مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) .

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 01:23 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-21-2010, 01:43 PM

مركز الخاتم عدلان
<aمركز الخاتم عدلان
تاريخ التسجيل: 01-21-2008
مجموع المشاركات: 3485

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . (Re: مركز الخاتم عدلان)

    ورقة أ/ يوسف تكنة , تحت عنوان (قيام دولة مستقلة بجنوب السودان وأثره على حزام السافنا بدرافور وكردفان) .. قدمها نيابةً عنه أ/ محمد ابو جودة .


    1077.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    أ/ ابو جودة يقدم ورقة أ/ تكنة


    خلفية العلاقات الاجتماعية والاقتصادية
    (1)
    يمتد حزام السافنا من غرب السودان إلى شرقه وهو منطقة تمازج بين الشمال والجنوب منذ عهود طويلة سبقت قيام دولة السودان الحديثة في التكوين في القرن التاسع عشر. وبذلك فهو حقيقة جغرافيه وتاريخيه ذات خصائص سكانية مركبه ومعقده بحكم تراكم الهجرات البشرية المتلاحقة وسبل كسب العيش المتنوعة إضافة إلى التكوين المحلي بالغ التنوع والاختلاف.
    بالرغم من أن هذا الحزام الجغرافي تحكمت خصائصه المميزة في طبيعة النشاط البشري السكاني على مدى قرون من التاريخ إلا أنه ظل في معظم الأحوال مضطرباً بأحداث العنف بين المجموعات السكانية التي ظلت ترتاده في العيش والحياة وباستقراء عاجل لتاريخ هذه المنطقة يلحظ المرء قيام مراكز للسلطة السياسية في أو حول هذا الحزام خاصة في مراحل تاريخ السودان الوسيط مثل ممالك المسبعات وتقلي بكردفان والداجو والتنجر والفور بدارفور وعلى هوامشه الجنوبية قامت كيانات سياسية مثل ممالك الشلك بأعالي النيل والدينكا ببحر الغزال وممالك الفونج بالنيل الأزرق.
    قامت مراكز السلطة هذه على ثلاثة مناشط أساسيه في سبل كسب العيش هي التجارة بأنواعها المختلفة والزراعة المعيشية التي توفر الاكتفاء الذاتي ورعي الماشية في المناطق الوسطى والجنوبية من هذا الحزام ورعي الجمال في الهوامش الشمالية منه.
    ظلت المجموعات الرعوية غير مستقرة تتبعاً لمساقط المياه ومواطن الكلأ وفق تقلبات المناخ والطبيعة وهي بذلك تعيش على أطراف وهوامش المراكز السكانية المستقرة وظلت علاقات هذه المجموعات مضطربة مع تلك السلطنات وهو أمر جلي جداً في علاقة البقارة بجنوب دارفور بسلطنة الفور والمسيرية والحوازمة بسلطنتي تقلي والمسبعات بكردفان.
    يرجع توتر هذه العلاقات وما يشوبها من عنف إلى اختلاف سبل كسب العيش بين المجموعات المختلفة فالسكان الذين استقر بهم المقام حول مراكز السلطة هم في الغالب الأعم مزارعون بينما القبائل التي امتهنت تربية الحيوان بقارة أم أبالة هم رعاة متجولون في رحلات سنوية من الشمال إلى الجنوب ثم إلى الشمال حيث المصايف والدمر ومن هذا الاختلاف يأتي الصراع بين المجموعتين على الأرض ومواردها الطبيعية كالمياه والمراعي.... الخ. وبمرور الزمن تبرز قضية الديار القبيلة في حيازات عرقيه وتصبح جزءاً من هوية الانتماء القبلي الوجداني وحتى يتم ترسيخ الديار والانتفاع بها مادياً في استغلال مواردها ومعنوياً من حيث الانتماء والهوية هكذا تقع الحروب الطاحنة وتفقد هذه القبائل أعداد كبيرة من رجالها وثرواتها عبر الأجيال مما يعمق روح الانتماء والمصير المشترك بين أفراد هذه القبائل وخلاصة القول في هذا الشأن أن تاريخ تكوين الديار لدى قبائل الرعاة هو تاريخ حروب وصراع دموي كما يظهر جلياً في الأدب الشعبي لتلك القبائل.
    في فترة الحكم الاستعماري – الانجليزي المصري أجريت بعض المعالجات الإدارية القبلية وتم ما يشبه الاعتراف بالديار القبلية كأمر واقع عرفي وجزء أصيل في الإدارة الأهلية وفي هذه الحقبة بالذات تحول حق الانتفاع بموارد الأرض إلى ما يشبه حقوق الملكية العامة خاصة بعد أن أوكلت إدارة هذه الديار إلى شيوخ وزعماء القبائل وأصبح لهم القول الفصل في كل ما يتعلق بإدارتها من رعي وزراعة ومياه وغابات وإنسان وحيوان. ثم جاءت الأنظمة الوطنية بعد الاستقلال ولم تغير من الأمر شيئاً وهكذا تأصلت الحقوق وأصبح الدفاع عنها بكل الوسائل واجباً مشروعاُ على كل أفراد القبيلة.
    أهم هذه المجموعات الرعوية من حيث الاتصال بجنوب السودان هي قبائل البقارة في كل من دارفور وكردفان والتي تشمل التعايشة وبني هلبة والفلاته والهبانية والرزيقات بدارفور والمسيرية والحوازمة وأولاد حميد وكنانة ورفاعه.....الخ بكردفان كما يشمل هذا الحزام قبائل رعوية أخرى جنوب النيلين الأبيض والأزرق وهذه تقع خارج نطاق معالجة هذه الورقة والتي نأمل العودة إليها لاحقاً لأهميتها المستقبلية في إطار تشكيل دولة السودان.
    من حيث الانتماء ظلت هوية العروبة والإسلام هي مدار ومحور العقيدة الذي تدور حوله معظم طقوس حياة هذه المجموعات الرعوية وهو المعيار الذي يميز علاقاتهم مع الأخر في تدافع العيش وقد شكل هذا الأمر مع جيرانهم في الجنوب غير العربي وغير المسلم في الغالب شنظرة غير متساوية وغير متسامحة في بعض الأحيان وذلك رغم الاختلاط المنفعي والتزاوج عبر الحقب الطويلة. وفي ذات الوقت فإن القبائل الجنوبية النيلية لها أعرافها وتقاليدها (الأفريقية) وهويتها الذاتية التي تعتز بها وتنظر إلى ألأخر – العربي المسلم – بمرجعيه هويتها الذاتية تلك وهذا ما أشار إليه فرنسيس دينق بصراع الهويات خاصة على المستوى المحلي القبلي بين المجموعتين.
    _OMA6143.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    أمر آخر في تعقيدات وتوتر العلاقة التاريخية بين البقارة بحزام السافنا والقبائل النيلية على الأطراف الجنوبية من الحزام هو ممارسة الرق والاتجار فيه في العهود التاريخية الماضية. الذي أغرى بهذه الممارسة هو موقع البقارة الجغرافي في طريق هذه التجارة بين الشمال والجنوب وعلى التجار خاصة في العهد التركي الأول 1821 -1840م أن يؤمنوا طرق القوافل التي تمر عبر أراضيهم وهكذا فهم ولأسباب عملية ونفعيه أما وسطاء أو تجاراً كغيرهم أو متعاونين يأخذون الاتاوات العينية ولعل أحداث منزل وعلوان (رزيقات) والزبير باشا عام 1873م والتي أدت بدورها إلى حربه مع سلطنة الفور والاستيلاء عليها خير دليل على ذلك. أن عملية الرق تكن لم تك وقفاً على البقارة وحدهم بل أن القبائل النيلية والدينكا على وجه الخصوص يأخذون أسرى الحروب بينهم وبين هذه القبائل ويسترقونهم وبهذا فعلاقة العنف الناتجة عن هذه الممارسات البشعة متبادلة بين الطرفين. في مرحلة التمرد الثانية 1983م بدأ الجيش الشعبي لتحرير السودان يوسع من عملياته القتالية شمالاً لتشمل قبائل البقارة بحزام السافنا وأصبحت المجموعات القبلية هذه هدفاً قتالياً مشروعاً وتمت محاصرة بعض هذه القبائل خاصة المسيرية والرزيقات من ناحية الجنوب وتعرضت مصالحهم وبواديهم للحروب والقتال ومواشيهم للنهب بواسطة الجيش الشعبي ومليشياته المختلفة وبهذا نقل العنف شمالاً ليشمل معظم مناطق السافنا. هذا الواقع الجديد جعل هذه القبائل تفكر جدياً في التسلح وإنشاء وتدريب المليشيات القبلية بحجة الدفاع عن النفس ووافق هذا الأمر هوى السلطة المركزية وهكذا نشأت قوات المراحيل (المراحلين) بدعم من الحكومة وقوات الدفاع الشعبي أمراً واقعاً في مناصرة الجيش السوداني وحراسة القطار إلى واو وغيرها من مدن بحر الغزال. خطورة هذا التطور في أن صار القتال يأخذ طابعاً قبلياً أكثر منه صراعاً بين الدولة المركزية وحركة التمرد وهذا بعد له دلالات سلبية سنأتي على ذكرها لاحقاً.
    طبيعة هذه العلاقة العنيفة والمتوترة بين البقارة والقبائل النيلية وهم رعاة أبقار أيضاً ، ظهرت جلياً في حادثتين مشهورتين في تاريخ الحكم الوطني الحديث. الأولى كانت حادثة بابنوسة عام 1964م حيث تم الهجوم على القطار الذي كان متجهاً إلى الجنوب ويحمل أعداداً كبيرة من الدينكا والحادثة الثانية عام 1987 بمدينة الضعين حيث تم الهجوم على الدينكا الذين احتموا بعربات القطار بالسكة حديد التي أطلق عليها كل من (بلدو وعشاري) وصف مجزرة الضعين. وقد جاء في تفسير هذه الأحداث الدموية 1987م بأنها رد فعل من قبيلة الرزيقات على أحداث دامية أخرى ضحاياها من الرزيقات في منطقة (سفاهة) قامت بها مجموعة من جيش تحرير السودان انتقاما لأحداث أخرى وهكذا!!
