د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 00:37 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الأول للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-25-2007, 08:46 AM

محمد يسن علي بدر
<aمحمد يسن علي بدر
تاريخ التسجيل: 12-28-2005
مجموع المشاركات: 623

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة (Re: محمد يسن علي بدر)


    عامان من السلام : حساب الربح والخسارة (17(
    معارضو الاتفاقية والذاكرة الخؤون

    المحاسبة أم العدالة الانتقالية

    متطلبات التجمع تضمنت ، كشرط لزوم للمصالحة الوطنية، ضرورة ''المحاسبة والمساءلة عن انتهاكات حقوق الانسان '' خلال السنوات الماضية '' . وكمبدأ عام ، لاغضاضة ، بل لابد من المحاسبة علي انتهاكات حقوق الانسان ، ''والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أمر الله فأولئك هم الظالمون '' . لا يقول بغير هذا من المسلمين الا مسلم نمطي يرضي ضميره بأداء الشعائر حتى ان قتل وكذب وحنث بالعهود. نعي جيداً أيضاً خشية الكثيرين في جماعات حقوق الانسان الحقيقية ، لا تلك التي تتوسل بالدفاع عن تلك الحقوق لغير غاياته ، من أن يوفر اغفال المحاسبة حصانة ( impunity) للمسئ يفلت معها من العقاب ، وأخشى من ذلك ان يعبر الاغفال عن فجوة في الذاكرة (amnesia ) تُخفي الفجائع . ولكن مثل هذه المحاسبة لا يمكن استدراكها في اتفاق يقوم على تنازلات متبادلة ، بل أن الاصرار عليها في ذلك النوع من المفاوضات يوحي بعدم الجدية في التفاوض .
    بسبب ذلك اقبلت الحركة التي فقدت مئات الآلاف من ضحايا الحرب على الموضوع من منطلق آخر خلال التفاوض ، منطلقها كان هو الرغبة في تحقيق مصالحة وطنية يتخللها كشف عن الحقائق ، لا '' في السنوات الماضية '' كما قال التجمع ، بل في طوال مسيرتنا منذ الاستقلال ، على غرار ما حدث في جنوب أفريقيا عبر لجنة الحقيقة والمصالحة التي ترأسها الأب ديزموند توتو . الهدف من تلك العملية في جنوب أفريقيا لم يكن التجريم ، رغم فظاعة الجرائم التي ارتكبت في حق السود من جانب نظام الابارثايد ، وانما هو تطهير النفوس ، والتعافي المتبادل ، ورد الاعتبار أو التعويض لمن لحق بهم ضرر من جراء تلك الجرائم . وكان من رأي الحركة أنه من حق الاجيال التي عاشت أهوال الحرب دون أن يكون لها يد فيها، ومن حق الأجيال المقبلة التي سيؤرقها تاريخنا الملطخ بالدماء ، أن تُلم بجذور المشاكل التي ورثتها ، عظة وعبرة. هذا الرأي توافقت عليه الحركة أيضاً مع المؤتمر الشعبي في مذكرة التفاهم الشهيرة التي وقعت في فبراير 2001 ، ولكن المؤتمر الشعبي لم يفاوض الحركة كطرف حاكم ، حتى نمتحن صدق التزامه بذلك.
    __________________________________________________________________
    أياً كان الأمر ، قال من قال للحركة ، ابان مفاوضات ماشاكوس ، ان فتح هذا الباب سيوقع الحركة نفسها في مساءلات حول انتهاكات حقوق الانسان وجرائم الحرب خلال سنى الحرب الطويلة ، وكان الرد ( من جانب دينق الور فيما نذكر ) : '' ولم لا ؟ فنحن أيضاً نريد تطهير انفسنا '' . لم يكن الرد مقنعاً بما فيه الكفاية ، ولهذا توصلنا الى النص الذي تضمنته الفقرة 1-7 من بروتوكول ماشاكوس ، والذي سلفت الاشارة اليه في المقال الخامس عشر .
