|
Re: أرض الميّت (Re: هشام آدم)
|
تابع الفصل الأول
اعتقدتُ أنّ أهالي القرية لم يتناقلون هذه الأحاديث إلاّ لإخافتنا –نحن الأطفال- ولكن كان الأمر غير ذلك؛ فطبيعة بلاد النوبة الجبلية القاحلة تعتبر بيئة خصبة لإنتاج الخرافة، وتلقى تلك القصص حظوتها من التصديق كإرث شعبي عميق، ساعد على ذلك عزلة المناطق النوبية وانقطاعها عن العالم الخارجي. بدأت قضبان العزلة تلك بالذوبان منذ بدأت القرى النوبية بتنظيم رحلات الحج بمساعدة من المصريين، وعندما كان يعود زمرة من الغائبين -عن جيوب القرية الأنفية، وذاكراتها القريبة- من رحلة الحج في أراضي الحجاز، تُذبح لهم الذبائح، ليمرغوا أياديهم في دمائها، ويلطخوا بها أبواب بيوتهم ليُعرفوا بها لاحقاً، اعتاد الناس على أن يفعلوا ذلك، وسبعة بيوت فقط في أرض الميّت ملطخة بصورة الكفوف الدامية. تمتد جلسات الأنس -مع الحجيج القادمين- إلى أنصاف الليالي الصيفية، وهم يتحدثون عن رحلتهم الإيمانية، ينقلون مشاهداتهم عن أراضي الحجاز، وأهلها، وما رأوه هناك، ويظل أهالي القرية يستمعون إلى كل ذلك، وكأنهم يستمعون إلى حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة. ويؤمنون في قرارة أنفسهم أنّ من حجَّ إلى بيت الله الحرام ضمن الجنّة لا محالة، فينظرون إليهم بغبطة يعرفونها جيداً، ويتلذذون بها كثيراً. حتى الحجيج أنفسهم كانوا يؤمنون أنهم قد ولدوا بالفعل من جديد، وأنهم قد أصبحوا أناساً بلا تواريخ، ولا ذنوب، ولا معاص تذكر؛ فيستسهلون خطاياهم الجديدة، ويرونها ضئيلة مقارنة بجبال الحسنات التي عادوا بها من رحلتهم. ولا يمر أسبوع كامل حتى ترى أحدهم وقد توسط جلسة سُكر ليلية.
وفي أرض الميّت الشأن كل الشأن لعمدة القرية ثم للمتفقهين من أسرة دهب وكَلَس، ثم للحجيج الذين قد يحلون محل الشيخ عبد الصبور دهب في الإفتاء عندما يغادر الأخير إلى قرى الضفة الأخرى من النيل لجلب البخور والصندل لأغراض الرقى الشرعية وتبخير المسجد. وفي المناسبات السعيدة وغيرها يتم أخذ هذا الترتيب الاجتماعي في عين الاعتبار، فلا تخرج أواني الطعام إلا للعمدة وضيوف مجلسه: عمدة القرية وإمامها، وأفراد عائلة كَلَس، والحجيج، وكبار السن، وعمّال البنطون والوابور ثم الأطفال فالنساء، وفيما يهلك الأكثرية في طريقهم إلى أرض الحجاز لنيل لقب (حاج) التي تعدّ أمنية غالية لمن تخطّى سن الخمسين؛ يحج آل كَلَس كل عام تقريباً من أجل تدعيم سلطتهم الدينية في القرية، وتأكيداً لاستحقاقهم لهذه السلطة التي تقاسموها مع أصهارهم من آل دهب. وبطريقة تلقائية تم تقسيم القرية إلى عائلات كبيرة وصغيرة اختص بعضهم بالعلم الديني، واختص بعضهم الآخر بالثروة. وفيما استولى آل دهب وآل كَلَس على كل ما يتعلّق بالدين والإفتاء، استولى آل فنتي على الأموال والمشاريع التنموية في المنطقة؛ وظل بقية أهل القرية على هامش الحياة اليومية، يقتاتون على ما يتساقط من فتات هذه العائلات الكبرى.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
أرض الميّت | هشام آدم | 07-04-10, 08:40 AM |
Re: أرض الميّت | نادر النور آدم | 07-04-10, 08:42 AM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-04-10, 08:50 AM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-04-10, 08:54 AM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-04-10, 08:59 AM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-04-10, 09:09 AM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-04-10, 09:21 AM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-04-10, 11:16 AM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-04-10, 11:30 AM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-04-10, 01:42 PM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-04-10, 01:56 PM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-04-10, 02:16 PM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-05-10, 10:20 AM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-05-10, 10:36 AM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-05-10, 12:14 PM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-05-10, 12:39 PM |
Re: أرض الميّت | حاتم شناب | 07-05-10, 12:36 PM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-06-10, 08:46 AM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-06-10, 09:07 AM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-06-10, 12:39 PM |
Re: أرض الميّت | محمد عبدالقادر سبيل | 07-06-10, 01:15 PM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-06-10, 02:01 PM |
Re: أرض الميّت | محمد عبدالقادر سبيل | 07-06-10, 02:57 PM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-06-10, 03:22 PM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-07-10, 12:25 PM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-07-10, 12:28 PM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-07-10, 12:29 PM |
Re: أرض الميّت | awadharoun | 07-07-10, 04:45 PM |
Re: أرض الميّت | هشام آدم | 07-08-10, 08:30 PM |
|
|
|