    هاتان الواقعتان هما الدلالة الأبرز في عنف علاقة هذه القبائل في التاريخ الحديث فبابنوسه هي العاصمة الخدمية (سكه حديد) والاقتصادية ( مصنع الألبان) لقبيلة المسيريه بحكم الواقع الأهلي والعرفي والضعين هي قصبة الرزيقات وعاصمتهم الإدارية وأشهر مدنهم التجارية. على أن الحادثة الأولى وقعت أبان الحكم العسكري الأول (عبود 1958 – 1964م) وهو عهد أولى مبرراته الأمن وحفظ النظام والحادثة الثانية وقعت في عهد الديمقراطية الثالثة ( الصادق المهدي(1986 -1989م) وهذا عهد يبشر بالحرية والتراضي والمساواة وحق المواطنة. وهكذا فالعبرة من الحادثتين في ظل نظامين مختلفين جوهرياً لدلالة واضحة وجلية على ضعف الدولة الوطنية وإفلاس أدواتها ووسائلها في الأقاليم النائية عن المركز كما تدل على ان السلطات الأمنية المحلية في الأرياف خاصة وأن التنظيم القبلي العشائري لم تعد له فعالية في الضبط الاجتماعي والأمني بعد إضعافه وتفكيك مقوماته.
    أن هذه العلاقة المتوترة بين الأطراف في حزام السافنا والتي شابها العنف كثيراً توجد بها أستثناءات مشرفة سادها السلام والاستقرار وتبادل المنافع وحسن الجوار في معظم مجالات الحياة وذلك رغم تشابه الظروف المناخية والجغرافية وسبل كسب العيش. يشير هذا الاستثناء الجيد في العلاقة بين قبليتي الهبانيه والفلاته (تلس) في الجزء الجنوبي الغربي من حزام السافنا بجنوب دارفور وقبائل الكريش والبنقا والكارا وهي مجموعة قبائل غرب بحر الغزال حول راجا وكفياكينجي وبورو وكفن دبي الخ. لم يذكر أن هنالك صراعاً قبلياً بين هذه القبائل على جانبي بحر العرب في الشمال والجنوب لأكثر من قرن من الزمان رغم تباين الأعراف والعادات والتقاليد والثقافات المحلية. يشير هذا الاستثناء في العلاقات الحميدة إلى إمكانية تعايش المجتمعات القبلية حول حزام السافنا في سلام وؤئام حينما تنمو علاقات المنفعة الاقتصادية والاجتماعية وترتقي وشائج النسيج الاجتماعي بعيداً عن العصبية العرقية ولإلقاء مزيد من الضوء على تجربة هذه المنطقة ينبغي سرد إلمامه مختصرة لعكس خصوصية تاريخها السياسي والاجتماعي.
    استمرت العلاقة بين قبائل غرب بحر الغزال وقبائل البقارة بجنوب دارفور في جوار وتدافع اقتصادي وتجاري مثمر إلى أن جاء الاستعمار البريطاني المصري وقام بضم دارفور إلى السودان عام 1917م ثم بدأ في إعادة ترتيب الإدارة في إطار السودان الحالي كوحدة إدارية وسياسية. في أطار إعادة الترتيب هذه جاءت نقطة التحول الكبرى عام 1930 حين بدأت الإدارة البريطانية في تنفيذ سياسة (المراكز المقفولة) ومن ثم الفصل الإداري والثقافي بين شمال السودان وجنوبه. لتنفيذ سياسة الفصل هذه رسمت الإدارة البريطانية الحدود الإدارية بين دارفور وبحر الغزال وكعادة الاستعمار كانت حدوداً تعسفية وجائرة لم يؤخذ فيها برأي المواطنين ولم تراع الإدارة الإنجليزية الخصائص الاجتماعية والتاريخ المحلي والثقافي والمصالح المشتركة بين قبائل هذه المنطقة وكان أول ضحية لهذا العنف الإداري السياسي أن تم إحراق قرية كفياكينجي التجارية التاريخية التي كانت تمثل نقطة التقاء حيوي وتعايش بين قبائل غرب بحر الغزال وقبائل جنوب دارفور وهو التقاء وتعايش دام لأكثر من قرن من الزمان حيث أنشأت هذه القرية كسوق تجاري بين سلطنات الوداي ودار سلا بحوض بحيرة شاد وسلطنة دارفور بالسودان الشرقي وممالك غرب بحر الغزال في القرن التاسع عشر.
    _OMA6152.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    في تنفيذ سياسة الفصل الاستعماري تلك أمر مفتش غرب بحر الغزال بحرق قرية كفياكينجي وسوقها وجامعها وأجبر السكان المسلمون بالهجرة قسراً إلى الشمال نحو جنوب دارفور وبالمثل أمر غير المسلمين بالتوجه جنوباً إلى راجاً وقرى غرب بحر الغزال.
    دون إطالة في سرد تفاصيل ما جرى بعد ذلك من إجراءات تعسفية في تنفيذ هذه السياسة ومحاولة قطع الصلة والوشائج بين مجتمعات هذه المنطقة إلا أن الحدود التي خطها المستعمر ظلت وهمية ولم تؤثر في العلاقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بين مجموعة قبائل غرب بحر الغزال والبقارة بجنوب دارفور بل ظلت حادثة (الحرق) تلك يؤرخ لها جميع قبائل المنطقة (بسنة خراب كفيا) 1932م. وبحلول استقلال السودان 1956 توثقت هذه العلاقات مره أخرى بين قبائل المنطقة وظل التعايش السلمي بين المجموعات المختلفة هو أساس العلاقة. سنعود في هذه الورقة لاحقاً إلى هذه المنطقة ونرى كيف أنها يمكن أن تكون أحدى بؤر الصراع والاحتكاك إذا ما أنفصل جنوب السودان وأصبح دولة مستقلة دون المراعاة الحصيفة لاعتبارات التداخل والتعايش القبلي وروابط الجيرة الأزلية بين هذه المجموعات السكانية كما ستعالج الورقة أيضا قضية أبيي من الناحية الاجتماعية.
    حزام السافنا وحروب الوكالة:-
    (2)
    في هذا الجزء الثاني من الورقة يتبغي أن نلمح إلى بعض العوامل الطبيعية المناخية والسكانية التي طرأت على جغرافية هذه المنطقة من حزام السافنا الأفريقي وكيف أن هذه العوامل قد ضاعفت من تعقيدات العلاقة بين الكيانات الرعوية وتلك المستقرة في العقود الأخيرة من القرن الماضي (1965-1995م). تعرضت الأجزاء الشمالية من قطاع حزام السافنا إلى موجات جفاف (الساحل) الأفريقي في النصف الثاني من القرن الماضي وبوتائر متلاحقة حيث قلت الأمطار وبدأت عملية الجفاف والتصحر تلتهم مناطق شبه الصحراء حيث مجمعات رعاة الإبل والأغنام في كل من شمال دارفور وشمال كردفان وتجبرهم إلى الهجرة والنزوح جنوباً وقد جاء توصيف هذه الظاهرة عام 1982 في مؤتمر مكافحة التصحر بالفاشر بأن 45% تقريباً من أراضي شمال دارفور الصحراوية وشبه الصحراوية قد تأثرت بهذه الظاهرة بينما بلغ تأثر المناطق شبه الجافة والرطبة بنسبة 38% من الأراضي وهذه هي المناطق الشمالية والوسطى من حزام السافنا (حامد عيسى 2007م). كان من الآثار المباشرة لظاهرة الجفاف المتكررة أن هاجرت أعداد كبيرة من هذه المجتمعات بحيواناتها جنوباً على مشارف بحر العرب على امتداد حزام السافنا ارتيادا للمياه والمراعي بينما استقرت أيضا أعداد مماثلة من مزارعي شمال دارفور وشمال كردفان على طول الحزام ونتيجة لهذه الهجرات الكثيفة أن اشتدت المنافسة على الموارد الطبيعية وعلى الأرض وتواترت الصراعات بين المجموعات الوافدة وتلك التي تمتلك عرفاً الديار القبلية جنوب الحزام والأمثلة على ذلك كثيرة ومتواترة خلال العقود الماضية والحالية.
    ظاهره أخرى أيضاً ساهمت في أنهاك موارد حزام السافنا وهي تزايد السكان وتكاثر الثروة الحيوانية بأعداد هائلة في المنطقة وذلك لأسباب تحسن خدمات صحة الحيوان. جاء في كتاب السودان – الجغرافيا والتاريخ عند الفتح الإنجليزي المصري عام 1898م وفق تقديرات سلاطين باشا أن عدد رجال البقارة الذين يستطيعون حمل السلاح في كل من دارفور وكردفان لا يتجاوز 1915 فرد ويشمل ذلك كل من قبائل التعايشة والهبانيه والرزيقات وبني هلبة بدارفور والمسيريه والحوازمه والحمر والجمع بكردفان (كابتن كورت قنتسن 1898م). أما اليوم وبعد قرن كامل من هذه التقديرات فيمكن لقبيلة واحدة أن ترفد أضعاف هذا العدد من المقاتلين وأكثر وقد جاءت تقديرات تعداد سكان السودان الخامس لمحليات البقاره بجنوب دارفور وحدها والتي شملت كل من عد الفرسان والضعين وعديله وتلس ورهيد البردي وبرام وبحر العرب والسلام 4.093594 نسمة والذكور من هذا العدد 2.156500. وعلى المرء أن يتصور الزيادة السكانية الهائلة التي حدثت في هذا القطاع الحيوي في كل من كردفان ودارفور خلال العقود الماضية أما بالنسبة للثروة الحيوانية فقد قدرت الآن بجنوب دارفور وحدها وفق تقديرات وزارة الثروة الحيوانية والسمكية ب 6.641 مليون وحده حيوانيه من الأبقار والإبل والضان والماعز ويقدر عدد الأبقار ب 4.440385 رأس.
    هذا من أمر جنوب دارفور وحدها ولا شك أن الوضع بجنوب كردفان مشابه لذلك لتشابه الخصائص الجغرافية والسكانية وتجدر الإشارة هنا إلى أن معظم هذا الكم الهائل من الإنسان والحيوان يتدافعون في رقعه محدودة من الأرض ومواردها جنوب خط عرض 12 في بيئة تقليديه لم تمتد إليها يد التخطيط والتنمية إلا في حيز محدود في مجالي المياه والمراعي (تكنه ، عبد الغفار ، عمر، 2009م). أن عاملي الجفاف والتصحر في الشمال وما صاحبهما من تدهور في البيئة والموارد الطبيعية وما دفع إليه ذلك من هجرات كثيفة إلى المناطق الشمالية والوسطى من حزام السافنا والزيادة الهائلة في الإنسان والحيوان كل تلك أدت إلى الصراع حول الأرضي ومواردها وجعل أمر الديار القبلية كقضية جوهرية ومصيرية لكل المجموعات القبلية في أو حول الحزام.
    ألول بول إحدى نساء الدينكا في رؤيتها لأحداث الضعين 1987م تقول " أن الرزيقات قاموا بذلك الأمر حتى يقضوا على الدينكا وتخلوا لهم الأرض وتصبح مرعاً لقطعانهم ثم تأتي عوائلهم ليستقروا هنا". ( عشاري وبلدو1987م) هذه المرأة أفصحت بما يدور في رأس معظم أفراد الدينكا الذين تقع الصراعات بينهم وبين الرعاة القادمين من الشمال وهذا دليل قاطع على محورية الصراع على الأرض وما عليها من موارد بين هذه المجموعات المتجاورة والمتداخلة بحكم الجغرافيا والتاريخ وهو أمر قديم فدم هذه المجموعات. على أن الأرض (الديار) لهذه القبائل قصه تروى وهي لا تختلف كثيراً عما ظل يدور بين معظم المجموعات القبلية في السودان منذ عهود ضاربه في القدم في الشمال كما في الجنوب. أستقر الأمر في بعض المجتمعات نسبياً ولكنها ما زالت الأرض الدار عظمة صراع في بعض المناطق في الشمال والجنوب أيضاً حيث ظل التنظيم القبلي العشاري والانتماء إليه هو الذي يحكم علاقات الجماعات والأفراد ولم تخط بعد هذه المجتمعات نحو الانتماء إلى المجتمع المدني الحديث وتشكل ولاءات وانتماءات أكثر رحابة وافقاً ولذلك أسباب عدة في مقدمتها السياسات الاستعمارية في العهدين التركي والبريطاني ثم جاءت الأنظمة الوطنية من بعد وأوغلت الطبقة الحاكمة في تعميق الأمر حين إتكات على القبيلة كوحدة إدارية للكسب السياسي وأعطت الأمر شرعية التنافس والقانون وبما أن هذا الجانب خارج إطار هذه الورقة يكفي الإشارة إليه والتنبيه خاصة وأن السودان يمر بمرحلة دقيقة من مراحل بناء الدولة الوطنية الحديثة.
    مسألة الأرض الدار هذه ليست قاصرة على قبائل البقارة والقبائل النيلية بل هي ظاهرة شاملة على امتداد السودان بل والقارة الأفريقية بأكملها وقد أورد الدكتور عبد الله علي إبراهيم في دراسة ذكية لتاريخ تكوين قبيلة الكبابيش وإنشاء دارها الحالية وكيف أنها بزعامة النوراب قد خاضت " عقالات " دموية مع معظم قبائل شمال كردفان ، بني جرار وحمر وكواهله ودار حامد والمسبعات وكنجاره وفزاره حتى (بردت لهم الدار) بواسطة فرسانهم من " الحنيك إلى كجمر" وأشار إلى أن قانون " تبريد الدار" العرفي قد عمل بشكل أساسي على السيادة الخالصة على دار تاريخيه لا تحدها أحياناً إلا قوة شكيمة الجيران وقد صاغت ملابسات " تبريد الدار" الشخصية الخاصة بقبيلة الكبابيش في فروعها ومؤسسة التبع التي كونت من القبائل التي أوت إلى دار الكبابيش لتنعم بالكلأ والمأؤى والأمن مقابل رسوم معلومة ونقص في السيادة (على إبراهيم1999م). ورغم خصوصية تجربة دار الكبابيش هذه إلا أن السمات العامة لمثل هذه التكوينات الاجتماعية التاريخية والاقتصادية تنطبق على معظم قبائل البقارة بحزام السافنا والمجموعات الأخرى ذات التركيب القبلي المحلي وإذا كانت قبيلة الكبابيش في مرحلة تكوين الدار خاضت معارك " وعقالات" دمويه مع معظم القبائل التي تنتمي إلى الثقافة العربية والإسلامية يظل العامل الاقتصادي هو الدافع الأساسي في مثل هذه الحروب وليس الفوارق الثقافية والعرقية كما يظن البعض في حالة البقارة والقبائل النيلية في أو جنوب حزام السافنا وها هنا المدخل الأساسي والمنطقي لعلاج ظاهرة العنف والصراع بين المجموعات المختلفة من خلال التخطيط والتنمية الاقتصادية التي سنوردها في مؤخرة هذه الورقة بأذن اله .
    في فترات تاريخيه متباعدة وأثناء محاولات تكوين السودان كسلطة سياسية ظل المركز وفي عهود مختلفة يتحالف مع الكيانات القبلية في حروب أما بالوكالة أو بالمشاركة وهذا أمر لا بد من الوقوف عنده لأهمية تأثيره السلبي على بناء الدولة الوطنية، وحتى يتبصر أبناء السودان بمخاطر بعض السياسات المتعلقة بالتحالفات القبلية سواء في محيط حزام السافنا أو في بقعة أخرى من ارض السودان الواسعه.
    في ظل الأنظمة الاستعمارية التي توالت على السودان (الأتراك 1821- والانجليز1898) كانت التحالفات بين هؤلاء الغزاة مع بعض القبائل والكيانات الاجتماعية المحلية أمراً مشروعاً كأداة من أدوات القهر والاستعباد وفي ظل أطماع وأغراض تلك الأنظمة يظل الأمر مفهوماً إذ أن غزو الجنود (الانكشارية) كان ضم هذه الأجزاء الأفريقية إلى ممتلكات الإمبراطورية العثمانية توسيعا لها من أجل المال (الذهب) والرجال (الرقيق)! أما غزو الجيوش البريطانية بقيادة كتشنر فقد كان لنفس أغراض الهيمنة الاستعمارية وضم هذه المناطق الجغرافية الواسعة إلى ممتلكات الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
    تردد كثيراً أن الأتراك عندما دانت لهم الرقعة الجغرافية لمملكة الفونج بدأت روح التوسع على مناطق السودان الأخرى هي الدافع القوي لغزواتهم على أطراف مملكتي تقلي ومملكة الشلك وكما هو معلوم لمزيد من المال والرجال حتى أضحت هذه الغزوات أمراً استراتيجياً وسياسة معلنة ومتبعه خاصة مع المجموعات الطامحة في الثراء من فئة التجار وسكان سهول كردفان من الرعاة بل وحتى بالتحالف في بعض المراحل المتقدمة مع ملوك وأمراء كل من مملكتي الشلك وتقلي حتى فتحت أمامهم الأطراف الشمالية من جنوب السودان الحالي ( جانيت أولاد 1990م). على أن المثل الأكثر وضوحاً في تحالفات الأتراك هو ذلك الاتفاق الذي عقد بينهم وبعض فروع الكبابيش ذات الموقع الاستراتيجي في طريق تصدير الصمغ إلى مصر حيث طلبت السلطات التركية من الصوارده ودار سعيد والأحامده من فروع الكبابيش، البقاء في مواضع الصافي وأبوسبيب وأبو سنيط وجبل الحديد وألا يهبطوا مع قومهم في الصيف إلى البحر حتى يقمعوا قبائل دارفور وفيها بني جرار وأباح الأتراك لتلك الفروع الثلاثة الغنائم التي تجنبها من قتالها لقبائل دارفور شريطة أن ترسل ربطها بخزينة الحكومة التركية (على إبراهيم 1999م). وكانت قمة هذه التحالفات مع الزبير باشا رحمه والاستيلاء على دارفور 1874م. أما تحالف السلطات البريطانية مع بعض القبائل في غزو دارفور في عهد السلطان علي دينار فقد كان أمراً مرسوماً بعناية إذ أنه في هذه السنوات الأخيرة في حكم السلطان أضطربت علاقته مع معظم القبائل التي تقطن في المناطق الشرقية لمملكته مثل الرزيقات والزيادية والكبابيش فما كان من السلطات البريطانية إلا أن استغلت هذا الاضطراب والخلافات وتوظيفها بفعالية في النيل من السلطان وضم دارفور بصورة نهائية إلى السودان الإنجليزي المصري ولتنفيذ ذلك وفرت لكل من ناظري الرزيقات والكبابيش السلاح والذخيرة كما أنها لجأت للسيد على الميرغني للتوسط بينها وبين علي دينار (ثيونولد 1965م).
    علاقة المركز بالأطراف:-
    أن تكون سياسة هذه التحالفات بين السلطة المركزية وبعض العناصر المحلية ضد بعض آخر يراد له الانصياع في ظل أنظمة امبريالية استباحت فيها الإمبراطوريات التاريخية استعباد بعض الشعوب أمر يمكن فهمه في إطاره التاريخي ذاك ولكن أن يستمر نهج هذه التحالفات ولأغراض مشابهه في ظل أنظمة وطنية جاءت بعد نضال في مرحلة التحرير الوطني الذي اشرأبت له رقاب هذه الشعوب للخروج من نير الاستعباد الأجنبي أمر لم يعد مقبولا أو مبرراً لأنه يتعارض جزرياً مع بناء الدولة الوطنية الحديثة أي دولة ما بعد السلطنات القبلية الأفريقية وذلك لأن أهداف مثل هذه التحالفات مختلفة جداً ، فبينما سلطة المركز أغراضها (الهيمنة والخضوع) فالكيانات القبلية في الغالب تكون لها أجندتها الخاصة من واقع تاريخها وعلاقاتها المحلية.
