|
يـا مـُـشـــرع الــحــِـلــم الـفـــســيــح.
|
.....
النداء و البهاء و الصفاء و النقاء فى جملة واحدة ، يا مشرع الحلم الفسيح ، أغنية غنية و مترعة بالجمال ، أحبها و أستغرق فى الإستماع إليها كلما سنحت الفرصة و تفعل بى فعل السحر ، لكأنما ليس قبلها ولا بعدها فى التراث الغنائى الإنسانى جميعه ، ولا زلت جاهلاً بالسبب وراء ذلك ، غير جمالها كلاما و أنغاما ، يقول لى بعض أصدقائى أنك تحب هذه الأغنية فقط لأنك أكثرت من الإستماع إليها و إذا توقفت عن ذلك فربما تراها عادية ، و لكن لا أجدنى متفقا مع ذلك عن تجربة ، فقد كنت مدمنا ذات يوم على مواويل الأستاذ هاشم ميرغنى ( و ما تصدقيهم لو قالوا ليك الريد) و لكننى لم أعتبرها عادية فى يوم من الأيام رغم أننى توقفت مكرها عن الإستماع إليها بتعليمات من حيكومتى فى المنزل ، فهذه الأغنية (مشرع الحلم الفسيح) تتعدى بتأثيرها مناحى الطرب العابر إلى أبعد من ذلك بكثير ، أغنية تعمل على قطع الطريق أمام الألم و تلفت إنتباه القلب إلى التفاصيل الجميلة من حوله و تعبئ الروح بالتفاؤل.
أول مرة على الإطلاق أستمع لهذه الأغنية من صاحبها المصطفى عبر وسائل الإستماع العادية و التى لابد أن تشمل الأذنين بالطبع ، بالإضافة إلى القلب و كوب القهوة ، كنت قد بقرت طبلة أذنى فى اليوم السابق بقشة كبريت لعينة إثر حكة لذيذة إعترتنى ولم أقاومها و بالغت فى الهرش حتى كان ما كان ، المهم ، كنت أضرس من كل الأصوات حينها ، حتى أن صوت حبيبتى نفسها كان يؤذينى و لم أقو على الإستماع لشئ ، و طفقت إلى حشو هبابتى بالقطن الطبى حرزا من كل أصوات الكون ، عائدا كنت من مستشفى ود مدنى المتهالك بعد حصولى على القليل من الشخبطة على ورقة صغيرة و غير مسطرة بما يفيد (الورشتة) - أو كما تقول الشام بت حسين - أصر مثقف ما و أخرج شريطاً منسوخا من جيبه و أجبر سائق الحافلة على تشغيله ، أزلت القطنة البيضاء من أذنى لمجرد الإستطلاع حول ذوق ذلك المشنط أبو نظارة (فوتوغراى) و كنت فى غاية الحذر و قطنتى بأطراف أصابعى قريبة من حافة أذنى إستعدادا لغرسها مجددا ولكن خاب ظن القطنة و الأصابع و جاءنى النغم يتهادى كلثغة رضيع سعيد ، عزف هادئ على العود و بأنامل حصيفة و محترفة تراقص الأوتار رقصا ولا تملى عليها النغم إملاءاً فتسعد الأوتار بالتعبير عن نفسها و تخرج أنغاماً كزخات المطر فى لطفها ، و كالنسيم العليل فى حريته و تجواله بين أغصان الشجر ، صوت المغنى الذى يعنى ما يقول و هو يمجد الحلم بالنداء و ينشد البراح فى القلب بطعامة لي كمثلها طعامة و جمال ليس كمثله جمال ، يا مشرع الحلم الفسيح ، تجئ كلوحة منصوبة على جدار مسرح مهيب ، حتى لتتراءى فى الذهن صورة المشرع الفسيح و أحلامه المتراقصة على الضفة و تلك الأيادى الخضيبة بالأمل وهى تلوح بالنداء ، يا مشرع الحلم الفسيح ، و المصطفى يبنيها فى قلبه بمحبته العظيمة و روحه الشفيفة قبل تمريرها عبر حباله الصوتية الذهبية لتمنحها لمعة فوق لمعة و روعة على روعة.
نسيت فى غمرة كل ذلك ألم الأذن و تسمرت الإصابع بقطنتها و أستولى ذلك الصوت الجميل و النغم الشجى على مسرى الصوت إلى القلب مباشرة و قبع فى صميم الروح و أقام فيها للأبد و أحببت هذه الأغنية جملة و تفصيلا حد الهوس بها لفرط جمالها و ما فتئت أصبها صبا على مسامعى بغير حساب و كادت أن تجب بداخلى كل سواها من غناء و لكن قدر الله فلطف ، أحببت سماعها عند الجميع ، عاطف أنيس و عمر خليل و علاء الدين سنهورى و غيرهم ، حتى صاحبى إسلام عبد الرحمن كنت أحب ترديده و إحمرارة عينيه حينما يعلق فى مقطع (حدثنى دائما كلما) .. يا سلام.
