مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-19-2024, 09:02 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-02-2010, 07:07 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه (Re: عبد الحميد البرنس)

    أنت.. يا من هناك

    1

    خلال الشهر الماضي جاء صديقنا القديم محمد حافظ رجب من الإسكندرية. حضر ندوة بأتيليه القاهرة ورحل، دون أن نراه.
    أخبرني الشباب أن الحضور كان قليلا، وأنه جلس علي المنصة صامتا، عجوزا هده الإعياء، وأنه سأل عني، وعاد.


    2

    وأنا كنت، زمان، غادرت منزلي والكاتب الراحل ضياء الشرقاوي واتجهنا إلي ميدان 'الكيت كات' بحثا عن سيارة أجرة يعود بها إلي منزله، إلا أننا رحنا نتجول ونتحدث علي شاطيء النهر مثلما اعتدنا أن نفعل كلما جاء لزيارتي.
    كان ذلك في وقت متأخر من إحدي ليالي الصيف، بداية الستينات، وكنا نجلس علي السور الحجري القصير الذي يعلو الشاطيء المنحدر، والأشجار الهائلة التي يحتلها طائر أبو قردان تحجب السماء من فوقنا، وأمامنا كانت الأغصان القوية لهذه الأشجار قد تدلت وصنعت لنفسها جذورا أخري في أرض الرصيف المغطاة بالاسفلت، عندما لمحت شابا يعبر كوبري الزمالك 'أزيل الآن' ويتجه نحونا في خطوات متباطئة وهو يتأبط حزمة من الورق.
    صافح ضياء دون أن يلتفت إليٌ وقد ارتسمت علي شفتيه ابتسامة لا تخلو من استهجان.
    تبادلا عبارات قليلة، ثم سمعته يقول لضياء، الذي كان واقعيا اشتراكيا في ذلك الوقت:
    'إنتم لسه بتكتبوا القصص الواقعية بتاعتكم دي؟'.
    ورأيت ضياء يبتسم ويهز رأسه بما يعني:
    'نعم'.
    وقال الآخر:
    'دا احنا خلاص، عملنا مدرسة جديدة في القصة'،
    ورفع ذراعه الخالية إلي أعلي وقال:
    'ودلوقت قاعدين فوق، وعمالين نطرطر عليكم، وأنتم قاعدين تحت'.
    واستغرق في الضحك وأضاف:
    'آه واللٌه'.
    ورأيت ضياء يضحك مرتبكا ويحرك وجهه إلي هنا أو هناك، وينقل ثقله من قدم إلي أخري، حتي أسعفه الموقف بعربة يستوقفها، وينصرف.
    وبقينا وحدنا علي شاطيء النهر.
    منذ ذلك الحين لم نفترق، إلا فترات اعتكافه المتباعدة، وحتي عاد نهائيا إلي الإسكندرية.


