مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +صور)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-10-2024, 08:24 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-04-2010, 10:14 PM

Faisal Al Zubeir
<aFaisal Al Zubeir
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 9313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص (Re: Faisal Al Zubeir)

    ورقة الدكتور النور حمد*
    Quote: الطيب صالح: تجسير الهوة مع الجذر الحضاري المنسي
    د. النور حمد *
    الطيب صالح من أكثر الروائيين العرب الذين كُتبت عنهم الدارسات، ولا غرابة!! فهو قد جاء إلى قراء العربية من حيث لا يحتسبون، وأتاهم بما لم يكونوا يحتسبون! قال عنه يوسف نور عوض، في كتابه، (الطيب صالح في منظور النقد البنيوي): ((ظهر الطيب صالح من "الفراغ والسكون" ـ بحسب مصطلح السيدة نازك الملائكة ـ ولم يكن له رصيد في الحياة سوى القبول الذي فرضته أعماله واستجابت له تلك "الإرادة الإجماعية")) ويقول يوسف نور عوض أيضاً: ((كان ظهوره في حد ذاته حدثاً فريداً لم يتكرر كثيراً في تاريخ الأدب العربي الحديث، فهو لم تقدمه للحياة الأدبية حركة إيديولوجية أو سياسية .... وهو لم يكن واحداً من الكتاب الذين تعود القارئ العربي أن يطالع أسماءهم في الصحف والمجلات)) . كما ورد في رسالة أرسلها الأديب اللبناني توفيق صائغ إلى الطيب صالح في 6 يناير 1966م، ما نصه: ((موسم الهجرة إلى الشمال تلاقي استحساناً وإعجاباً شديدين لدى كافة القراء. يتحدثون عنها كما لا يتحدثون عن عمل قصصي عربي)) . وفي نفس الرسالة قال توفيق صائغ للطيب صالح عن "موسم الهجرة إلى الشمال": ((الشاعر محمد الماغوط كتب لي من دمشق يقول إنها "فريدة" وإنها عمل خارق وكائن لا مثيل لنضرته وحيويته بين عشرات السنين من "الطروح" الأدبية في بلادنا)) . وفي بطاقة بريدية أرسلها الأديب والروائي جبرا إبراهيم جبرا وقرينته لميعة إلى توفيق صائغ، في العام 1966م، ورد ما نصه: ((قصة الطيب صالح أروع ما قرأت من قصص في اللغة العربية. تهانينا على اكتشافك الهائل!)) . الشاهد أن الطيب صالح وجد قبولاً لم يلقه كاتب عربي قبله، وقد شمل ذلك القبول بلده السودان، كما شمل قراء العربية من المحيط إلى الخليج، وتعدى ذلك القبول المحيطين القطري والإقليمي، ليشمل العالم بأجمعه.
    أيضاً، لم يسكن كاتب رواية عربي، ربما باستثناء نجيب محفوظ، عقول قارئيه كما سكن الطيب صالح. عاش الطيب صالح في عقول الناس لاكثر من أربعين عاما حتى الآن. ولا أشك أن الطيب صالح سيبقى في عقول قارئية لزمنٍ طويلٍ قادم. فما السر يا ترى؟ وعلى سبيل المثال فقط، قرأت أعمال الطيب صالح الأولى "مجموعة عرس الزين"، و"موسم الهجرة إلى الشمال"، وأنا طالب في نهاية المرحلة الثانوية، وعلى الرغم من مرور ما يقارب الأربعة عقود من الزمان لا تزال بعض من فقرات تلك الروايات محفوظةً لدي عن ظهر قلب! وأخال أن نفس الشيء قد حدث مع كثيرين غيري. يضاف إلى ذلك أن السقف الإبداعي الذي رسمته أعمال الطيب صالح الروائية، سقف لم يستطع أحد اختراقه إلى اليوم، وأعني هنا تحديداً في وطنه السودان. مرت على نشر أعمال الطيب صالح أكثر من أربعين عاماً، ولا زالت الأعمال الروائية السودانية تأتي تحت السقف الذي رفعه الطيب صالح. فما السر وراء ذلك؟! وإجابتي المبدأية على هذا السؤال أن السر يكمن في رؤيته، ونفاذ بصيرته، وعمق ثقافته وسعتها، وجعله خصوصية السودان الحضارية قضية محورية في أعماله.
