جناحا الشوق! كنت بعملي بالجامعة وقرأت المقال وودت الردّ عليه والصدّ في حق الشاعر. لكن هذا الأخير فعله قبل أن يرتد إلىّ قلمي. ما علينا. لقد كتبت في غير مقال "تكفير العباد في أوزان لغة الضاد" تعاليقا، أصبحت سالفة لأوانها، فراجعوها إن أردتم. فطر الله ابن آدم على التفرد (أفي أنفسكم أفلا تبصرون)، لكل منا بصمة خاصة به ونكهة فريدة تفرق أبداعيوته من زميل آخر. ولو كتب الناس الشعر على نهج واحد لبارت سلعة القريض وأصبح كل منا أبو نواسا أو جريرا أو أو أو. لقد فُطِرنا على التفرد، والطبيعة برأها الله وسوّى أعمدتها على هذا المبدأ وبُنيت نواميسها على هذا المنوال. فلترجع البصر هل من فطور؟ فالشعراء ملل وبيوت وخشوم بيوت. فتفرد فضيلي في عمله ليثبت لنا أن صوره غير مكرورة، فله أن يصنع في هذه الصنعة ما طاب له من أوزان: فما أجمل هطول المزن وما أحلى التعبير في قوله: "يحرمنا أماسينا" فجرّد فضيلي اللفظ المعجمي من سيميائيته (علم المعاني) بثوبها المألوف ونقلها إلى لحن التجريد، فيمكننا من الآن فصاعدا أن نضعه في حسبان أوزان الحداثة، فيا مجمع اللغة بالخرطوم وثق لهم ما أبدعوا فيه ودوّن من الكلم ما لم يخطر لبني قريظة ببال. "والله كلامي ما في بكانو؟" بالطبع، كل قصيدة وكل عمل إبداعي يحتاج الي عامل الزمن لتختمر إبداعيوته في بطون جراتها (حاله حال الخمر). فعالم القوافي واسع وبه من الألوان ما ينوء بقراءته الفرد منا. فالقصائد تلزم فترة نضوجها الجرات إلى أن يحين "قطافها" وإلى أن تبلغ درجة تامة من التعتق. ولكن هناك أنواع إن طالت مدة بقاءها لفسدت. ذاك حال الشعر والأعمال الإبداعية يحكمهاعامل الزمن. أما في ما ورد من صور بلاغية شعرية فانا أراها بديعة في نسق السياق العام وفي جوهر إطارها الشجني. إن أراد فضيلي أن يُهطل المزن، فلم لا؟ ذاك إحساسه بوقع الصور. حداثة ثم تفنن في رسم صور غير مكرورة، تجديد في لون التعامل مع الوحدات المعجمية للغة الضاد. ثم أنه قال "أماسي" في جمع التكسير فذاك جميل؛ وهانحندا قد "أنجب" ابن منا صيغة جمع جديدة. بيد أنها مضطردة ومعروفة، علي فضاءات أماسي الخرطوم وامدرمان. جمع التكسير له ألوان عده فتقول "مكنات ومكاين وماكينات"، تم تقول في جمع سارق "سراق، سارقون وسرقة"، في جمع "طالب" "طلاب وطلبة"، في جمع "باب أبواب وبيبان". وما الي ذلك. تجد يا صديقي في عاميتنا السودانية صور جميلة للجمع، يجب أن توضع في المناهج. لنقرب المكتوب الي لحن المشافهة. ففي جمع زميل تجد أهل السودان يقولون "زملان" فضلا عن زملاء وفي اللهجة المغاربية تجد جمع "زبون زبناء". في القصيدة صور بلاغية "فضيليّة"، خاصة به، نرى بها بصمته وتفرده في صنعة القريض ونظم ألحان القوافي. فإن كانت على نسق قديم، فهو كذلك، ذلك يوضع بميزان العادة، وإن جاءت سريرتها على نهج جديد، فذلك نطلبه وهو محمود، لأنه مولد لطفل جديد نضعه على مهد الحداثوية والإبداعيات العصرية التي تفتقد إليها لغة الضاد كثيرا، كفقدانها للغة الاصطلاح في مجال ترمنولوجيا التقنيات الحديثة. وهذا علم لا شط له وبحر بمداد لا ينضب... وللحديث تتمة. إلى الملتقى د. محمد بدوي مصطفى
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة