|
Re: ندوة كتاب (مهارب المبدعين) , للدكتور النور حمد .. ملخص + صور . (Re: مركز الخاتم عدلان)
|
*
المتحدث الثانى والأخير كان البروف عصام البوشى :- بقدر ما حاولت الهرب من التعليق فى هذه الندوة , لكننى فشلت وتمت محاصرتى , ومن الصعوبة بمكان التحدث بعد الأستاذ محمد الواثق . معظم الذين تحدث عنهم الكتاب هم من بيت صوفى , ومؤلف الكتاب أنسان متعدد المواهب وظهرت هذه المواهب فى كتاباته , وهو قد هرب فى حياته هروباً كثيراً , وارشحه ليكون فى مصاف الهارب الاعظم مع محمد المهدى المجذوب , فقد هرب من اليسار الى يسار التصوف , والمؤلف متعاطف مع شخوص الكتاب ولم يضع نفسه فى موضع الادانة . الهروب فى حقيقته اذا لم تصحبه خطوات آخريات فى طريق التغيير يؤدى للاحباط والبوار او حتى الهلاك , ومن اجل ان يتم التغيير فيجب ان تكون هناك رغبة فى التغيير ومعرفة أساليبه وادواته , والمؤلف حاول احداث تغيير فى حياته , وأستطيع ان اقول انه قد احدث شيءً كبيراً من التغيير فى حياته . والمحاولة فى التغيير هى ان نُعيد تعليم أنفسنا , التخلص مما تعلمناه بتعليم جديد , والقضية هى ليست الاميين العاديين القضية هى فى ألاميين المتعلمين , وهو يقول فى الكتاب ان التعليم يجب ان يقوم على التدريب الممنهج , والتفكير النقدى , والتعريف بالحقوق وقيمة الديمقراطية والحرية والحرية الشخصية , وهو يتحدث عن حرية فردية مطلقة . الكتاب هو تشخيص , او كأنه تحليل نفسى للازمة السودانية , هويةً وفكراً وعملاً , وتم أسقاط الازمة على الاشخاص الواردين فى الكتاب . الكتاب أثار نقاط كثيرة , من المحاور الاسلام فى السودان , وهو محور هام , الاسلام دخل بصورة أساسية بواسطة المتصوفة ,والمؤلف يقول ان الافارقة روضوا اسلام الصحراء ومدنُه , وهى نقطة أساسية حيث من الممكن ملاحظة ان الاسلام فى السودان لا يشبه الاسلام فى مناطق آخرى , ويقول المؤلف انهم فعلوا ذلك بيد المتصوفة لا من متون الكتب الصفراء . حول التركية , فان التركية حضرت وهى تمتطى صهوة جواد المؤسسة العثمانية , والعثمانية هى مذهب سنى ولكنه يسير باتجاه خدمة السلطة , يقول المؤلف ان بعض المؤرخين لاحظ ان دور هذه المؤسسة هو حماية الاستبداد السلطانى بالجام حركة الفكر والاجتهاد . المهدية أعقبت التركية , وجاءت بحالة الطهرانية , وهى لم تكن صوفية بالمعنى , وعندما جاء الأستعمار تم الابقاء على المؤسسة التى ورثها من التركية لكبت أثار المهدية , وهى مسألة هامة يجب ان يتوقف الناس عندها , وتحدث المؤلف ان الابقاء على المؤسسة التركية كان من اجل الاعانة على حرب المهدية , وتم تكوين لجنة من العلماء لمقاومة الاسلام الصوفى وتشجيع الاسلام السنى , والاسلام السنى أخذ المنحى العثمانى . ويتحدث المؤلف عن المأزق الاخير , وهو مأزق الحاكمية لله الذى طرحه فكر الاخوان المسلمين والجماعة الاسلامية . ويتحدث المؤلف عن انقسام روح التصوف وتعاليم الفقه المدرسى , والذى احدث الأثر البالغ على قطاع كبير من النخب السودانية , وهو أنقسام فى حاجة الى الكثير من التشريح والتنظيف والمعالجة , وهو يتحدث عن كيفية اعادة صياغة الانسان حتى يتجاوز عقبات المؤسسة التركية الفقهية , وكيفية تطهير القوانيين والتشاريع السائدة من هذه الأثار , وهو يقول انه لا يمكن التخلص من كل هذا الا بواسطة التخلص من التأثيرات السالبة للفقه العثمانى الوافد ومن فكر الاخوان المسلمين الذى تم حقنه قسراً فى جسد الثقافة السودانية . يتحدث المؤلف فى موضع آخر من الكتاب عن التنازع بين الحالة الشعرية والحالة الصوفية ومن التشويش الذى اتى به الفقه العثمانى الوافد , وهو تنازع يكتنف الحالة السودانية من جميع اقطارها , وهو يستشهد بكتاب حسن نجيلة (ذكريات فى البادية) . وتحدث المؤلف كما ذكر الواثق عن المدينة والريف , وقال عنها المدينو وذهنية الصوفة التى ادارت الامور قد تكبلت بثقافة الوافد الاجنبى , فالمدينة السودانية التركية , والمدينة السودانية الانجليزية المصرية , هما من سياق حضارى فكرى آخر , وتمت زراعتهما فى بيئة مُغايرة , والمؤلف لا يتحدث عن المدينة كـ معمار او عمران , وانما كمنهج فى التعامل مع حقائق الأشياء واسلوب حياة وقيم , ويقول ان الخرطوم المدينة العثمانية أحتفظت بشيء