    ريادته في التنبيه إلى حالة التوهان:
    الذي يهمني في هذه المساهمة، لا يتعلق بالبنية الروائية المتميزة، التي أدهش بها الطيب صالح الناس، ولا الشاعرية الدفاقة، والسلاسة، وجو الأنس الذي يأخذ بتلابيب القارئ، وغير ذلك مما يمكن أن يتفرع من كل تلك الميزات. أيضاً، ليس مما يهمني إبرازه هنا، على أهيمته، يتعلق بقدرة الطيب صالح على رسم شخوص نارية، نابضة بالحياة، على حد وصف رجاء النقاش. الذي يهمني في هذه المساهمة هو تسليط الضوء على معرفة الطيب صالح المبكرة بحالة التوهان الحضاري الطويلة التي لفت القطر السوداني، ومن ثم ضمور الوعي فيه بالخصوصية الحضارية، والشخصية الحضارية المنمازة. هذه الخصوصية التي ظلت مجهولة لدى أهلها أنفسهم، ومجهولة لغيرهم ممن يسكانونهم في الإقليم من عرب وأفارقة. أزعم أن الطيب صالح حاول في كل أعماله تجسير الهوة التي فصلت بين الكيان السوداني في كله المركب، وبين جذره الحضاري المنسي. وينبني ذلك بطبيعة الحال على فرضيتي أن السودان قطر تاه عن جذر مكوناته الحضارية، وعن التركيب في شخصيته الحضارية، بعد أن أخذ بخيط واحد من مكوناته دون سواه من الخيوط. وظف الطيب صالح نصوصه لكي يلفت نظر الجميع إلى التركيبة المختلفة للأمة السودانية، التي ما فتئت تخوض غمار معركة التعرف على هويتها القومية المنمازة، ولا تصيب في ذلك نجاحاً يُذكر.
    يقول الطيب صالح في روايته ضو البيت/بندرشاه في نسقٍ رمزيٍ عميق الدلالات، بعيد المرامي: ((فجأة اختل ذلك التناسق في الكون. فإذا نحن بين عشية وضحاها لا ندري من نحن وما هو موضعنا في الزمان والمكان، وقد خيل إلينا يومها أن ما وقع وقع فجأةً. ثم تكشف لنا رويداً رويداً ونحن في ذلك الخضم المتلاطم بين الشك واليقين، أن ما حدث كان مثل سقف البيت حين يسقط. لا يكون قد سقط فجأة ولكنه يظل يسقط منذ أن يوضع في محله أول مرة. بلى إننا جربنا شتى سبل المقاومة؛ قلنا إنما حدث شيء قائم بذاته، لا صلة له بما كان وما سيكون، ظاهرة شاذة منعزلة كأن تلد العنز عجلاً أو تثمر النخلة برتقالاً)) . إن الذي جعل أعمال الطيب صالح أعمال خالدةً لهو الرؤية والحدس. ولا أعنى هنا الرؤية والحدس الجزافيين، وإنما أعني الرؤية والحدث الذين قاما على قراءة ناقدة للتاريخ، وعلى فرز حاذقٍ للقوى التي ظلت تصطرع داخل بينة الحياة السودانية منذ القدم، مضافاً إلى كل أولئك الإلمام الوافي بالفكر الإنساني والقدرة على موضعة السياق السوداني الجزئي في الصورة الكلية للحراك الكوكبي الذي حدثت فيه انقلابات فكرية غير مسبوقة عبر بحر القرن العشرين، الذي كان أكثر القرون عنفاً، وأكثرها حيوية ودفقاً، أيضاً. والنص الذي أوردته عليه نص شديد الدلالة على قوة الحدس في بصيرة الطيب صالح. ورد أيضاً في روايته ضوالبيت/بندر شاه ما نصه: ((لا أستطيع أن أتذكر