فصل من رواية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-09-2024, 00:11 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-08-2010, 07:41 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصل من رواية (Re: عبد الحميد البرنس)

    فرنسا في عيون الروائي أحمد أبوخنيجر



    *أحمد أبو خنيجر

    * أطعمة و سجائر و لافتة.
    رحلة لفرنسا.



    عبر أربعين عاما تكون لدي معرفة جيدة بمعدتي و أمراضها، بعضها معلن و الآخر تدخره لأوقات حرجة، و طوال هذه المدة صارت لدي الحساسية الكافية بتكهن أحوالها، فقد قمت – عرضا- بتطوير حواس أخري تستطيع إخباري بما يمكن أن تدبره من مقالب، هذه الحواس، و في مقدمتها الشم، أحيانا تتواطأ معها، فيصبح الأمر كارثيا، لذا و إمعانا في الحرص بدأت أضيق على نفسي فيما أتناوله، خاصة و كما تقول أمي- مبررة نحافتي المفرطة- أن معدتي ضيقة.

    إذن سافرت لفرنسا و عندي هذه الهواجس، و أيضا جهلي المزدوج: اللغة، و معرفة المطبخ الفرنسي. و كان علىَّ أن أجاهد كي أفوت الفرصة على معدتي حتى لا تضعني في مواضع حرجة، أنا في غني عنها؛ في كل مرة كانت تأتى قائمة الطعام، أضع يدي على بطني في محاولة يائسة أن تتركني كي أجرب أصناف جديدة و مذاق مختلف، و رائحة جديدة، لكنها تعلن عبر الرسائل المتبادلة أنها غير موافقة؛ أنظر للجالسين حولي طالبا العون كي يفسروا لي لوغاريتم القائمة، و فك شفراتها المعقدة، محاولا الاستفهام عما يحتويه كل صنف، و لما كانت المسميات لذيذة و لها وقع و طعم فرنسي، كنت أتحسر على اللغة التي تعلمتها يوما و تسربت مع الزمن و ندرة الاستخدام.

    في مرة أخطأ محمد القاسمي، و هو جزائري و مقيم بفرنسا، و كان قد رفقنا مترجما في مدينتي لا روشيل و روشفورد، حين قدم الطبق قائلا: أمعاء الدجاج. و هو طبق من ضمن المقبلات، أي قبل الطبق الرئيسي، و تساءلت مندهشا: أمعاء الدجاج. فأكد بهزة من رأسه أن نعم، فما كان مني أن صرفتني معدتي إلى نوع أخر، و إلا تسببت لي في فضحية، كما قالت في رسالتها، و كانت نفسي قد امتعضت و هي تتذكر أمعاء الدجاج و أمي تلقي بها للقط أو الكلاب بعد ذبح الدجاجة و فتح بطنها كي تنظفها جيدا؛ لكن هذا لم يمنع بعضا من الجالسين أن يطلب أمعاء الدجاج، فقلت في بالي: ما علينا. و عندما جاءت الأطباق اكتشفنا أن أمعاء الدجاج ما هي إلا كبد و قوانص الدجاج، و التي كنا نتصارع أنا و إخوتي – لما كنا صغارا- على من يفوز بها؛ بالطبع انتابني الندم، لكن الوقت كان قد فات، و علىَّ أن أكل من الطبق الذي أمامي.

    رغم كل هذا ظل العيش الفرنسي هو المتعة الحقيقية في كل ما ورد علىَّ من أنواع، و ذلك بسبب أن يشبه كثيرا خبز أمي، العيش الشمسي،حين يخرج مع الضحى من الفرن المتوهج، و يترك في الظل كي يبترد قليلا قبل كمره في ماجور أو حلة كبيرة حتى وقت المغرب، يخرج في هذه اللحظة ملدنا و طعمه لا يقاوم، و يمكن الاكتفاء به دون غموس لفرط طعامته؛ المدهش هو تعدد أنواع الخبز، ما بين طويل، و مدور، أو ملفوف، أبيض و أسمر و بين بين.