    _OMA6160.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    تم الإسهاب في قضية تحالف المركز منذ بدايات التكوين الأولى مع بعض عناصر الهامش المحلية وتصدير العنف إليها لأهمية هذا الأمر في مستقبل العلاقة بين الشمال والكيان الجديد في الجنوب في حالة انفصاله وتكوين دولة مستقلة وأثر ذلك مباشرة على الكيانات الاجتماعية القبلية بحزام السافنا وبما أن هذه الورقة عنيت فقط بدارفور وكردفان فإنها لم تركز على ذلك الأثر جنوباً على المجتمعات النيلية المجاورة وذلك لفجوة في المعلومات إذ لم تمكنا الظروف من الإلمام بها وإجراء حوارات وأسعه حولها وهي فجوة تنتقص من الصورة الكلية التي كانت تطمح إليها هذه الورقة إلا أن الأمل والرجاء في مقبل الأيام بالنظر إلى الأمر من وجهة نظر الكيانات الجنوبية. في صدر هذه الورقة تمت الإشارة إلى العلاقات المتوترة بين الكيانات الاجتماعية على جانبي حزام السافنا في الشمال وفي الجنوب وأن بؤر التؤتر تمتد من جنوب دارفور غرباً إلى جنوب كردفان وما بعدها شرقاً وفي حالة انفصال الجنوب فالاحتمال الوارد أن بؤر التور بين المجموعات القبلية في كل من آبيي في كردفان وسفاهة وحفره النحاس وكيفاكينجي في جنوب دارفور قد تلتهت في شكل حروبات قبلية محدودة في البداية وبما أن مركزي السلطة في الشمال والجنوب يساند كل منهما أحد طرفي الصراع يظل شبح الحرب " بالوكالة" ماثل أمام الجميع وهو أمر خطير لكلا المركزين لأن كليهما خاسر ومجتمعات (أهل الديار) من القبائل هي الخاسر الأكبر وهذا ما أرادت أن تنبه إليه هذه الورقة لأن المحصلة النهائية هي أن تدمر الحرب مقومات الحياة كلياً لهذه المجتمعات وتشكل نزيفاً مستمراً لكلا المركزين في الشمال والجنوب وقد تتطور إلى حروب بين جيشين نظامين وما يتبع ذلك من استقطاب جهوي وإقليمي تمتد آثاره المدمرة إلى محيط المنطقة بأكملها وهي منطقة هشة التكوين السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
    يذكر المهتمون ببناء الدولة الوطنية في السودان أن العناصر البشرية بشتى تكويناتها الاجتماعية في الشمال كما في الجنوب التي عمرت قطاع السافنا لأكثر من قرنين من الزمان صارت في مرحلة الثورة المهدية كياناً تاريخياً ساهمت بفعالية في بناء اللبنات الأولى للكيان الوطني السوداني وذلك لأن هذه الثورة (1881 -1885م) أتاحت لهذه المجموعات بشتى أعراقها في كردفان ودارفور وأعالي النيل وبحر الغزال فرصه النضال من اجل التحرير الوطني من هيمنة الاستعمار الأجنبي متمثلاً في السلطة التركية الفاسدة وبذلك تجاوزت هذه المجموعات انتماءها المحلي والجهوي إلى آفاق أرحب في هوياتها الوطنية المشتركة على نطاق السودان الحالي حيث التقت هويات أهل الغرب والجنوب والشرق بهوية أهل النيل في هدف وطني رائع وهذا بالتحديد ما أشرت إليه بالكيان التاريخي. على أن هذه المجموعات في أو على جانبي حزام السافنا وبحكم تجربة النضال المشترك بينها نمت وشائج الانتماء بينها رغم الخلافات المحلية على الموارد هنا وهناك وأصبحت تشكل حلقة وصل اجتماعي واقتصادي بين الشمال والجنوب في خصوصية تجاوزت العرقية الضيقة وخير دليل على ذلك نزوح أعداد كبيرة من القبائل النيلية إلى الشمال جراء ويلات الحرب الأهلية خلال العقود المنصرفة حتى تجاوزت أعدادهم المليونين على طول مناطق شمال السودان وعرضه وذلك لإحساسهم الفطري بأن هذا جزء من وطنهم الذي ينبغي أن يأويهم رغم ويلات الحرب وأحن السياسة. وغني عن القول أن تفكيك مثل هذا الكيان التاريخي الذي تداخلت روابطه المتعددة (عرقيه) واجتماعيه واقتصاديه برسم حدود جزافية وهميه على الأرض لدليل قاطع على عقم وإفلاس النخب السياسية في الشمال كما في الجنوب وهي لا تتحسب لهول الأمر وجسامته على هذه المجتمعات الأهلية المتداخلة،!
    (3)
    في هذا الفصل الثالث والأخير من هذه الورقة يتم تناول بعض بؤر الخلاف على الأرض بين الشمال والجنوب والتي يمكن أن تندلع منها شرارة الحرب مرة أخرى وتتكرر تجربة ما بعد اتفاقيه أديس أبابا 1972 حيث بدأت الحرب الثانية 1983م وفي هذه المرة لا قدر الله إذا اندلعت الحرب للمرة الثالثة فستكون الدولة السودانية في الشمال كما في الجنوب في أسوأ حالات التمزق والوهن إذ أن أطراف السودان في معظمها في حالة احتقان ووهن وطني وضعف في التماسك القومي وهذه حالة تنذر بتفكك كل أطراف السودان ومكوناته الاجتماعية والتاريخية وهنا يجدر الذكر بأن دارفور مازالت تتأرجح بين الحرب والسلم وهي حالة قد تطول كما أن كل من جنوبي كردفان والنيل الأزرق ما زالت الرؤية مبهمة وضبابية بالنسبة لوضعها قبل أو بعد المشورة الشعبية التي نصت عليها اتفاقية السلام الشامل 2005م وهنا ينبغي على المرء أن يفكر ملياً ما إذا كان المشروع الوطني والعقائدي الذي قامت على ركائزه دعائم الدولة السودانية في القرن التاسع عشر قد بدأ في التآكل والتفسخ في ظل غياب مشروع وطني جديد وعصري يمكن التراضي عليه والالتفاف حوله.
    مخاطر اندلاع الحرب بكردفان:-
    إن الأضواء الكاشفة التي سلطت على مشكلة أبيي بين الدينكا والمسيريه والتي تركز حولها الصراع بين الشمال والجنوب بل بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية اللذان يتحكم كل منهما في الأخر بل والاهتمام الإقليمي والدولي الذي نالته هذه المشكلة كل ذلك ألقى بظلال كثيفة حجبت الرؤية عن الكم الهائل والمعقد جداً في بقية مناطق ولاية جنوب كردفان لدرجة التجاهل والغفلة وبالرغم من أن هذه الورقة ستتناول جانباً مهماً من قضية أبيي لاحقاً إلا أنها تريد أن تلفت النظر إلى الوضع الكلي بجنوب كردفان والمخاطر المحيطة بها كبؤرة للصراع والتي يمكن أن تندلع منها الحرب وتشمل كل المنطقة المحيطة بها شمالاً وشرقاً وغرباً.
    حقيقة الأمر أن عشرين عاماً من الصراع المسلح بجنوب كردفان وجبال النوبة بالذات قد خلقت واقعاً جديداً من الجغرافية السياسية لا يمكن تجاهله في أي تناول مستقبلاً . واللافت للنظر أن قادة الحركة الشعبية قطاع جبال النوبة بقيادة يوسف كوة قد توجه لأول مره وبصورة لا لبس فيها صوب جنوب السودان لرفع مظالمهم التاريخية وهو الأمر الذي لم يحدث منذ قيام سلطنتهم بتقلي في القرن الثامن عشر (1750م) وقد كانت تحد هذه السلطنة من الناحية الجنوبية مملكة الشلك ومن الشرق والشمال سلطنة الفونج ومنذ ذلك التاريخ ارتبطت السلطنة بجبال النوبة بالشمال والشرق في حالتي السلم والحرب والمبررات بل والدلائل على ذلك متواتره ولا محال لذكرها هنا ولكن بعد كل ذلك الارتباط الوثيق الذي ظل لأكثر من ثلاث قرون أن يقرر أبناء هذه المنطقة الهامة جداً في تكوين السودان الالتفات جنوباً والكفاح لنيل مطالبهم في السلطة والثروة وتحقيق مطالبهم الوطنية لأمر جدير بتدبر كل ذي بصيرة وأن الأمر يوحي بأكثر من حركة مطلبيه محدودة
    المحنا في مقدمة هذه الفقرات بأن ظروف الحروب وقسوتها التي طالت جنوب كردفان قد خلقت واقعاً جديداً في الجغرافية السياسية للمنطقة ولم تعد كما كانت عليه عند غروب شمس القرن الماضي وهي بذلك تحتاج إلى رؤية جديه وخلاقة لإعادة ترتيب أمرها في ظل كيان سياسي جديداً. ظلت كردفان وحده إدارية وسياسيه لفترة طويلة في إطار دولة السودان المركزية رغم بعض المحاولات لتغيير هذا الواقع في فترة الاستعمار البريطاني عندما اعتبرت جبال النوبة أحدى المراكز المقفولة. في العهد المايوي قسمت كردفان إلى شمال وجنوب وأخيراً في ظل النظام الحالي أصبحت ثلاث ولايات ثم مره أخرى أعيدت إلى ولايتين عام 2005م بموجب اتفاقية نيفاشا وفي كل هذه التقسيمات كانت التوازنات الديمقراطية السياسية هي المعيار الأول الذي يعلو على الجانب المهني الحرفي ومعايير التجانس الوطني وهكذا في ظل تمايز المكونات المحلية المختلفة ومحاولات الاستقطاب السياسي الصريح " بدأت تنعقد الصراعات في المستويات المختلفة ومع هشاشة الوضع يصبح من الصعوبة فهم هذه الصراعات بمعزل عن ما يدور في محيط السودان كما هو الحال في صراع دارفور منذ 2002م وهكذا الصراع بين النوبة والمسيرية بمحلية لقاوه لا يمكن فهمه بمعزل عما يدور في أبيي وشرق دارفور أو ذلك الصراع الذي يحيط بقبائل الرحل المتنقلة سنوياً كالشنابله والكواهله والمعاليه والحمر مع القبائل المستقرة من نوبة وغير نوبة (سعيد 2008م). وهكذا فالأرض ومواردها هي مركز الصراع كما هو الحال بدارفور في بداياتها الأولى على أن أمر الأرض بجبال النوبة " بدأت نذر الصراع حول مواردها عام 1960م بدخول مشاريع الزراعة الآلية بمنطقة هبيلة والأمتدادات اللأحقه مما زاد من حدة التنافس بين الأثنيات المحلية المختلفة حول موارد الأرض وقد ظل هذا الصراع خافتاً في فترة ما بعد الاستقلال الوطني ولكن هذا الصراع بدأ ينمو حتى وصل قمته في ثمانينات القرن الماضي بين القوى السياسية وتحول إلى عنف بين الأطراف المتصارعة عام 1987م (سعيد 2008م).