    من جانب آخر ، سعى الطرفان ، وهما يستشرفان المستقبل ، الى وضع جميع الضمانات التي تحول دون تكرار اخطاء الماضي ، كان ذلك بكبح جماح المؤسسات التي كانت تتهم في الماضي بانتهاك حقوق الانسان الاساسية ، أو في الضمانات الدستورية أو القانونية لهذه الحقوق . كل هذا يدخل في باب ما يسمى اليوم بالعدالة الانتقالية (Transitional Justice ) التي يراد بها ، اكثر من التجريم والمحاسبة على أفعال الماضي ، اصلاح المؤسسات التي لعبت دوراً في انتهاكات حقوق الانسان ، إعادة تأهيل شاغلي المناصب في هذه المؤسسات وتأهيل من سيلتحقون بها حتى يستبطنوا ثقافة السلام و مستحقاته ، أو التعويض المادي لمن لحق بهم ضرر من جراء الممارسات الماضية ، أو اتخاذ اجراءات رمزية لرد الاعتبار لمن لحق بسمعتهم أذى من تلك الممارسات . الغاية من هذه الاجراءات الاصلاحية هو أن لا تتكرر التجارب مرة أخرى ، ولهذا اطلق الارجنتينيون على تجربتهم في العدالة الانتقالية تعبير (Nunca Mas )، أي لا عودة لهذا البتة ، وبالانجليزية (.(Never Again
    الذين ما انفكوا يتحدثون عن أن في الاتفاقية فتقاً كبيراً لأن أحد طرفيها (الحركة الشعبية ) لم يأبه لجعل مبدأ المحاسبة شرط لزوم لقبولها ، يكادوا يقولون كان لزاماً على الحركة أن ترمي بالوليد والسلي في دورة المياه . والوليد هنا هو السلام بكل مستحقاته : الحقوق التي توافرت للجنوب ، الوحدة خلال الفترة الانتقالية ، نظام الحكم الجديد ، التحول الديمقراطي . سنفترض أن هذا هو ما كان من الواجب على الحركة أن تفعل ، ولكنها لم تفعل . هذا الافتراض يلزمنا أيضاً أن نستذكر ، حتى لا تضلنا ذاكرة خؤون ، الذي حدث في كل مفاوضات السلام التي دارت بين الحكومة التي كانت مهيمنة على كل شئ ، وبين المعارضة التي كانت لا ترضى ، في بداهة الأمر ، بالاقتلاع من الجذور بديلاً . دوننا ، مثلاً ، اتفاق نداء الوطن الذي وقعه السيد مبارك المهدي عن حزب الأمة ، ود. مصطفى عثمان عن حكومة الانقاذ وصحبته مذكرة تفاهم وقعها الرئيس البشير عن حكومة السودان والسيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة في 7/11/1999 ، ثم اتفاقية القاهرة التي وقعها رئيس التجمع مع الأستاذ علي عثمان محمد طه في 16 يناير 2005 ، وأخيراً النقاط التسع التي اعدها التجمع الوطني كأساس للتفاوض مع حكومة الانقاذ في اطار المبادرة المصرية/الليبية المشتركة . عن جميع هذه الوثائق غابت الاشارة الى المحاسبة كشرط وجوب للاتفاق مع حكومة الانقاذ . فنداء الوطن صمت صمتاً كاملاً عن المحاسبة ، بل تبعته تصريحات عن التعافي المتبادل . أما اتفاقية القاهرة التي مهرها د. نافع علي نافع باسم حكومة السودان والفريق عبد الرحمن سعيد عن التجمع فقد اكتفت في ( الفقرة 1-10 ) بالنص على '' تحقيق مصالحة وطنية تقوم على رفع المظالم ودفع الضرر '' . وفي الفقرة التاسعة من تلك الاتفاقية جاء : '' يؤكد الطرفان بأن رفع المظالم ودفع الضرر يمثل عنصراً هاماً للمصالحة الوطنية . واتفق الطرفان على تكوين لجنة قومية لرفع المظالم ودفع الضرر بالتراضي '' . أما نقاط التجمع التسع للتفاوض مع حكومة الانقاذ فقد خلت تماماً من أية اشارة للمحاسبة ، رغم ما قرره التجمع في اجتماع هيئة قيادته في كمبالا في ديسمبر 1999 حول الاجراءات الابتدائية التي ينبغي ان تقوم بها تلك الحكومة لكيما يكون تفاوض معها .
