|
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد (Re: متوكل بحر)
|
بلقبٍ إلا ما كان علمياً أو ذكرى لخدمة مهمة وفَّقه الله إليها. وبمثل هذا يرفع اللهُ الناس بعضهم فوق بعضٍ درجات في القلوب لا في الحقوق. وهذا لقب اللوردية مثلاً عند الإنكليز هو من بقايا عهد الاستبداد، ومع ذلك لا يناله عندهم غالباً إلا من يخدم أمَّته خدمة عظيمة، ويكون من حيث أخلاقه وثروته أهلاً لأن يخدمها خدمات مهمة غيرها، ومن المقرر أن لا اعتبار للورد في نظر الأمة إلا إذا كان مؤسساً أو وارثاً، أو كانت الأمة تقرأ في جبهته سطراً محرراً بقلم الوطنية وبمداد الشهامة ممضيٍّ بدمه يقسم فيه بشرفه أنه ضمين بثروته وحياته ناموس الأمة؛ أي قانونها الأساسي، حفيظ على روحها؛ أي حريتها. التمجُّد لا يكاد يوجد له أثر في الأمم القديمة إلا في دعوى الألوهية وما معناها من نفع الناس بالأنفاس، أو في دعوى النّجابة بالنسب التي يهول بها الأصلاء نسل الملوك والأمراء، وإنما نشأ التمجّد بالألقاب والشّارات في القرون الوسطى، وراج سوقه في القرون الأخيرة، ثمَّ قامت فتاة الحرية تتغنّى بالمساواة وتغسل أدرانه على حسب قوتها وطاقتها، ولم تبلغ غايتها إلى الآن في غير أمريكا. المتمجِّدون يريدون أن يخدعوا العامة، وما يخدعون غير نسائهم اللاتي يتفحفحن بين عجائز الحي بأنهم كبار العقول؛ كبار النفوس؛ أحرار في شؤونهم لا يُزاح لهم نقاب، ولا تُصفع منهم رقاب، فيحوجهم هذا المظهر الكاذب لتحمُّل الإساءات والإهانات التي تقع عليهم من قِبَل المستبدّ، بل تحوجهم للحرص على كتمها، بل على إظهار عكسها، بل على مقاومة من يدّعي خلافها، بل على تغليط أفكار النّاس في حقِّ المستبدِّ وإبعادهم عن اعتقاد أنَّ من شأنه الظلم. وهكذا يكون المتمجّدين أعداء للعدل أنصاراً للجور، لا دين ولا وجدان ولا شرف ولا رحمة، وهذا ما يقصده المستبدُّ من إيجادهم والإكثار منهم ليتمكَّن بواسطتهم من أن يغرِّر الأمة على إضرار نفسها تحت اسم منفعتها، فيسوقها مثلاً لحرب اقتضاها محض التجبُّر والعدوان على الجيران، فيوهمها أنَّه يريد نصرة الدين، أو يُسرف بالملايين من أموال الأمة في ملذاته وتأييد استبداده باسم حفظ شرف الأمة وأبهة المملكة، أو يستخدم الأمة في التنكيل بأعداء ظلمه باسم أنهم أعداء لها، أو يتصرَّف في حقوق المملكة والأمة كما يشاؤه هواه باسم أنَّ ذلك من مقتضى الحكمة والسياسة. والخلاصة: أنَّ المستبد يتّخذ المتمجّدين سماسرة لتغرير الأمة باسم خدمة الدين، أو حبّ الوطن، أو توسيع المملكة، أو تحصيل منافع عامة، أو مسؤولية الدولة، أو الدفاع عن الاستقلال، والحقيقة أنَّ كلّ هذه الدواعي الفخيمة العنوان في الأسماع والأذهان ما هي إلا تخييل وإيهام يقصد بها رجال الحكومة تهييج الأمة وتضليلها، حتى إنَّه لا يُستثنى منها الدّفاع عن الاستقلال؛ لأنّه ما الفرق على أمةٍ مأسورة لزيد أن يأسرها عمرو؟ وما مثلها إلا الدّابة التي لا يرحمها راكب مطمئن، مالكاً كان أو غاصباً. المستبدُّ لا يستغني عن أن يستمجد بعض أفراد من ضعاف القلوب الذين هم كبقر الجنة لا ينطحون ولا يرمحون، يتّخذهم كأنموذج البائع الغشاش، على أنّه لا يستعملهم في شيء من مهامه، فيكونون لديه كمصحف في خمّارة أو سبحة في يد زنديق، وربما لا يستخدم أحياناً بعضهم في بعض الشؤون تغليطاً لأذهان العامة في أنَّه لا يعتمد استخدام الأراذل والأسافل فقط، ولهذا يُقال: دولة الاستبداد دولة بُلهٍ وأوغاد. المستبدُّ يجرِّب أحياناً في المناصب والمراتب بعض العقلاء الأذكياء أيضاً اغتراراً منه بأنّه يقوى على تليين طينتهم وتشكيلهم بالشّكل الذي يريد، فيكونوا له أعواناً خبثاء ينفعونه بدهائهم، ثمَّ هو بعد التجربة إذا خاب ويئس من إفسادهم يتبادر إبعادهم أو ينكّل بهم. ولهذا لا يستقرّ عنه المستبدّ إلا الجاهل العاجز الذي يعبده من دون الله، أو الخبيث الخائن الذي يرضيه ويغضب الله. وهنا أنبِّه فكر المطالعين إلى أنَّ هذه الفئة من العقلاء الأمناء بالجملة، الذين يذوقون عسيلة مجد الحكومة وينشطون لخدمة ونيل مجد النّبالة، ثمَّ يضرب على يدهم لمجرَّد أنَّ بين أضلعهم قبسة من الإيمان وفي أعينهم بارقة من الإنسانية، هي الفئة التي تتكهرب بعداوة الاستبداد وينادي أفرادها بالإصلاح. وهذا الانقلاب قد أعيا المستبدين؛ لأنهم لا يستغنون عن التجربة ولا يأمنون هذه المغبّة. ومن هنا نشأ اعتمادهم غالباً على العريقين في خدمة الاستبداد، الوارثين من آبائهم وأجدادهم الأخلاق المرضية للمستبدّين، ومن هنا ابتدأت في الأمم نغمة التمجّد بالأصالة والأنساب، والمستبدّون المحنّكون يطيلون أمد التجربة بالمناصب الصغيرة فيستعملون قاعدة الترقّي مع التراخي، ويسمّون ذلك برعاية قاعدة القدم، ثمّ يختمون التجريب بإعطاء المتمرّن خدمة يكون فيها رئيساً مطلقاً ولو في قرية، فإن أظهر مهارة في الاستبداد، وذلك ما يسمونه حكمة الحكومة فبها نعمت، وإلا قالوا عنه: هذا حيوان، يا ضيعة الأمل فيه. إنَّ للأصالة مشاكلة قوية للمجد والتمجّد فلا بدَّ أن نبحث فيها قليلاً، ثمَّ نعود لموضوع المستبدّ وأعوانه المتمجّدين فأقول: الأصالة صفة قد يكون لها بعض المزايا من حيث الأميال التي يرثها الأبناء من الآباء، ومن حيث التربية التي تكون مستحكمة في البيت ولو رياءً، ومن حيث إنَّ الأصالة تكون مقرونة غالباً بشيء من الثروة المعينة على مظاهر الشّهامة والرحمة، ومن حيث تقويتها العلاقة بالأمة والوطن خوف مذلّة الاغتراب، ومن حيث إنَّ أهلها يكونون منظورين دائماً فيتحاشون المعائب والنقائص بعض التحاشي. وبيوت الأصالة تنقسم إلى ثلاثة أنواع: بيوت علم وفضيلة، وبيوت مال وكرم، وبيوت ظلم وإمارة. وهذا الأخير هو القسم الأكثر عدداً والأهمّ موقعاً، وهم –كما سبقت الإشارة إليه- مطمح نظر المستبدّ في الاستعانة وموضع ثقته، وهم الجند الذي تجتمع تحت لوائه بسهولة، وربما يكفيه أنْ يضحك في وجههم ضحكة. فلننظر ما هو نصيب أهل هذا القسم من تلك المزايا الموروثة: هل يرث الابن عن جده المؤسس لمجده أميالَه في العدالة ولم توجد؟ أم يدبُّ ويشبُّ على غير التّرف المصغِّر للعقول، المميت للهمم؟ أم يتربّى على غير الوقار المضحك للباطل، السّائد فيما بين العائلة في بيتهم؟ أم يستخدم الثروة في غير الملاذ الجسمية الدنيئة البهيمية وتلك الأبّهة الطاووسية الباطلة؟ أم يتمثَّل بغير أقران السوء المتملقين المنافقين؟ أم لا يستحقر قومه لجهلهم قدر النُّطفة الملعونة التي خُلق منها