    لعل اللافت في هذا الصراع على الأرض ومواردها ليس محدودية الأرض بل عدم العدالة في توزيعها بواسطة السلطة المركزية دون مراعاة جدية ومنصفه للحقوق العرفية التاريخية للسكان الذين ارتبطوا بها وكأنما المركز فقد حياديته وبدأ يمالي بعض المواطنين على البعض الأخر وللأمر ذيول أخرى لا يسع المحال للاستطراد فيها كما أن غياب التخطيط الكلي لموارد الأرض وحسن استغلالها من جميع الفرقاء المتنافسين أدى إلى أزياد الصراع بصورة غير مسبوقة إذ تكفي الإشارة إلى أنه ومنذ 2007م اندلع الصراع القبلي بين دار نعيله والنوبة الغلقان وبين الحوازمة دار حامد والنوبة كيقا حانفرو وبين المسيرية والنوبة أم حيطان وبين عرب ألرواؤقه والنوبة وبين كنانة والحوازمة والكواهله من جانب والحوازمة أصحاب الأرض من جانب آخر (مجموعة الأزمات الدولية أكتوبر 2008م). يدور كل هذا الصراع المسلح في ظل أنظمة إداريه حكومية هشة وإدارات أهلية ضعيفة خاصة بعد سياسية تفتيت أدارات المسيرية والنوبة والقبائل المحلية الأخرى وكل هذه المكونات قد أنهكتها عوامل الحرب السياسية وشلت قدرتها وهذا الصراع لا يمكن فهمه أو عزلة بما يدور من خلاف داوي بين المسيرية وقيادات المؤتمر الوطني من جانب ودينكا نوك وقيادات الحركة الشعبية من جانب آخر مما يلقى بظلاله على كل السودان في الشمال كما في الجنوب أن ما ظل يدور من استقطاب على الأرض وتبديل الولاءات وتنجاذب المواقف بين مكونات المنطقة الاجتماعية لهو أكثر وأعمق مما أشرنا إليه والمنطقة تعج باحتمالات الحرب بعد اتفاقية نيفاشا 2005م إذ أن قطاع النوبة من الحركة الشعبية ويقدر عددهم ما بين 13000و15000 مقاتل أصيبوا بخيبة أمل في الاتفاقية التي لم تحقق لهم طموحهم الذي حملوا السلاح من أجله وقاوموا الدمج والتسريح كما أن حركة مقاومة جبال النوبة الجديدة التي أعلنت عن نفسها في الحدود بين دارفور وكردفان في 16 فبراير 2008م باسم الحركة المركزية للتحرير- منطقة جبال النوبة بقيادة جمعه الوكيل العضو السابق للحركة الشعبية تطالب بالحكم الذاتي وتعمل بالتنسيق مع الحركة الشعبية وحركات دارفور (مجموعة الأزمات الدولية أكتوبر 2008م). كما أن تلفون كوكو الجنرال السابق في الحركة الشعبية ظل نقده المرير لاتفاقية السلام الشامل ومعارضته لها محط نظر وسمع الجميع أما البلولة حامد عبد الباقي الذي أنشق عن الدفاع الشعبي لقبيلة الحوازمة وبدأ في التجنيد من حوازمة امبرمبيطه فقد التحق بقوات الحركة الشعبية ثم خرج منها وظل ينشط في عام 2008 وقد سمى حركته SPLM الثانية أما المسيرية فهم بدورهم أو على الأقل مجموعات كبيره منهم غير راضية بما جاءت به اتفاقية السلام التي انتزعت منهم ابيي وهم يرونها جزءاً عزيزاً من ديارهم التاريخية كما أن قرار إلغاء ولاية غرب كردفان وهم يشكلون أغلبية بها ثم ضمها إلى جبال النوبة بجنوب كردفان قد ضاعف من إحساسهم بالحرمان من منافع سياسيه وخدمية مقدره وفي ظل الاستقطاب السياسي الحاد بين شركاء اتفاقية السلام من الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني فقد قرر 14.000 من أبناء المسيرية من مجموعة الدفاع الشعبي بمنطقة الدبب ومنهم بعض القيادات القبلية الانضمام إلى جيش الحركة الشعبية وقد قام المؤتمر الوطني بإعادة ترتيب الأمر في 2008م ومع ذلك تظل حركة "شمم" وتنظيم شباب المسيرية أقرب إلى حمل السلاح ضمن المجموعات المحلية الأخرى. فحركة شمم تم تكوينها مباشرة بعد إلغاء ولأية غرب كردفان عام 2005م وفق بنود اتفاقية السلام وقد تم الإعلان رسمياً عنها في مايو 2006م وقررت أن منطقة عملياتها هي دار المسيريه بما فيها منطقة أبيي وقد نفذت إضرابا مدنياً بمدينة الفوله في ديسمبر 2006م احتجاجا على الإهمال الذي أحاق بمنطقة المسيرية كما ترى ولكنها قطعا ليست حركة مدنية فقط وهي تعلن منطقة عمليات بدار المسيرية. أما حركة شباب المسيرية فهي تنظيم تجاوز التقاطعات الحزبية خاصة المؤتمر الوطني وحزب الأمة وقد عقد مؤتمرها العام والذي ضم بعض أعضاء من حركة شمم في مايو 2006م وأنشأت هياكلها التنظيمية وأرتبط برنامجها بقضايا المنطقة من تنمية وخدمات ووجدت لنفسها شرعية من المجتمع المحلي مكنها من تجاوز الأطر القديمة التي أنهكتها الأحداث خلال العقدين الماضيين.
    وهكذا تبدو الصورة المضطربة سياسيا وامنيا بولاية جنوب كردفان وارتباط كل ذلك بسياسات تنفيذ بنود اتفاقية السلام الشامل 2005م وهكذا تبدو أيضا مشكلة ابيي كمشكلة جزئية محدودة رغم أهميتها في إطارها الكلي الأوسع الذي يعج بالاضطرابات والتمزق في شمال كردفان وجنوب النيلين الأزرق والأبيض أي السودان بكل مكوناته التاريخية شمالا وجنوبا وصدق من رأى أن الجغرافية تملي التاريخ البشري في كثير من الأحداث.
    _OMA6235.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    وقفه أخيره في هذا الجانب من جنوب كردفان ينبغي أن تكون عن مشكلة أبيي فهي بلا شك بالرغم من أهمية النظر إليها في محيطها الكلي إلا أنها ستظل البؤرة التي يمكن أن تتفجر منها شرارة الحرب القادمه لتعم بعد ذلك وتدخل السودان بأسره في حرب ثالثه جديدة وهي وقفه للتأمل وليست سرداً لتاريخ جوانب الصراع. يجدر القول أن مشكلة أبيي وتدهور العلاقات بين المسيرية والدينكا نوك هو غياب الحكمة الأهلية التي قام عليها التحالف والتعايش السلمي بين القبليتين عند غياب دور الآباء المؤسسين لهذه العلاقة المتفردة وذلك حين آلت الأمور إلى النخب السياسية الحديثة التي لم يكن في مقدورها مراعاة تلك الحكمة وهي نتاج تراكم التجارب الاجتماعية المحلية عبر الحقب والأجيال لتنير بصيرة تلك المجتمعات التي ظللنا نطلق عليها نعت التقليدية وهذه الحكمة والبصيرة النافذة هي التي أهلت الآباء المؤسسين من الدينكا والمسيرية لإقامة ذلك الحلف والتعايش الذي استمر في وئام لأكثر من قرن من الزمان.
    ربطت العلاقة الحميمة بين الدينكا نوك والمسيرية في ظروف اضطراب سياسي واجتماعي شديدة الصعوبة والتعقيد هي أقرب إلى مناخ الصراع والاقتتال الذي يعيشونه في العهود الأخيرة وكان ذلك في السنوات الأخيرة للحكم التركي بالسودان حين تفسخ أخلاقياً وأصبحت الإغارة على المجتمعات الريفية والاتجار بالبشر هو مبرره الأساسي للحكم وجند إعدادا هائلة من كل أصقاع الدنيا لأداء هذه المهمة بالقوة المجردة والعسف المباشر. في مثل هذه الظروف القاسية لجأ زعيم الدينكا أروب للمسيرية لحماية أهله وعشيرته وبدافع الجيرة والمصالح المشتركة تم الاتفاق وتوحدت الجهود في مواجهة (الغريب) وتمت حماية الدينكا نوك من ذلك الخطر الداهم الذي أحاط بمناطق واسعة من بحر الغزال وما جاورها (دينق 1973م). ما كان لتلك الظروف البائسة أن تستمر كثيرا حتى تدافع السودانيون في ثورة عارمة بقيادة الأمام المهدي 1881م لتقتلع ذلك النظام الفاسد وتأتي بأخر تطهري وفق رؤية جديدة وإزاء هذا الحدث انقسم مجتمع المسرية فبينما أنخرط الشيخ علي الجلة من فرع أولاد كامل في صفوف الثورة رأى فرع الكلابنه أن يلجأ لديار الدينكا نوك طلباً للحماية وقد وفر لهم زعيم الدينكا أروب ينونج وأفراد قبيلته ذلك ( هـ جونسون 2008م ) وهنا يبرز بوضوح دور القيادة للآباء المؤسسين الذي أشرت إليه سابقاً.
