشب الحراز بعناية فائقة و تركيز شديد، استغراقه في العمل منعني من مقاطعته حتي بالسلام، التفت صوبي و قال: كيف اصبحت؟ كيف بت التهامي؟ رددت بالقول:" الحمد لله".
    عاد الي انشغاله بعد نظرة عميقة الي بطن النهر. ترك القدوم ثم وضع قطعة خشب الحراز بهدوء كانه يُودع طفلا في فراشه لينام بهدوء ثم قال " بينك و ابيك شبه كبير و فيك من بت التهامي الهدوء و العزم." سمعت منه هذه الكلمات و لم اعلق، ثم قلت" كيف كان ابي؟". قال الحواتي:
    "كان ابوك مثل أي من الرجال هنا، ما يأتي به الي المكان هو العمل، كان ايضا يختلف عنهم كما يختلفون عنه، لكل رجل هنا قصته و همومه، احببت فيه انصرافه لشئونه و تركه لما لا يعنيه. كنت اعلم بما يقولون عني و كنت اعلم كيف كان يرد عليهم عندما يتجاوز الكلام الحدود . كان ابوك مهتما بمعاش أولاده و ستر حالهم ، كان جسورا في مغالبة الصعاب و كان صابراً. موته هنا بالنسبة إلي يعني الكثير. جاء في صباح ذلك اليوم كما كان يجيء كل يوم. غادر المشرع في مركبه في الصباح ليعود اليه ميتا في منتصف النهار، جاءه ميتا، محمولا علي اكف و اكتاف رجال عملوا معه و عمل معهم ، عرفهم و عرفوه، صانعهم و صانعوه، جاء مشواره الاخير الي هذا المكان ماشيا علي اقدامهم. تَعَوَد ابوك علي مثل هذه الرحلات و سافر في النهر نحو الصعيد و نزل الي السافل، نقل الناس و تجارتهم، مالم يكن معتادا في ذلك اليوم هو جفاف سطح كتل الطمي العالقة بين فرجات الصخور، تلك الكتل بعد الدميرة تستوجب الحذر لان منظرها يشبه اليابسة و لا تعطي أي احساس باحتمال انخسافها تحت اقادم الرجال، يعتقد الجميع ان النهر قد تعود الغدر، هم مخطئون النهر يعطي بلا كلل و يغضب احيانا فيتضرر الناس."
    صمت الحواتي بعدها لزمن، ابتسم ثم قال" مشي ابوك معي الي المكان الذي رأيته اليوم، مشي معي و دخل بيت اهلي هناك" لم افهم ما يقصد و كنت قد نسيت امر الحلم الذي ايقظني صباح اليوم . فقلت له لم اري مكانا غير بيتنا و منظر الطريق من البيت الي مشرع ابروف. ابتسم الحواتي و قال" الم تجد رسما علي الجدران و لم تراني امامه و تخيلت ان الرسم علي الجدران هو لوجهي".
    انتفضت من هول المفاجأة و فزعت، بان الاضطراب و الفزع علي وجهي، و شممت رائحة انفاسي و هممت بالذهاب، لولا أن قال" لا تخف.. الامور ليست كما تبدو لك دائما".
    سمعت ذلك الكلام و بعد ان ادركت معني تلك العبارة زاد خوفي و اضطرابي، شرعت فعلا في المشي و المغادرة ، نسيت امر الحمار و مشيت ثم بخطو اثتر الغبار و دفع بالهواء بين ساقي. التفتت عندما ناداني و قال " ألن تأخذ معك الحمار؟" عدت ادراجي و ثائرة الغبار لم تهدأ، اسرجت الحمار باستعجال ، انهمكت في ربط السرج و تثبيت الرسن، علوت ظهر الحمار تم التفتت، لم يكن الحواتي بالمكان.. لم يكن له من اثر غير القدوم والفأس و قطعة خشب الحراز غير المخلقة .
    غادرت المشرع الي سوق الجمعة، كنت كلما خطا الحمار الي الامام التفت الي الوراء متمنيا ان المح الحواتي فاوقف الحمار، لكن ذلك لم يحدث و لم اتوقف عن التفات الي الوراء.