    ترى ما الذي كانت ستخسره هاتان القوتان إن أصرتا على المحاسبة كشرط وجوب لتحقيق السلم والمصالحة ، لا سيما وقد طمعا في أن يضحي رفيقهم المفاوض في ماشاكوس ونايفاشا بكل ما احرزه لأهله وبلاده طالما عجز عن اخضاع حكومة الانقاذ للمحاسبة ؟ نحسن الظن ونقول ، إن حزب الأمة والتجمع غَلَبا السلام والتحول الديموقراطي على ما عداه . يا لها من ذاكرة خؤون .

    حقوق الانسان بالكامل
    في مذكرته نعى حزب الأمة على الاتفاقية تبينها لعدد من حقوق الانسان الواردة في العهود الدولية واسقط أخرى مثل '' حق كل فرد في ادارة بلاده ، وحقه مثل غيره في تقلد الوظائف العامة '' . لا مراء في أن الاتفاقية لم تتضمن كل العهود والمواثيق الدولية لحقوق الانسان ولكن تضمنت أهمها : العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية ، والميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب '' . كما اصبحت كل الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الانسان والمصادق عليها من قبل جمهورية السودان جزءاً لا يتجزأ من وثيقة الحقوق'' (المادة 27-3 من الدستور) . وغريب أن تزعم مذكرة حزب الامة اسقاط الاتفاقية لحق كل فرد في ادارة بلاده ، وحقه مثل غيره في تقلد الوظائف ''العامة'' . مصدر الغرابة أولاً أن هذا الحق مضمن في '' العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية '' الذي تبنته الاتفاقية كما هو مضمن في الاعلان العالمي للحقوق ، والالتزام بذلك الاعلان واجب على كل دولة عضو في الامم المتحدة وشرط لزوم لنيل عضويتها، فهو والميثاق ( ميثاق الأمم المتحدة ) سواء . ثانياً أن هذا الحق ، بالرغم مما جاء في العهود التي أشرنا اليها ، أُبرز بوجه خاص دون غيره في الاتفاقية منذ بروتوكول ماشاكوس ، إذ ورد فيه ما يلي : '' الأهلية للمناصب العامة ، بما في ذلك رئاسة الجمهورية والخدمة العامة والتمتع بجميع الحقوق والواجبات ، تكون على أساس المواطنة وليس على أساس الدين أو المعتقدات أو العادات '' (الفقرة 6-3 ) .
    حقاً ، اسقطت الاتفاقية عهوداً دولية أخرى كان عليها خلاف بين الطرفين مثل اتفاقية سيداو حول المرأة والتي لم يوقع عليها السودان . تلك الاتفاقية تُنهي عن كل ما يعتبر حطاً من قدر المرأة وتكفل لها كل الحقوق التي يتمتع بها الرجل ، كما تدعو الى تعديل او الغاء كل التشريعات التي تكرس التمييز بين المرأة والرجل . وطالما كان حزب الأمة حريصاً كل الحرص على الالتزام بكل العهود الدولية المتعلقة بحقوق الانسان والاستمساك بجميع نصوصها ، كان حقيقاً به أن يشير لتلك الاتفاقية التي غابت فعلاً عن اتفاقية السلام الشامل ، رغم اصرارنا عليها . ربما لم يفعل خشية من حرج عظيم مثل ذلك الذي أشار اليه بعض المفاوضين في ماشاكوس مثل من عدم قدرتهم على انفاذ ما دعت له سيداو بمساواة المرأة السودانية بالرجل في كل الحقوق ، بما في ذلك حقها في الميراث . ومبلغ ظننا أن حزب الأمة ، الذي ينكر على الاتفاقية عدم احتوائها لكل العهود الدولية المتعلقة بحقوق الانسان ، كان سيُغلب على نصوص سيداو ما جاء في سورة النساء ( الآية 13 ) رغبة في فوز عظيم : «تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ». اضافة الى ذلك ، تتضمن الحقوق التي توفرها العهود الدولية ، بين ما تتضمن ، حقوقاً أخرى مثل حق الفرد في اختيار وتبديل دينه ولا نتوقع أبدأً أن يعمل الحزب الذي ينكر على اتفاقية السلام الشامل الاصطفاء في حقوق الانسان ، ناهيك عن أن يعمل على انفاذ ذلك الحق . وكيف لنا أن نتوقع ذلك من حزب اجاز برلمان يسيطر عليه ( القراءة الأولى والثانية ) في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي قانوناً يشرع حد الردة ، بل ضحى من أجل إجازة ذلك القانون باثنين من خيرة رجاله : الاستاذ محمد ابراهيم خليل والراحل صلاح عبدالرحمن علي طه . مثل هذه الدعاوى بنبذ الاتفاقية لأنها تجاهلت بعضاً من العهود الدولية المتعلقة بحقوق الانسان ، دعاوى تفتقد الصدقية ، ولهذا لا نجني على أحد ان نسبناها للتزيد .