    شي آخر لافت للنظر في هذه العلاقة المتداخلة بين الدينكا والمسيرية وهو تطويع الواقع المحلي والعرف الأهلي وتسخيرهما للعيش معاً وهذا واضح وجلي جداً في ديات القتلى بين الطرفين في مؤتمرات الصلح بين الطرفين وفي إفادة ناظر المسيرية بابو نمر وكيف أن المسيرية قبلوا بمساواة المرأة بالرجل في دية أحدى قتيلات الدينكا. يقول الناظر بابو نمربلغة البقارة: قلنا ليهم (أي للدينكا) " خلاص نديكم الدية ، الدية بيننا خمسة وثلاثين بقرة. قالوا صاح لكن إذا دايرين رضانا الدية بينا وبين الرزيقات خمسين بقرة. تدونا الخمسين. قلنا ليهم كويس. نحن مادام خطينا عليكم وانتم أهلنا وما عملتوا لينا حاجة بطاله ونحن ديل خطينا عليكم مشينا كتلنا عيالكم ديل ما هم عيالنا. نحن حسع بنعطيكم إلا البقر والعيال ماتو الخمسين بقرة نديكم ليها. خلاص صفقوا وانبسطوا وقالوا الماتوا فيهم بنت. ا لبنت دي كانت مخطوبة وأبوها حل الحبال كلهم المفتلهم قاعدات وسايقين فيها مائه بقرة. وناسكم قتلوها. البنت دايرين فيها مائه بقرة. أقول ليهم الدية عندنا نحن (المسيرية) المرأة نص الراجل. لكن بنتكم أم مائة دي أنا بسويها راجل يديكم خمسين ذي دية الراجل. وانتم ناس الحكومة لمن تروحوا هناك تكلموا فاطمة أحمد إبراهيم وتقولوا ليها المسيرية هناك ساووا المرأة والرجل! خلاص تراضينا ودفعنا ليهم الدية" (دينق 2001م) وهكذا فالتراضي يأتي بالتسامح والتنازل وتجاوز الأخطاء وإلا لما كان لهذه المجتمعات المتباينة ثقافياً وعرقياً أن تعيش معاً في سلام وتآخي.
    الآن وقد جاءت كلمة التحكيم من لاهاي بعد أن عجز الفرقاء في السودان من الوصول إلى كلمة سواء في حل المشكلة بالتراضي يعتبر هذا التحكيم مرحلة أخرى في تعقيد الأمر إذ أنه بالرغم من مراعاة الحل الوسط بقدر الإمكان إلا أنه لم يرض كل الأطراف ويبدو أن اكتشاف البترول بالمنطقة قد أصبح أحدى جوانب (عظمة) الصراع بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني بينما الدينكا والمسيرية أصبحت قضية الديار هي التي تغض مضاجعهم خاصة وهي لها جوانب نفسيه عميقة تتعلق بهوية الانتماء لكل من أفراد القبيلتين ولسان حال منها يقول:
    ديار من فوادي كنت فيها
    وكان أبي وبنو لساني.
    والحال هكذا لا بد من العودة إلى الحكمة القديمة التي تعلى التسامح والتراضي والوصول إلى حلول بين القبليتين وفق العرف والتقاليد المرعية بينهما بدلاً من اختطاف القضية من قبل النخب السياسية وهي لا ترتبط معيشياً بتلك الديار ولعل المرء يجزم بأن هنالك أفكاراً خلاقه يتم تتبادلها الآن بين أفراد القبليتين لو أفسح لها المجال دون مزايدات سياسية لتجاوز الإنسان المحلي هذه المشكلة ووفر لنفسه ظروفاً ومناخاً للعيش معاً بعيدا عن المكايدات.
    خلاصة القول في هذا الجانب من الورقة هي أن ولأية جنوب كردفان تعيش وضعاً متوتراً ومعقداً نتيجة حرب استمرت لعقدين من الزمان أصابت بصورة أو أخرى حياة إنسان المنطقة المقيم والراحل كما أن سياسات الفرقاء في الشمال كما في الجنوب أعملت سكاكين الاستقطاب السياسي والعرقي دون مراعاة لاعتبارات البناء الوطني القومي مما حول واقع المنطقة كلها إلى بؤرة احتقان يمكن أن تبدأ منها شرارة الحرب الثالثة بين شمال جديد وجنوب جديد وهي حرب لا قدر الله أن صارت ستكون تداعياتها هائلة على كل السودان إذ أن منطق الحرب لا يقبل النظر إلى جنوب كردفان بما فيها أبيي كوحدة إدارية قائمة بذاتها معزولة عن محيطها الجغرافي والإنساني خاصة وإلى الشرق منها منطقة جنوب النيل الأزرق تعيش ظروفاً مضطربة بعد الحرب وإلى غربها دارفور وهي ميدان لحروب لأحبه لما يقرب على عقد من الزمان.
    حالة جنوب دارفور:-
    الجغرافية السكانية والاقتصادية والسياسية بجنوب دارفور لا تختلف كثيراً عن تلك بكردفان وحتى في التاريخ السياسي فهناك تشابه كبير خاصة إذا نظر المرء إلى كل من سلطنتي الفور كيرا بجبل مره في مراحلها الأولى وتقلي وجبال النوبة ثم العناصر المحلية كمكون أساسي في مؤسسات ودواوين السلطة والإسلام كمشروعيه للحكم. على أن جنوب دارفور على وجه التحديد تقع في الأطراف الجنوبية والجنوبية الشرقية من سلطنة الفور وهي بذلك تقع في الأطراف الهامشية للسلطة المركزية مما وفر لها بعض الاستقلال الذاتي في أعرافها وتقاليدها والاتجاه نحو محيطها الجنوبي متى ساءت علاقاتها مع سلطة الشمال. كما أن أخذ هذه القبائل بمهنة الرعي وتربية الماشية جعلها أكثر ارتباطا بالجنوب كمصدر أساسي لحياتها وحياة ماشيتها في فصل الصيف من كل عام ومن خلال قرون من التدافع والاختلاط تأقلمت هذه القبائل (الرزيقات والهبانية والفلاته) بمحيطها الشمالي والجنوبي وفق أنماط سلوكية وأخلاقية جعلت العيش معاً ممكناً رغم بعض الصراعات من حين لآخر وغالباً ما يتم التغلب عليها عن طريق العرف والتقاليد المرعية بين الأطراف.
    الوضع بدار الرزيقات:-
    في حالة انفصال الجنوب وتكوين دولته المستقلة هناك أكثر من منطقة بجنوب دارفور يمكن أن يطلق عليها مناطق احتكاك بين الشمال والجنوب وأكثرها احتمالاً هي تلك التي تقع قبالة داري الرزيقات والهبانية وهذا ما تواترته الأحداث في السنوات الأخير ففي عام2008 وقعت أحداث قبليه دامية بين الرزيقات والهبانية حول الأرض والمياه والمراعي أي الموارد وهي أحداث أعقبت ما يقارب القرن من الجيرة والتعايش السلمي بين القبليتين إذ ورد في مذكرة مساعد مفتش غرب البقارة (1927 م) أن آخر صراع دموي بين القبليتين وقع سنة 1912 ولم يعقبه بعد ذلك أي صراع يذكر عدا الحوادث الطفيفة التي تقع عادة بين الأفراد ومثل هذا التطور السلبي في العلاقات القبلية المتجاورة ينبغي أن ينظر إليه بشيء من التأمل والتفكير الجاد كما أنه لم تمضي فترة طويلة حتى وقع صراع آخر بين الرزيقات وجيرانهم من المسيرية بغرب كردفان في مناطق حدودية بين الطرفين يفترض أنها مناطق رعي مشترك وهو لا يعدو أن يكون تكراراً لذلك الصراع الذي وقع عام 1982م في مناطق الطرور وهو صراع أيضا حول الأرض ومواردها ويصر الطرفان على السلطة المركزية بترسيم الحدود بينهما أي الحدود بين دارفور وكردفان وهكذا يتحول أمر الحدود من شأن سيادي مركزي وولائي إلى مسألة قبلية محض مما يدل على تراجع وتحلل الدولة إلى مكوناتها الأولية. يتم هذا الصراع الدموي بين القبليتين الجارتين والجميع يعرف جيداً الروابط المشتركة بينهما خاصة في ظل احتمال إعادة تشكيل الدولة السودانية. على أن أخطر الصراعات الدموية بدار الرزيقات تلك التي وقعت في منطقة (بلبله) جنوب بحر العرب بين الرزيقات وقوات الجيش الشعبي لجنوب السودان وسبب ذلك أيضا الصراع على الأرض إذ يرى الرزيقات أن الجيش الشعبي أقام معسكراً في بلبله وهي ضمن ديار الرزيقات جنوب بحر العرب بدلاً من تمساحه ببحر الغزال (عليو الخرطوم 31 مايو 2010) والصراع بين الرزيقات والدينكا ملوال يعود إلى عشرينات القرن الماضي في فترة الاستعمار البريطاني وقد تم احتواء الخلاف هذا عن طريق التفاوض وتم الاتفاق على حقوق ديار الرزيقات العرفية على مساحة ستة عشر ميلاً جنوب بحر العرب وتم توثيق ذلك في اتفاقية بواسطة السلطات القائمة حينها وسارت الأمور على ذلك المنوال بإعتراف الطرفين (جريفندي1982). ولكن أبقار قبيلة الرزيقات ونشاطهم التجاري يتجاوز هذه الحدود جنوباً في مساحات تمتد لأكثر من خمسين ميلاً في مناطق مراعي (البرويه) في قلب بحر الغزال (عليو 2010).