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-19-11, 02:48 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:15 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-19-11, 03:32 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-19-11, 03:37 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-19-11, 03:39 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:38 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:40 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:41 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:42 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-19-11, 03:41 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:44 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:45 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:46 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:48 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-19-11, 03:48 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:49 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-19-11, 03:50 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:53 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:54 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:55 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:56 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:57 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:58 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:00 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:01 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:02 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:04 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:07 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:08 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:09 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:10 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:14 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:16 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:17 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:18 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:20 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:21 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:23 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:24 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:26 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 05:39 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 05:41 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 05:44 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-20-11, 04:49 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-20-11, 05:04 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-20-11, 05:08 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-20-11, 05:16 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-20-11, 06:55 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-21-11, 08:03 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-21-11, 08:09 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-21-11, 08:13 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-21-11, 08:27 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-21-11, 08:29 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-22-11, 05:49 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-24-11, 04:22 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 05-03-11, 05:08 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 05-03-11, 05:24 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | محمد بدوي مصطفى | 05-10-11, 10:38 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 05-11-11, 03:09 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 05-11-11, 04:12 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 05-12-11, 08:25 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 05-13-11, 04:25 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 05-18-11, 05:31 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 05-21-11, 02:48 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 05-22-11, 03:17 PM |
|
|
|