ذلك الضحى إلا وتنتابني قشعريرة. كانت البلد كأن طائراً رهيباً اقتلعها من جذورها وحملها بمخلبه ودار بها ثم ألقاها من شاهق... كنت كشخص في قبضة كابوس مليء بالصراخ والحركة، وهو مشلول في وسطه، لا يملك أن يتأخر أو يتقدم. كانت الفوضى كأنها تتفجر من تحت أقدامنا، وكان الناس يجرون مشتتين ها هنا وها هنا، يبحثون عن شيء ولا شيء، يبحثون عن المصدر وليس ثمة مصدر، الصور كلها كنثار الغبار ، ما تكاد تستقر في العقل حتى تتفتت فتتاً، ومعها الكون والحياة. هكذا رأيت حمد ود حليمة في ذلك اليوم يتقدم إلى أمام ثم يتقهقهر إلى وراء ، كأنه نائم أو ميت تتلاعب به قوى غير مرئية)).
    صراع التصوف والفقه:
    من علامات إدارك الطيب صالح لتميز الشخصية السودانية وقوفه الثابت ضد الغلو من أي جهة كان. استخدم الطيب صالح شخصية الشيخ الحنين عبر أعماله الروائية ليشير إلى التوسط ونبذ التطرف، مؤكداً، في غيرما مباشرةٍ مخلةٍ بقواعد العمل الروائي، أن سمة التسامح وقبول الآخر سمة مشرجة في بنية الشخصية السودانية. ففي روايته "عرس الزين" يركز الطيب صالح مثلاً على ارتباط الزين الشديد بالشيخ الحنين، وانصياعه التام له، في مقابلة كراهية الزين الشديدة، لإمام الجامع. وهي كراهية لا يستطيع الزين، قط إخفاءها، على خلاف أهل البلدة. يقول الطيب صالح: ((لكن الزين في موضوع الإمام كان معسكرا قائما بذاته، يعامله بفظاظة، وإذا قابله قادماً من بعيد ترك له الطريق، ولعل الإمام كان الشخص الوحيد الذي يكره الزين)) . أيضاً، صور الطيب صراعاً آخر على جبهة أخرى، تدور رحاه بين نفس إمام القرية، الذي ينظر إليه الناس كجسم أجنبي، وبين بعضٍ من مجاميع أهل القرية المتنوعي المشارب، المتعايشين مع بعضهم، رغم تنوع المشارب. يقول الطيب صالح: ((وكانت البلد منقسمة إلى معسكرات واضحة المعالم إزاء الإمام (لم يكونوا أبداً ينادونه بإسمه، فكأنه في أذهانهم ليس شخصاً بل مؤسسة). )) . يتضح من النص السابق أن الطيب صالح يفرق تفريقاً واضحاً بين التدين الصوفي الموروث من الحقبة السنارية، وما ورثه السودانيون من الحقبتين المسيحية والكوشية، وبين الفقه المدرسي الوافد الذي جاء إلى السودان مع الحكم التركي، وابقاه الإنجليز من أجل محاربة التصوف الذي خرجت لهم من عباءته الدعوة المهدوية، وأرتهم وجهاً مقاتلاً شرسا لم يألفوه. الأمر الذي حدا بهم إلى الاستعانة بالمؤسسة الدينية الرسمية التي أنشأها الأتراك لتصبح معينا لهم على حكم البلاد. أكد الطيب صالح هذا المعنى حين قال: (((لم يكونوا أبداً ينادونه بإسمه، فكأنه في أذهانهم ليس شخصاً بل مؤسسة))، كما أكدها في منحى آخر من خلال استخدامه لرمزية الشيخ الحنين، التي ضمنها رسالة مفادها أن المكون الصوفي في الوجدان السوداني، يمثل قاسما مشتركا أعظم، يمكن أن تلتقي في إطاره