سعد مدني..صفحات سوداء من تاريخ السودان

Quote: اعيننا حتى لا نعرف الجهة التي سوف نؤخذ اليها وتوالت علينا الاهانات والضرب منذ بداية الاعتقال فسأل المشرف على الاعتقال المرحوم المهندس عبد الله السني هل لك سكرتيرة وعندما اجاب بالنفي ضربه بمؤخرة البندقية بقوة على صدره ولقد ظل أثر تلك الضربة بارزاً وظاهراً على صدر المرحوم السني حتى فارق الحياة.ثم بدأ سيل الاهانات والشتائم والألفاظ النابية دونما مبرر أو أي سبب ولقد تجملنا بالجلد وقوة العزيمة والصبر على المكاره. وعندما وصلنا إلى مكان الاعتقال طلب منا ان نقف معصوبي الاعين إلى جوار احد الأعمدة وبدأ الزبانية يركلوننا بأقدامهم وينهالون علينا ضرباً بالأيدي وعندما اعترضت على ذلك ضربني احدهم بسوط على صدري وظهري فما كان مني إلا أن أمسكت ذلك السوط وأخذته منه بقوة تربال وتمكنت من نزعه منه ورفعت العصابة عن عيني فوجدت انه يغطي رأسه بطاقية من صوف تغطي وجهه حتى ذقنه وليس ا سوى فتحتي الأعين وليست ا فتحات للأنف أو الفم وسألني "ماذا تريد ان تفعل لي هل ستضربني" فأجبته بالايجاب وخاطبته بألفاظ حادة يستحقها ولكني وجدت العذر في قوله سبحانه وتعالى: "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعاً عليما" كنا مظلومين ولقد ذهب الرد الحاد ببعض غيظ قلبي وبعد ذلك ارجعت له السوط فاحجم عن ضربي ولم يكررها مرة أخرى وبعد ذلك اجلسنا ولكني ندمت عليها لأن ذلك ليس من طبعي ولا خلقي واجلسنا على الأرض معصوبي الأعين وإذا بمقادير كبيرة من الثلج والمياه الباردة تصب علينا بالجرادل وكان منظراً بائساً ومزرياً ومؤلماً للغاية. وقد مكثنا على تلك الحالة باقي تلك الليلة وفي اليوم التالي اخذوني والثلاثة الذين اعتقلوا معي معصوبي الاعين إلى غرفة ضيقة وقفل علينا باا من الخارج وكنا نشعر بوجود مياه تحت أقدامنا وراوائح نتنه وكريهة وحر شديد. وبعد قفل باب الغرفة نزعنا الاربطة عن أعيننا فوجدنا اننا محتجزون في دورة مياه قديمة ا مياه راكدة ولم يكن من الممكن ان نجلس في تلك المياه وهي تغطي حتى منتصف الساق. وكان لزاماً أن نباشر في غرفة تلك المياه واخراجها من تحت باب ذلك الحمام القديم وبالفعل نزعنا ما كنا نرتدي من قمصان او عمائم وجلابيب وبدأنا في شطف تلك المياه بغمس ملابسنا فيها ثم عصرها تحت الباب حتى تخرج تلك المياه الآسنة. وللاستمرار في هذه العملية كان لابد أن تكون بالتناوب يقوم ا اثنان ويبقى اثنان على جانب لضيق المكان. لقد استمرت تلك العملية لمدة خمس ساعات متصلة وبعد ان اكتنا وضعفت قوتنا تمكنا من نزح تلك المياه. ولضيق الحمام لم يكن من الممكن ان نجلس نحن الاربعة فيه ناهيك عن رقود او راحة واتفقنا على ان نتناوب بأن يجلس اثنان ويقف اثنان وهكذا وقبل أن يبدأ ذلك التناوب سألنا احد الحراس من خارج الباب المغلق "هل تمكنتم من تجفيف