|
Re: جنوب السودان .. والثورة المهدية بقلم الاستاذ التيجانى حسين (Re: Abobakr Shadad)
|
التقصير كان كبيراً من المؤرخين الوطنيين في إبراز دور الثورة المهدية في جنوب السودان واشتراك قبائل الدينكا والنوير والشلك في الثورة المهدية ومبايعتهم للمهدي.. وكان التقصير كبيراً في إبراز دور الأمير كرم الله كركساوي وإخوانه الأمير سليمان والأمير محمد كركساوي في تحرير بحر الغزال والاستوائية من الحكم التركي وتحقيق استتباب الأمن في دارفور لصالح الثورة المهدية، ولذلك عمدنا إلى إصدار كتاب (صفحات من تاريخ المهدية في الجنوب ودارفور، الأمراء كركساوي إخوان والثورة المهدية) .. وكانت مبادرة منظمة (أروقة) في إقامة ليلة لمناقشة الكتاب بدار اتحاد المصارف السوداني..
إن أي جيش مقاتل وأية ثورة تحتاج لحماية ظهرها من الأعداء.. وقد كان من الممكن أن يكون ظهر الثورة المهدية وجيوشها مكشوفا من جهة الجنوب والغرب وهي تزحف نحو الخرطوم وتحاصرها في عام 1884 م لولا أن الأمير كرم الله كرقساوي وإخوانه كانوا يقاتلون في الجنوب ويساهمون في القتال في الغرب مع آخرين باسم الثورة المهدية ويستقطبون الأهالي لخوض المعارك. وفي ذلك يعتبر دور الأمير كرم الله وإخوانه رئيسيا وإستراتيجيا في تحقيق انتصارات الثورة المهدية. لقد ووجه الخليفة عبد الله خليفة المهدي بتمردات خطيرة في غرب السودان من جانب أقوى القبائل كالرزيقات والمعاليا وغيرهم.. غير أن الأمير كرم الله وإخوانه محمد وسليمان قد تمكنوا من خوض المعارك ضد التمرد وتحقيق الانتصارات الحاسمة وتحقيق استتباب الأمن في الغرب في تلك الفترة لصالح الثورة المهدية.. فقد هزموا تمرد بعض القبائل هناك دفاعا عن الثورة المهدية ودورها في تحقيق وحدة البلاد.
لقد كان لبتن باشا حاكم إقليم بحر الغزال في العهد التركي يعمل في مجال الرقيق وتجارة الرقيق وتصديرهم. ولكن عندما تمكن الأمير كرم الله من هزيمته غنم منه مستودعا للأسلحة ومخازن للبضائع وسن الفيل وأكثر من ألف وأربعمائة من الرقيق. وكعادة قادة المهدية قام الأمير كرم الله كركساوي بإرسال الأسلحة والبضائع وسن الفيل إلى الإمام محمد أحمد المهدي وقام بإطلاق سراح الرقيق وخيرهم بين البقاء معه في الإقليم أو الالتحاق بالإمام محمد أحمد المهدي... هكذا نستطيع أن نقول إن الأدوار التي لعبها الأمير كرم الله وإخوانه الأمراء محمد وسليمان في الثورة المهدية وفي وحدة السودان أدوارا إستراتيجية وهامة ولكنها لم تجد التسجيل والتحليل الكافي من المؤرخين.. ولذلك تأتي هذه الوثيقة كأول محاولة للتسجيل الشامل لتلك الصفحة الهامة من صفحات الثورة المهدية.
لقد تمكن "المهدي" من توحيد كل السودانيين شرقا وغربا وشمالا وجنوبا خلفه، وانتقل بهم من نصر إلى نصر، وتم تحرير أقاليم ومدن السودان الواحدة تلو الأخرى. ففي عام 1883م تم تحرير مدينة "الأبيض" أكبر مدن غرب السودان وبسقوطها قطع الثوار الطريق بين الخرطوم ودارفور، وتم تحرير إقليم دارفور وتمكن الأمير كرم الله كركساوي وأخوته من تحرير الجنوب ثم انضم شرق السودان إلى المهدي بقيادة عثمان دقنة أحد زعماء قبائل البجة التي تقطن شرق البلاد، وقد عيَّنه "المهدي" قائدا للشرق. وكان زحف الإمام المهدي بقواته نحو الخرطوم لتحريرها وظهره محميا من الغرب والجنوب بقوات الأمير كركساوي وغيره من القادة. وكان حصار الخرطوم ثم تحريرها في يناير 1885 .
وبهذه المعارك التي خاضها المهدي مع سلطات الخديوي وبريطانيا أثبت أنه ليس مرشدا روحيا بارعا أو زعيما سياسيا ناجحا فحسب، وإنما قائدا عسكريا محنكا استطاع إخضاع تلك البقاع الشاسعة من أرض السودان من البحر الأحمر شرقا وحتى دارفور غربا وحتى الاستوائية جنوبا في زمن قياسي، وفي دولة كالسودان تعاني من الاتساع وصعوبة المواصلات والتنقل بين أنحائها. لم يعش المهدي بعد سقوط الخرطوم طويلا، فقد توفي في الثاني والعشرين من يونيو عام 1885م متأثرا بمرض لم يمهله طويلا ولكنه في الأشهر الخمسة التي عاشها بعد تحرير الخرطوم حقق عدة منجزات منها: تصفية بقايا الوجود التركي المصري بالسودان، وإرسال رسائل إلى بعض الملوك والزعماء، منها رسالة إلى الخديوي توفيق نفسه دعاه فيها لاعتناق المهدوية وإلا ستكون عاقبة أمره وبالا. لقد عمل الإمام محمد أحمد المهدي على إحياء تعاليم الإسلام فاتحاً باب الاجتهاد استنادا على أن الكتاب والسُنة المؤكدة هما مصادر التشريع وما عداهما من أقوال أصحاب المذاهب والأئمة وعلماء السلطان يؤخذ به من باب العلم بالشئ لا الاهتداء به، (لأنهم رجال ونحن رجال، وعلينا أن نجتهد كما اجتهدوا)، وقال الإمام محمد أحمد المهدي في هذا الشأن: (لكل أوان حال ولكل زمان رجال.) (نواصل)
|
|
|
|
|
|
|
|
|