    3

    ومحمد حافظ رجب هو صاحب المجموعات الرائدة 'غرباء * الكرة ورأس الرجل * مخلوقات براد الشاي المغلي' فضلا عن مجموعة مشتركة مع آخرين 'أكل عيش' ومجموعتين أخيرتين أصدرهما بعد صمت دام قرابة الثلاثين عاما هما 'حماصة وقهقهات الحمير الذكية' و'طارق ليل الظلمات' التي أقيمت من أجلها ندوة الأتيلييه، وهي كتابة تقتفي آثار نهجه المعروف، بعد أن هدأ القلب المعذب وافتقدت الروح حماستها وجموحها القديم اللافح.
    وهو من نسبت له تلك الصيحة الشهيرة 'نحن جيل بلا أساتذة' والتي اتخذت علامة علي جيل كامل من الكتاب، بينما كان قائلها الحقيقي هو الناقد سيد خميس. وهو الفقير المشاكس الذي تقدم الصفوف أعزل إلا من إيمانه بما يكتب، متلقيا الطعنات عوضا عن آخرين. عرفته حواري الإسكندرية وأرصفة المحطات بائعا للب والسجاير وأوراق اليانصيب، وعرف هو سلطة القهر باكرا متمثلة في شرطة البلدية.
    كم حكي لي، وعبر في قصصه، عن تلك الملاحقة التي تركت فيه أثرا داميا في نفسه، من هؤلاء الذين كانوا لايكفون عن مطاردة الباعة من رصيف إلي آخر بينما هم يسعون من أجل لقمة العيش، ومغالبة الأيام.
    كان حافظ قد شارك في العام 1950، أي في الخامسة عشرة من عمره في تأسيس الرابطة الثقافية للأدباء الناشئين، ثم رابطة لكتاب الطليعة عام .56 نشرت قصصه الأولي في جريدة 'المساء' التي كان يشرف عليها فريق من رموز اليسار الوطني ذلك الوقت. كانت قصص البدايات تلك من أجمل النصوص التي عرفتها القصة الواقعية ومن أكثرها رهافة وتأثيرا. تناوله مفكرو اليسار ونقاده في المساء وغيرها باعتباره ظاهرة هامة ومدهشة: بائع اللب الذي يكتب قصصا!
    تزوج حافظ في سن مبكرة 'السابعة عشرة تقريبا * ولد في 1935' وسرعان ما أصبح أبا لفتاتين، إلا أن زواجه تعرض لانتكاسة هائلة وبقيت الصغيرتان في رعايته. وعندما كان في الخامسة والثلاثين، طيبا مثل طفل، كانت كبراهن في السابعة عشرة.
    المهم، ترتب علي هذا الاهتمام النقدي بقصص حافظ أن قام يوسف السباعي الذي كان مسئولا عن المجلس الأعلي لرعاية الفنون والآداب بإرسال مندوب خاص يستدعيه إلي العاصمة. في ذلك الوقت تماما كان أبو حافظ قد استطاع الحصول علي محل صغير افتتحه مطعما معتمدا علي أن حافظ سوف يعاونه في تشغيله 'راجع قصص: 'الأب حانوت وغيرها'. وحافظ رفض عرض أبيه من دون مناقشة. جاء محملا بالآمال الكبيرة إلي المدينة التي استدعته باسم أحد كبار مسئوليها، فاتحة ذراعيها لموهبته الغالية، وهي الآمال، الواهية دائما، والتي أدت إلي البداية الحقيقية لمأساته.
    كان حاصلا علي الابتدائية، وهكذا قام السباعي بتعيينه موظفا بالمجلس الأعلي بمكافأة قدرها إثنا عشر جنيها. ولم تمر أيام قليلة علي استلامه العمل حتي مات أبوه.
    ويقول لي:
    'مات بعد ما سبته وجيت علي طول. أنا السبب'.


    4

    سكن حافظ حجرة علي سطح عمارة قديمة بحي 'العجوزة' القريب من 'الكيت كات' حيث أعيش. كان أصحاب العمارة قد خصصوا لكل شقة حجرة صغيرة للغسيل، إلا أن هؤلاء قاموا بتأجيرها، وسكن هو واحدة منها..
    كانت مساحة الحجرة مترا واحدا في مترين، وهو نفس حجم السرير المعدني الذي وضعه بداخلها، لذلك كان بابها يفتح إلي الخارج. كنت أخلع حذائي وأنا واقف علي السطح وأعتلي الفراش بينما يتراجع هو لكي يفسح لي. مع الوقت صرت أطرق الباب وأنتظره حتي يرتدي ثيابه ونغادر المبني كله إلي منزلي أو المرور علي بعض أصدقائه من الكتاب. كان الفنان والناقد التشكيلي الراحل محمود بقشيش 'أيامها كان يكتب القصة أيضا' يعيش في سطح آخر مشابه، وكان الموهوب جدا محمد جاد يعيش في شقة أرضية بنفس الحي حيث التقيت لأول مرة بالشيخ إمام والشاعر أحمد فؤاد نجم ويحيي الطاهر عبدالله والصديق الكاتب سيد خميس الذي كانت له مهام تثقيفية في إطار الجماعة كلها. وكان حافظ يقول لي أنه لا يضيع وقتا:
    'أبو السيد، كان بيقعد معانا بعينه اليمين، وهو ماسك ماركس وعمال يقراه بعينه الشمال'.
    عبر السنوات التي قضاها في القاهرة توطدت علاقتنا. لم نفترق إلا أوقات أزماته التي كانت تداهمه ويخضع فيها للعلاج. أو المرات التي كان يفر فيها من وطأة الأحوال ليلوذ بالإسكندرية زمنا ثم يعود.
    كان حريصا علي ألا نلتقي أبدا إلا وهو صحيح الروح والبدن. وأنا كنت أكثر منه حرصا علي إسقاط هذه الأوقات من علاقتنا.
    ولكن ذلك لم يمكن تجنبه. ولن أكتب عن ذلك الآن.