    شرع الله الذي فيه يتشاكسون
    وثيقة حزب الأمة تناولت القوانين والمؤسسات المنسوبة للشريعة من النواحي الدستورية والقانونية والاقتصادية . فحول الدستور اعترضت الوثيقة على ما جاء به بروتوكول ماشاكوس حول ابتناء التشريع في شمال السودان على القوانين الاسلامية واعفاء الجنوب من هذا الشرط لأن تلك ، في تقديره ، صيغة '' تريط انقسام البلاد الجغرافي بانقسام ديني وتمهد لتقسيم البلاد '' . كصيغة أفضل اقترحت الوثيقة نصاً يقول : '' التشريعات المراد تطبيقها على كل البلاد يجب أن تكون محايدة بينما تنحصر التشريعات ذات المستوى الديني على المجتمع المعني '' . وفيما يتعلق بالقانون رحبت الوثيقة باتفاق الطرفين على كفالة '' حقوق المسلمين في تطبيق احكام الشريعة بالضوابط المنصوصة عليها '' ، ولكنها أضافت : '' لا نوافق على أن اجتهاد نظام الانقاذ يمثل '' اجتهاد أغلبية المسلمين '' ، لذلك دعت لأن تكون '' التشريعات في هذا المجال مفوضة لأغلبية الممثلين كما يحددها ممثلوهم المنتخبون انتخاباً حراً '' . أما حول النظم الاقتصادية فقد سلفت الاشارة الى رأي حزب الأمة القائل إن ''الصيغ المسماة اسلامية أكثر ربوية من سعر الفائدة ، وان الصحيح هو أن يسمح البنك المركزي بالتعامل بنافذتين في كل البلاد '' .
    قضية تحكيم الشريعة في شمال السودان التي لا اعتراض لحزب الأمة عليها ، فيما هو واضح من نقده للاتفاقية ، خلقت توتراً بين الحركة الشعبية والتجمع الوطني ، وقادت الى سجال بيننا وبين لجنته للشئون الدستورية والقانونية التي كان يقودها الأستاذ فاروق ابوعيسى على صفحات الشبكة الدولية الالكترونية . نشير الى تلك الواقعة لما لها صلة بموضوع مقالنا الراهن . وإذ نفعل ذلك ، ليس من خطتنا التوغل في جدل فقهي حول أطروحات حزب الأمة ، فلنا في القضايا التي طرحها في هذا المجال رأي جهرنا به في أكثر من كتاب ومقال . موضوعنا أولاً هو هل أُغفلت هذه القضايا في مفاوضات السلام ؟ وثانياً لماذا استقر الرأي على الصيغ التي جاءت بها اتفاقية السلام الشامل ؟ وثالثاً ما الذي استجد حتى تصبح هذه الموضوعات محوراً لنقد الاتفاقية ؟ وماذا كان موقف حزب الأمة منها في الوقت الذي كان يمسك فيه بزمام الأمور ؟ هذه الموضوعات جميعها كانت محل جدل بين الطرفين في مفاوضات ابوجا ، كما تم التداول بشأنها في مفاوضات ماشاكوس . ولو لم تكن هنالك رغبة في بقاء السودان موحداً لما شغلت الحركة نفسها بها، خاصة ، بعد الاتفاق أولاً ، على حق تقرير المصير للجنوب وتمكينه من حكم ذاته مائة في المائة ، وليس مائة وعشرين في المائة بحساب الدكتور أمين حسن عمر ( الصحافة ، 10/1/2007 ) ، وثانياً على حق الجنوب في الفصل بين الدين والدولة في نظام حكمه الجديد .