    لم انتبه طوال المشوار الي تفاصيل الدرب الي السوق، الحمار يعرف الي اين اذهب، هو يعرف خاطرتي و يعلم ما اريد، الحمار وحده اخذني الي فراندة دكان( العم سورج) في طرف السوق الشرقي حيث تستقر في الهواء رائحة بعر الحمير مختلطة بغبار التمباك و رائحة الاحذية الجلدية.
    لم ادرك ما يتم علي سبيل التحقق، مازلت في ازيز تلك اللحظات التي هزت كياني كما لم يحدث من قبل .. كيف للحواتي ان يعرف عن طائف زار منامي؟ كيف له ان يعرف عن حلم لم أحدِّثه عنه؟.
    وقف الحمار بالقرب من جرار الماء ، اكوام اب سبعين و ربطات البرسيم المفرودة كاحتمالات خضراء. نزلت عن الحمار و ربطت رسنه علي عارضة الفراندة الخشبية التي اصبحت ملساء كمعدن، ثار غبار خفيف حول قدمي التصق بالحذاء ، كان غبارا ناعما ذو لون بني مخضر مسكونا برائحة المكان. يقوم علي امر الدواب رجل قصير القامة و نشيط اكبر ما في وجهه هو فم مبتسم.
    لا يستلم الرجل سعرا محددا نظير الخدمة ، يقبل ما يعطي له مليم، تعريفة، قرش او فريني .
    تحركت صوب سوق النسوان، فكرت في امي و جدتي، تذكرتهما، احببت ان اشتري لهن ما يفرحهن، كانت البروش مفروشة بالوانها الفرحه ، القنقليس ، النبق و الدوم ، بينما افكر فيما يفرحهن وقف الي جواري ، جاءت معه رائحة ابي التي هي خليط من رائحة التبروقة، المسبحة، الفرش و المركوب و رائحة عراريق الدمور مختلطة بتعرقه زكي العطر. قال: لا تجفل، ستذهب هذه الاغراض الي البيت، ستعود قبل الغداء لكن يجب ان تمضي معي اللآن الي مكان زاره معي ابوك هو المكان الذي رأيته في منامك ليلة امس. غادرت مع الحواتي تهتف بنفسي الهواتف و تموج في خاطري المخاوف ، وقفنا عند مربط الحمار، مس الحواتي عنق الحمار، رفع الحمار اذنه بانتصاب مترقب ، تكلم الحواتي الينا معا الحمار و انا فهمت ان علينا الذهاب الآن، فانصرف المكان.
    من الحواتي يجيء الصوت كأنه يخرج من أذنيه لا من فمه و يقول:
    كانت امرأة ملكية الدماء و في جسدها يسكن الآلهة، كانت كمالا، جمالا، علوا و مجد. عندما مات أبوها تقبلت العزاء من زعماء العشائر، الأثرياء و الفرسان كما يستقبل الإله عباده يوم يحشرون. وجد الجميع في قربها جمال القرب من الكمال. اختارها كرام الناس مليكة لهم و قبل الكهنة الاختيار و فتحوا دروب الآلهة علي مجلسها فاستنارت زواياه بأنوارهم الباهرة، أمون ملأ المكان بأطيب ما عنده من هواء ونشر بالمكان حبيبات الندي المنيرة كبلورات و باركها و اسماها بنتي المستقيمة ذات الأصل النبيل و المجد الرفيع اسماها اماني شخيتي. اختارت الملكة لنفسها إلهة حارسة يحوم النسر حول رأسها فاردا جناح العز و الرهبة و العلو، اختارت آمسيمي إلهة و حارسة. الإلهة آمسيمي زوجة ابيدماك الإله الذي تقعي أمام جلال فحولته الإناث النبيلات، هي أحبت في الإلهة آمسِّيمي أنوثتها و عشقت عبر هذا الحب جلال الإله قدرا محتوما بشفرات السنان الحديدية، الإله ابيدماك الجبار الذي يجلب الموت للعدو و يحنو علي شعبه حنو الأمهات. تخذت اماني شيختو من العشاق من أرادت له المجد، لجمال جسده و فتوته التي لا تلين، فأنجبت اماني توري الملكة التي كلمها اله الأغيار و أرسل في طلبها الرسل. تعذبت اماني شيختو من الحمل و أرهقها و شغلها عن ملكها فلم ترد تكراره، فعمدت إلي الكهنة ليوقفوا خصوبتها حتى لا يعذبها الحمل و يشغلها عن ملكها، طفق الكهنة يعدون الأشربة و البخور و ينادون الآلهة ليفعلوا ففعلوا و ارتاحت الملكة من عناء الإنجاب و اكتفي الناس بأميرتهم اماني توري التي خلفتها كنداكة اختارها اله الاغيار حامية لرسالته التي اضطهد الرومان أتباعها. أحبت اماني توري نتكاماني و تزوجته.
    صمت الحواتي و نحن نقترب من (ود بانقا) حيث المدفن العظيم ، صمت و كنت اسمع خفيف الرمل المحمر بألوان الغروب تحت خطو الحواتي الخفيف، كان المدفن مهيبا كأنه ينبت في الرمل كشجرة خالدة. قلت للحواتي كيف كان حال الناس تحت حكمها؟ توقف و نظر إلي كأنه يراني لأول مرة، سرت ارتعاده خوف و برد في جسدي المترقب، زفر الحواتي زفرات متعددة و هادئة و قال:
    كان أهل الشرق يزرعون في البطانة العيش لأكلهم و عليقة قطعانهم بالمطر ، أهل الغرب يزرعون عيشهم بنفس طريقة أهل الشرق، ضحك الحواتي و قال " شايف جري الجمال في السرابات و التيراب يشخب من خرم الجراب منغرسا في التقانت" الرجال يتبعون الجمال يدفنون التواريب لان المطر لا ينتظر، من أراد الظفر بالمسور الكريم عليه العمل بجد. في أيام السنة الأخرى ينصب اهتمامهم بالقطعان و رعايتها، الملكة لا تأخذ الإتاوات، الناس يدفعون قدر ما يريدون للكهنة في المعبد قرابين للالهة فتحفظم من غائلة الدهر و جور الزمان، أهل الصعيد ينشطون في صيد الفيل،التيتل، الفهد ، الغزلان، الزراف و النعام. يقومون بصيد الفيل بالحبال حتى يجلب إلي مروي حيث يروضه الفرسان فيكون فيلا مقاتلا، من يمت من الأفيال ينزعون عن العاج فيبعونه، لحم الفيل و جلده يذهبان للمعبد، في المدن و القرى تجد الصناع و أهل الحرف يجهزون أواني الفخار، الأوعية المعدنية ، الحلي، الأثاث، البناءون من أهل الحجر أو القش و الحطب يسكنون حول المعابد لان بيت الإنسان فيه يكون الرب. الملكة و أهلها و كرام الناس يتاجرون مع بلدان الاغيار و لا يحتاجون لمال الناس، يعطون الناس من فائض تجارتهم إذا جاءت الحاجة بالناس إلي عتبات الدور و القصور. سألته.إلي من تأخذني الآن ؟ قال "إلي صاحبة البَنِّية، إلي من تسكن ذلك المدفن المهيب، إلي زوجتي و حبيبة جسدي و روحي سيدة الأزمان و ربة المكان الملكة أمّاني شخيتي."