    5

    يرتدي قميصا، ويرسل الآخر إلي المكوجي، ويجلس في انتظاره.
    إلا أن المكوجي كان يهمله بسبب انشغاله في كي أكوام الملابس التي تأتيه من كل شقة علي حدة. وبدأ حافظ يعتقد، بسبب من أن التجاهل كان عموميا، ولا توجد أية أسباب مفهومة لما يجري، أن وراء ذلك كله نوعا من العمد، وأنه يتعرض لما يشبه التضييق، أو الملاحقة.
    إنها ليست حكاية مكوجي يتجاهل القميص الذي يجب أن يذهب به إلي العمل، لقد تجاهلته المدينة التي استدعته فاتحة ذراعيها، تبدد السحر، وكشر الواقع عن جهامته القاسية، ولم يكن محمد حافظ رجب موهوبا كبيرا فقط، بل كان يتمتع بقدر هائل من الحساسية والطهارة الروحية النادرة، ورغم أنه كان لا يخلو من فظاظة حيال أنصاف الموهوبين والأشباه، إلا أنه كان وديعا مثل طفل، صريحا وبسيطا، وهو ضرب من الامتياز الذي تنفرد به الأذهان المتفوقة والمدركة لقيمتها في نفس الوقت.
    كان يشعر أن الجميع غرباء حد القهر، وأن الجيل الذي ينتمي إليه جيل يتيم و'بلا أساتذة' فعلا، هؤلاء الذين تركوه هكذا ضحية لكل صنوف القهر والتهميش، وبدأت قصصه تأخذ مجري مغايرا تماما.


    6

    كان صبري حافظ من أوائل النقاد الذين تابعوا أعمال أبناء الستينات وكتبوا عنها 'ولعل هذه مناسبة نقر فيها بحقيقة أنه كان من أوائل النقاد الذين اعتنوا بالاطلاع علي محاولاتي الأولي، في حديقة المجلس الأعلي لرعاية الفنون والآداب حيث كان يعمل، وأنه بادر بالكتابة عنها، قبل أن أقوم بنشرها'.
    صديقنا الناقد صبري حافظ كتب في العدد الخاص بالقصة القصيرة الذي أصدرته مجلة 'المجلة عدد أغسطس 1966' برئاسة يحيي حقي في معرض حديثه عن حافظ رجب الذي كان قد انقلب فجأة علي نهجه الواقعي المألوف، يقول:
    'إن تجربة حافظ رجب لا تعبأ بأي من التقاليد، ولا تعبأ أساسا بالتقيد بحرفية الصورة. فتنافرها مع الواقع ليس في نهاية المطاف غير وجه من وجوه الالتحام بهذا الواقع والصدور عنه، فهي تنطلق أساسا من الفانتزي محلقة في أجواء أكثر جنونا وسوداوية من أجواء كافكا.. '...' فعالمه مليء بالتشوش، فاقد للتوازن والكثير من مواصفاته البسيطة غائبة عن سمائه أغلب القيم الإيجابية والسليمة ... '.....' إلا أنها من أقدر أقاصيص هذا الجيل علي بلورة الملامح العامة والأبعاد العميقة لهذه اللحظة الحضارية التي تصدر عنها، مشكلة بذلك وجها بارزا من أوجه ذلك التيار الأقصوصي'.
    وكان حافظ رجب قد شارك في هذا العدد بقصة عنوانها (مخلوقات براد الشاي المغلي) علق عليها يحيي حقي قائلا:
    'قرأت هذه القصة فتراءت في ذهني لوحة من تصاوير 'دالي' فنحن أمام عالم صامت مشوه، أهله قزم، وأصم، وأعور، ومقطوع الساق، وأصلع وامرأة استحالت دمية (...) إنسان يسكن علبة سجائر، وإنسان يدخل براد شاي أو ساقا خشبية، وإنسان ينفذ من أذن إنسان إلي داخله.. (....) انظر قوله: 'هل تتبادل أنت وأبي مكاننا، وأخيرا أنا كرة اللحم في رأسك الصلعاء، ويصير ابنك ابني ويصير أبي صينية القهوة وتصير أنت أبي وأصير أنا أبي وتصير أنت'. نفس مهددة بالفصام والتشتت لعجزها عن التماسك والتوحد'.