    في مذكرتها الأولى عند التفاوض في ماشاكوس تقدمت الحركة برأي حول القانون الأسمى أو الأعلى (Supreme Law )، ينص على ما يلي :
    1/حكومة اتحادية واسعة القاعدة في عاصمة يتفق عليها .
    2/يكون لكل من الجنوب والشمال حكومة انتقالية تمارس السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في اراضيها وتُنظَم الحكومتان بطريقة ديموقراطية بموجب دستوريهما اللذين يجب أن يتوافقا مع اتفاق السلام .
    3/يكون نظام الحكم علمانياً ديموقراطياً خاضعاً للمحاسبة وشفافاً ومراعياً لفعالية التكلفة ( cost , effectiveness ) ولا يُحَدد مسبقاً أي مصدر للتشريع .

    ذلك هو السقف الذي انطلقت منه الحركة ، والذي لم تقبله حكومة الانقاذ لعدة أسباب أهمها هو انتهاكه لواحد من ثوابتها ، على الأقل في الشمال . ثانياً لما فيه من شبهة الكونفدرالية . وحول الموضوع الأخير رأت الحكومة أن لاشأن للحركة بالطريقة التي يدار بها الشمال ، ولهذا دعت لحصر الحوار على السلطات التي تمنح للجنوب وحقه في الفصل بين الدين والدولة . ذلك رأي صادف هوى عند الوسطاء والرقباء الذين ما فتئ بعض القادحين على الاتفاق من أهل المؤتمر يتهمونهم بالنوايا السيئة تجاه '' النظام الاسلامي '' في الشمال . وازاء اصرار الحركة على موضوع الفصل بين الدين والدولة في الشمال رماها الوسطاء بعدم المسئولية ، بل قال واحد منهم ( السفير الان قولتي ) : '' انتم تتحدثون عما يطالب به حلفاؤكم في الشمال ، في حين لم أشهد في الخرطوم تظاهرة واحدة في الطرقات تندد بقبول تطبيق الشريعة فيه '' . مالم يكن يعرفه ، أو يعرفه ، السفير البريطاني هو أن ما قال به الاتفاق لا يختلف ، في كثير أو قليل ، على النص حول مصادر التشريع في دستور 1986 الذي صنعته القوى السياسية الشمالية ( القديم والحديث منها ) ، وهى نفس القوى التي كادت تطالب الحركة الشعبية بالمضي في الحرب حتى آخر جندي فيها ، وأغلبهم جنوبي غير مسلم ، لالغائه . يقول ذلك الدستور في مادته الرابعة ( مصادر التشريع ) : '' الشريعة الاسلامية والعرف مصدران أساسيان للتشريع والأحوال الشخصية لغير المسلمين يحكمها القانون الخاص بهم '' . في حين يقول دستور السودان الانتقالي ( المادة 5 (1) ) '' تكون الشريعة الاسلامية والاجماع مصدراً ( وليس مصدراً أساسياً كما جاء في دستور 1986 ) للتشريعات التي تُسن على المستوى القومي وتطبق على ولايات الشمال ، وفي الفقرة الفرعية (2) '' جاء يكون التوافق الشعبي وقيم وأعراف الشعب السوداني وتقاليده ومعتقداته الدينية التي تأخذ في الاعتبار التنوع في السودان ، مصدراً للتشريعات التي تُسن على المستوى القومي وتطبق على جنوب السودان أو ولاياته '' .