الثقافات السودانية باختلافها. في هذا المنحى يلتقي الطيب صالح بالمفكر الجنوبي فرانسيس دينق الذي يقول: ((في الجنوب، كما في البلدان الإفريقية، تُمارس أديان مختلفة داخل العديد من العائلات، ولكن الدين لا يتدخل في وحدة العائلة الضرورية، التي تترسخ بولاءات القرابة. ويحمل هذا السلوك الكثير المشابه للتقاليد الصوفية، التي مثلها مثل المعتقدات الإفريقية المحلية، مُشخصنة، وترتبط كثيراً بالنسب، وتتميز بقدرٍ كبيرٍ من التسامح)) . وفي تأكيد منحى ميل الطيب صالح إلى التوسط الذي يمثله التصوف، في مواجهة الفقه المدرسي الذي يعني التشدد والتزمت، روى الدكتور إبراهيم القرشي في المقدمة التي كتبها للأعمال الكاملة التي نشرها مركز عبد الكريم ميرغني بالتعاون مع دار مدارك للنشر، شيئاً سمعه من فم الطيب صالح نفسه. يقول إبراهيم القرشي: ((قال لي مرة في هدأة الليل في فندق قصر الرياض: السودانيون انتفعوا من منهج التصوف كما لم ينتفعوا من منهج آخر .. وهو العامل الأوحد في توحيد السودانيين خصوصاً في باب التزاوج وتشكيل النسيج العرقي .... ولو تُرك أهل السودان للتربية الصوفية لذابت الفوارق وتمازجت الأعراق بمرور الزمن ولأعان ذلك على الاستقرار)) .
    لم تكن المقابلة بين الغلو والتوسط منحصرة لدى الطيب صالح في الإطار الديني وحده. فقد عالج الطيب تلك الإشكالية في تجليات التطرف العلماني كذلك. وما أكثر ما رسم الطيب صالح من الصور الكاريكاتورية الساخرة لتجليات الغلو، التي لا تطفح عادةً إلا من جهاز الدولة، بمختلف تشكلاته. كتب الطيب صالح في "ضوالبيت/بندرشاه" عن محيميد الذي أحالته الحكومة إلى التقاعد ما نصه: ((هو محيميد، أيضاً مهزوم، هزمته الأيام وهزمته الحكومة. إن طال الزمن وإن قصر سيسألونه، سيسأله ود الرواسي في الغالب، سيقول له ((ما بالك تقاعدت وأنت لم تبلغ سن التقاعد؟)) سيقول له: ((أحالوني إلى التقاعد لأنني لا أصلي الفجر في الجامع)) سيقول ود الرواسي ((هل هذا جد ولا هزار؟)) سيقول محيميد ((عندنا الآن في الخرطوم حكومة متدينة، رئيس الوزراء يصلى الفجر حاضراً في الجامع كل يوم، وإذا كنت لا تصلي أو تصلي وحدك في دارك فسيتهمونك بعدم الحماس للحكومة. أن تُحال للمعاش كرمٌ منهم)). يُدهش ودالرواسي ويقول (أما عجائب)). وسيقول محيميد ((بعد عام أو عامين أو خمسة ستجيئنا حكومة مختلفة. لعلها غير متدينة. وقد تكون ملحدة. إذا كنت تصلي في دارك أو في الجامع فإنهم سيحيلونك للتقاعد)) سيسأل ود الرواسي بدهشة عظيمة ((بأي تهمة؟)) وسيرد عليه محيميد قائلاً ((بتهمة التواطؤ مع الحكومة السابقة)) . هكذا يضع الطيب صالح ببراعة فائقة حكمة الأهالي البسطاء الناصعة، بإزاء نزق وطيش الحكومات وديماغوغية الخطاب الحكومي الرسمي، ويا لها من مقابلة أو juxtaposition كما يقول متحدثو الإنجليزية!