    و قال الحواتي هي تهتم بجسدها و تزينه و تلبسه أحسن الأثواب و الحلي لان جسدها قد اختارته الآلهة مدخرا لسر الملك و مجد الآلهة، كانت تزيل الشعر عن جسدها بشمع عسل النحل مصهورا مع الصمغ، و لها شفرات زجاجية ملونة لإزالة الشعر العنيد، تستحم بالماء الدافي الذي يضاف اليه عصير اوراق السدر و تدهن جسمها بخليط من زيت الزيتون و عصارة الكافور، تعطر ابطيها بخليط المسك و الصندل المطحون، تغمرك العطور و أنت بجوارها كأنك في قلب زهرة جبلية تباهي بأريجها الفواح كل عطور العالم، تجمل جسدها بالحلي العظيمة كان لها عقد يشبه الدرع، فيه أصداف، لؤلؤ، أحجار كريمة، منظمومة بسلك ذهبي يغطي هذه الكردان الملكي صدرا نافرا ، عامرا بالحب و النعومة، تبلس أسورة و حجولا من ذهب مطهم باليواقيت ذوات الألوان الهادئة ، اثوابها من نسيج الكتان الناعم باللونين الازرق و الاصفر خفيفة و ناعمة ترتاح علي جسدها الذي تحبه خيوط ملابسها، شعر رأسها ممشط تعلوه غلالة من دهن معطر لا تراها و لا تحسها عند اللمس ، دهنا لا يزعج اناقة و دلال شعرها فاحم السواد. كانت عندما تأتي إلي الفراش، أكون في انتظارها، يتراقص ظلها مع ضوء الفتيلة التي يتضوع عنها العطر، كنت اعاين جسدها بجماله المكتمل فتشتد بي الاربة حتي تنتهرني، فانتظر بفحولة فاقدة للصبر، انتظر دفء جسدها المهيب الذي يكلله العطر،المجد و الجلال. و يقول الحواتي سألتها انا فارس من جند المملكة ما الذي يعجبك فيّ فتقول " انا احب في الرجال جمال اجسادهم و ملامحهم و اتساقها، و اشتهي فيهم رجولة لا تلين فتنكسر، رجولة تنتظر اشباعي حتي يسيل للهاثها داخلي بالفيض المحبب الدفاق، فتنطلق خيول شهواتي الجامحة الي منتهي الطريق نحو ذاتي الراغبة، و احب فيك مرافقتك للملك العظيم بعانخي سيد الارض الاله.
    كان الملك العظيم بعانخي إذا أراد مخاطبة الجيش نظر إلي الأرض أمامه و عندما يبدأ في إرسال تلك النظرات يبتعد قادة الجند و المرافقين عنه ، يكون فضاء جول الملك ، قادة الجند و المرافقين يولونه ظهورهم و لا يلتفتون الا عندما يبدأ بالكلام ، أثناء التفاتهم تلك تكون الأرض قد تحدبت و علت شامخة تحت أقدامه بذلك يكون الملك مرئيا لآخر جندي في الجيش ، كل الجيش يراه الآن عاليا أمامهم، فيجلس المشاة و ينزل الراكبون علي صهوات الخيول و ظهور الجمال فيخاطبهم الملك. في ذلك اليوم قال الملك للجند " علينا الذهاب إلي ضفة النهر الأخرى لنودع الجبل المقدس، جبل الإله و نطلب من ساكنه الخفي العلي نطلب منه مباركتنا و نصرتنا في غزونا هذا " ثم قال الملك العظيم بعانخي " سيكون لي ابناً و سيقوم هذا الابن ببناء معبد لإلهنا في جوف الجبل و سيزين هذا الابن واجهة المعبد بصورة للإله و سيكون مجدا علي كل المكان الذي سينظر الإله إليه بعيونه الحانية الحافظة ". ثم قال الحواتي: سمعت ذلك الحديث، ذهبت مع الجند الي ضفة النهر الاخري ، وفقت مع رفاقي جوار الجبل ، حمل كل واحد منا حصاة من حواليّ الجبل و ربط طرف ردائه عليها، صلينا للإله ليحفظنا. و قال الحواتي : لم اكتف بذلك فاخترت مكانا يسهل منه الصعود إلي قمة جبل الإله و صعدت كانت تدفعني إلي ذلك الفعل قوة جبارة دفعتني إلي ذلك العلو الشاهق، كانت تهتف في داخلي الهواتف بالقول:
    ستحوز مجدا
    لن يكون لغيرك
    صعدت إلي قمة الجبل التي تشبه سطحاً مستوياً، هناك بين صخرتين كانت في انتظاري ، هي بذاتها نبتة خضراء لم تر عيني خضرة كخضرتها ، لم تشم انفي أريجا كفواح عطرها ، لم أحس نداوة كالتي وجدت و أنا بجوارها ، طالعتني أفْرُعِها السبع بعيونها الحانية فتدفق الضوء و الألق حواليّ حتى بهرتني الأنوار و أصاب الطشاش عينيّ من فرط النور و الإضاءة ، عندما زالت تلك الغشاوة عن عيني تحسست سيفي فتحول عندما لمسته الي سيف من ذهب فتحسست رأس رمحي فتحول إلي رأس مصقول و حاد من ذهب و كذلك السهام تحولت رؤوسها إلي سنان من ذهب. مشيت بعد ذلك نازلا لأدرك الجيش الذي انصرف عن المكان متجها إلي الشمال ، عندما لامست قدمي ارض السفح المباركة بجلال الإله انتقل جسدي إلي حيث أريد برفقة مجموعتي بين الجند، حل السرور في داخلي و امتلأت نفسي بالحكمة و الجمال و أصبحت أري بعيني هاتين كل كنز مخبوء في حجر، رمل، شجر ، حيوان أو بشر أصبحت أري الكنوز المخبوءة في الناس و الأشياء جلية من غير تغبيش ، تطلعت إلي الملك فرأيت جلال الانتصار في داخله و عزة الملك في أثوابه و نور الإله في قلبه. في مسيرة الجيش لم أكن أحس بالتعب و لا أحس بتبدل الأحوال و في مساء ذلك اليوم هتف في داخلي هاتف بالقول :
    لن تموت إلا عندما تريد ذلك !
