|
Re: حجول من شوك (Re: شقرور)
|
ايهاب تحايا وسلام إشكالية الأنا والآخر -2- لكل ثقافة «آخر» يمثل العدو إلا أن الغريب في الموضوع هو أن هذه الثقافة تعاملت بصورة عدائية مع آخرين غير مسلمين لكنهم لم يناصبوا العداء للإسلام والمسلمين أو مع آخرين دانوا بالإسلام إلا أن عمق الإختلاف والمغايرة المضاعفة بينها وبينهم كانا أكبر من طاقة التسامح التي تشربتها هذه الثقافة من الإسلام. ولعل أبرز مثال على ذلك هو تلك الكيفية التي تعاملت بها تلك الثقافة مع الآخر الأسود المسلم وغير المسلم، هذا الأخر الذي وصم بصفات البهيمية والوحشية والشهوانية المفرطة وفساد الخلق وتشوه الخلقة، الى جانب أنه نحتت لهذا الآخر صور مشوهة ترسبت في المتخيل العربي ورسختها ممارسات التمثيل المتنوعة الخطابية وغير الخطابية وهي ممارسات عكست بوضوح مدى الغلبة التي تمتعت بها سياسات الهيمنة وتحصين الهوية ضد اختراقات الآخر المختلف ثقافيا. وبناء على ذلك يشير الدكتور نادر كاظم *الى أنه يمكن القول أن في ثقافتنا الإسلامية آليتين تشتغلان معا وبصورة متعارضة الآلية الأولي هي آلية الجذب والدمج والاحتضان وهي التي توفرت في هذه الثقافة بفضل الإسلام واعتماده على مبادئ تبشر برسالة توحيدية تهدف الى هداية الناس أجمعين. أما الآلية الثانية فهي آلية الطرد وهي التي تعبر عن رغبة هذه الثقافة في تحصين هويتها ضد الأخرين وهكذا فإن الآلية الأولي تخلق هوية ثقافية منفتحة ومتسامحة فيما تصنع الآلية الثانية هوية مغلقة ومتوحشة ومتصارعة مع الآخرين. ونتيجة لهذا التعارض بين الآليتين فإن ممارسات التمثيل ومعرفة الأخر في هذه الثقافة شهدت الكثير من المفارقات ولعل أهمها تلك المفارقة المتعلقة بالوضعية الملتبسة للآخر الأسود في المتخيل العربي الوسيط فقد أتاح الإسلام للأسود أن يندمج في الهوية الثقافية للمجتمع العربي الإسلامي وهذا ما حصل مع بلال الحبشي ووحشي بن حرب بعد أن أسلم غير أن آلية الطرد ميزت هؤلاء السود وجعلت من سوادهم علامة فارقة تمنعهم من الإندماج الحقيقي في هذه الثقافة والهوية. ويشير الى أن الحضور القوي لهؤلاء السود على مشهد الأحداث في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم يعطي دليلا على ما يسميه بآلية الدمج والإحتضان وفي المقابل فإن اعتزالهم الحياة العامة بعد وفاة الرسول يعكس بوضوح مدى الغلبة التي تمتعت بها آلية الطرد في هذه الثقافة. وعلى ذلك يقرر أن هذا التعارض إنما هو وليد ذلك التضارب بين الآليتين السابقتين وهو التضارب الذي حكم مسار هذه الهوية ومجالها وامتداداتها فحين تتغلب آلية الدمج تنفح الهوية على الآخر وتستوعبه لا استيعاب إخضاع وهيمنة بل استيعابا يرمي الى تحقيق تلك المعادلة الصعبة والمتمثلة في معايشة الإختلاف والمساواة أو المساواة والتعايش السلمي مع الاختلاف والمغايرة. أما حين تتغلب آلية الطرد - وهو الأغلب - فإن الهوية تنغلق على نفسها وتضيق على أفرادها وتنفر من الآخر نفورا يدفعها الى العزلة والإنزواء أو الى السعي الحثيث الى إخضاعه والهيمنة عليه وامتلاكه. وعلى هذا النحو يتناول الدكتور نادر كاظم موضوع السود في المتخيل العربي والذي يعد تطويرا لتناولات أخرى قدمها البعض من قبل مقدما قراءة للتمثيل الثقافي التخييلي «الأدبي» وغير التخييلي الذي مارسته الثقافة العربية على الأسود بوصفه آخر خارجيا يقبع هناك في مجاهل أفريقيا النائية وبوصفه كذلك أخر داخليا ميزته هذه الثقافة بسواد لونه مع أنه ولد أو ترعرع في محيط هذه الثقافة وارتبط بأهلها برباط الدين واللغة والمظاهر الثقافية الأخرى كاللباس والعادات والتقاليد.........................................................................
*تمثيلات الآخر/تأليف: د نادر كاظم الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت 2004
شقرور
|
|
|
|
|
|
|
|
|