|
Re: السلام و الفصام سلسلة مقالات ل د. أحمد الأبوابي يصحيفة الجريدة (Re: azz gafar)
|
السلام ، و الفصام 2-3
التفاعلية ، و فوبيا العدو الخارجي :
قلنا في الحلقة السابقة و في سياق حديثنا عن الفصام الفكري ، أن المؤتمر الوطني (تنظيم يمتاز بالكثير من الفاعلية، و الحركية.. لكن على حساب المبدئية، و الأخلاقية..) .. و لعل تلك الفاعلية ، أو قل (التفاعلية ) ، هي مع عوامل أخرى محيطة –على سبيل المثال ضعف المعارضة ، و عدم وجود تحالفات راسخة ، و مبدئية ، ضد النظام – ما أعطى نظام الإنقاذ فرصة البقاء جاثماً ، طول هذه المدة من الزمان على صدر هذا الوطن الممتحن .. و ربما صح إرجاع هذه التفاعلية ، إلى التركيب التنظيمي، شبه العسكري ، الذي تمت وراثته من تنظيم الأخان المسلمين، و لكن هناك عامل آخر ، هو ( فوبيا العدو الخارجي ) ، فالمؤتمر الوطني ، - بالتحديد الجناح الإسلاموي فيه ، و الذي يمثل في حقيقة الأمر الدينمو المحرك ، و العقل المدبر - ظل يحافظ على صناعة حالة سيكلوجية عند الأفراد ، فحواها ، أن ( الأعداء قادمون). . و لعل حالة ( الأعداء قادمون ) ، هذه هي أيضاً إرث أصيل للموتمر الوطني من المراحل السابقة – الأخوان المسلمين، و الجبهة الإسلامية ، بل هي في الحقيقية عنصر مشترك عند التنظيمات العقائدية .. فمن المؤكد أن هذه الحالة ظلت مصدر تماسك ، و (جاهزية) مستمرة ، للصراع ، منذ أن كان قادة المؤتمر الوطني الحاليين طلاباً في الجامعة .. فقد كان الصراع الحاد بين الحركة الإسلامية ، و أعدائها ، في الجامعات ، هو الوقود الأساسي للتماسك الاجتماعي ، الذي بلغ حد العزلة الاجتماعية ، لأفراد هذا الكيان .. هذه الحالة (الطلابية) ، انتقلت أيضاً إلى مرحلة الدولة .. هنا لم يعد الأعداء هم ، فقط الخصوم التقليديين من تنظيمات اليسار ، بل ظهرت صور جديده للعدو ، أبرزها العدو العالمي (أمريكا) ، و الغرب .. لكن من الواضح أن هذه الحالة كانت إلى حد كبير ، مصنوعة ، و مفخمة ، و استخدم في سبيل إزكائها الكثير من الآليات مثل، الشعارات الكثيرة التي كان يتم ترديدها ، في اللقاءات الجماهيرية ، مثل (أمريكيا روسيا قد .. ) ، ( علي إن لا قتها ضرابها ) ، و (السادة الأمريكان…)..
خلاصة القول أن التنظيم ، و النظام معاً قد أصبح لديهما (جهاز مناعي ) عالي الحساسية ، و سريع التفاعل .. و لكن ما ظل الكثيرون من المحللين ، ينعونه، بحق، على المؤتمر الوطني هو أن التفاعل دوماً كان على غرار، ( رزق اليوم باليوم )، فالمطلوب لدى التنظيم ، بوعي من قادته أو بدونه ، ظل هو تفاعل آني ، و سريع ، ينهي الأزمة الحالية ، و التوتر الراهن بأي طريقة كانت ، بالتطبيع مع العدو الخارجي حينا لحسم بؤرة توتر داخلية ، و أحياناً عكس ذلك .. و لإن كانت هذه المقدرة على التفاعل مكنت هذا التنظيم من البقاء على سدة السلطة طوال هذه السنين ، فإنه قد أورثته في المقابل رصيداً هائلاً من الأزمات الكامنة ، و أيضاً قدراً عالياً من التشوه الفكري ، الذي لم نجد له وصفاً أنسب من (الفصام الفكري)..