    الطيب صالح والتسامح الديني:
    في الكلمة التي ألقاها الطيب صالح باللغة الإنجليزية في الجامعة الأمريكية في بيروت في 19 مايو 1980م، وترجمتها الدكتورة مؤمنة بشير العوف، ورد قوله: ((لقد كان السودان مسيحياً قبل الإسلام بوقت طويل. والإسلام في السودان الآن ليس متزمتاً. والحركة المهدية ليست دينية، ولكنها قومية. وإذا كنتُ قدمتُ أي شيء للأدب العربي الحديث فهو دعوتي الدائمة للتسامح الديني. وهذا الموقف يأتي من كوني سودانيا)) . إذن، يعي الطيب صالح تماماً أن كونه سودانياً، يعني إنتماءه إلى كيانٍ يراه ذا خصوصية حضارية. فهو، أي الطيب صالح، رغم انتمائه إلى الوسط والشمال النيلي حيث تسود العربية والدين الإسلامي، إلا أنه، مع ذلك، يرى لنفسه خصوصية يجب ألا تذوب في الإطار المتعارف عليه للعروبة والإسلام في الجزيرة العربية، والعراق، والشام الكبير، وبعض دول شمال إفريقيا. ويمضي الطيب صالح في كلمة بيروت المشار إليها، فيقول: ((وبسبب التركيب الديني الإجتماعي للسودان ولظروفي الشخصية فإنني لم أبحث عن أية حقيقة خارجية، وبالأحرى فإنني أبحث عن العالم الذي تستطيع أن تتعايش فيه الأفكار المتضاربة، كما تتعايش الأساليب المختلفة للحياة)) . وتسير مقولة للقائد الجنوبي الراحل جون قرنق في نفس الوجهة تقريباً، وذلك حيث يقول جون قرنق: ((ليس هناك وضوح قاطع في أمر هويتنا؛ نحتاج إلى التخلص من التشرذم والنظر بعمق داخل بلادنا)) .
    خاتمة:
    خلاصة هذه الورقة الموجزة أن الطيب صالح ظل مدركا لما يجري تحت السطح في الحياة السودانية. فالطيب صالح مفكر ذو رؤية حضارية تتعلق بقطره السودان الذي عرف أنه له سمات مغايرة لكل المحيط الذي يحتويه. فالطيب صالح ليس كاتبا رؤائياً عادياً، وهذا، في نظري واحد من الأسرار الكبيرة التي تقف وراء ديمومة تأثير أعماله. فقد ظل الطيب صالح مهموما ببلده، وكان تواقا للعودة لكي يستقر فيه بشكل نهائي. ولكن الأمور في البلد كانت تسير على خلاف ما كان يرغب. وظل الطيب يؤجل العودة النهائية حتى عاد جثمانه محمولاً في نعش في ذلك الضحى الحزين. كتب الطيب صالح رسالة إلى صديقه توفيق صائغ في سبتمبر 1967، يقول فيها: ((أما أنا فما أزال معلقاً بين السودان وهنا ـ إحتمالات العودة النهائية ما تزال قائمة، ولم أكتب شيئاً، وثمة إحساس بالقحط الروحي والعقلي)). حاول الطيب صالح أن يبث رسالته حول المحبة، والتعايش السلمي، وقبول الآخر المختلف، وتجنب الغلو، والتطرف، في قالبٍ فني بالغ الروعة. لم تكن دعوته مجرد أمنية يمكن أن يتمناها أي شخصٍ على هينته، وإنما كانت أمنية مؤسسة على معرفة عميقة بتاريخ البلاد، وأهم من ذلك كانت مؤسسة على معرفة عميقة بوجدان أهل البلاد، وكيف تشكل ذلك الوجدان، وأين انطمس، وأين تشوه، وأين دهته الدواهي. لقد رمز الطيب صالح لإمام المسجد في البلدة نظرة أهل البلدة إليه كمؤسسة، لا كفرد، إلى الإنقلاب الذي أحدثه الاستعمار التركي، المصري، (1821م-1885م)، والذي سار على دربه الاستعمار الثنائي البريطاني المصري، (1898م-1956م). فقد استبدل المستعمرون الدين الشعب بالدين الرسمي، وهو دين غريب على المواطنين. فقد تم أستبدال الفقير "المتصوف" بالفقيه "الحشوي"، على حد تعبير وجيه كوثراني. وبذلك تاه غالبية أهل