    يتم ذلك في إطار المصالح التجارية المشتركة في أسواق تمساحه ومنيل وكلمه ونامليل ومريال باي ... الخ وفي ظل حقوق وأعراف الدولة الموحدة وهو الأمر الذي يمكن أن يطرأ عليه التغيير جذرياً أو قد يأخذ طابعاً جديداً إذا ما قامت دولة بجنوب السودان ومارست حقها ضمن حدود سيادتها على الأرض! على أن خطورة هذا الصراع الأخير لم يكن بين قبيلتي الزريقات والدينكا ملوال كما يتبادر إلى الذهن في شأن الصراعات القبلية التقليدية بل هو صراع أدوات جديدة تمتد إلى القبليتين بصفة التمثيل الرمزي أن أردت، فالصراع كان بين وحدات عسكرية من حرس الحدود بجنوب دارفور (عرمان مايو 2010م) ووحدات الجيش الشعبي وهذا أمر لافت لأنه ينقل الصراع التقليدي بين الرزيقات والدينكا جنوب بحر العرب إلى مرحلة جديدة مختلفة الوسائل والغايات ويشير إلى ما ألمحت إليه الورقة سابقاً بحروب الوكالة وهذه المنطقة التي يدور حولها الصراع قبالة الرزيقات من بحر العرب تتكامل طبيعياً وجغرافيا مع منطقة أبيي قبالة المسيرية بجنوب كردفان وهذا أمر له دلالته في الجغرافيا السياسية.
    بجانب قضية الأرض ومواردها ينبغي الإشارة إلى عوامل حيوية أخرى دفعت قبيلة الرزيقات دفعاً إلى الصراع مع كل من جيرانها الهبانية في الغرب والمسيرية في الشرق والجيش الشعبي ببحر الغزال إلى الجنوب وهي عوامل مرتبطة بالتحولات العميقة التي شهدها مجتمع الرزيقات خلال العقود الفائتة من القرن الماضي وهي تحولات مرتبطة بعوامل طبيعيه وهي تلك المتعلقة بتدهور بيئة الموارد الطبيعية جراء موجات الجفاف المتتالية وما أحدثته من هجرات الإنسان والحيوان من المناطق الأكثر تأثراً بشمال الإقليم إلى جنوب دارفور وقد كانت دار الرزيقات هدفاً لتلك الهجرات من معظم القبائل خاصة من بعض فروع أبناء عمومتهم الرزيقات الشمالية ونتيجة لهذه العوامل الطبيعية وتمدد النشاط الزراعي في المناطق الشمالية والوسطى من ديار القبيلة فقد تدهورت المراعي بصورة هائلة بكل من المخارف في الوسط والشمال والمصايف الجنوبية للماشية مع انتشار الحرائق بوتائر مدمره وضاقت المراحيل والمسارات التي شمل أجزاء كبيرة منها النشاط الزراعي الاستثماري (جقر 2009م) مما أضطر الرعاة إلى التوغل جنوباً بمواشيهم بولاية شمال بحر الغزال.
    أما الآثار الاقتصادية العميقة التي أدت إلى تحولات في بنيه وتركيبه المجتمع القبلي التقليدي فترجع إلي ستينات القرن الماضي حين وصل خط سكه حديد السودان إلى كل من الضعين ونيالا عام 1960م وربط مدينة الضعين حاضرة الرزيقات بكل من الخرطوم ونيالا مما كان له بالغ الأثر في اقتصاد هذه المنطقة إذ يقدر الآن عدد الشاحنات التي تمر عن طريق ميناء الضعين البري في طريقها إلى نيالا ومدن جنوب دارفور بأكثر من 1.200 شاحنة شهرياً ويصل بعض هذه السلع غرباً حتى جمهوريتي تشاد وأفريقيا الوسطى والاتجار بها كما تصل هذه السلع جنوباً إلى أسواق كل من شمال وغرب بحر الغزال ويقدر سوق هذا المجال التجاري الحيوي بكل من جنوب وغرب درافور بأكثر من 3.5 مليون نسمة وفق تعداد السكان سنة 2008 وهي كتله بشريه هائلة. مع وصول سكه حديد لكل من الضعين ونيالا ثم ربط هذه المنطقة بالاقتصاد القومي بأمدرمان والخرطوم شهد كل من قطاعي التجارة والزراعة تطورا ونقلة كبيرة مما أدى في نهاية الأمر إلى تكوين طبقة من الرأسمالية المحلية في العقود الأخيرة من القرن الماضي. تتكون هذه الطبقة في معظمها من بواكير خريجي المدارس الحديثة لكل من الضعين وأبو مطارق أبو كارنكا والفردوس وعسلاية وقد أزداد نفوذ هذه المجموعة في السنوات الأخيرة حيث بدأت في ارتياد بعض الاستثمارات الحديثة خارج النطاق التقليدي ويوجد مثلاً حوالي 70بئراً جوفياً (دونكي) تجاريا في دار الرزيقات وحدها (عليو 2010م), وكان لهذه الطبقة الحديثة ولتأمين مكاسبها أن تمدد هذا النفوذ إلى المجال السياسي والارتباط بالسلطة القائمة محلياً ولآئياً وقومياً وبذلك أصبح لها دور بارز في توجيه الرأي العام المحلي داخل وخارج الأطر القبلية التقليدية. وبالرغم من أن قضية النفوذ القبلي لم تحسم كلياً لمصلحة هذه المجموعة إلا أن الحرب والسلام في المنطقة في حالة انفصال الجنوب سيتوقف على هذه المجموعة وهي في الغالب أميل إلى الاستقرار والسلام للحفاظ على كسبها المالي والسياسي. على إن لقبيلة الرزيقات مجموعة أخرى ذات خطر في الظروف الحالية المحيطة بالوضع الكلي بين الشمال والجنوب وهي مجموعة الدفاع الشعبي وحرس الحدود العسكريتين من أبناء القبيلة وهي تمتلك قوة مقدرة بجنوب دارفور يحسب لها الحساب في الصراعات المحلية. كل هذه المجموعات القبلية بدار الرزيقات، التقليدية بالبادية، والرأسمالية الحديثة والعسكرية قد تدفع دفعا إلى الحرب في حالة تأزم الأوضاع أو قرر حلفاء السلطة ذلك وهو أمر وارد الحدوث في ظل الاضطرابات الناجمة عن انفصال جنوب السودان.
    التهجير القسري لسكان كفياكينجي وحفرة النحاس:-
    في هذا الجزء الأخير من الورقة ينبغي النظر إلى وضع هذه المنطقة التي ظلت في شد وجذب بين دارفور وجنوب السودان منذ دخول الاستعمار ووضع يده عليها في بدايات القرن الماضي بالرغم من أنها تاريخياً ضمن حدود سلطنة الفور الجنوبية خاصة حفرة النحاس وقد أشارت هذه الدراسة في صدرها إلى دور سياسة المناطق المقفولة بهذه المنطقة وهي مسألة لابد من الوقوف عندها حتى تكتمل الصورة في ذهن القاري.
    في يناير 1930م وبطلب من الحاكم العام أرسل هارولد مامايكل السكرتير الإداري حينها منشوراً إلى مديري المديريات الجنوبية ومديري الإدارات يوضح السياسة الرسمية لحكومة السودان والتي استمرت حتى عام 1947م ويقرأ المنشور كالأتي:-
    إن غرض الحكومة هو بقدر الإمكان تشجيع التجار المسحيين الاغاريق والسوريين بدلاً عن الجلابة العرب المسلمين من شمال السودان. الأوزونات لهذه المجموعة الأخيرة يجب أن تقلل الجلابة على المدن والطرق القائمة وهو أمر مهم. (عبد الرحيم 1966م) . لتنفيذ هذه السياسة الجائرة بحزم قام مفتش مركز راجا بغرب بحر الغزال بإنذار الاغاريق وبقية التجار بأنه قد لاحظ رغم كل الرجاءات بأن هناك مازال كمية كبيرة من الملابس العربية تصنع وتباع ويحذرهم بأن ذلك ممنوع قطعا في المستقبل وأن الملابس ينبغي أن تكون على الموضة الأوربية وإلا تشبه بحال من الأحوال تلك التي يلبسها عرب البقارة بدارفور وكذلك يمنع لبس الطاقية والعمامة وكل الملابس التي يرتديها العرب. ( على أن يعمم هذا الأمر على كل العملاء خارج راجا وعلى أصحاب ماكنات الخياطة ( عبد الرحيم 1966م).
    هذه السياسة الاستعمارية الجائرة واجهت صعوبات في التنفيذ حملتها إلى الجور والعسف حتى وصلت إلى درجة الترحيل القسري والفرز العرقي الذي يرقى إلى درجة التطهير. عند مناقشة هذه الصعوبات أمر السكرتير الإداري بتنفيذها بكل الوسائل بما فيها تلك التي قام بها كل من تيمور لنك وجينكيز خان في غزواتهم التاريخية كما ورد في كتاب تاريخ وقائع بحر الغزال ودارفور 1983م. في مارس 1930م كتب مستر بروك مفتش غرب بحر الغزال إلى السكرتير الإداري يشكو صعوبات الوضع بمركز راجا قائلاً: المشكلة الآنية التي تواجهنا هي كيف يمكن لنا أن نزيل تأثير الشمال الذي بدأ في الانتشار والزيادة منذ احتلال دارفور. بدون الحد من هذا التأثير الشمالي من المستحيل تطبيق سياسات جنوب السودان وسيظل مركز راجا حجر عثره في تطبيق هذه السياسة. إن الفلاته يجب أن يحركوا إلى دارفور والتجار خلال العام عليهم بالرحيل والعرب من دارفور يجب أن يحظروا من دخول المركز والأفارقة يجب أن يعاد توطينهم جنوب راجا وكفياكينجي يجب أن تهجر تماماً أما قبائل البندلا فهم المشكلة الحقيقية لسياسية الجنوب (وقائع بحر الغزال ودارفور 1983م). ليخطوا الرجل خطوة عملية في تنفيذ سياسة الفرز العرقي هذه أقام منطقة خالية وعازلة بين غرب بحر الغزال ودارفور.
