|
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد (Re: عبدالبديع عثمان)
|
بناءً على ما تقدّم؛ لا مجال لرمي الإسلامية بتأييد الاستبداد مع تأسيسها على مئات الآيات البيِّنات التي منها قوله تعالى: وشاورهم في الأمر؛ أي في الشأن، ومن قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم؛ أي أصحاب الرأي والشأن منكم، وهم العلماء والرؤساء على ما اتَّفق عليه أكثر المفسِّرين، وهم الأشراف في اصطلاح السياسيين. ومما يؤيِّد هذا المعنى أيضاً قوله تعالى: وما أمرُ فرعون؛ أي ما شأنه، وحديث «أميري من الملائكة جبريل»؛ أي مشاوري. وليس بالأمر الغريب ضياع معنى وأُولي الأمر على كثير من الأفهام بتضليل علماء الاستبداد الذي يحرِّفون الكَلِمَ عن مواضعه، وقد أغفلوا معنى قيد منكم؛ أي المؤمنين منعاً لتطرُّق أفكار المسلمين إلى التفكير بأنّ الظالمين لا يحكمونهم بما أنزل الله، ثمَّ التدرُّج إلى معنى آية إن الله يأمر بالعدل، أي بالتساوي؛ وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، أي التساوي؛ ثمّ ينتقل إلى معنى آية:ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون. ثمَّ يستنتج عدم وجوب طاعة الظالمين وإن قال بوجوبها بعض الفقهاء الممالئين دفعاً للفتنة التي تحصد أمثالهم حصداً. والأغرب من هذا جسارتهم على تضليل الأفهام في معنى (أمر) في آية: وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقَّ عليها القول فدمَّرناها تدميراً؛ فإنهم لم يبالوا أن ينسبوا إلى الله الأمر بالفسق... تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، والحقيقة في معنى (أمرنا) هنا أنَّه بمعنى أمرِنا - بكسر الميم أو تشديدها-؛ أي جعلنا أمراءها مترفيها ففسقوا فيها (أي ظلموا أهلها) فحقّ عليهم العذاب؛ أي (نزل بهم العذاب). والأغرب من هذا وذاك؛ أنَّهم جعلوا للفظة العدل معنىً عُرفياً؛ وهو الحكم بمقتضى ما قاله الفقهاء؛ حتى أصبحت لفظة العدل لا تدلُّ على غير هذا المعنى، مع أنّ العدل لغةً للتسوية؛ فالعدل بين النّاس هو التسوية بينهم، وهذا هو المراد في آية: إن الله يأمر بالعدل، وكذلك القصاص في آية: ولكم في القصاص حياةٌ المتواردة مطلقاً، لا المعاقبة بالمثل فقط على ما يتبادر إلى أذهان الأُسراء، الذين لا يعرفون للتّساوي موقعاً في الدِّين غير الوقوف بين يدي القضاة. وقد عدّد الفقهاء من لا تُقبَل شهادتهم لسقوط عدالتهم، فذكروا حتّى من يأكل ماشياً في الأسواق؛ ولكنّ شيطان الاستبداد أنساهم أن يُفسِّقوا الأمراء الظالمين فيردّوا شهادتهم. ولعلّ الفقهاء يُعذَرون بسكوتهم هنا مع تشنيعهم على الظالمين في مواقع أخرى؛ ولكن، ما عذرهم في تحويل معنى الآية: ولتكن منكم أمّةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر إلى أنّ هذا الفرض هو فرض كفاية لا فرض عين؟ والمراد منه سيطرة أفراد المسلمين بعضهم على بعض؛ لا إقامة فئة تسيطر على حكامهم كما اهتدت إلى ذلك الأمم الموفقة للخير؛ فخصّصت منها جماعات باسم مجالس نّواب، وظيفتها السيطرة والاحتساب على الإدارة العمومية: السياسية والمالية والتشريعية، فتخلّصوا بذلك من شآمة الاستبداد. أليست هذه السيطرة وهذا الاحتساب بأهم من السيطرة على الأفراد؟ ومن يدري من أين جاء فقهاء الاستبداد بتقديس الحكّام عن المسؤولية حتى أوجبوا لهم الحمد إذا عدلوا، وأوجبوا الصّبر عليهم إذا ظلموا، وعدّوا كلّ معارضة لهم بغياً يبيح دماء المعارضين؟! اللهم؛ إنّ المستبدِّين وشركاءهم قد جعلوا دينك غير الدِّين الذي أنزلت، فلا حول ولا قوّة إلا بك! كذلك ما عُذر الصوفية الذين جعلتهم الإنعامات على زاوياتهم أن يقولوا: لا يكون الأمير الأعظم إلا وليّاً من أولياء الله، ولا يأتي أمراً إلا بإلهام من الله، وإنه يتصرَّف في الأمور ظاهراً، ويتصرَّف قطب الغوث باطناً! ألا سبحان الله ما أحلمه! نعم؛ لولا حُلم الله لخسف الأرض بالعرب؛ حيثُ أرسل لهم رسولاً من أنفسهم أسّس لهم أفضل حكومة أُسِّسَت في النّاس، جعل قاعدتها قوله: «كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيّته»؛ أي كلٌّ منكم سلطانٌ عام ومسؤول عن الأمة. وهذه الجملة التي هي أسمى وأبلغ ما قاله مشرِّع سياسي من الأولين والآخرين، فجاء من المنافقين من حرَّف المعنى عن ظاهره وعموميته؛ إلى أنَّ المسلم راعٍ على عائلته ومسؤول عنها فقط. كما حرَّفوا معنى الآية: والمؤمنون والمؤمنات بعضُهم أولياءُ بعض على ولاية الشهادة دون الولاية العامة. وهكذا غيّروا مفهوم اللغة، وبدَّلوا الدِّين، وطمسوا على العقول حتى جعلوا النّاس ينسون لغة الاستقلال، وعزّة الحريّة؛ بل جعلوهم لا يعقلون كيف تحكم أمّةٌ نفسها بنفسها دون سلطانٍ قاهر. وكأنّ المسلمين لم يسمعوا بقول النّبي عليه السلام: «النّاس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربيٍّ على أعجمي إلا بالتّقوى». وهذا الحديث أصحُّ الأحاديث لمطابقته للحكمة ومجيئه مفسِّراً الآية إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم فإنَّ الله جلَّ شأنه ساوى بين عباده مؤمنين وكافرين في المكرمة بقوله: ولقد كرَّمنا بنيَ آدم ثمَّ جعل الأفضلية في الكرامة للمتَّقين فقط. ومعنى التَّقوى لغةً ليس كثرة العبادة، كما صار إلى ذلك حقيقة عُرفية غرسها علماء الاستبداد القائلين في تفسير (عند الله)؛ أي في الآخرة دون الدنيا؛ بل التَّقوى لغةً هي الاتِّقاء؛ أي الابتعاد عن رذائل الأعمال احترازاً من عقوبة الله. فقوله: إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم كقوله: إنَّ أفضل النّاس أكثرهم ابتعاداً عن الآثام وسوء عواقبها. وقد ظهر مما تقدَّم أنَّ الإسلامية مؤسسة على أصول الحرّية برفعها كلّ سيطرة وتحكُّم، بأمرها بالعدل والمساواة والقسط والإخاء، وبحضِّها على الإحسان والتحابب. وقد جعلت أصول حكومتها: الشّورى الأريستوقراطية؛ أي شورى أهل الحلِّ والعقد في الأمة بعقولهم لا بسيوفهم. وجعل أصول إدارة الأمة: التشريع الديمقراطي؛ أي الاشتراكي حسبما يأتي فيما بعد. وقد مضى عهد النبي (عليه السلام) وعهد الخلفاء الراشدين على هذه الأصول بأتمّ وأكمل صورها. ومن المعلوم أنّه لا يوجد في الإسلامية نفوذ ديني مطلقاً في غير مسائل إقامة شعائر الدين، ومنها القواعد العامة التشريعية التي لا تبلغ مائة قاعدة وحُكم، كلُّها من أجَلّ وأحسن ما اهتدى إليه المشرِّعون من قبل ومن بعد. ولكن؛ واأسفاه على هذا الدين الحرّ، الحكيم، السهل، السمح، الظاهر فيه آثار الرقي على غيره من سوابقه، الدين الذي رفع الإصر والأغلال، وأباد الميزة والاستبداد. الدين الذي ظلمه الجاهلون، فهجروا حكمة القرآن ودفنوها في قبور الهوان. الدّين الذي فقد الأنصار الأبرار والحكماء الأخيار، فسطا