كنت أعرف أن الكلمات هى للشاعر المبدع الجميل (أزهرى محمد على) و كنت قد طالعتها مراراً و تكراراً و سمعت الكثيرين و هم يرددون القصيدة فى المحافل و المنتديات الأدبية ولكن المرة الأولى التى أنصتُّ فيها للأزهرى بذات نفسه و هو يرويها بصوته ، كانت فى كلية الصيدلة بجامعة الخرطوم ذات مساء ، هذا الأزهرى الرائع المبدع تستمع إليه كأنما يأخذك فى جولة سياحية بين كلماته و يعرفك عليها واحدة واحدة كأنما يقدمك إلى بنيه و أسرته و دون عناء الشرح ، يقدم أشعاره أحيانا بهدجة صوت أو إغماضة جفن و تارة بزفرة حفيفة بين الكلمات و يبسط يديه و يجمعهما فى حركات توصيفية لا إرادية و هو ينشد أشعاره المحمومة بالعاطفة و يغرقك إغراقا فى الجمال و النقاء و الصفاء ، حتى تختلط معاييرك ببعضها البعض ولا تقوى على التمييز ، أليس من الغريب أن يتفق الجميع حول جمال التوصيف فى ( تيبس على البر الضفادع) ، رغم ما يتبادر إلى الأذهان فى الوهلة الأولى من منظر كئيب ، هذا هو الجمال بعينه، جمال أزهرى محمد على عندما يتجلى فى أبهى صوره ، عندما يقدم لك تصاويره الصادمة على فظاعتها و يجبرك على الإحتفاء بها
لدى قريب عزيز كان يخبرنى بأنه يكاد يحس بوخز خفيف على مفرق إبهامه من يده اليسرى كلما تردد مقطع (حدثنى لو صادف الكى المواجع) و كلما تمعنت فى يده و رأيت أثر الكية القديمة و التى تميز أبناء الجزيرة الذين تعالجو من (الصَّفار) بالكى عند البصير (ود برعد) فى صغرهم ، هذه أشعار حية تفعل بجسمك أفعال مادية محسوسة و تنشر الألم و الفرح و العاطفة و تتدخل حتى فيزيولوجيا بحركة هرموناتك الداخلية و دوبامينك الخاص و إكسير حياتك المباشرة
إلتقت عندى جمالية الشعر بعذوبة النغم و جودة الغناء و روعة الأداء فأصفيت هذه الأغنية الظاهرة كجليس دائم حتى غدوت أسمعها بينى و بين نفسى و فى داخل الروح دون حوجة إلى أذنى فى أعتى حالات الشغف .
.....
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
يـا مـُـشـــرع الــحــِـلــم الـفـــســيــح. | الوليد عمر | 03-28-11, 10:05 AM |
Re: يـا مـُـشـــرع الــحــِـلــم الـفـــســيــح. | الوليد عمر | 03-28-11, 10:12 AM |
Re: يـا مـُـشـــرع الــحــِـلــم الـفـــســيــح. | الوليد عمر | 03-28-11, 10:15 AM |
Re: يـا مـُـشـــرع الــحــِـلــم الـفـــســيــح. | عبدالله ابوشوارب | 03-28-11, 10:24 AM |
Re: يـا مـُـشـــرع الــحــِـلــم الـفـــســيــح. | توما | 03-28-11, 11:08 AM |
Re: يـا مـُـشـــرع الــحــِـلــم الـفـــســيــح. | الوليد عمر | 03-28-11, 06:49 PM |
Re: يـا مـُـشـــرع الــحــِـلــم الـفـــســيــح. | الوليد عمر | 03-28-11, 07:00 PM |
Re: يـا مـُـشـــرع الــحــِـلــم الـفـــســيــح. | الوليد عمر | 03-28-11, 02:12 PM |
Re: يـا مـُـشـــرع الــحــِـلــم الـفـــســيــح. | عبدالله ابوشوارب | 03-29-11, 03:08 AM |
Re: يـا مـُـشـــرع الــحــِـلــم الـفـــســيــح. | الوليد عمر | 03-29-11, 10:40 AM |
Re: يـا مـُـشـــرع الــحــِـلــم الـفـــســيــح. | الوليد عمر | 03-29-11, 10:45 AM |
|
|
|