    _OMA6178.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

    مقاومة المواطنين للفصل والتهجير:-
    تتكون المجموعة السكانية لهذه المنطقة من عدة قبائل يطلق عليها مجتمعه اسم الفراتيت وتشمل كل من البنقا والكارا والكريش والفراوقي واليولو والبندله ويشارك هذه القبائل مجموعة أخرى عرفت في المكاتبات البريطانية باسم مجموعة أولاد العرب وتشمل الفلاته والهوارة والبرنو والبرقو والشعايره وهؤلاء نزحوا إلى المنطقة في القرن التاسع عشر عندما اصبحت مدينة كفياكينجي مركزاً تجاريا هاما يربط بين تجارة ممالك بحيرة شاد في الوداي ودار سلا والباقرمي وممالك الفور وتقلي وسنار. أما قبائل الفرتيت فهي تمتد على مساحة واسعه تشمل مناطق متعددة تمتد من الجنوب الغربي لجبل مرة ومناطق سلطنة الباقرمي (السلطان السنوسي الذي نصبه رابح 1890م) في الحدود الشرقيه لأفريقيا الوسطى الحالية والتي تختلط فيها كل من عناصر البرنو والرونقا والتعايشة والسلامات والفلاته وهي كغيرها من الممالك السودانية قامت على عنصري الإسلام والثقافة العرفية المحلية. هذا وقد شملت غزوات السلطان السنوسي كل من البنده والكريش واليولو والبنقا والكارا والقالوا والسارا وكان لهذه الغزوات وما شهدته المنطقة من اضطراب أن هاجرت أعداد كبيرة من الفراتيت إلى ديارها الحالية حول جبلي أيري وتمبيري وراجا وكفيناكيجي الحالية كما أن هناك هجرات واسعة شهدتها هذه القبائل في الفترة التي توسعت فيها مملكة الفور جنوباً خاصة قبائل البنقا والفراوقي والبندا والشات واستقرت بديارها الحالية قبل مجيء الاستعمار البريطاني إلى دارفور. لهذا الأمر فإن هذه القبائل لم تقر مطلقا بأنها جزء من نسيج قبائل جنوب السودان بل ظلت تنظر إلى أصولها غرباً وشمالاً وهي لهذا الإحساس القوي بالانتماء عملت على مقاومة السياسية البريطانية ورفضت أن تكون جزءاً من( الكنتونات) القبلية في الجنوب. في مقاومة سياسة التهجير القسري طلب من بعض قبيلة الكارا (225 شخص) وبعض أفراد قبيلة البنقا (274 شخص) أن يتحولوا من شمال وغرب كفياكينجي وينضموا إلى سكان راجا كجزءاً من قبائل الجنوب ولكنهم تحدوا هذا الأمر عام 1930 وذهبوا إلى جنوب دارفور بدلاً عن مركز راجا كما أن 1800 فرد من قبيلة البندلا توجهوا إلى الشمال وقبل بهم مفتش البقاره بجنوب دارفور في ابريل 1930 كما وافق بتوطين مجموعة الفلاته وأولاد العرب في منطقة بحر العرب شرق جبل تنقو أما قبيلتي الكارا والبنقا فقد تعاطفت معهم مجموعاتهم الفبلية بامدرمان وتسببت احتجاجات هؤلاء في حرج كبير للسكرتير الإداري بالخرطوم (وقائع تاريخ بحر الغزال ودارفور 1983م).
    في أبريل 1931م تم حرق مدينة كفياكينجي بما في ذلك الجامع الكبير والسوق ومنازل المواطنين وجراء هذه السياسة اضطربت الأوضاع المعيشية وشهدت المنطقة مجاعة حادة راح ضحيتها المئات من المواطنين ورغم ذلك ازدادت ضراوة المقاومة وتم فصل سلطان الفراوقي المسلم عيسى فرتاك ونفي إلى الفاشر عام 1931م بسبب أرائه السياسة المناهضة لتلك السياسة وتوالت هجرات هذه القبائل شمالا إلى منطقة الردوم الحالية حول مدن الفيفي وكقل والمرايه والمرارايه والحجيرات وظلت مشكلة هذه القبائل ومقاومتها تغض من مضاجع رجال الإدارة البريطانية في كل من دارفور وبحر الغزال.
    مثل هذه السياسات الجائرة التي لا تعير أدني اهتمام إلى حقوق المواطن ورغباته في الإنتماء وتحقيق ذاته وهويته يمكن فهمها في ظل سياسة الإمبراطوريات الاستعمارية في القرون الماضية بزعم نشر حضارة ومدنية الرجل الأبيض بين إنسان القارة السوداء المتخلف ولكن أن يعود ما يشبه مثل هذه السياسات في ظل أنظمة الدولة الوطنية لمجرد قرار أرتاته النخب السياسية الحاكمة في كل من الخرطوم وجوبا دون أدنى اعتبار لرأي المواطن المعني بالامر مباشرة فهذا أمر يصعب فهمه في ظل الفكر السياسي الحديث، فكر ما بعد البرسترويكا والقلاسنوست وحقوق الإنسان وهذا ما ينبغي أن يحسب له الحساب في ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب في هذه المنطقة الحيوية من السودان. تجدر الإشارة هنا إلى أن مرجعية حدود 1956 تفقد حكمتها تماما في هذه الحالة كما هو الأمر في منطقة ابيي والصراع بين الدينكا والمسيرية وبين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني. في جنوب دارفور ومحاولة الفرز بين مجتمعات متداخلة اقتصاديا واجتماعيا لأكثر من قرن بحدود وهمية خطها اساساً الحاكم الأجنبي لخدمة أعراضه الاستعماريه غير الوطنية لا شك أمر يدعو إلى الفتنة القديمة لهذا المجتمع وبما أنه ليس من أغراض هذه الورقة الخوض في تفاصيل المنطقة وتبعيتها للشمال أو الجنوب لكنها إجمالا تمثل من أهم المجلات الحيوية لإقليم دارفور بولاياته الثلاثة وقد ظهر ذلك جليا في سنوات الجفاف والمحل والمجاعات التي توالت على دارفور بعد 1982 والأعوام التالية هذا بجانب الحقوق التاريخية لدارفور في حفرة النحاس ومراعي كل من قبليتي الهبانية والفلاته التي تمتد جنوبا وعلى الجنوب الغربي إلى سلسلة جبال أيري وتمبيري على مشارف حدود السودان مع جمهورية أفريقيا الوسطي حيث يتدفق كل من نهري أدا وأم بلاشا يشكلان مع نهر قريشو ا المنابع الرئيسية لبحر العرب تجاه كل من دار الهبانية ودار الرزيقات( أنظر الخريطة 2). ويبقى مع كل ذلك رأي وقرار المواطن الذي عاش في هذه المنطقة مئات السنين وارتبطت بها تاريخياً ووجدانياً هو العامل المهم والحاسم في الحاضر والمستقبل.
    لا شك أن معالجة مشكلة هذه المنطقة بمعزل عن ما يدور في بقية أجزاء دارفور من حرب واضطراب أمر يجافي منطق الأشياء وهي من هذه الناحية تشكل بؤرة صراع في المستقبل القريب قد ينتقل إليها من بقية أجزاء الإقليم خاصة وأن الموقع لهذه المنطقة وانقطاعها لأكثر من خمسة أشهر خلال فصل الأمطار مع ضعف البنيات الأساسية ومؤسسات الدولة كل ذلك يغري بامتداد ألسنة الحرب إليها متى أصبحت عظمة صراع بين الشمال والجنوب وبهذا تشكل هذه المنطقة أرضية خصبة لحروب الوكالة التي أتينا على ذكرها بجنوب كردفان وختام القول بأن منطقة حزام السافنا على طول امتدادها بكل من كردفان ودارفور قد تتحول إلى منطقة صراع مدمر إذا لم نحسن تدبر الأمر وأعملنا فيه الحكمة والبصيرة في صياغة العلاقة بين الشمال والجنوب في مرحلة ما بعد الاستفتاء عام 2011م.
                  

العنوان الكاتب Date
مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . مركز الخاتم عدلان07-18-10, 11:48 AM
  Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . مركز الخاتم عدلان07-18-10, 11:56 AM
    Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . مركز الخاتم عدلان07-18-10, 12:07 PM
      Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . مركز الخاتم عدلان07-19-10, 09:02 AM
        Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . مركز الخاتم عدلان07-19-10, 09:34 AM
          Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . مركز الخاتم عدلان07-19-10, 09:57 AM
            Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . مركز الخاتم عدلان07-19-10, 10:32 AM
              Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . مركز الخاتم عدلان07-19-10, 11:16 AM
                Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . مركز الخاتم عدلان07-19-10, 12:17 PM
                  Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . مركز الخاتم عدلان07-19-10, 12:42 PM
                    Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . مركز الخاتم عدلان07-20-10, 09:39 AM
                      Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . مركز الخاتم عدلان07-20-10, 11:25 AM
                        Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . مركز الخاتم عدلان07-20-10, 01:01 PM
                        Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . مركز الخاتم عدلان07-20-10, 01:09 PM
                          Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . مركز الخاتم عدلان07-21-10, 11:51 AM
                            Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . مركز الخاتم عدلان07-21-10, 12:55 PM
                              Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . مركز الخاتم عدلان07-21-10, 01:43 PM
                                Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . مركز الخاتم عدلان07-22-10, 09:11 AM
                                  Re: مؤتمر دارفور السنوى الثانى تحت عنوان (البحث عن سلام دائم بدارفور) . مركز الخاتم عدلان07-26-10, 09:36 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de