أكثر ما آلمني يا صديقي لم يكن مشهد المصابين بعضات الكــلاب ولكن ذلك الطفل ... ناعم القسمات .. في عينيه براءة لو فاضت خارجها لغطت كل مساوئ البشر وفجورهم .. كان هذا الطفل في العنبر الأول على ما أذكر .. أي عنبر الأطفال حديثي الولادة صعقت .. صعقت يا أخي عندما علمت أن هذا الطفل قد نهش النمل ظهره .. النمل !! أي والله النمل ....... لا حول ولاقوة إلا بالله تركوه هناك على حافة أحد صناديق القمامة لا يحميه من الدنيا سوى خرقة قماش هي في الأصل بشكير نتجفف به بعد الحمام .. وضعوه هناك في جنح من الظلام ولم يسمعوه سوى وقع نعالهم وهم يولون الدبر مذعورين من هذا الشاهد .. الشاهد على ما سولت لهم أنفسهم ذات ليلة حمراء الطفل المسكين لا يجيد إطلاق الصرخات كغيره من الأطفال للفت الإنتباه ظل هناك على حافة صندوق القمامة طوال ساعات الليل بدون أن يغسل من بواقي المشيمة وقطرات الدماء .. بدون ان تقطع (سرّته) يا الله ... لم تكن الكـــلاب .. بل النمل !! وجد النمل طريقه لذلك الجسد الغض وجد طريقه سالكا وساعده على ذلك بواقي لزوجة على جسده نهش ما استطاع أن ينهش من جلده .. ذلك النمل الأسود متوسط الحجم الذي إذا أصابتك منه لدغة تركت أثرهها عليك ليومين فما بالك بهذا الطفل البرئ الذي لا ذنب له .. ظل الطفل هكذا .. عاجزا عن الحركة .. عاجزا عن الصراخ والنمل ينهش ما لقى مكانا لغرس فكيه .. .. وجدت هذا الطفل هناك وقد تقيح ظهره وأرجله وساعديه وجزء من رقبته لا أستطيع أن أعبر عن مدى حزني لهذا الطفل وأي كراهية حملتها بين أضلعي وجنباتي تجاه أبويه .. بل تجاه الدنيا كلها وضعت ما كنت أحمله على الأرض وخرجت ذليلا مهانا مستصغرا لنفسي لأني لم أجد ما استطيع ان أقدمه له .. مهما فعلت .. فلن أستطيع أن وقف نزيف النمل السائل أخيرا همسة في أذن من تجردوا من آدميتهم خوفا من فضيحة أو عار بالله عليكم باعدوا بين أطفالكم وصناديق القمامة .. وابتروا جزءا من جسدكم في مكان يليق به وبالله عليكم لا تطيلوا ساعات إنتظارهم .. افعلوا ذلك في ضوء من النهار علّ وعسى أن يجعل الله أفئدة من الناس تهوي إليهم ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة