|
Re: المشورة الشعبية .. رؤية حزب البعث العربي الاشتراكي .. !!! (Re: طارق صديق كانديك)
|
(ب) الحكم الذاتي :
لقد أخذ هذا المسمي عدة صور ومدلولات, ففي مرحلة الإستعمار كان يُعبر عنه كجزء من مضامين (حق تقرير المصير) للدول المسماة بالمستعمرات، أي تلك الأقاليم أو الدول الخاضعة لأنظمة الوصاية أو الإنتداب أو التبعية و المنتقصة لسيادتها بالضرورة, حتي تقوم بإدارة شعوبها بشكل مستقل عن دولة الإحتلال أو الوصاية ....إلخ. ولكن في مرحلة التحرر الوطني, أو في أثناء بناء الدول التي تتأخر بعض الأقاليم فيها نتيجة لظروف تاريخية وموضوعية وذاتية، فإنها تُشمل بنوع من أنظمة الحكم الذاتي وفق قانون يخولها إدارة نفسها بنفسها في إطار وحدة الدولة الأم. ويندرج هذا النظام تحت نظم الحكم اللامركزية مثل الفدرالية وغيرها من أنظمة الإتحاد الشخصي أو التعاقدي التي تتنازل فيها سلطة المركز عن صلاحيات ومسئوليات بقانون يخول أو يفوض أصحاب الشأن أو القضية الذين عانوا من الانقطاع والحرمان والعزلة الطويلة جراء السياسات القصدية، أو ظروف عدم الإستقرار السياسي في البلاد بعامة والأنظمة السياسية خاصة, و عدم مراعاتها وفهمها لطبيعة التطور الإجتماعي، و كذا عدم إستيعاب حالة التنوع والتعدد في المجتمع، أوالإعتراف بحالة التمايز الإقتصادي والثقافي والإجتماعي لهذه الأقاليم التي تميزها عن غيرها. وقد تم تطبيق هذا النظام في السودان إبان الحقبة المايوية (19691985-)م في أعقاب إتفاقية اديس أبابا في عام 1972م, وكذلك في تجارب أخري مثل تجربة الحكم الذاتي للأكراد في العراق. وقد إستمرت تجربة العراق حتي وقع الإحتلال في 2003م, بينما فشلت تجربة الحكم الذاتي في جنوب السودان لأسباب عديدة منها تقسيم الجنوب لثلاثة أقاليم، وتدخلات رئيس الجمهورية، وفشل التنمية الإقتصادية وإكتشاف النفط في بعض مناطق الجنوب بكميات تجارية ...إلخ.
نخلص للقول بأنه ومن خلال إستعراض مضامين وصيغ كلا من حق تقرير المصير والحكم الذاتي الإقليمي، نلاحظ عدم تطابقها مع موضوعة (المشورة الشعبية)، حيث من الواضح أن لكل منهما مضامين و آليات و أهداف مختلفة تماما عنها. عليه فإن الدفع بالمشورة بهذا الإتجاه هو محض عمل سياسي يسعي لإحراز أكبر قدر من المكاسب الحزبية الضيقة على حساب مستقبل السودان و وحدة شعبه و أرضه، خاصة في ظل هذا الغموض المتعمد، و التجربة المتعثرة لتطبيق الإتفاقية، وعدم إنسجام شريكيها طيلة سنين عمرها، و إرتمائهما الكامل فى حضن الدوائر الدولية التى فرضتها عليهما.
