مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-16-2024, 07:15 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-02-2010, 02:10 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه (Re: عبد الحميد البرنس)

    'جاك حسون' و 'خلوة الغلبان'


    قال:
    'أنا جاك.. جاك حسون'.
    لم يكن الاسم يعني لي أي شيء. قلت:
    'أهلا'.
    كنا في بيت الكتاب الفرنسيين حيث استضافونا مساء اليوم الأول من وصولنا: الراحلة لطيفة الزيات وبهاء طاهر ومحمد البساطي وجمال الغيطاني وسلوي بكر واحمد عبدالمعطي حجازي ومحمد عفيفي مطر وعبدالمنعم رمضان ونبيل نعوم وابراهيم عبدالمجيد، وكانت هناك مائدة رئيسية ممتدة ازدحمت بالمأكولات الخفيفة الملونة والزجاجات الداكنة وراءها مجموعة من الفتيات الجميلات، بينما تفرقنا نحن حول طاولات صغيرة، ومعنا أعداد من الرجال والنساء الذين يكلموننا ونكلمهم من دون أن يعرفوننا غالبا، أو نعرفهم.
    كان الرجل 'حسون' الذي يجاورني يقوم ويقعد ويملأ لي الكوب كلما فرغ ويدفعني بكتفه ويقول أن سعادته اليوم كبيرة جدا، ثم صاح:
    'أنا مصري'.
    التفت إليه ولاحظت وجهه الطفولي وملامحه المريحة الطيبة. وسألني:
    'حضرتك منين في مصر؟'.
    أخبرته أنني من منطقة 'الكيت كات' في 'إمبابة'.
    قال:
    'أنا من خلوة الغلبان'.
    'خلوة الغلبان؟'
    'طبعا'.
    وسكت.
    أدهشني الاسم.
    كدت أفيق مما أنا فيه، ولكنني انتهيت إلي ضرورة البدء، في أقرب فرصة ممكنة، بكتابة رواية أسميها 'خلوة الغلبان'. وسألته عن مكانها فقال أنها قريبة من المنصورة، وأخبرني أنه بعد غياب حوالي أربعين عاما عاد إليها، ورآها.
    'خلوة الغلبان؟'
    قال:
    'تمام كده'.
    وراح يحكي كيف أنهم، عندما غادروا مصر، كان في السادسة عشرة من عمره (علي ما أذكر) وأن شقيقته كانت في الرابعة. أخبرني كيف أن أباه طلب منه، عندما يموت، أن يأتي بحفنة تراب من مصر وينثرها علي قبره. وفي شيء من الأسي قال، دون أن تختفي ابتسامته، أنه لم يلحق، ثم اتسعت هذه الابتسامة وهو يضيف أنه استطاع أن يلحق أمه، عندما ماتت، ونثر التراب الذي أحضره من مصر علي قبرها.
    'الكلام ده إمتي'.
    قال:
    'من سنتين'،
    وصاح:
    'بعد أربعين سنة'.
    أرادت شقيقته أن تري البيت الذي ولدت فيه، أخذها وعاد إلي مصر سائحا. سافر إلي المنصورة وسأل عن (خلوة الغلبان) فدلوه إليها، وهناك راح يبحث عن بيتهم القديم، كان يعرفه من وجود خرابة مجاورة له، القرية تغيرت، لكن البيت كان موجودا. أخبرني أن الخرابة كانت كما هي، وأنه رأي القضبان التي كان يطل من ورائها وهو صغير، ليتابع ظهر أبيه وهو يبتعد في طريقه إلي العمل حتي يختفي (كان يعمل قراضا للتذاكر في مصلحة السكة الحديد)، وأنه عاد وشقيقته، بعدما رأت البيت الذي ولدت فيه، إلي باريس مرة أخري، وضرب بيده علي المائدة وانتابته حالة من الهياج الحقيقي وصاح:
    'مصر. مصر الجميلة'.
