خطاب الى السيناتور جون كيرى من المشروع النوبى

Quote: رد الاستاد حسن فهمى رشوان – ناشط وكاتب نوبى من مصر الأخ العزيز الأستاذ نورالدين منان مسكاقمي بعيداً عن كلمات الإطراء والمجاملة.. قرأت موضوعك بإمعان، وبالطبع مشكور على الطرح. لكن.. أستاذنا الفاضل، كعادتنا جميعاً، مازلت أراك تركز على الماضي.. أعتقد أنه من الأجدر محاولة طرح مشروع، أو رؤية حتى ولو كانت تقريبية، لصناعة المستقبل.. أستاذنا الفاضل ليس هناك مشروع للماضي.. الماضي لا يعود وبالتالي لا يصلح أن يكون مشروعاً لكي نطرحه للناس.. فقط يمكن طرح الماضي ضمن الإطار التاريخي أو الثقافي للإستدلال.. إن الرؤية المستقبلية لابد وأن تتضمن شيئاً من تجارب الماضي.. نعم يمكننا تفهم ذلك.. ولكن أستاذنا إن المسألة النوبية لكي تطرح لابد أن تطرح ضمن إطار "مشروع ثقافي، سياسي، اقتصادي".. لا نريد أن يتزايد الإحساس لشريحة كبيرة من أبناء النوبة في الجهتين بأن الحالة الغريزية قد طغت عليهم وكأننا نعود بهم إلى مرحلة ما قبل الثقافة لكي يصبحوا أناساً يتدثرون بثقافة الخوف من المستقبل وهذا النوع من التفكير الذي يؤدي إلى ثقافة التدهور.. أستاذنا الفاضل لكي نصل إلى اللحظة التحريضية ولكي يترسخ ما يتم طرحه في وجدان الناس ويصبح عاملاً مشعاً في دواخل أناسنا لابد من طرح مشروع مستقبلي، ورؤية مستقبلية.. لقد عانى النوبيون كثيراً من الهجرات ومع اقتناعنا بأن الهجرات تعتبر من أقدم الظواهر الإنسانية على سطح هذا الكوكب فإن لها أنواعاً وأصنافاً كثيرة، لقد هاجرت أقوام وقبائل كثيرة من بيئة جغرافية إلى أخرى كالتي حدثت عند انهيار سد مأرب وتحولت المنطقة إلى مصدر داهم للخطر بعد أن كان مصدرا للخير وضمانة للإستقرار. هاجرت القبائل التي كانت تعيش هناك وعمرت مناطق أخرى في الجزيرة العربية وبلاد ما بين النهرين.. وكانت تلك من الهجرات القسرية ليس للفرد أو للجماعة اختيار فيها. وهناك الكثير قياساً على ذلك.. إلى أن تصل إلينا نحن كنوبيين فقد عانينا من أكبر هجرة إجبارية في التاريخ.. لسنا هنا لنتكلم وننشر كشف حساب المعاناة أو ما جنيناه من فوائد نتيجة لتلك الهجرة، إن وجدت،.. لكنني أتطرق إلى هذا الأمر حيث أن هناك نوعاً آخر من أشكال الهجرة التي تهم الفرد وترتبط به وهي تتعلق برغبة الإنسان بالإنصراف عن العالم الخارجي والإرتداد بكليته إلى عالمه الشخصي الداخلي وهذا النوع من الهجرة يمكن النظر إليه بأنه صورة من صور رفض العالم يمارسه الفرد بسبب كونه غير قادر على قبول شروط العالم من حوله والتكيف معها حيث يرفض هذه الشروط سواء كانت متعلقة بالوجود الإجتماعي أو الثقافي أو السياسي.. وأقصد بذلك عندما يقوم الطبقة المثقفة في مجتمعاتنا أو أنصاف المثقفين بطرح مشاكلنا بشكل يجعلون فيه العامة يصلون إلى مرحلة رفض شروط المجتمعات الأكبر من حولهم لأنها تبدو لهم متناقضة مع المقتضيات التي يعتقد أنها تليق بهم كبشر وبكرامتهم وبوجودهم بكل ما تشتمل عليه هذه الكلمات من معان.. وبما أن الفرد في مجتمعاتنا يكون عاجزاً عن تغيير هذه الشروط المناقضة لكرامته وحريته فإنه يمارس نوعاً من العودة إلى الذات والتي هي أشبه ما تكون بالهجرة، ولكنها هجرة روحية من غير تنقل من المكان. أستاذنا معذرة على الإطالة ولكنني أريد أن أصل إلى أن هذا النوع من الإرتداد إلى الذات سيكون إنسحاباً وسلبية ودلالة على عجزنا كأفراد عن التكيف مع شروط الحياة القائمة في زماننا ومجتمعاتنا الأكبر أي في دولنا، وسيكون دليلاً على عجزنا عن التأثير في تلك الشروط لكي نغيرها أو نعدلها بما يضمن مصالح مجتمعاتنا النوبية.. بعضنا يرى أن الإرتداد إلى الذات آلية يختارها الإنسان لأن وعيه الذاتي غير قادر على ذاته وأن العلاقة القائمة بين وعينا الذاتي ومجتمعاتنا الكبيرة علاقة تصادمية، وأنه يرتد إلى ذاته بقصد حفظ البقاء وصيانة الوجود من التبدد والضياع. نعم يجب أن نتوقف قليلاً هنا.. حيث أن في هذا الأمر شيء من الصحة .. فلو حاولنا إلى النظر إلى العالم من حولنا سنجد أن الكثير من المثقفين والفنانين والأدباء يعيشون تجربة