    و أنت ماشٍ في الشارع ستجد محلات كثيرة للأكل، مطاعم من كل نوع، و من مختلف المطابخ، و خصوصا الآسيوية: الهندية و الصينية و اليابانية. طبعا لا وجود للمطبخ العربي أو المصري. فربما بلادنا حتى الآن لا تعرف معني المطبخ، مع أن حياتها كلها مكرسة للطعام و الجري بحثا عنه، المهم ستجد مطاعم كثيرة و مختلفة، بين كل مطعم و الثاني، يوجد مطعم مندس بينهما، و كأن أهل باريس لا يعرفون الأكل داخل البيوت، ربما بسبب العمل طوال اليوم خارج المنزل، و أيضا ستكتشف أن الأكل داخل المطاعم نوع من البهجة و المتعة التي يقدرها الباريسيون تماما، أحاديث و ضحكات و كئوس تقرع يصهلل بها النبيذ، و خروج متقطع للمدخنين أمثالي.
    في مرة بينما سائر في الشارع استوقفني مطعم صغير، ما أوقفني تحديدا يافطة صغيرة ملصقة على الحائط بجوار باب المطعم، مكتوب عليها بالعربية: حلال. دخلت و أنا أرد السلام: السلام عليكم. فقال واحد من الواقفين خلف النصبة، و كانوا ثلاثة: و عليكم. بدا الرد جافا، لكني لم أقلل من ابتهاجي الداخلي، كان المحل يقدم الشاورمة و الفراخ و بعض اللحوم، يقوم الخباز بخبز العيش أمامك، يقطع العجين، و يفرده على الصاج حتى يستوي، ثم يلفه و يدخله الفرن المخبوء داخل الحائط، طاولات قليلة مرصوصة بعناية عليها جنسيات و ألوان مختلفة من البشر، و إن بدا أغلبهم ممن يتحدثون باللهجات العربية المتعددة، قال واحد: إيش تريد؟ نبرة البائع هي الأكثر وضوحا، و أنا لم أكن جائعا، لكني أرغب في جرجرة الكلام، قلت: فراخ. ثم تلكأت و أنا أقول: منين! قال دونما اهتمام: تونس. ثم بنفس النبرة: و الأخ! لم أمهله: مصري. وأنا أحاول وضع ابتسامة على وجهي، فما لبث أن قال ثمن ما طلبته و سألني أن كنت أريد مشروبا. و لم يكن من أثر للبيرة أو النبيذ، فقط ثلاجة مليئة بالعلب الصفيح للمشروبات الغازية، قلت شكرا، فقال حين لمح تلجلجي في الوقفة: فوت على جوه أقعد. دخلت و جلست أرقب القاعين يأكلون في صمت، دون بهجة أو متعة، كأنما فقط يزيحون هم الجوع كي يخرجوا للجري في أنحاء باريس الواسعة؛ أتي الثالث يحمل طبقا خشبيا عليه ربع الفرخة و السلطة الخضراء و العيش و البطاطس المقلية، و وضعها أمامي و مضي دونما كلمة أو ابتسامة.

    هذا النوع من المحلات "حلال" منتشر بكثرة ليس في باريس، بل في أغلب المدن التي زرناها، و معظم العاملين بها، أو أصحابها أما من تونس أو الجزائر، أما أهل المغاربة فهم متخصصون في صناعة الكسكسى و العيش المغربي، المخبوز من الذرة، و يشبه إلى حد بعيد البتاو الذي كانت تخبزه جدتي، قبل ظهور القمح في أفق الريف المصري في بداية السبعينات من القرن الماضي.. كنت أراه هكذا في الشارع فوق العربات الواقفة و يخبز أمام الزبون، لكني تأكدت أكثر حين ذقت طعمه، لما قدمته لي السيدة "باسكال" أثناء تناولي معها طعام العشاء في منزلها.