    وملأ كوبي وقال أن إسرائيل هي التي أفسدت كل شيء:
    'أقول لك هذا الكلام مع أنني يهودي'.
    فوجئت وأصابني ما يشبه الوجل وأفقت تماما.
    ظللت صامتا في مكاني حتي غافلته وملت علي أقرب أذن صادفتني وهمست:
    'علي فكرة، الراجل اللي قاعد جنبي، يهودي'.
    وجاءني صوت صاحب الأذن:
    'وايه يعني؟ كل الناس اللي معانا هنا، يهود'.
    رحت أعيد النظر في الرجال والنساء من حولي وخيل إلي أنهم يتأملونني فعلا أكثر مما يجب. ورأيت أن أغير موقعي. استأذنت من حسون وذهبت لكي أري نهاية محاولة التمرد التي قام بها محمد البساطي بعد ما وضعته تحت وصايتي فور نزولنا أرض المطار، باعتبار أن زيارته الأولي لباريس لايمكن أن تتساوي وزيارتي الثانية لها. فقد حدث أن أحد الزملاء أخذه من جواري لكي يقدمه إلي الكاتبة المصرية المقيمة في فرنسا أندريه شديد، وقام البساطي فرحا كمن نال استقلاله حديثا، وكان الزميل قد انتهي من تقديمه فيما وقف هو، البساطي، يخبرها كيف أنه سعيد جدا بلقائها، وأنه قرأ كل أعمالها التي ترجمت ونشرت في سلسلة (روايات عالمية) التي تصدرها الهيئة العامة للكتاب وأنها أعجبته، ليس وحده في الحقيقة ولكنها أعجبت أبناء الجيل كله، أردت دفعه خلسة لكي أنبهه إلي أنهم لم يترجموا لها إلا رواية واحدة، ولكن السيدة جنبتني مشقة المحاولة إذ وجدتها، وقد أنصتت في هدوء، تستفسر عن معني الكلام الذي تسمعه الآن، وهو، البساطي، أوضح لها ما يقصده، وهي علقت أنها ليست السيدة شديد، ولم تلتق بها أبدا.
    كانت محنة، وأوضحت للبساطي أن صدمة حضارية من هذا النوع يمكن استيعابها، وتركت له حرية الاختيار بين الوقوع في مثل هذه الفضائح أو العودة إلي الالتزام بنصائحي. أما الزميل صاحب المبادرة فلم يتعرض للمؤاخذة بعدما تبين أنه ظل يعتقد أن أي امرأة تتكلم العربية في فرنسا هي، بالطبع، السيدة أندريه شديد. وما أن تهيأنا للانصراف حتي لحقني جاك حسون وقال أن أمله الوحيد الآن أن نلبي دعوته للعشاء في أي يوم نختاره لكي يعرف عائلته بأبناء وطنه، إنها أمنية، وشارك عدد من أعضاء الوفد في هذا الكلام.
    كان بعضنا سيسافر جنوبا وبعضنا شمالا ثم نعود للمبيت ليلة واحدة في باريس قبل عودتنا إلي مصر، وحينئذ قال أنه يحجز من الآن هذه الليلة الأخيرة. قلت:
    'ماشي'.
    وشد علي يدي:
    'وعد؟'.
    قلت:
    'عيب يا راجل'.
    أخرج من جيبه مفكرة صغيرة وكتب شيئا.
    سافرت وجمال الغيطاني للكلام في جامعة (بوردو) وحضرنا عددا من اللقاءات وقضينا هناك ليالي عدة جميلة، ثم اتجهنا إلي جامعة (مونبي لييه) حيث درس طه حسين وقمنا هناك بمسائل مشابهة لما قمنا بها في (بوردو).
