يا راشد عبدالرحيم، اطرد هذا أيضاً

Quote: أنا لا أساكنه أو أعيش معه في ذات نطاقه الذي يقع على هوامش العاصمة البريطانية لكن مصادفةً جمعتني بزوجته في طائرة من الخرطوم للدوحة وكانت في طريقها لبريطانيا، سألتها عنه فالرجل كاتب ومعارض وصاحب مشروع بديل ويمنِّي نفسه بالعودة للسودان منتصراً باقتلاعه للنظام الحاكم من جذوره وإشاعة الديمقراطية وفصل الدين عن الدولة وإعادة السودان لسنوات (البيرة أبو جمل)، لا أدري لماذا تعارف الناس على هـذه التسـمية رغم أن (البيرة) مؤنث ولا يجوز لغة توصيف المؤنث بأدوات المذكر! أظنه الحياء والذوق العام وخط الرجعة الأخلاقي العظيم الذي ظل يطبع شعب السودان. سألتها عن زوجها بعد أن أقلعت الطائرة وصرنا أبعد عن الأرض ولغتها وشجارها وخلافاتها، لكنها عادت بي للأرض كأن سؤالي مسَّ حرقةً وألهب مستودعاً مقيماً فيها وسبر غوراً ما كانت تريد إخراج مغاوره في طائرة، فقد كانت إجابتها أنها طلقته على سنة الله ورسوله، طلقته وطلقت كل فكرة تعني في معنى منها معاني التقدم وكل شئ يعني الحرية أو الإشتراكية أو حقوق الانسان أي كل ما يتصل بالمفاهيم والمرتكزات الجذرية للمجتمع المدني، وكنت في تلك اللحظة أتحاشى مطباً جوياً وأحدق في المضيفة تترنح لا إرادياً كأنها ترقص (رقصة الكشف)!! بدأت محدثتي زوجة المناضل اليساري في حالة قرف وتقزز من النظريات الإنسانية التي أفرزت حالة طليقها فهي تشتم ماركس ولينين وغرامشي وبلخانوف وجيفارا وتروتكسي والحركات النسوية ولصوص حقوق الانسان ومراكز الاستنارة والدعارة المتسترة خلف الثقافة الديمقراطية وعُهْر حقوق الإنسان التي تغض الطرف عن إنتشار المثلية الذكورية والنسوية، وأقسمت لي أنها عايشت ذلك كله في شقتها التي يتجمَّع فيها كل هذا الطيف من مناضلين أدواتهم القارورة والكأس ومن مثليين كلاسيكيين بريطانيين يعملون في منظمات تمد يد الزجاجة والكأس لزوجها ومشايعيه كي يستمر نضالهم مُتَّقِداً. واستمرت تزفر وتفح و(توِّح) وتتلوى والمطبات تعلو وتهبط بنا وإشارات ربط الحزام بإحكام تصدر من مساعد قائد الطائرة والسَّحاب من تحتنا يبرق كأنه يتوعد طليقها الضال بِفِعْلِ عزيزٍ مقتِدر!!. رغم أنه يحمل درجة الدكتوراه من إحدى دول المعسكر الإشتراكي الذي إنهار إلا أنها كانت تساعده في قراءة الخطابات التي ترسل إليه من مكتب المساعدات التي يعيش على هامشها الضيق ليشتري (الشري) وشرائح لحم الخنزير. كانت تقول لي ذلك وطيوف التقزُّز تطوف بوجهها: "يقضي كل النهار نائماً يستيقظ بعد الظهيرة يطبخ بعضاً من لحم الخنزير عند الأصيل يَزْدَرِدُهُ ثم يقوم بفتح (بوست) يرمي فيه بإشاعةٍ تنذر بقرب انتهاء حكومة الإنقاذ ويرد على أحد المتداخلين بصفاقة ثم يتهيأ لمساء النضال حين يتوافد العاطلون على شقته في إبط كل منهم زجاجةٌ وإشاعةٌ وخيبة!!