    أياً كان الحال ، فان استثنينا جانباً من الجنايات ( الحدود ) ، والنظام المصرفي ، والأحوال الشخصية للمسلمين ، والزكاة في المفروضات ( بصرف النظر عن وجوه الاجتهاد فيها ) فان القوانين العامة السائدة في السودان اليوم مستمدة من أصول ومصادر غير الشريعة . هذه القوانين هى التي تحكم الولاية على التنفيذ والتشريع والقضاء ، وادارة وتنظيم الاقتصاد والصناعة والزراعة والري . ولئن يلقي الناس القول على عواهنه وكأنه لا يريبهم رائب ، فان ذلك يكشف عن سوء نظر وقلة احتراس ، في حين يلزم على العاقل أن يكون ذا أناة في القول .

    أما الحديث حول الشريعة ( الغلط ) في موضوع المصارف ففيه ، هو الآخر ، قولان. طرحت الحركة عند النقاش حول النظام المصرفي رأياً شبيهاً بما دعا له حزب الأمة ، دعت أولاً لنظام مصرفي تقليدي في كل القطر ، فقيل لها دون ذلك خرط القتاد . ثم دعت لنظامين مستقلين يتاح فيهما تبادل المنافع ، بأن تكون في نظام الشمال '' الاسلامي '' نوافذ '' تقليدية '' ، كما تكون في نظام الجنوب '' التقليدي '' نوافذ '' اسلامية '' ، فكان رفض ، وهو رفض منطقي لأنه سيخل بالنظام السائد في الشمال . ازاء ذلك ماكان للحركة الا الاصرار على أن يكون النظام المصرفي في الجنوب تقليدياً بحتاً . هذه هى الوقائع ، فان كان ذلك هو الحال ، يأتي حزب الأمة بالبعيد عن الفهم ان تظنى أن '' فقهاء '' الحركة الشعبية هم الذين سيتولون المجادلة مع '' فقهاء '' الانقاذ حول ما هو '' صحيح '' وما هو '' غلط '' بشأن النظم المالية الاسلامية . وعلى كل ، فالنظام المصرفي الاسلامي ظاهرة جديدة على العمل المصرفي في السودان جاءت في اعقاب أسلمة القوانين والمؤسسات في سبتمبر 1983 على يد الرئيس نميري . حتى ذلك الحين كان في السودان نظامان : مصارف السودان التقليدية ، ومصارف تعمل وفق النظم الاسلامية مثل بنك فيصل ، وبنك البركة ، وبنك التضامن . السؤال اذن ، ان كان النظام الذي ابتدعه النميري نظاماً غير اسلامي فلماذا بقى ذلك النظام منذ ابريل 1985 وحتى يونيو 1989 دون ان يمسسه فقيه من فقهاء الجرح والتعديل بالغاء بسبب فساده ، أو يمسسه بتعديل ''ممثلو الاغلبية المسلمة المنتخبة انتخاباً حراً '' ؟ ثم لماذا تعاقب اتفاقية السلام ، من جانب من كان في مقدورهم الغاء القانون ''الغلط'' ، ولم يلغوه ، على عجزها عن ازالة ذلك القانون ، أم أنهم يفضلون الالغاء على يد عمرو!

    وثيقة حزب الأمة أتت أيضاً برأي مستطرف ، هو الدعوة لانشاء مفوضية للمسلمين يوكل اليها أمر التشريعات الحالية '' التي ترى غالبية المسلمين انها معيبة وغير اسلامية '' . ولعل الذي أوحى بتلك الفكرة هو انشاء مفوضية لحماية حقوق غير المسلمين في العاصمة القومية . قلنا إن هذا رأي مستطرف ، ولكن ليس من المعقول في مفاوضات كتلك التي قادت الى اتفاقية السلام ، أن يرد على خاطر مفاوضي الحركة ، دعاة الفصل بين الدين والدولة ، أو أن يتطوع الطرف الآخر ، صاحب القوانين '' المعيبة '' ، لاثارة موضوع انشاء مفوضية تقرر في أمر الشريعة الصحيحة والشريعة المعيبة على غرار مفوضية حقوق غير المسلمين في العاصمة القومية . على أن المقايسة بين هذه المفوضية ، وتلك التي يدعو لها حزب الأمة، مقايسة غير صحيحة . فقيام مفوضية حقوق غير المسلمين مرتبط بالنزاع بين الطرفين حول طبيعة العاصمة القومية التي كان من رأي الحركة أن لا تخضع لقوانين ذات أصل ديني . وفي النهاية ، تم الاتفاق على نص دستوري يضمن حماية غير المسلمين ( وليس الجنوبيين ) الذين يعيشون في العاصمة القومية وليس في كل السودان ، من التطبيق الخاطئ للقوانين الاسلامية ، لا لضمان أي حقوق أخرى لهم . ولا شك ان أية قراءة دقيقة ، بل عابرة ، للنصوص تبين ما هدف اليه الشارع (الباب العاشر من الدستور) لهذا جانب الكاتب المحقق الطيب زين العابدين الصواب عندما تساءل في واحدة من مقالاته عن خلق مفوضية لحماية غير المسلمين في الشمال في الوقت الذي لم ''تعمل الاتفاقية شيئاً لحماية المسلمين في الجنوب'' ( الصحافة 13/1/2007 ) . ولكيما تكون المناظرة صحيحة لا بد من الحديث عن حماية المسلمين في جوبا عاصمة الجنوب وليس في الجنوب ، إن كانت هناك ثمة مناظرة . ثم يجئ السؤال : الحماية من ماذا في اقليم لا يُخِضِع ساكينه لقوانين ذات أصل ديني ، بل ان دستوره يفصل بين الدين والدولة وينص علي أن ''تعامل كل الديانات بالتساوي ولا تعلن أية ديانة كدين رسمي لجنوب السودان ، ولا تستخدم الاديان والمعتقدات الدينية للتفرقة ( الماده 8 من دستور جنوب السودان).

