|
Re: قـُبلتي الأولى (Re: محمد ادم الحسن)
|
أنا إدريس (4).. منضدو أسماك البلايس
كان لي ومصطفى في آيماودن بيت من ثلاث غرف، كله لنا نحن الإثنين فقط. كان الوضع مثاليا، فكان البيت يبعد بعشر دقائق مشيا عن مستودع الأسماك، حيث كنا نشتغل فيه كـ"منضدين للأسماك". عبارة جميلة عن عمل بسيط. ما كنا نفعله، نحن منضدي الأسماك، هو إفراغ السفن من الصيد الموجود على متنها. كنا ننهض على الساعة الخامسة صباحا، نتناول الفطور، ثم نرتدي زي العمل الذي كان يتكون من ثلاث طبقات من لباسنا الخاص تليها بدلة العمل المزدوجة لرب العمل. وكان ذلك ضروريا إذ إن قلب السفينة الذي كان يحوي السمك عبارة عن قفص ثلاجة كبير. وقد تنزل فيه درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر بكثير. وكان قعر السفينة مليئا بالجليد.
كنا ننتظر مع منضدي الأسماك الآخرين في المقصف إلى أن ترسو السفن في الميناء. كان يجلس منضدو الأسماك الأتراك في زاوية والمغاربة في زاوية أخرى، بينما كان للهولنديين مكانهم الخاص. وحتى خلال العمل كان يستمر مفعول التفريق بين الجنسيات. الهولنديون هم من كانوا يستخدمون الرافعات و يسوقون الرافعات ذات الشوكات. أما نحن الأجانب فكنا ندخل قلب السفينة. وهناك كنا نراكِم صناديق السمك على المنصات الخشبية، حيث كانت تُرفع وتُساق بالرافعات ذات الشوكات إلى قاعات السمك.
كنا نشكل قي قلب السفينة مجموعتين: الأتراك والمغاربة. كل واحدة من المجموعتين كانت تأخذ نصفا من قلب السفينة على عاتقها. وكان الهولنديون يصرخون من الأعلى بأوامر في اتجاهنا. فبالتركية يصرخون "ﭼابوك!" (بسرعة!) وبالمغربية "يالاّه!" (بسرعة!).
كان علينا وفقا لعقد العمل أن نشتغل لفترة ثماني ساعات في اليوم، إلا أن الجميع كان يود أن يعمل ساعات إضافية. وإذا لم يكن هناك من العمل ما يكفي لشغل ساعات إضافية، فإن التوتر كان يبدأ فعليا في التصاعد. الرئيس هو الذي كان يقرر من يُسمح له بالاشتغال لساعات إضافية. ودائما كانت كل مجموعة من المجموعتين تشعر بأن هناك انحيازا لصالح المجموعة الأخرى. وخصوصا نحن المغاربة كان لنا إحساس بأن الرئيس كان يتجاوزنا في كل مرة.
وقد أفضى مشكل اشتغال الساعات الإضافية في الأسبوع الثالث الذي اشتغلنا فيه أنا ومصطفى بمستودع الأسماك إلى عراك. نادى الرئيس قائلا إن الأتراك هم الذين يُسمح لهم بالعمل ساعات إضافية. ولم نقبل نحن ذلك، فقد سبق أن سُمح لهم بذلك في اليوم السابق. شتم مصطفى أحد الأتراك مسميا إياه حمارا. وردّ عليه التركي بكلام ما. وصرنا في لحظة تبادل الصراخ في ما بيننا. أخذ أحد الزملاء المغاربة سمكة من الصندوق ولطم بها أحد الأتراك. بعدها بدأت الأسماك تتطاير في الهواء وبدأت اللكمات تُوزّع من الجانبين. وكانت الأسماك تصل كالعِصيّ. بقي الهولنديون يتفرجون إلى أن انتهينا من العراك. في ذلك اليوم لم يُسمح لأي أحد بساعات عمل إضافية.
تم إدخال نظام جديد للعمل الإضافي. فكنا، إذا كان هناك عمل زائد، نُفرز المجموعة تلو الأخرى. كان نظاما مثاليا، إذ لم يعد أحد يتذمر بعد ذلك. بقي الفصل بين الجنسيات قائما. إلا أنه لم يعد يسبب في أية مشاكل. فكنا نشبه في ذلك تلك السمكات الموجودة في قاعة الأسماك، مستلقية في تناغم تام مع شبيهاتها في النوع في صندوق واحد.
* "أنا إدريس" كتاب صدر باللغة الهولندية للكاتبين من اصل مغربي حسن بحارة وعزيز عينان. لكن الكتاب حمل اسماً مستعاراً هو "إدريس تفرسيتي". يحكي الكتاب تجارب مهاجري الجيل الأول من العمال المغاربة في هولندا في السبعينيات. قامت إذاعة هولندا العالمية بترجمة جزء من الكتاب، وسجلت الحلقات بصوت ممثل مغربي، وعرضت الترجمة على شكل "كتاب مسموع" في معرض الدجار البيضاء للكتاب 2011.
http://www.rnw.nl/arabic/article/313931
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
قـُبلتي الأولى | محمد ادم الحسن | 02-14-11, 11:02 PM |
Re: قـُبلتي الأولى | محمد ادم الحسن | 02-14-11, 11:03 PM |
Re: قـُبلتي الأولى | محمد ادم الحسن | 02-14-11, 11:05 PM |
Re: قـُبلتي الأولى | قاسم المهداوى | 02-15-11, 00:01 AM |
Re: قـُبلتي الأولى | محمد ادم الحسن | 02-15-11, 02:12 PM |
Re: قـُبلتي الأولى | محمد ادم الحسن | 02-15-11, 06:01 PM |
Re: قـُبلتي الأولى | محمد ادم الحسن | 02-18-11, 10:32 AM |
Re: قـُبلتي الأولى | محمد ادم الحسن | 02-20-11, 08:05 PM |
Re: قـُبلتي الأولى | محمد ادم الحسن | 03-03-11, 10:06 AM |
Re: قـُبلتي الأولى | محمد ادم الحسن | 03-20-11, 12:05 PM |
|
|
|