سعد مدني..صفحات سوداء من تاريخ السودان

Quote: 12 سياسي استمر ستة أشهر، كنا خلالها نزورها في سجن أمدرمان، ونرى معتقلتين أخريين معها . قبل ذلك بأشهر كنت معتقلاً سياسياً بسجن كوبر، وكان السجن يضم وقتها حوالي مائتي معتقل سياسي، وقد جلسنا يوماً أمام التليفزيون وسمعنا بآذاننا وشاهدنا بأعيننا مسؤولاً كبيراً يقول في زيارة خارجية إنه لا يوجد معتقل سياسي واحد في السودان. أذكر أن شباب المعتقلين قاموا بعدها بتقسيم عنابر السجن تقسيمات ساخرة، واحداً لمعتقلي النفقة، وآخر للمواد المسكرة، وثالثاً للنشل، ورابعاً للتهريب . في كل مرة كنت أتساءل، هل فعلا لا يعلم المسؤول بما نفاه؟ وهل فعلاً يمكن أن يكون هناك مائتا معتقل بسجن كوبر، وفيهم قيادات سياسية كبيرة، وقادة عسكريون سابقون، هذا غير السجون الأخرى، ولا يعلم م المسؤول الذي نفى؟ أم أنه يعلم ويدعي عدم العلم؟. هل هناك معتقلات قطاع خاص يعلم ا بعض كبار القيادات، ولا يعلم ا مسؤولون أكبر؟ وفي الحالتين على من تقع المسؤولية، إذا كان هؤلاء المسؤولون انقلبوا على الأوضاع وشيدوا دولة فيها معتقلات قطاع خاص، هل هي مسؤولية المعتقلين؟ . هذه كانت محاولة قراءة بريئة لهذا النوع من النفي، ولكنه يقبل بالتأكيد قراءات أخرى تتراوح بين الموضوعية وتصل لأقصى سوء الظن، كما أنه ليس فعلاً معزولا ، بل هو ظاهرة متكررة في مثل الأوضاع السياسية التي عاشتها بلادنا. والقراءة الصحيحة لا بد أن تستصحب الأوضاع، والعقلية السياسية، وفكر قادة الدولة في المرحلة المعينة وخلفيام . كثير من المسؤولين حين يجيب بالطريقة التي ذكرناها عن أسئلة محرجة مثل هذه، يفكر في اللحظة التي يواجهها وكيف يتخلص منها، ولا يفكر في ما بعد ذلك، باعتبار أنه قادر على تدبر الأمر. وهو يفعل ذلك على خلفية أن شعار عفا الله عما سلف سيشمله، ويراهن على ضعف الذاكرة الجمعية، وعدم وجود تقاليد محاسبة ومتابعة راسخة في مجتمعاتنا . دخلت سجن كوبر في ار يوم من شهر فبراير عام 1990 ، كنت قادماً من اعتقال قصير بمكاتب جهاز الأمن الداخلي لمدة ثلاثة أيام، حقق معي فيه ضابط أمن بتهمة كتابة تقارير صحفية ضد النظام، وكان يضع أمامه ملف متكامل أرسلته سفارة السودان في إحدى الدول الخليجية للتقارير التي نشرا صحيفة خليجية التي كنت أعمل مراسلاً لها من الخرطوم. لم يكن هناك مجال كبير للمناقشة، فقد أقريت بأن كل هذه التقارير من كتابتي وأنني أرسلتها للصحيفة، وقلت إا كلها صحيحة وليس فيها أي معلومة غير صحيحة، بما فيها تقارير الاعتقالات والانتهاكات والتعذيب . صدر الأمر باعتقالي وتم ترحيلي لسجن كوبر، وهناك كانت قصتي مثار دهشة وتداول، فانا أتحدث عن اعتقال وتحقيق لمدة يومين ومواجهة بملفات وتقارير ثم إخطار بصدور أمر اعتقال، كانت هذه تبدو كقصص خرافية. كانت كل القصص الأخرى لبقية المعتقلين مختلفة، مجموعة من رجال الأمن جم على المنزل ليلاً، أو مكان العمل، وتقوم باعتقال الشخص وضربه، ثم اقتياده لمكان مجهول معصوب العينين، ويقضي به فترة، ثم بعد ذلك ينقل على السجن، دون أن يسأله أحد