    كنت في اليوم قبل الأخير لي بباريس ذهبت للمركز المصري، طلبا للشاي المصري، ذلك الشاي الذي بدا لي المشكلة غير القابلة للحل، فبداية أنا أعتبر نفسي شريب شاي معتبر، و بالطبع مدمن للشاي الوطني" العروسة" و لا أرضي باللبتون بديلا له، إذ كان يبدو لي شاي مدجن، منزوع النكهة الوطنية و الثقل الذي تجده و أنت تأخذ شفطة الشاي بمرارتها و طعمها الحاد، فما بالك و أنت تجد الشاي بفرنسا مخلوط بفواكه و روائح غريبة، من الزيتون و المشمش و الرمان و غيرها، مما تنفي العلاقة بين هذا المشروب و المسمى عبثا بالشاي، بالطبع كان هناك نوع أخر و هو الشاي الأصفر غير المخلوط بأي رائحة أو فاكهة، حتى هذا لم تكن له علاقة بالشاي الوطني إلا في اللون، لكن الطعم و المذاق و القدرة على ظبط الدماغ، و إشعارك بأن اليوم قد بدأ، كل هذه الصفات لم تكن موجودة به من قريب أو من بعيد؛ المهم ذهبت للمركز رغم برودة الجو الثقيلة، مدفوعا لعم مصطفي كي أصبر نفسي بكوب كبير من الشاي المصري المعتبر، و كان عم مصطفي أحد الاكتشافات المهمة لي، فبعد عدة أيام من وصولنا لباريس، كانت هناك ندوة معقودة لنا بالمركز: الأستاذ جمال الغيطاني و أنا، و كنا قد تعرفنا على الدكتور محمود إسماعيل مدير المركز في أول يوم لنا و أيضا الدكتورة كاميليا صبحي المستشارة الثقافية للمركز، و قد أبدو من الكرم و الاحتفاء ما يفوق التقدير و الوصف؛ المهم في يوم الندوة قابلت العم مصطفي عندما نزلت للمكتبة، و قد قام بتقديم كوب شاي كبير لي، رغم عدم معرفته بي، اللهم إلا أنها عادة المصريين حين يقدم عليهم أحد الغرباء، فأنه بداية يعزمون عليه بالشاي أو القهوة، و لما كنت قد تركت من زمن بعيد شرب القهوة، أي البن، بسبب المعدة اللعينة، فتهللت و قلت الشاي يا عم مصطفي؛ و حين شكوت من الشاي الخوجاتي، عرض علىَّ عن طيب خاطر أن أمر عليه كلما سنحت الفرصة كي أشرب الشاي معه، لكننا خرجنا من باريس و لم نعد إلا قبل الرجوع لمصر بيومين، و كان علىَّ طوال هذه المدة أن أصبر نفسي بمشروبات أخري غير الشاي.


    يتبع:
                  

العنوان الكاتب Date
فصل من رواية عبد الحميد البرنس10-03-10, 03:47 PM
  Re: فصل من رواية عبد الحميد البرنس10-06-10, 09:36 AM
    Re: فصل من رواية عبد الحميد البرنس10-06-10, 09:40 AM
      Re: فصل من رواية عبد الحميد البرنس10-06-10, 09:50 AM
        Re: فصل من رواية عبد الحميد البرنس10-06-10, 09:56 AM
          Re: فصل من رواية عبد الحميد البرنس10-06-10, 10:10 AM
            Re: فصل من رواية ابو جهينة10-06-10, 01:00 PM
              Re: فصل من رواية عبد الحميد البرنس10-06-10, 03:14 PM
                Re: فصل من رواية عبد الحميد البرنس10-07-10, 08:21 AM
                  Re: فصل من رواية عبد الحميد البرنس10-08-10, 07:41 AM
                    Re: فصل من رواية عبد الحميد البرنس10-08-10, 01:21 PM
                      Re: فصل من رواية عبد الحميد البرنس10-08-10, 11:55 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de