|
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة (Re: محمد يسن علي بدر)
|
عامان من السلام : حساب الربح والخسارة (9)
الصحافة السودانية بين حرية التعبير والاخلاقيات المهنية
في المقالات السابقة تحدثنا عن ضرورة كفالة حرية التعبير ، خاصة بالنسبة للصحافة و وسائل الاعلام بحسبانها كتيبة الدفاع الاولى عن حقوق الناس ، لا عن السلطة الاميرية . تلك الحرية رهينة باحترام حريات الآخرين و حقوقهم ، و الالتزام باخلاقيات المهنة وبالمسئولية الاجتماعية . عهدنا بالصحافة قديم منذ الصبا الغابر : عملنا في جريدة '' النيل '' اليومية تحت ارشاد معلم عملاق هو عبد الرحيم الأمين ، فهدانا الى مجاني الأدب و رياض الشعر ، قبل فن المقال . و عملنا في اسبوعيات شهيرات : '' الحادي '' لمحمد أحمد عمر ، و '' المستقبل '' ليحى عبد القادر ومن خلفه الشريف الراحل حسين الهندي (و تلك لم يبق من آثارها الا ادريس حسن اطال الله عمره ورحم من سبق ) ، ثم جريدة '' الناس '' التي لن ننساها كما زعم كاتب ذو حظ كبير من الأدب و من قلته ، وعملنا في '' الشباب '' نراسلها منذ عهد الدراسة في ثانوية وادي سيدنا وكان لصاحبها البديع عثمان أحمد عمر عليه رضوان الله ، دور في تأديبنا و تأديب غيرنا ، بل امد صحيفتنا الحائطية '' هذيان '' باكثر من مقال كما كان يمدها زميل الدراسة ابراهيم الصلحي برسوماته الباهرة منذ ذلك الزمان . و كان بداية عملنا الصحفي الموثق في جريدة '' الايام '' التي صاحبنا فيها معلماً آخر هو الاستاذ النجيب بشير محمد سعيد رحمه الله و كما التقينا صاحبيه محجوب و محجوب ، و تلك صحبة وشجتها الايام و '' الأيام '' . من هؤلاء تعلمنا درساً اولياً في الصحافة : '' الرأي حر و الخبر مقدس '' . تلك الصحف التي خبرناها وتعلمنا منها تختلف ، بل تتعارض ، منابتها الفكرية و توجهاتها الحزبية . مع ذلك ، تعاملنا معها جميعاً ونحن على اقتناع تام ( و لا نقول قناعة ، فالقناعة هى الرضى بما يُقسم كقولهم القناعة كنز لا يفنى ) أن حزبنا الأول هو قلمنا . ثم تولينا في عهد مايو ادارة مؤسسة صحفية هامة هى الصحافة ورثناها عن صديق العمر الراحل جعفر بخيت بعد أن مات ميتة جاحظية ، في مكتبه و حوله كتبه . ورثنا عن ذلك المفكر العملاق داراً ضمت نفراً من ابرع صحفيينا انتقاهم انتقاءً . من هؤلاء نذكر : محمد الحسن أحمد ، شريف طمبل ، عمر العمــــر ، محمد علي محمد صالح ، فضل الله محمد ، محمود بابكر جعفر ، نورالدين مدني . ________________________________________ تلك مقدمة ضرورية نبين فيها اننا لا نتولج في ميدان لا نعرفه . فبروح القارئ و الصحفي معاً نتناول موضوعنا لنقول إنه على مدى عام و نيف ما انفكت الصحافة السودانية تتناول في اخبارها وتعليقاتها قضايا تمس اتفاقية السلام الشامل ، بوجه عام ، و تمس حكومة الجنوب بوجه أخص . تناول الاتفاقية بالتحليل ، وحكومة الجنوب بالنقد ، حق مشروع ان لم تقم به الصحافة خانت رسالتها . وفي هذا ، ظلت اغلب الصحف تتناول تلك القضايا بقدر كبير من المسئولية و الحس الوطني : الخبر فيها موثق ، والتعليق موضوعي . فالصحافة المسئولة تُعَرِض ما يرد اليها من خبر لمُرشحات موضوعية كيما تستوثق من صحتها . كما أن الصحافة التي تحرص ، بحق ، على نيل كل الحقوق التي يوفرها الدستور لها ، عليها أيضاً