من طبيعتها السودانية الاولى , وعن سواكن يقول انها عاشت عثمانية وماتت عثمانية , وانها ليست جزء اصيل من السودان ولا ينبغى ان تذرف عليها دمعة واحدة . وتحدث كذلك عن ظاهرة الزار وانها غير موجودة فى البادية , وان الكبت فى المدينة قام بولادة ظاهرة الزار , وقال ان المراة فى البادية فى حالة عافية نفسية فهى تعيش فى حياة اجتماعية غير معقدة تجد فيها حريتها وشخصيتها الواضحة , بينما نساء المدن فقدن حريتهن وأستقلالهن وسقطن تحت قبضة الهيمنة الذكورية المتوسطية هو الذى لجاء بهن الى طقس الزار لمعالجة كفة الميزان التى اختلت . وعند المؤلف فان المدينة السودانية قد شاخت فى شرخ شبابها , والسبب الرئيس كما يقول هو الهوس الدينى , وضعف مقامات القادة والانقسامات النفسية التى يُعانون منها , ثم الجبن وعدم المقدرة على المجابهة للثقافة الجمعية الكاتمة للأنفاس والتى تُبقى على حالة العزلة المعنوية .. فنحن مثلاً لا نستطيع ان نتحدث عن المهدية , وهى منطقة لم يناقشها الناس ويتم النظر لها على انها ثورة وطنية ضد المستعمر , ويقول المؤلف اننا لم نجد من يناقش المهدوية ولم نجد من يُوقف الفقه العثمانى عند حده . النور حمد فى هذا الكتاب ذكرنى بـ بابكر بدرى , كان شجاعاً وتكلم بصراحة مطلقة بالذات فى قضية المرأة والحسية فى الشعر السودانى , وهو يتحدث عن الهروب الى المرأة فى البادية وفى خارج السودان , وهو البحث عن المرأة الند , المتعلمة الواعية التى تفهم , وتحدث المؤلف عن زهرة روما وحول البشرة البيضاء فى عيون الوطنيين السودانيين وشدة جاذبيتها لهم , وجاذبية الجسد الاوروبى السافر . وتحدث عن الحسية فى الشعر السودانى , وذكر انه حتى التيجانى يوسف بشير والذى فى شعره تصوف , نجد ان هناك مقدار من الحسية عنده , وظهر هذا بصورة أوضح فى شعر الحقيبة , ويرأى ان هذا نتيجة الحرمان من التعاطى مع المرأة بشكل طبيعى , وان النزعة قد مثلت فى النصف الاول من القرن العشرين نزعة قرينية اكثر منها نزعة ريفية . وتحدث النور حمد عن تعلق المحجوب بلبنان , على الرغم من ان لبنان هى البلد الوحيد الذى طرح رأى مضاد لانضمام السودان الى جامعة الدول العربية . وقال ان الشعراء قادمين من بيوت دينية , وهم قد تمردوا عليها بشكل معلن او مخفى , وتحدث عن تأخر تعليم المرأة مما اوسع الشُقة بينها وبين الرجل السودانى والذى سبقها فى مجال التعليم , وتحدث عن عادة الخفاض الفرعونى والتى جعلت من الرجل غير قانع بزوجته السودانية وقاد الى التطلع نحو أنثى آخرى . تحدث المؤلف عن أختطاف الهوية السودانية , وأختطاف النخب النيلية المتعلمة لهوية القطر , وقال المؤلف عن كتابه بانه ليس سوى محاولة لتسليط الضوء على ما لا ندرج على مناقشته او كل ما لا ندرج على مناقشته بالوضوح الكافى والوعى الكافى والشجاعة الكافية , فيجب مناقشة المحظور لاننا لو لم نناقشه لن نمشى للامام , وقال انه لا يجب ان يُفهم ان فى تسليط الضوء على المناخ الخانق الذى صنعه الفقيه هو بمثابة دعوة مُبهمة للتحلل , من القيم والضوابط الاخلاقية او دعوة للاغراق فى المتع الحسية , فان الانجراف فى المتع الحسية يقود لاطفاء جذوة الروح , الدعوة هى رفع سيف الفقه عن رقبة الفن , وعن الفنانين الذين دفعوا الثمن غالياً وتعرضوا لخنق غير مُبرر , ويقول المؤلف ان الفنون هى المجال الذى تستعيد فيه الروح توازنها , وهى وقود جذوات الروح , والدعوة ليست للتحلل او التبذل او التخفف من سلوك المسلك الرصين , وانما هى دعوة للدستور الذى يكفل حرية الضمير ويحفظ للناس ضمائرهم بعيداً عن النبش الذى تقوم به فى السودان ما تُسمى بشرطة النظام العام التى تقتحم على الناس خلواتهم , فالدستور والقانون هما الباب لتلبية الضمير , والرقابة هى رقابة الضمير , لا رقابة العسس الذين يعملون بلا فهم للقانون وروح القانون وبلا أستناد للقانون اصلاً . تحدث الكتاب عن ان الهرب للمدينة الأجنبية والمرأة الاجنبية ليس سوى وهم / من الممكن ان يكون هناك جدل فى هذه النقطة / , لكن حين تغلق ثقافة ما النوافذ بسبب القهر الدينى او السياسى او الاجتماعى , ينشاء الهرب . الكتاب كما لاحظ الأستاذ الواثق , كتاب كبير , وهو كتاب جميل , ومن أفضل ما قرأت فى السنوات الاخيرة .
|
|
|
|
|
|