و لعل التنظيم الذي بدأ مرتكزاً على نوع من ( النضالية المطلقة ) ، جعلته متصيداً للعداء مع القريب و البعيد، و ساعياً لحكم البلاد بسياسة (الحديد ، و النار ) ، فارضاً على الجميع نمطاً واحداً من التفكير ، و السلوك اكتسب مع السنين ، قدراً ما، من الحكمة التي تعطيها التجربة المباشرة ، تلك هي أنه ليس من الحكمة ، استعداء الجميع ، و استخدام العنف لحسم كل صراع ، و أن هذا البلد أكثر اتساعاً ، و تنوعاً ، و حيوية ، من أن يتمكن تنظيم واحد ، من السيطرة عليه على النحو (الشمولي المعهود) ، و أن الديمقراطية ، التي تم لفظها عملياً ، و التنفير عنها فكرياً قادمة حتماً ، رضى الحاكمون أم أبوأ .. كما أن الحرب التي تم تأجيجها ، عبر الخطاب العقائدي ، و العاطفي المكثف ، لن يتم حسمها بانتصار (عسكري)، خالص للنظام أو للجيش الشعبي لتحرير السودان .. هذا ما دفع النظام بشكل ما نحو اتجاهين هما (الديمقراطية )، و (السلام) ..
ولكن المشكلة هي أن هذه الحكمة لم تكن سوى قناعة باستحالة الوضع القديم، أو في قل استعصائه ، دون أن تكون مصحوبة بقناعة كافية بضرورة ، و جدوى ، بل و طبيعية الوضع الجديد (السلام ، و الديمقراطية ) ، أو القناعة باستحالة الجمع بين الوضعين في قلب نظام واحد .. و الواضح أيضاً أنه لم يتم تبشير كافي بالحالة الجديدة ، مما أكسب القاعدة ( قاعدة التنظيم ) ، إما إحساساً بخيبة الأمل ، و السخط على ما يجري من تحولات ، أو بالمقابل ، قناعة ب (تاكتيكية ) ، هذه التحولات إنتظاراً لعودة قريبة للوضع ( الطبيعي ) .. لهذا ، و لأسباب أخرى ، فإن النظام ظل يقدم رجلاً، و يؤخر أخرى في سعيه للسلام ، و طريقه نحو الديمقراطية.. هذا ما جعل البلاد تعيش حالة يمكن تشبيهها بالمثل القائل (لا بطيخه ، لا حنضله).. هي حالة شمولية مقنعة .. و ديمقراطية زائفة ، و سلام تتوفر فيه كل مواصفات الحرب ، و أولها (اللاأمان)..
و لعلنا في هذا المقال نذهب لبحث، ثم تقرير حقيقة مفادها أن هذا الوضع الغريب الذي تعيشه البلاد، و الذي يوشك أن يدخل البلاد في وضع كارثي يمكن أن يجعل السودانيين غداً يبكون على كل ما بكوا منه بالأمس ، راجع بالدرجة الأولى إلى حالة الفصام الفكري التي يعاني منها التنظيم الحاكم تجاه كل شيء ... و قبل كل شيء تجاه (الديمقراطية)، ( و السلام).. إنه من المؤكد أنه رغم كل ما مضي من التجارب المريرة التي عانى منها شعبنا، و المآزق التي مر بها النظام نفسه، إلا أن المؤتمر الوطني لم يستوعب ، بعد ، الدرس ، و لم تتهذب في قاعدته نزعات الانفراد بالسلطة ، و هذا ما جعل حتى انجازاته السياسية ، و التطور الذي طرأ عليه في مضمار الديمقراطية ، و السلام، أشجاراً بلا جذور ، و لا ثمار ، و صرحاً أسس بنيانه على شفا جرف هار ، يوشك أن ينهار به، و بالبلاد ..