    اخترت هذا المقاطع الطويلة نسبيا من مقالة أستاذنا الراحل لأنها تعطي صورة عامة ودالة ليس علي خصائص هذا العالم الذي كان استولي علي مخيلة حافظ وراح هو يعبر عنه في لغة تميزت بالإشراق الفني وجدة الصورة ومباغتتها المدهشة فقط، ولكن لأنها تعطي صورة عن رؤية كاتب مبدع من جيل أسبق ومثقف كبير في نفس الوقت.
    وأنا، بسبب من معرفتي بحافظ رجب، كنت أظن أن قراءة مختلفة كانت كفيلة، اتكاء علي العناصر الأساسية الفاعلة في تجربته الحياتية والفنية التوصل، عبر قراءة أخري إلي مرفأ، وخلاص، ربما.
    لقد توقفت عند حقي وصبري حافظ باعتبار إنهما الأكثر جدية وقيمة بين من تناولوا عمله، بينما تجاهلت ما لا حصر له من التعليقات التي لم توفر تهمة واحدة لم تلصقها بعقله، رغم أن الكثيرين من هؤلاء كانوا حميرا، بالمعني الاصطلاحي للكلمة.
    لقد كانت هناك مشاكل نفسية، نعم، وهي مسألة عادية تماما ولا يوجد أحد، مبدعا علي وجه الخصوص، بمنجي منها، وقد كانت هناك نصيحة طبية بالاستمرار في الكتابة من أجل استعادة التوازن، وقد اندفعت موهبته الكبيرة إلي صيغة تعبيرية هي نوع من الإعلاء الجمالي أو 'التحويل' القائم علي التشويه التلقائي لذلك المكبوت الضاري، هكذا قرأنا ما قرأنا من أعمال فاتنة، حقيقية ومستغربة.
    هي حالة لم يكن مجديا فيها، نقديا، التوقف عند المحتوي الظاهر لهذه الأعمال 'مثل إنسان يدخل من أذن إنسان مثلا'.
    كان الأمر يتطلب، هكذا هييء لي، أن التوقف عند الآليات أو الوسائل، لا أعرف بالضبط، التي تمت بها عمليات التحويل ذاتها، هو الأهم.
    ولكن أغلبنا، لم يصبر، ولم يرحم.
    ثم نعتذر عن هذا الكلام الثقيل كله. ونقول أن الوعكات. كانت تتلاحق، وتتزايد أيام غياب حافظ للعلاج أو الفرار إلي الإسكندرية.


    7

    طوال فترات انقطاعه لم تتوقف رسائله إليٌ.
    وسوف أسمح لنفسي هنا بأن أنشر واحدة من هذه الرسائل:
    'البحر، 9 يونيو 1969، مقعد خاص، أصفر بمظلة.
    إبراهيم،
    أيها الوغد.
    أردت أن أراك، أقبلك.
    من بلاهة هذا الزمان أن لا يمكنني أن أراك كما أحب.
    الوسيلة البدائية العاجزة لحد البله..
    وسيلتنا المكتوبة، استعملها لأراك.
    أكتب لك.
    كيف نتناول الحكمة لتضمد هذا الجرح؟
    إمبابة، وأنت، وحجرة الكتب، وحانوت الحلاق، والقلة فوق الحافة، وأنا وأنت في حلق الجامعة.. 'سفر الجامعة' يثير فينا الاندهاش.
    'كنا قرأنا العهد القديم سويا'
    إبراهيم يا وغد.
    الإسكندرية رطبة فارغة لا تثير مخزون قاع الأشياء.
    تزدحم الأشياء..
    تتراكم فوق بعضها وتستسلم للنعاس..
    وتموت الدوامة في صمت.
    كيف العودة إلي الديار من جديد يا وغد؟
    الذين في يدهم العودة قتلوها بالتجاهل المستبد..
    اصحوا يا سادة الكون الغريق.
    تمردت علي العمل أمس.
    لم أذهب إلي المتحف اليوم.
    جلست في مواجهة الكورنيش لأراك.
    أنت يا صديقي كيف تعيش؟
    كيف تلعب لعبة الاستمرار؟
    كيف تتناول زادك؟
    هل تلعب لعبة الكتابة؟
    في مأواك أراك..
    في اضطجاعك أراك..
    في الساعات المتلاحقة أراك..
    تنكب علي الأشياء المزروعة بين دفتي ما يسمي بكتاب.
    عصر الشهداء موجود..
    شهداء ملايين الكلمات..
    شهداء بحر الوعي..
    إلي أين يا إبراهيم؟
    فررت من القاهرة..
    لكن هذه المدينة حقيقية يا إبراهيم..
    كل من خارجها يلعب ألعابه لتحدث المعجزة وتلتفت مرة إليه.
    يا إبراهيم..
    واصل إثارتي ليجخرج المخزن الثاني تراكمات السنين.
    لو لم تكن أنت ما كنت قد جئت إلي البحر والكرسي الأصفر الدائر تحت المظلة في منتصف طريق الكورنيش وجلست أكتب لك.
    قلت عن حياة تتحرك عندكم.
    كن بديل عيني وقل لي:
    ما دورنا فيها؟
    اليوم رأيت فاروق منيب 'القاص والمحرر الثقافي الراحل' يجلس فوق دكة صفحته الجديدة في المساء 'يقصد الجريدة'
    لم تقل لي متي أحضر لتناول القربان من خزينة الجمهورية 'يقصد صرف مكافأة قصة منشورة له'
    عبدالفتاح الجمل 'أحد قوي الخير النادرة في حياتنا الثقافية' توهج المساء.
    تركه.. غادره..
    يا فتي حرك شهيتك معي لنقيم مآدبنا.
    هل سيحدث مرة ثانية أن تحرك غيبوبتك؟
    تركب القطار.. تنزل الإسكندرية.. تذهب إلي البحر..
    تسأل عن عنواني، ثم تكف..
    وتعود إلي القاهرة بذكريات يوم تقضيه ولا أراك؟
    'كنت قد ذهبت لزيارته ولم أعثر علي بيته وكتبت له عن ذلك'
    لو لم يغادر الهارب مدينتكم لكان قد حاكم بعض الذين يحاكمون غيرهم الآن.
    أنتظر بلهفة كميات كثيرة من نفسك.
    أقرأ بشكل مرعب..
    عدت إلي أرسين لوبين..
    الفرسان الأربعة.. إسكندر ديماس..
    آخر ما قرأت قصيدة لمايكوفسكي..
    هذا الوغد يثيرني لأبحث عنه.
    هل تعرف طريقة لإيصال السلام لإبراهيم فتحي؟
    لقد فقدت بعد العودة عنوانه.. وأحس بالذنب لأنني لم أرسل له السلام.
    رسالتك الأخيرة عملت شيئا غريبا 'تناولت الرسائل القادمة لي من كل مكان.. جمعتها.. كوما..
    وفقدتها إلي الأبد
    كيف حال أسرتك؟
    يا للشوق يا ولد..
    مشكلة تحويل الزمن.. مرعبة.
    أكتفي هنا.. إلي لقاء..
    أخوك..
    حافظ'.