    ستكون حياً هكذا إلي نهاية الزمان !
    بعد هذا الهاتف أصبحت أري "الخفي" إلهنا سيد الأرض و السماء ، كنت أراه في الماء، في الهواء و في السماء، كنت أراه ينشئ رأس الكبش علي جسده فتكون لشعبه القوة في سواعد محاربيه و الخصوبة في نسائه و رجاله، كنت أراه ينشئ علي الحية الجبارة رأس الأسد فتكون لشعبه حكمة الحيات و قوة الأسد ، كنت أري الخفي في جسدي و كنت أحسه في نفسي.))



    طه جعفر
                  

العنوان الكاتب Date
هَدْم طه جعفر04-25-11, 06:56 AM
  Re: هَدْم طه جعفر04-25-11, 08:02 PM
    Re: هَدْم طه جعفر04-26-11, 07:58 PM
      Re: هَدْم طه جعفر04-27-11, 03:51 AM
        Re: هَدْم mustafa mudathir04-27-11, 05:22 AM
          Re: هَدْم طه جعفر04-27-11, 08:56 PM
            Re: هَدْم mustafa mudathir04-28-11, 00:51 AM
              Re: هَدْم طه جعفر04-28-11, 04:51 AM
                Re: هَدْم طه جعفر04-28-11, 05:16 PM
                  Re: هَدْم محمد الفاتح خالد حسون04-28-11, 06:11 PM
                    Re: هَدْم أمين محمد سليمان04-28-11, 06:31 PM
                      Re: هَدْم طه جعفر04-28-11, 08:35 PM
                    Re: هَدْم طه جعفر04-28-11, 08:21 PM
                      Re: هَدْم طه جعفر04-28-11, 08:54 PM
                        Re: هَدْم طه جعفر04-28-11, 09:24 PM
                          Re: هَدْم دينا خالد04-28-11, 10:01 PM
                            Re: هَدْم طه جعفر04-29-11, 12:00 PM
                          Re: هَدْم دينا خالد04-28-11, 10:21 PM
                            Re: هَدْم طه جعفر04-29-11, 12:09 PM
                        Re: هَدْم أمين محمد سليمان04-28-11, 09:35 PM
                          Re: هَدْم محمد الفاتح خالد حسون04-29-11, 04:50 AM
                            Re: هَدْم طه جعفر04-29-11, 12:16 PM
                          Re: هَدْم طه جعفر04-29-11, 12:13 PM
                            Re: هَدْم محمد أبوالعزائم أبوالريش04-29-11, 10:06 PM
                              Re: هَدْم فاروق عثمان04-29-11, 10:54 PM
                                Re: هَدْم طه جعفر04-30-11, 04:24 AM
                              Re: هَدْم طه جعفر04-30-11, 04:22 AM
                                Re: هَدْم فاروق عثمان04-30-11, 05:47 AM
                                  Re: هَدْم طه جعفر04-30-11, 09:20 PM
                                    Re: هَدْم طه جعفر04-30-11, 09:46 PM
                                      Re: هَدْم بله محمد الفاضل05-01-11, 08:52 AM
                                        Re: هَدْم طه جعفر05-01-11, 08:01 PM
                                          Re: هَدْم طه جعفر05-02-11, 10:13 PM
                                            Re: هَدْم حامد بدوي بشير05-03-11, 06:00 AM
                                              Re: هَدْم طه جعفر05-03-11, 09:00 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de