رابعا : نحو تدبير وطنى موحد للمشورة الشعبية :
إننا نعتقد من خلال هذه المساهمة المخلصة، ومن حصيلة فكر و عمل القوي السياسية والفعاليات الوطنية الأخري، أن المشورة الشعبية يمكن أن تلعب دورا مهما وعميقا يجنب البلاد المزالق والإحتراب ويحميها من التفتت، في حال توفرت الرغبة الصادقة و الإرادة الوطنية المتحررة من الضغوط و الإملاءات و الوصاية لترقيتها والخروج منها بمنهاج عمل موحد يستوعب الآتي: 1- على الرغم من الغموض والضبابية التى إكتنفت موضوعة المشورة الشعبية، إلا أن هناك إمكانية لأن تتحول المشورة إلى وسيلة دفع لمعالجة المشكلات والمعضلات المزمنة و الكبيرة فى الولايتين، بإطلاق الحريات العامة والإهتمام بآراء الجماعات الفاعلة وأصحاب الرأى لإستقطاب الدعم السياسي و الشعبى للعملية نفسها. و بذلك تتحول المشورة إلى أداة فعالة للحوار الموضوعى و الجاد بين مختلف المكونات، بغية تجميع مشتركاتها و ترصينها و تحقيقها. و بذلك تُعتبر المشوره فرصه ثمينه للإنفتاح على الجماهير في التوعية بمخاطر الحرب الأهليه ونزاعات الموارد والهوية، ولخلق بيئه صحية للتعايش والسلام المستدام. 2- إن السلام الشامل والعادل والدائم الذي تتطلع إليه جماهير شعبنا في الشمال والجنوب، وفي الشرق كما في الغرب و فى الوسط، لازال هدفاً يتطلب المزيد من الجهد وبكافة الوسائل السلمية المشروعة من أجل تحقيقه، ومن بينها المشورة الشعبية التى قُتلت منذ البداية، بحصرها و بطريقة إقصائية و فوقية بين الشريكين فقط. فالمشوره الشعبيه ليست حكرآ لطرفى نيفاشا، و لا هى مهمة سلطانية مكتبية، بل هى حق للمواطنين أولا و أخيرا. و بالتالى فإحتكارها أو تزييفها بالتعتيم تارة و بالتغبيش تارة أخرى ينسفها من الأساس و يفقدها أى معنى أو قيمة. 3- المشوره الحقيقيه تقوم على أساس المواطنة التى تحترم الجميع، و تقر بحق الجميع فى ممارستها دون أى تمييز أو تخصيص أو تأثير. و من هنا فهى ممارسة مناطقية و ليست قبلية أو جهوية أو عنصرية أو دينية حتى يتم تصويرها على أنها حق لجزء من المجتمع، دون أن يعنى ذلك تنازل أى جماعة عن حقوقها الخاصة. 4- إن أي تصوير للمشورة الشعبية على أنها حق لتقرير المصير،هو إتجاه خاطئ ومضلل، وهو في مراميه النهائية ضد مبدأ وفكرة المشورة نفسها، و خيانة للشعب. 5- هناك رابط جدلى بين الوحدة والمشورة، لأن المشوره عندما تأخذ وضعها وشكلها الصحيح تكون معززه لوحدة المجتمع والشعب وقيمه، وبالمقابل فإن وحدة البلاد هى التى تخلق البيئة والأرضية الصحية للمشورة، عندما تُربط بكافة قضايا ومشكلات الولاية المزمنة وحقوقها المشروعة، وبإنتزاعها من السلطة المركزية بالوسائل السلمية الضاغطة. 6- ما لم تأخذ عملية المشورة الشعبية صيغتها الصحيحة كإستحقاق ديمقراطى للشعب يجرى الإعداد له فى النور، و ما لم يُشرك فيها الجميع بلا إقصاء أو تهميش، و ما لم تُبعد عن مناورات الشريكين و إتفاقات تحت الطاولة بينهما تحت عنوان (ترتيبات ما بعد الإستفتاء)، فإنها ستكون تزييفا لإرادة الشعب مثلها مثل إنتخابات أبريل 2010م المفضوحة. فى هذه الحالة سوف يكون الخيار الوحيد أمام الشعب و قواه الحية، هو رفض المشاركة فى أى مشورة مفبركة، بل مقاطعتها و تعريتها. 7- بغض النظر عن الظروف والملابسات التي ربطت منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان بالحرب الأهلية التي دارت في الجنوب، فإن الحل الجزري لمشكلات هاتين المنطقتين يكمن في إحداث تنمية معجلة ومكثفة وخدمات تعليمية وصحية .. الخ ، بما يزيل الفوارق التنموية والإجتماعية بين الأقليمين وبقية أنحاء القطر ، وهو ما لم يتم عمله خلال سنوات إتفاقية نيفاشا، ويظل مهمة أنية ملحة ... !!
انتهت
|
|
![Edit](https://sudaneseonline.com/db/blank.gif)
|
|
|
|
|
|
|