    النقطة الأخيرة في نقد حزب الأمة للاتفاقية هو اغفالها لمواثيق '' مؤسسة لبناء الوطن '' مثل الميثاق الديني ، الثقافي ، النسوي ، الصحافي ، النقابي . ولا شك في أن ادمان المواثيق ـ وآخرها ميثاق الدفاع عن الديموقراطية الذي أسقطه بيان من المذياع في الثلاثين من يونيو 1989 ـ داء لم تبرأ منه أحزابنا ، بل أعجزها عن أن ترى الفرق بين مفاوضات تدور بين طرفين بموجب اعلان مبادئ ضابط للنقاش ، وبين المؤتمرات السياسية التي تبتغي منها القوى السياسية التوافق على برنامج عمل وطني . ولو تطوع طرفا الاتفاقية ، وقررا البقاء في منتجع نايفاشا ، لصياغة هذه البروتوكولات ، لنجد من يقول لهما : '' من الذي فوضكم بهذا ؟ '' ، أو يقول آخر : '' لماذا لم تضعوا ميثاقاً للرياضة ، أو للبيئة ، أو لحقوق أهل المعتقدات التقليدية ، أو للرعاة ؟ .
                  

العنوان الكاتب Date
د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 11:20 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 11:24 AM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة علي محمد علي02-14-07, 11:36 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 11:44 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 11:50 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Yasir Elsharif02-14-07, 12:03 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Yasir Elsharif02-14-07, 12:03 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 12:08 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 12:30 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 12:55 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 01:10 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 01:24 PM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris02-14-07, 01:43 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 01:43 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 01:53 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 02:19 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 02:24 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة ahmed haneen02-15-07, 08:45 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-15-07, 10:04 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-15-07, 10:16 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-18-07, 08:51 AM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Nazar Yousif02-19-07, 10:16 AM
      Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Adil Al Badawi02-20-07, 07:56 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-20-07, 11:49 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-25-07, 08:46 AM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة adil amin02-25-07, 12:13 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-25-07, 12:43 PM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Nazar Yousif02-26-07, 10:53 AM
      Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris03-08-07, 03:10 PM
        Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris03-08-07, 03:14 PM
          Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris03-09-07, 09:44 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر03-10-07, 06:07 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر03-10-07, 06:15 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر03-10-07, 06:19 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر03-10-07, 06:33 PM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris03-12-07, 11:01 PM
      Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris03-13-07, 01:53 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة AnwarKing03-18-07, 12:32 PM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Asma Abdel Halim03-19-07, 08:05 PM
      Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة AnwarKing03-20-07, 03:35 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر03-27-07, 10:14 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر04-02-07, 12:58 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de