    حوالي عشرة أيام لم يخطر خلالها جاك حسون ببالي لحظة واحدة. وما أن عدنا إلي باريس لنقضي ليلتنا الأخيرة حتي علمنا من الزملاء الذين لم يبرحوا أن الرجل يتابع تحركاتنا وينتظر. وأثناء وجودنا في الباص في طريقنا إلي معهد العالم العربي الذي أقام لنا حفل عشاء في هذه الليلة الأخيرة، أثيرت مسألة جاك حسون الذي اتصل عشرات المرات ليقول أنه أعد كل شيء ويجلس الآن في انتظارنا.
    تحول الموضوع إلي قضية خاصة بعدما تساءل أحد الزملاء عن كيفية ترك عشاء في المعهد العالم العربي والذهاب للعشاء مع واحد يهودي؟
    المهم أننا قضينا سهرة مرحة لم يتوقف خلالها جاك حسون عن الاتصال لكي يؤكد مرة بعد المرة أنه سيترك كل شيء معدا في انتظارنا، وعندما تأخر الوقت قال أنه جالس حتي الصباح.
    كانت تجلس إلي جواري صديقة تقيم بين القاهرة وباريس وتجمع بين الجنسيتين، أردت أن أسألها عنه ماذا يشتغل وكيف يقيم ويعيش هنا ولكنها اكتفت بأن أخبرتني عدم شعورها بالارتياح نحوه، لذلك عندما طلبني بالاسم لكي يذكرني بوعدي رجوت الزميل الذي أخبرني أن يشرح له أن الوقت تأخر وأننا سنسافر غدا و'مزنوقين'.
    ولم نذهب.
    كان ذلك قبل سنوات (نهاية عام 94).
    رغم ذلك ظللت أتذكر الرجل بين وقت وآخر. لم أكن أعرف له عملا ولا عنوانا، إلا أنني لم أترك أحدا إلا وحكيت له عن (خلوة الغلبان).
    كنت أشعر بشيء من الذنب، وأنني مدين له بالاعتذار.
    وقبل أسابيع اتصلت بي صديقة من باريس وأخبرتني أنها علمت بأن هناك دعوة ستوجه إلي قريبا ولابد أن أسافر، وكان أول ما خطر لي أنني، لو سافرت، سأبحث عن رقم هاتف هذا الرجل وأعتذر له عن الموضوع القديم.
    وفي اليوم التالي مباشرة كنت أقلب العدد الأخير من مجلة 'الوسط' وأقرأ:
    'توفي في باريس عالم النفس والكاتب المصري الأصل جاك حسون عن 62 عاما بعد صراع مع المرض الخبيث. وحسون معروف كأحد أبرز علماء النفس في فرنسا. كان أحد أعضاء مدرسة باريس الفرويدية التي أسسها جاك لاكان إضافة إلي انخراطه طويلا في صفوف اليسار التروتسكي. إشتغل صاحب (أسكندريات) و(القسوة الكئيبة) علي اللغة والمنفي، والعلاقة بين اللغة الأم والهوية، وأصدر كتابا مرجعيا عن يهود بلاد النيل، الذين ينحدر منهم'.


    مايو 1999
                  

العنوان الكاتب Date
مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-02-10, 00:57 AM
  Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-02-10, 01:03 AM
    Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-02-10, 01:04 AM
  Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه حيدر حسن ميرغني12-02-10, 01:06 AM
    Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-02-10, 01:50 AM
      Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-02-10, 02:10 AM
        Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-02-10, 07:07 AM
          Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه ابو جهينة12-02-10, 07:46 AM
            Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-02-10, 11:06 AM
              Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-02-10, 02:12 PM
                Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-02-10, 06:24 PM
                  Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-02-10, 10:26 PM
                    Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-03-10, 01:22 PM
                      Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه د.محمد بابكر12-03-10, 04:23 PM
                        Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبداللطيف حسن علي12-03-10, 06:52 PM
                          Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-03-10, 08:12 PM
                            Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه ناظم ابراهيم12-04-10, 00:53 AM
                              Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-04-10, 01:21 AM
                                Re: مع إبراهيم أصلان: المبدع في قمة نضجه عبد الحميد البرنس12-04-10, 08:11 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de