|
Re: قـُبلتي الأولى (Re: محمد ادم الحسن)
|
أركبني أخي الأكبر موحا في الخامس عشر من شهر مارس 1972 بمدينة "ليل" الفرنسية في حافلة متوجهة إلى هولندا. كنت في الحادية والعشرين من العمر. كانت لدي حقيبة سفر صغيرة. وكان بداخلها كل ما أملك من متاع: قميصين أبيضين، بعض الملابس الداخلية وإحدى بدلتيّ الاثنتين. أما البدلة الثانية فكنت أرتديها.
طلب مني موحا أن أغادر فرنسا. قال لي أن رئتيّ ستتدمران، إذا اشتغلت في المناجم أطول من هذا، كما تدمرت رئتاه هو. قال موحا إن العمل في هولندا أنظف، وإن الهولنديين ألطف من الفرنسيين. فهؤلاء كانوا يشتموننا بقولهم "أيها العرب ال######ون". لقد سكنت مدة سنتين في (ليل) ولم أر من المدينة شيئا. وكان يومي يمضي كالتالي: البيت – المنجم – البيت. لذا لم يكن للرحيل من فرنسا في نفسي أي أثر.
وصلت بي الحافلة إلى محطة "أمستل" في أمستردام. ولما نزلت رأيت أن موحا كان على حق؛ فكل شيء كان أنظف. كأن بساطا كبيرا كان ممدودا على كامل المدينة. وكان الناس الذين يمشون على ذلك البساط ينظرون بعيون ألطف. ففكرت: لإدريس أن يشعر الآن أنه في مكانه المناسب.
في محطة الحافلات عانقني على حين غرة أحد الغرباء. للحظة ظننت أن أمرا كهذا شيء طبيعي هنا. ولما أطلقني، نظرت إلى وجهه. كان شعره كثيفا ملتويا وخداه كانتا غليظتين. لباسه زاهية ألوانه. وفجأة تكلم الشاب بلغتي الأم. "ألم تعد تعرفني، أيها الوغد الصغير؟ إنني أنا، ابن عمك مصطفى".
وفعلا، لم أتعرف عليه. فقد غيرته الحياة هنا. كان في قريتنا، آيت أمان، صغيرا ونحيفا، وقد بدا لي هنا كبيرا وقويا كالحصان.
أخذني مصطفى معه إلى النزل الذي كان يسكنه. وكان مليئا بأبناء قريتنا. في الترام، في طريقنا إلى هناك، سمعت اللغة الهولندية لأول مرة. كان يبدو وكأنهم يعانون طوال الوقت من مشكلة في حناجرهم. تكاد الكلمات لا تنطلق منهم إلا بصعوبة. سألت مصطفى ما إن كان يتحدث اللغة. فقال لي "طبعا! وأنت أيضا بعد كمية من الهاينكن". لم أفهم قصده. هل هاينكن دورة دراسية ما؟ قال إني سأكتشف ذلك في تلك الليلة.
جددت اللقاء في النزل بكثير من الأصدقاء من قريتي. وكانوا يبدون برؤوسهم المسمّنة مثل مصطفى بالضبط. تناولنا الكسكس في المساء. ولم أكن قد تناولته منذ دهر من الزمان. بعد ذلك أردت أن ألوذ بالفراش، إذ كنت متعبا من السفر، لو لم يعترض مصطفى: "هيا بنا، فلنذهب لنتعلم الهولندية".
ذهبنا إلى مقهى. وكان مكانا صغيرا خافت الإضاءة. أخذنا أمكنتنا إلى طاولة صغيرة. طلب مصطفى المشروبات من امرأة شقراء. أخذت جرعة وتذوقت مرارة ما. قال مصطفى: "هذه هي هاينكن". وفعلا، في آخر الليل أصبحت قادرا أن أتكلم الهولندية. جلست المرأة الشقراء على فخدي وصرت أحكي لها عن حياتي. كانت تطأطئ برأسها طوال الوقت وتتلمس شعري الملتوي. وبغتة وطأت بشفتيها على فمي. يومي الأول في هولندا، والقبلة الأولى في حياتي، وفكرت من جديد: لإدريس أن يشعر الآن أنه في مكانه المناسب.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
قـُبلتي الأولى | محمد ادم الحسن | 02-14-11, 11:02 PM |
Re: قـُبلتي الأولى | محمد ادم الحسن | 02-14-11, 11:03 PM |
Re: قـُبلتي الأولى | محمد ادم الحسن | 02-14-11, 11:05 PM |
Re: قـُبلتي الأولى | قاسم المهداوى | 02-15-11, 00:01 AM |
Re: قـُبلتي الأولى | محمد ادم الحسن | 02-15-11, 02:12 PM |
Re: قـُبلتي الأولى | محمد ادم الحسن | 02-15-11, 06:01 PM |
Re: قـُبلتي الأولى | محمد ادم الحسن | 02-18-11, 10:32 AM |
Re: قـُبلتي الأولى | محمد ادم الحسن | 02-20-11, 08:05 PM |
Re: قـُبلتي الأولى | محمد ادم الحسن | 03-03-11, 10:06 AM |
Re: قـُبلتي الأولى | محمد ادم الحسن | 03-20-11, 12:05 PM |
|
|
|