إن مراجعة القناعات الأساسية لتنظيم المؤتمر الوطني حول الديمقراطية ، و السلام، و الوطن ، تعطي أمراً شديد الخطورة هو أنه على طول مدى بقائة في السلطة ، و ربما قلنا ما قبل ذلك ، كان هناك قناعة ظاهرية، يبثها الجهاز الإعلامي ، و يبشر بها المكتب السياسي، بينما هذه القناعة تخالف ما هو مستقر في الأذهان ، و كامن في القلوب ، مما يجعل ، هناك طبقتين على الأقل من القناعات تجاه الأمر الواحد تتواجد في نفس الوقت ، و السياق ، أحدها ظاهر ،معلن ، و الآخر ، باطن مخفي.. و هذا ما يجعلنا نقول ما قلناه في الحلقة الفائتة من ((أن أي تغيير يطرأ في بنية طرح المؤتمر الوطني، و موجهاته، هو تغيير سطحي، لا يكون مصحوباً بمراجعة حقيقية، و عميقة، للبنية الفكرية التي تم الانتقال منها .. لأجل ذا فالنتاج هو وجود طبقات، من التصورات حول الأنا، و الآخر، ليس بينها، أدنى انسجام، أو حتى حوار.. )).. و لعل القاريء يذكر مسيرة (الدبابين) ، و ( أئمىة المساجد؟؟ )، التي خرجت مباشرة عقب الإعلان عن سياسة ( التوالي)، تلك المسيرات التي كانت تحمل رسالة مفادها ، ألا عودة للديمقراطية ، لا مكان للأحزاب في بلد المشروع الحضاري ، تلك المسيرة التي فضت بلا (بمبان ) ، بل برسائل من المتحدثين ، لا بد أنها أقنعت المتظاهرين بأنه لا داعي للخوف ، و أن الأمور تحت السيطرة ، و أن كل الموضوع شوية (بوليتيكا ) ، و ( تاكتيك) ، على قرار عبارة الراحل الأب فيليب غبوش .. نواصل ...
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
السلام و الفصام سلسلة مقالات ل د. أحمد الأبوابي يصحيفة الجريدة | azz gafar | 01-09-11, 09:43 PM |
Re: السلام و الفصام سلسلة مقالات ل د. أحمد الأبوابي يصحيفة الجريدة | azz gafar | 01-09-11, 09:46 PM |
Re: السلام و الفصام سلسلة مقالات ل د. أحمد الأبوابي يصحيفة الجريدة | azz gafar | 01-09-11, 09:48 PM |
Re: السلام و الفصام سلسلة مقالات ل د. أحمد الأبوابي يصحيفة الجريدة | azz gafar | 01-09-11, 09:46 PM |
Re: السلام و الفصام سلسلة مقالات ل د. أحمد الأبوابي يصحيفة الجريدة | azz gafar | 01-10-11, 00:09 AM |
Re: السلام و الفصام سلسلة مقالات ل د. أحمد الأبوابي يصحيفة الجريدة | azz gafar | 01-10-11, 03:20 PM |
Re: السلام و الفصام سلسلة مقالات ل د. أحمد الأبوابي يصحيفة الجريدة | محمد قرشي عباس | 01-10-11, 04:45 PM |
Re: السلام و الفصام سلسلة مقالات ل د. أحمد الأبوابي يصحيفة الجريدة | azz gafar | 01-10-11, 11:03 PM |
Re: السلام و الفصام سلسلة مقالات ل د. أحمد الأبوابي يصحيفة الجريدة | azz gafar | 01-11-11, 10:00 AM |
Re: السلام و الفصام سلسلة مقالات ل د. أحمد الأبوابي يصحيفة الجريدة | azz gafar | 01-12-11, 10:29 PM |
Re: السلام و الفصام سلسلة مقالات ل د. أحمد الأبوابي يصحيفة الجريدة | azz gafar | 01-15-11, 10:01 PM |
Re: السلام و الفصام سلسلة مقالات ل د. أحمد الأبوابي يصحيفة الجريدة | azz gafar | 01-16-11, 04:49 PM |
Re: السلام و الفصام سلسلة مقالات ل د. أحمد الأبوابي يصحيفة الجريدة | azz gafar | 01-18-11, 04:38 PM |
Re: السلام و الفصام سلسلة مقالات ل د. أحمد الأبوابي يصحيفة الجريدة | azz gafar | 01-27-11, 00:02 AM |
Re: السلام و الفصام سلسلة مقالات ل د. أحمد الأبوابي يصحيفة الجريدة | أحمد الابوابي | 02-23-11, 04:57 PM |
Re: السلام و الفصام سلسلة مقالات ل د. أحمد الأبوابي يصحيفة الجريدة | أحمد الابوابي | 02-23-11, 04:58 PM |
Re: السلام و الفصام سلسلة مقالات ل د. أحمد الأبوابي يصحيفة الجريدة | أحمد الابوابي | 02-23-11, 05:00 PM |
Re: السلام و الفصام سلسلة مقالات ل د. أحمد الأبوابي يصحيفة الجريدة | أحمد الابوابي | 03-27-11, 02:09 PM |
|
|
|