|
Re: فصل من رواية (Re: عبد الحميد البرنس)
|
يقولون في السفر سبعة فؤاد، و في رواية أخري عشرة، و أنا حقيقة لا أقدر أن أعدد هذه الفوائد، لكن أهم فائدة في ظني هي التعرف الجيد لرفيق السفر، قبل هذه الرحلة لم تكن علاقتي بالأستاذ/ جمال الغيطاني تتعدى المعرفة البسيطة، المعرفة المهنية، أعرفه جيدا ككاتب و أديب كبير، لكن تلك المعرفة الإنسانية العميقة، لم تكن قد قامت بعد، كانت الرحلة هي بداية لهذه المعرفة، التي كشفت لي عن قلب كبير محب للحياة و الناس، لديه الرغبة في المعرفة و الاكتشاف، خاصة ما هو جديد و غريب، كنت أحسد رغبته تلك عندما كان يجرب أصناف مختلفة من الأطعمة التي يتعرف عليها للمرة الأولي، بدا هو الشاب في إقباله و جسارته، و بدوت كالشيخ الذي أكتفي بما خبر و عرف، لكنني سأثير دهشته بمعرفتي للطرق بعد السير فيها مرة واحدة، و هذه ميزة يتمتع بها صحراوي أصيل، لم تمثل لي فارقا كبيرا، ففي الصحراء لا يوجد لافتات تحدد السير، و لا أسماء للطرق، عليك أن تعتمد على معالم الطريق، و تحتفظ به في ذاكرتك لاستدعائه وقت الحاجة بسهولة و يسر، كما أنني أعتمد على ذاكرة لا تخطئ و هي الأقدام، لكن هذه تحتاج لوقت أطوال، و هذا لم يكن في يدنا.
طوال الطريق كانت السيدة باسكال تتحدث عن غرامها بمصر، و هن رحلاتها المتعددة إلى القاهرة، و بعض الأماكن الأخرى، و ترددها الدائم على المركز المصري، لحضور الندوات و العروض الفنية، لكنها الآن و قد كبرت و كبرت معها بعض الأمراض المصاحبة أصبحت زيارتها لمصر متباعدة، و كيف أنها تفكر بالقدوم في الربيع القادم؛ في الشارع كانت تشير لبعض المباني و تتحدث عنها، و أوصتني بزيارة بعض الأماكن التي لم أزورها، أخبرتها: ربما في مرة قادمة، فلن يبقي لدي بباريس سوى الغد، و هو ما خصصته لشراء بعض الهدايا لأطفالي و الأهل.
لما وصلنا أمام الشقة، أخرجت من حقيبتها المفاتيح، في البداية فتحت كالون في أعلى الباب، ثم نزلت بمفتاح أخر إلى أسفل الباب و فتحت، ثم اعتدلت و بمفتاح ثالث وضعته في منتصف الباب و فتحت، و أنارت المدخل، ووجدتها تضع مفتاح رابع في الباب الداخلي قبل أن تبتسم و تدعوني للدخول؛ دخلت للدفء المنزلي، شقة صغيرة يفتح الباب في صالة صغيرة، مليئة بالأغراض: الكتب و اللوحات، منضدة دائرية فوقها أوراق و أقلام و ألوان؛ على الحائط في المواجهة رأيت اللافتة الخضراء التي تحمل أسماء الشوارع عندنا، قرأت: شارع أحمد بن طولون. قالت حين أشرت إليها: وجدتها بالشارع، بجوار الزبالة، و حين سألت الناس، قالوا لي خذيها. قلت و كيف عبرت بها من المطار؟ قالت: وضعتها بين الملابس في الحقيبة و لم يسألني أحد.
جلسنا بالمطبخ الصغير نأكل و نثرثر، بدت السيدة باسكال مهتمة بأن نقدم كل ما تقدر عليه، و كنت أردها بلطف مكتفيا بما هو أمامي، على الرف كانت علبة شاي العروسة الشهيرة تقف متفردة بين علب و قناني فرنسية على الرف المواجه لنا، قالت: جئت بها لما كنت هناك أخر مرة. و لم أفتحها. و عرضت أن تقوم بفتحها لعمل الشاي منها، و رغم وجاهة العرض، و شدة اشتياقي للشاي الوطني، لكني قلت في بالي: أبسبب دعوة طارئة تخسر علبة الشاي التي تحتفظ بها! شكرتها و شربت الشاي الأصفر، الذي يشبه الشاي، أما هي فقد غلت حلبة حصى و شربته بدون سكر.
حين بدأنا التدخين فتحت نافذة المطبخ، و دخل الزمهرير، فمازلت الأمطار تتساقط، قامت و عبرت الصالة و ردت باب الحجرة الوحيدة، و قالت: كيلا يتسرب الدخان إليها؛ سألتها لِمَ أصرت على دعوتي؟ قالت أنها ترد الجميل. و ضحكت، فقلت: أي جميل؟ قالت أنها في زياراتها المتعددة لمصر، تجد الناس يرحبون بها، و يصرون على دعوتها لمنازلهم، مع عدم معرفتهم بها، و كانت تذهب عندما يكون لديها فائض من الوقت، أما أنت فأنا على الأقل أعرفك. هززت رأسي مستفهما، قالت: رأيتك في الندوة، و قرأت :غواية الشر الجميل. قامت و أحضرت الكتاب المترجم به القصة، و راحت تسألني عن بعض الجوانب المتعلقة بالقصة و الترجمة، و أيضا شعرية اللغة وأنا متعجب لاهتمامها، و رأيت أنها وضعت خطوطا تحت بعض الأسطر.
نزلت من عندها و أنا أشكرها لكرمها، و أصرت على أن توصلني حتى محطة المترو، كي لا أتوه، خاصة و أن الجو لا يسمح ببعض التوهة، فالمطر و البرد و أيضا تأخر الوقت، توقفت و هي تمد يدها للمطر، قالت: لقد بدأ الثلج في التساقط. نظرت لكني لم أستطع التميز، لكن الثلج المتطاير سقوطا يشبه ندف القطن، و هو ما سوف يكون في ودعنا و نحن بالمطار في انتظار إقلاع الطائرة.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
فصل من رواية | عبد الحميد البرنس | 10-03-10, 03:47 PM |
Re: فصل من رواية | عبد الحميد البرنس | 10-06-10, 09:36 AM |
Re: فصل من رواية | عبد الحميد البرنس | 10-06-10, 09:40 AM |
Re: فصل من رواية | عبد الحميد البرنس | 10-06-10, 09:50 AM |
Re: فصل من رواية | عبد الحميد البرنس | 10-06-10, 09:56 AM |
Re: فصل من رواية | عبد الحميد البرنس | 10-06-10, 10:10 AM |
Re: فصل من رواية | ابو جهينة | 10-06-10, 01:00 PM |
Re: فصل من رواية | عبد الحميد البرنس | 10-06-10, 03:14 PM |
Re: فصل من رواية | عبد الحميد البرنس | 10-07-10, 08:21 AM |
Re: فصل من رواية | عبد الحميد البرنس | 10-08-10, 07:41 AM |
Re: فصل من رواية | عبد الحميد البرنس | 10-08-10, 01:21 PM |
Re: فصل من رواية | عبد الحميد البرنس | 10-08-10, 11:55 PM |
|
|
|