    8

    مضت السنوات إذن وتوقف حافظ رجب عن الكتابة إليٌ. صمت عني وعن الآخرين. استقر موظفا بسيطا، هادئا ومنسيا في أرشيف المتحف الروماني بالإسكندرية. لقد تعاقبت الأجيال، وبهتت الصور، وبدا حافظ منسيا إلا من أبناء جيله الذين احتفظوا له بمكانة لا يطاوله فيها إلا القليلون.


    9

    وخلال الشهر الماضي جاء من الإسكندرية وحضر ندوة لم يعلن عنها بأتيلييه القاهرة، ورحل دون أن نراه. وأخبرني الشباب أن الحضور كان قليلا، وأنه جلس علي المنصة، صامتا عجوزا هده الإعياء، وأنا لا أصدق، لأن رفاق الشباب يحتفظون في الذاكرة بصورتهم التي فارقونا عليها. إنهم يظلون شبابا كما هم، مهما انصرمت الأعوام حتي نلتقيهم، حينئذ ندرك، نحن، ما صرنا إليه.
    وإذا كان بوسع أحد، مثلي، أن يظن بأنه كان من الناجين، فلقد حدث ذلك لأننا كنا أبناء شرعيين لهذه 'القاهرة'، وليس بالتبني، لم نتوقع منها شيئا لذلك فوتنا عليها، وعلي أنفسنا، مشاعر الخيبة والمرارة.


    10

    ما أعاننا علي الاستمرار (أنت.. يا من هناك) أننا كنا أقل طيبة منك، وأكثر قسوة.


    مارس 1997
                  

العنوان الكاتب Date
مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-02-10, 00:57 AM
  Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-02-10, 01:03 AM
    Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-02-10, 01:04 AM
  Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه حيدر حسن ميرغني12-02-10, 01:06 AM
    Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-02-10, 01:50 AM
      Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-02-10, 02:10 AM
        Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-02-10, 07:07 AM
          Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه ابو جهينة12-02-10, 07:46 AM
            Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-02-10, 11:06 AM
              Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-02-10, 02:12 PM
                Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-02-10, 06:24 PM
                  Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-02-10, 10:26 PM
                    Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-03-10, 01:22 PM
                      Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه د.محمد بابكر12-03-10, 04:23 PM
                        Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبداللطيف حسن علي12-03-10, 06:52 PM
                          Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-03-10, 08:12 PM
                            Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه ناظم ابراهيم12-04-10, 00:53 AM
                              Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-04-10, 01:21 AM
                                Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-04-10, 08:11 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de