السودان عن جذورهم، وعن مواردهم الوجدانية العذبة. ولا يزال هذا التيه مستمراً إلى اليوم. في هذه الحقبة الاستعمارية الطويلة، تغلغل النهج التعليمي المصري، وتغلغلقت الثقافة المصرية. وأعقب ذلك تبني نخبنا المتعلمة من الخريجين الأوائل للثقافة المصرية. كل هذه الأمور التي جرت على مدى جاوز المائة وخمسين عاماً هي التي أطالت من غيبوبتنا الحضارية. وهي غيبوبة حدثت يوم أن خرجت مملكة مروي من قلب صناعة التاريخ إلى هامشه في القرون الميلادية الأولى. وقد كان يرجي للتصوف أن يعيد البلاد إلى مجرى الفعل الحضاري، غير أن التمدد العثماني التركي، والإستعمار المصري الإنجليزي، فعلا فعليهما في أن نكون مستلبين ثقافياً. وها نحن اليوم على شفا التشظي، الذي يسبق ذهاب الريح بالكلية. فلو أننا جلسنا، منذ أن وعينا ضرورة التخلص من المستعمر، وتأملنا جذورنا العرقية والروحانية، وتعرفنا على خصائصنا، ومزاجنا النفسي، وعرفنا، كيف نضع أولوياتنا، منذ بدايات الحراك لنيل الاستقلال، لكنا اليوم، قد قطعنا شوطاً كبيراً في مشروع بناء أمتنا، ولربما كنا اليوم، أكثر تصالحاً مع أنفسنا، وأكثر انسجاماً وتجانساً مع محيطنا الإقليمي.

    * دكتور النور حمد ،استاذ جامعي ،رئيس قسم التربية الفنية جامعة قطر ،عمل استاذا بجامعتي مانسفيلد وشرق واشنطن ، تشكيلي ،رسام كاركاتير، كاتب صحفي.

                  

العنوان الكاتب Date
مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +صور) Faisal Al Zubeir10-04-10, 05:48 PM
  Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص Faisal Al Zubeir10-04-10, 05:52 PM
    Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص Faisal Al Zubeir10-04-10, 05:55 PM
      Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص عثمان كباشي10-04-10, 09:36 PM
        Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص Faisal Al Zubeir10-04-10, 10:01 PM
          Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص Faisal Al Zubeir10-04-10, 10:02 PM
            Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص Faisal Al Zubeir10-04-10, 10:05 PM
              Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص Faisal Al Zubeir10-04-10, 10:09 PM
                Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص Faisal Al Zubeir10-04-10, 10:10 PM
                Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص Faisal Al Zubeir10-04-10, 10:10 PM
                  Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص Faisal Al Zubeir10-04-10, 10:12 PM
                    Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص Faisal Al Zubeir10-04-10, 10:14 PM
                      Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص Faisal Al Zubeir10-04-10, 10:17 PM
                        Re: مع الطيب صالح في الدوحة .. حديث الذكريات .. النور حمد يقدم رؤية جديدة ( ندوة الاعلاميين +ص عبدالأله زمراوي10-06-10, 07:42 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de