الهجرة إلى الذات ولكنهم تقريباً عاجزون عن التأثير والتغيير في مجرى الوقائع ولا يعتبر هذا تقصيراً أو فشلاً منهم ولكن كون أن العالم من حولهم أصبح أكثر صلابة وعناداً ولم يعد في وسع الثقافة والفن والأدب أن تغير الدول والعالم. سنتغنى جميعاً ونطرب ونعجب بأغاني فنانينا. سنشدو جميعاً بقصائد (مكي إدريس أو نورالدين منان أو عبدالإله زمراوي وغيرهم.. "مع حفظ الألقاب") لأنهم اختاروا الهجرة إلى ذواتهم لرغبتهم في حفظ البقاء وصيانة الوجود للنوبيين.. ولكننا نصل هنا إلى التساؤل الرئيسي حيث انتشرت في دولنا اللامعقولية وسلبت الحريات فمن منهم يستطيع أن يتعرض للوقائع الحقيقية على الأرض لفتح ثغرات والحد من الركود لنا جميعاً عامة ومثقفين؟ الجواب ببساطة: ليس الأدباء ولا الشعراء ولا الفنانين إنما رجل الدولة (أي السياسي) الذي يسترشد برؤية المثقفين عامة وبحساسية الفنانين والأدباء والشعراء.. فهل لديكم هذا السياسي؟؟؟؟؟؟!!!!!!!! أستاذنا نورالدين منان تحياتي ومعذرة للإطالة.. حسن فهمي رشوان ===================================== ردى على الاستاد حسن فهمى رشوان اخى الكريم والاديب الاريب الاستاذ حسن فهمى رشوان تحية وسلاما.. مسكاقنا سعدت كثيرا بمداخلتكم والتى بدأتموها بإلقاء اللوم علينا واتهامنا بالإنكفاء نحو ذواتنا... لا بأس من الاتهام طالما انه من باب العتاب الاخوى الصادق وفتح لنا كوة للحوار وليتك انتظرت قليلا فالحوار مازال فى بداياته وتحاشيت فيه الاسقاطات التاريخية بل اننى تناولت رؤوس اقلام كثيرة ولم اتحدث عن الماضى إلا بقدر يسير وتركز جل حديثى حول الظلامات النوبية والسدود والإغراق والتهميش والامراض والحصار والتعريب وهى كلها مشاكل أنية نعيشها كل لحظة ونبحث عن حلول لها ولو تابعت معنا ما نقوم به منذ سنوات لعلمت ان العمل النوبى فى تصاعد مستمر وقد بدأ العالم يشعر بالمحنة النوبية ولعل وصول المشكلة النوبية الى الكونجرس الامريكى والبرلمان الاوربى ليس من قبيل الإنكفاء نحو الذات والبكاء على اطلال التاريخ النوبى وبعد قليل سترى النوبة رقما فى الساحات الدولية وعندها ستدرك ان ما نقوله لم يكن قولا إدا او إنكفاء على الماضى واجترارا للتاريخ فنحن مشبعون بتاريخنا ولا نحتاج الى اجتراره وما نفعله هو من قبيل التذكير ونقل العلم والمعرفة بتاريخ النوبة والمسؤولية الانسانية التى تقع على عاتق الشعوب والامم لحماية هذا الإرث الذى لن نستطيع حمايته بمفردنا لذلك سعيناالى تقديمه بشتى الطرق والوسائل... إن التغنى بامجاد الامم ليس إنكفاء نحو الذات يا صديقى بل هو عودة لإستلهام عبر الماضى والتزود بشحنات تعين على المضى نحو الحاضر والمستقبل إذ كيف يمكن لنا ان نتحدث عن النوبة من نقطة الحاضر لمن لا يعرف شيئا عن افريقيا ناهيك عن السودان ومصر والنوبة!! لقد تحدثت فى إشاراتى السابقة كلها عن مأساة النوبيين والدمار الذى لحق بهم من السدود وظلم ذوى القربى فى مصر والسودان والاتفاقيات التى مهرت من خلف ظهرانيهم بدءا من اتفاقيات مياه النيل وانتهاءا باتفاقية الحريات الاربعة والتى ستجهز على ما تبقى من الارض النوبية السودانية بعد ان تم محو الارض النوبية بكاملها فى مصر الشقيقة التى لم ير النوبيون منها خيرا كثيرا... وهاهو السودان يكشر عن انيابه لإفتراس نوبته وتضيع النوبة شذر مذر ... او ايدى سبأ كما تقول... صبرا اخى حسن لنغن سويا مع مكى رائعته: آقجنا اورقنانى ... كيدفيولينانى لنقف ضد السدود وتدمير النوبة ولنقل لمصر والسودان ان النوبة صاحبة الارض والتاريخ لن تخرج من ارضها وستعيدها سيرتها الاولى ( ليس ببناء الاهرام والمعابد والتماثيل) لإحداث التنمية بمساعدة الشعوب والاسرة الدولية التى عرفت النوبة عندما عرفت مصر وربما قبلها.. لنعمل سويا مع حجاج ادول ورفاقه من اجل النوبة وبقاء النوبة ونحن فى انتظارك لنعمل سويا ونرحب بعطائك فى العمل الذى نقوم به حاليا حيث نعد العدة لمناسبة نوبية فى الكونجرس الامريكى فى الايام القادمة... عمل مكرس للمستقبل وبعيد عن الإنكفاء نحو الذات والتاريخ والاطلال ... نحن فى انتظارك..