أن لا تنسى أن نفس الدستور يلزمها بشئ آخر : التزام '' كافة وسائل الاعلام بأخلاق المهنة و بعدم إثارة الكراهية الدينية أو العرقية أو العنصرية أو الثقافية أو الدعوة للعنف أو الحرب '' ( المادة 39(3) ) . بعض الاخبار والمقالات التي سنتناول بالتحليل لو أخذناها بمقتضى ما يقول به الدستور و القانون لوجهنا من أصابهم ضرر من جراء نشرها باللجوء للقضاء . و لكنا نحلل تلك المقالات من منطلق الحرص على دور الصحافة بحسبانها ، كما قلنا ، كتيبة الدفاع الأولى عن مصالح الشعب . لهذا سعدنا كثيراً بما كتبه الصحفي المدقق ، نورالدين مدني ، و جاء فيه : '' اننا نعلم ان هناك مسئولية مهنية و اخلاقية ملقاة على عاتق الصحافيين و المؤسسات الصحفية ، خاصة في هذه المرحلة الانتقالية ، و على الأخص في ظل التوترات الأمنية '' ( السوداني 22/11/2006 ) . يختلف الأمر جداً ان كان الخبر خبراً لا يتصل اسناده الى مصدر موثوق به ، بل هو كاذب من أصله . و يختلف جداً إن كان التعليق قائماً في جوهره على التخرص . ويختلف كثيراً لو شابت الخبر أو التعليق ازدواجية جهيرة في الاحكام ، أو تجاهلاً تاماً ، لكيلا نقول جهلاً مستفدحاً ، بنقطتي الاستدلال الاساسيين في الامور التي تتعلق بالسياسة الداخلية الراهنة ، و هما اتفاقية السلام الشامل و دستور السودان الانتقالي ( 2005 ) . و يكون الامر اشد فداحة عندما يتضح ان الهدف ، طوعاً كان ام بدفع خارجي ، هو تبغيض الشماليين في الجنوب ، أو تخذيل حكومته ، أو ترهيب وزرائه في الحكومة القومية كما هو الحال بالنسبة لصحيفة سنسميها وأخريات يتبعنها بدفع خارجي . ولا نريد أن نصدق ما قاله صحافي لنا أن بالسودان نوعين من الصحف : صحفاً تسير بقوة الدفع ، وأخرى قد تتوقف لـ '' عدم '' الدفع . نفهم أيضاً نشر الأخبار المفبركة والتعليقات التي تثير الفتن ان جاءت من صحيفة يُمَنى صاحبها النفس بوقوع بينونة بين الشمال و الجنوب ، و لكن الذي يزعم أن غايته هى الوحدة لا يحمل نفسه على نشر الأكاذيب عن ، أو اذاعة السوء بلا سوء على ، اخوته في الوطن . فالصحافة سلطة تنوير لا تعتيم ، و تعليم لا تجهيل ، و اشهار لا تشهير ، و نقد لا تجريح . التي لا تفعل هذا صحافة لا تَعلم ، و لا تَتَعلم ، و لا تُعلِم . ذلك هو ديدن تلك الصحيفة التي نذرت نفسها لبث الفتن ، و الرهص في الأمور ، و تشويه الحقائق ، والذي هو تلويث للتاريخ . تلك الصحيفة نقرأها كما نقرأ غيرها ، رغم ان قراءتها تقارب المشي على الحسكنيت . و لا تُعَرض انفسنا لهذا العناء إلا لأنا لا نريد ان نصدر حكماً على أحد دون ان نتمعن فيما يقول مبالغة في الاستقصاء . أخطر ما في أمر هذه الصحيفة هو ما توحي به جرأتها و كأنها فوق القانون . فاغلب ما تنشر ، مما سنفصّل بعضاً منه ، يقع تحت طائلة المادة ( 39(3) ) من الدستور . و دون أن ننسب لنورالدين مدني مشاركته إيانا الرأي ، سعدنا أيضاً لما قال : '' نعترف بوجود بعض التناول الضار ، خاصة ذلك الذي يهدد النسيج الاجتماعي . هذا التناول الضار للأسف يجد الحماية القانونية و الأمنية ، و يُحتفى به بدلاً من تقويمه و تصحيح مساره من أجل استكمال عملية السلام و مد جسور الثقة بين أبناء الأمة وتعزيز الحريات والممارسة الديموقراطية المهمة للانتقال الى مرحلة التداول السلمي للسلطة '' ( نفس المصدر السابق ) .
