|
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. (Re: بشير أحمد)
|
مبنى المدرسة : إلى الجنوب الغربي من السفرة يشرئب مبنى المدرسة الأنيق والمهيب والجميل، ولا يزال المبنى يحتفظ ببهائه ورهبته القديمة وهو مبنى من الطوب الأحمر، أو المونة الحرة، المبنى يدل على معمار قوي صامد ومتين، وهو يميل في لونه إلى بياض مشرب بالحمرة، أو هو إلى اللون البيج أقرب، نوافذه من زجاج، وردهاته من بلاط صقيل، ونوافذه وأبوابه قوية ومتماسكة، تدل على كفاءة المصممين والمهندسين، وهو يتكون من فصول أربعة، ومكتبين، ومخزنين، ومزيرتين، تواجهان بعضهما، وهما متباعدتان، المزيرة الغربية, وتفتح على صالة المدرسة التي تمتد مارة بالصفين الأول والثاني، وفي المنتصف هناك صالة كبرى مفتوحة على مدخلين، ويتواجه في هذه الصالة مكتبان : مكتب المدير في الجهة الغربية، ومكتب المدرسين "الغربي" مواجهًا تمامًا لمكتب الناظر أو مكتب المدير، وكان يعمل في هذا المكتب إضافة إلى المعلمين الكرام، كاتب المدرسة على الآلة الكاتبة، وكان على عهدنا "الطيب علي موسى وهو من أبناء كاب الجداد، كان شابًا وسيمًا مهذبًا قليل الكلام، يعاملنا بقدر كبير من التهذيب، والمودة المتحفظة. بعد هذا المكتب هناك فصلان، ثم المخزن. وإذا ما وقفت أمام الصالة الرئيسة ونظرت شرقًا لوجدت "المكتب الشرقي"، وهو مكتب للمعلمين، وتلتصق به غرفة الأعمال، وهي غرفة لحصص الرسم، وإذا ما اتجهت بعد ذلك إلى الغرب لرأيت "المعمل". وهو قاعة تدريس العلوم، وهو مصمم بطريقة المدرجات، كأنه قاعة محاضرات في إحدى الكليات الجامعية، وله باب خلفي يقودك إلى مخزن فيه مواد كيماوية لا تعد ولا تُحصى. وأدوات العلوم من دوارق، ووسائل مساعدة متعدّدة. وبعد الفصل الرابع مكان مخزن المدرسة وهو ملتصق بذلك الفصل وينفتح على المزيرة الشرقية، أما جوار المزيرة الغربية فكان هناك مخزن آخر. كان يستعمله العم حسن محي الدين فراش المدرسة. وكان المخزن الشرقي هو مستودع المدرسة الرئيس حيث الكتب والدفاتر والأقلام وكل الأدوات المدرسية المتوفرة بكثرة في تلك الأيام .. أما باحة المدرسة وساحتها، فهي على شكل نجيلة تنبسط في استحياء، وكانت هذه الباحة هي مكان طابور الصباح، والساحة التي يخاطب فيها المدير الطلاب عند حدوث أمر جلل كما حدث يوم 28/9/1970م عندما، دق الجرس فجأة وطلب منا جميعًا الوقوف في تلك الساحة ليعلن أستاذنا محمود عبد العال مدير المدرسة المحبوب، في أسى وحزن عن وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، وأن يوم غد سيكون عطلة تجاوبًا مع هذا الحدث، الذي أثر على المنطقة العربية كلها بعد ذلك. كانت باحة المدرسة هي المكان الذي تنعقد فيه الجمعية الأدبية مساء كل يوم اثنين، وكان الدكتور عبد اللطيف البوني الأستاذ الجامعي المعروف الأن رئيسًا لها عندما دخلنا المدرسة في عام 1969م، وكان هو في السنة الرابعة الوسطى، وقد آلت إليّ الرئاسة بعد ذلك وأنا في أولى ثانوي عام 1972م مع الأخ كمال حمزة الرائد بشرطة الجمارك الآن، حيث إخترت رئيسياً معه رغم أنني من الدفعة التي تلي دفعته. ثم رافقني في السنة الأخيرة في رئاستها الأخ حسن العبيد الصديق. الجمعية الأدبية : - كان يوم الاثنين من أحب أيام الأسبوع لطلاب مدرسة كاب