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-19-11, 02:48 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:15 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-19-11, 03:32 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-19-11, 03:37 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-19-11, 03:39 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:38 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:40 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:41 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:42 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-19-11, 03:41 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:44 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:45 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:46 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:48 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-19-11, 03:48 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:49 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-19-11, 03:50 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:53 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:54 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:55 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:56 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:57 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 03:58 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:00 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:01 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:02 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:04 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:07 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:08 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:09 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:10 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:14 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:16 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:17 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:18 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:20 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:21 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:23 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:24 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 04:26 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 05:39 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 05:41 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-19-11, 05:44 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-20-11, 04:49 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-20-11, 05:04 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-20-11, 05:08 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-20-11, 05:16 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | متوكل بحر | 04-20-11, 06:55 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-21-11, 08:03 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-21-11, 08:09 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-21-11, 08:13 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-21-11, 08:27 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-21-11, 08:29 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-22-11, 05:49 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 04-24-11, 04:22 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 05-03-11, 05:08 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 05-03-11, 05:24 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | محمد بدوي مصطفى | 05-10-11, 10:38 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 05-11-11, 03:09 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 05-11-11, 04:12 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 05-12-11, 08:25 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 05-13-11, 04:25 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 05-18-11, 05:31 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 05-21-11, 02:48 PM |
Re: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد | عبدالبديع عثمان | 05-22-11, 03:17 PM |
|
|
|