الجداد الثانوية العامة في تلك الأيام، فهو يوم الفتة حيث اللحم المشوي والأرز والتغيير في وجبات الغداء، وهو يوم الخروج إلى سوق القرية، حيث يخرج الطلاب زرافات ووحدانًا إلى السوق، لشرب الشاي والقهوة، أو لشرب المرطبات، أو لشراء الحلوى والتسالي، إذن فهو يوم للترويح عن تلك النفوس الغضة، وانعتاق لها لسويعات من أسر الروتين المدرسي الصارم، كما أن أمسية الاثنين هي أمسية الجمعية الأدبية، حيث يتحلق الطلاب في ساحة المدرسة لعرض المواضيع الأدبية والثقافية والاجتماعية والسياسية والفنية، وكان الطلاب يقبلون على الجمعية في شوق واهتمام وكان لها نجوم بارزون منهم : الطيب البشير الصديق، وعمر يوسف حسن دكين "عرقلة"، وحسن العبيد، وفائز الطيب، وشخصي، والفضلي علي الجاك، وعليان الريح الذي كان يقدِّم فقرات فكاهية، وغير هؤلاء من الزملاء، ولا زلت أحتفظ ببعض من الموضوعات التي كان يعرضها الزملاء في الجمعية في تلك السنين .. ذهبت أصواتِهم، وبقى صداها الحميم في النفس والوجدان .. كان يشرف على الجمعية أستاذ اللغة العربية، وكان المدير والأساتذة جميعًا يحضرونها، وكانت تجد اهتمامًا من الجميع، وكان يمتزج فيها الفن بالفكر بالأدب على رغم بساطتها، وبساطة الطلاب الذين كانوا يشاركون فيها، إلا انها كانت علامة بارزة من علامات الحياة المدرسية آنذاك، ولا شك في أنها أفادت الجميع، المتحدثين والمستمعين، بما كان يطرح فيها من مواضيع، وبما تشكله من مدرسة لتدريب الطلاب على الإلقاء والمحاورة، والنقاش. فهي وسيلة تربوية ناجعة، فاعلة ناجزة، سقى الله أيامها بوابل المزن الخيِّر .. كان الَفضلي علي الجاك يُنشِد مع بكري البشير وهما من السريحة : جيفارا في بوليفيا وكان السماني حميدة، وهو من أم دقرسي يُغني : اللول اللول .. شيء بديع يا زول. وكـان فائز الطيب وهـو رائد شرطـة الآن، ومن قرية أزرق يُردِّد في أسى : حلفا .. يا عروس النيل نبكيك، بدموع كالسيل يا حليل، العجوة والقنديل هذه أصداء أصواتِهم في الجمعية الأدبية تتردد على مر تلك الأيام في الذاكرة حتى اللحظة .. لقد ذهبوا، ونأوا عن تلك الدار، ولن يعود جمعهم إليها أبدًا، بحكم طبيعة الحياة، ولكن ظلالهم الشاردة، وخيالاتِهم الغَضَّة، وأصواتهم الريَّانة، لا تزال تكسو ذلك الأفق الراحل، وترن بين تلك الأطلال الواقفة، وتتردد بين أمسيات الحاضر .. ذكرى، ولا مثيل .. وعند ذكر الجمعية الأدبية في مدرسة كاب الجداد، تقفز إلى الذاكرة صور ومواقف الأساتذة الكرام، وعلى رأس هؤلاء الأستاذ سفيان محمد المشرف رحمه الله، الذي كان يحضر ابنته الوحيدة – مشاعر – وكان يشاركنا ويغني لها مرِّددًا أغنية الكابلي الشهيرة : حسنك فاح مشاعر، وعَمَّ الطِّيب فريقنا. إذن فقد كان الأساتذة الاماجد يشاركون الطلاب في هذا العرس الثقافي الأسبوعي، مما أعطى الجمعية بعدًا وزخمًا كبيرين .. وهكذا كانت مدرستنا على ذلك التصميم الرائع هندسيًا ومعماريًا، ولو أنك وقفت أمام المدرسة واتحهت ببصرك شرقًا، لوجدت بيوت المدرسين التي تبدأ ببيت الناظر، ثم ثلاثة بيوت أخرى للمدرسين، وهذه البيوت خارج سور المدرسة، ويقودك إليها الطريق الترابي الممتدة على جانبه أعمدة الكهرباء. وقد تتساءل : ما هو مصدر تلك الكهرباء؟ والواقع أن الكهرباء تأتي عن طريق مولِّد كهربائي نسميه "الدينمو" وله غرفة خاصة كبيرة شرق السفرة والمطابخ، وله عامل خاص هو عبد الله دينمو. كما يعرفه الطلاب، وأظن أن اسمه هو عبد الله عبد الباقي، وهو من سكان كاب الجداد، كان عمله هو هذا "الدينمو". تشغيله وصيانته. كان عبد الله دينمو فاتح اللون، نحيلاً له شعر غزيز، وعروق جسمه ظاهرة بارزة، كانت له "عجلة" يحضر بها عند المساءات المبكرة قبل أن تغيب الشمس كي يختبر الدينمو، ويزوده بالجاز أو الوقود الذي يحركه، وكانت غرفة الدينمو هي عالمه الخاص، لا يختلط بأحد من حوله، ولا علاقة له بالطلاب، إلاَّ أنه رجل ودود، صامت يعيش في ذلك العالم الخاص به عالم الدينمو، الذي يبدأ في تشغيله عند الغروب، وبعد حلول الظلام، ويستمر الدينمو بصوته الذي يشق سكون الليل حتى التاسعة والنصف عند "الإنذار الأول" حينما ينطفئ الدينمو فجأة إيذانًا باقتراب موعد نهاية التشغيل لذلك اليوم، فكان الجميع يحتاط ويستعد للظلام الذي سيطبق بعد قليل على المدرسة وداخلياتها .. والمدرسة سارت على نظام جرس النوم، فهناك بعد العشاء وقبل إنذار الدينمو جرس النوم الأول، ثم جرس النوم الثاني وجرس النوم معناه أن يلتزم كل طالب سريره ولا يتحرك منه مهما كانت الأسباب، وتعود الجميع على هذا النظام، وساروا عليه، في رضي وطاعة وانتظام. فما أن يدق جرس النوم الأول، وربما قبله حتى يكون جميع الطلاب في مهاجعهم .. ولا شك في أن اليوم الدراسي ونشاطاته الطويلة، وما يبذله الطلاب فيه من نشاط وجهد واستذكار، والاستعداد لليوم التالي، تجعل الواحد منهم في أقصى درجات الإنهاك وفي حاجة إلى راحة الجسد والعقل، وساهم تنظيم جرس النوم في دفعهم إلى النوم بكلِّ طمأنينة وبرغبة في إراحة تلك الأجساد الصغيرة ..
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. | بشير أحمد | 04-14-11, 06:01 PM |
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. | بشير أحمد | 04-14-11, 06:03 PM |
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. | بشير أحمد | 04-14-11, 06:05 PM |
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. | بشير أحمد | 04-14-11, 06:07 PM |
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. | بشير أحمد | 04-14-11, 06:12 PM |
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. | بشير أحمد | 04-14-11, 06:14 PM |
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. | بشير أحمد | 04-14-11, 06:15 PM |
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. | بشير أحمد | 04-14-11, 07:00 PM |
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. | بشير أحمد | 04-14-11, 07:02 PM |
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. | بشير أحمد | 04-14-11, 07:05 PM |
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. | بشير أحمد | 04-14-11, 07:05 PM |
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. | بشير أحمد | 04-14-11, 07:09 PM |
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. | بشير أحمد | 04-14-11, 07:09 PM |
Re: شاهد علي العصر:كِتاب ..(مدرسة كاب الجداد).. | بشير أحمد | 04-14-11, 07:14 PM |
|
|
|