لأجل ذلك سنتناول عينات عشوائية من مقالات نشرتها تلك الصحيفة ، وأخرى خطتها اقلام كُتاب نعرف عنهم الاحترام لمهنيتهم . في تلك العينات ننتقي موضوعات محددة ، اما لأنها شغلت الناس ، أو لارتباطها بالحكم السليم المعافى ، أو لاجترائها على من يلزم توقيرهم . نشير أيضاً في هذا الاستعراض الى الاخبار التي تسللت الى بعض الصحف عبر وكالة أنباء درجت على دس السُم في الدسم . هذه الوكالة هى الاخ غير الشقيق للصحيفة الحسكنيتية ، و من حق القارئ علينا أن نكشف أمرها . الموضوعات التي سنتناولها هى : أحداث الخرطوم المؤسفة التي وقعت قبيل نهاية العام الماضي و تحميل بعض الصحف مسئوليتها للجيش الشعبي بالرغم من أن بيانات الشرطة الرسمية لم تفعل ذلك ، وبعض قرارات حكومة الجنوب التي تناولتها هذه الصحيفة أو تلك بالنقد القارص ، ثم حديث عن ما اسمى '' تفلت '' وزراء الحركة في الخرطوم ، و اتهامات طالت بعض الحاكمين في جنوب السودان ، و آخرها ما سمي فضائح الفساد . في كل هذه الحالات لا نسعى للدفاع عن موقف و سلوك ، فبعض ما ورد من نقد في بعض الحالات له من المبررات ما يكفي . كما أن من واجب كل مسئول لحق به اتهام تبرئة اسمه وشرفه . في ذات الوقت ، لن نتردد في فضح ما ورد في الاخبار و التعليقات من افتراضات لا يدعمها دليل ، و احكام لا يسندها واقع ، و ازدواجية غريبة في المعايير .العنف العشوائي في العاصمة وأسبابه العنف العشوائي سلوك غير سوي ، و لا يتولد العنف الا في بيئة خبيثة . فحروب السودان المتنوعة و المتعددة كانت ، و ما زالت ، مباءة يبيض فيها العنف و يُفرخ . كا أن القهر الذي سد على المواطن كل وسائل التعبير المشروعة قاد ايضاً الى عنف غير مشروع في عين القاهر ، و لكنه كامل المشروعية في عين المقهور . علينا إذاً ، و نحن نتحدث عن العنف ان لا ننسى ان الحرب التي كانت تدور في الجنوب و يقتل فيها الاخ اخاه لم تكن رحلة صيد ، و ان القاذفات الجوية ، كما قال نائب رئيس المجلس الوطني اتيم قرنق لاحدى الصحف ، لم تكن تمطر الناس وروداً . ذلك هو العنف الذي سعينا في مفاوضات السلام لمحاصرة آثاره ، و محو عقابيله ، والتجاوز السمح عن مسبباته .
بسبب تلك الحرب ، و ظروف اقتصادية قاهرة ، اندفع أيضاً اهل الريف للنزوح للمدينة بحثاً عن مرعى ظنوه اخضر ، و بذلك ، تولد عنف آخر هو تعبير عن حقد اجتماعي . فالتكدس في حد ذاته يولد عند الفرد مشاعر عدوانية ، خاصة في ظل التناشز الاقتصادي الناجم عن وجود فقر مُدقع ( أي مُذِل ) الى جانب ثراء مستفز . و أية درجة من الثراء تستفز من أُدقع أي التصق بالدقعاء و هى التراب . كل هذه العوامل مجتمعة تخلق بيئة مواتية للعنف ، بيد أن العنف الذي شهدته العاصمة ، كما شهدته جوبا و ملكال ، هو واحد من الافرازات المباشرة للحرب و التي حددنا بتفصيل أكبر في اتفاقية السلام كيف نحول دونه . و لعل انحصار العنف في الشمال على الخرطوم وحدها ، بدلاً عن استشرائه الى مدن أخرى فيه يتساكن فيها الجنوبيون والشماليون بوئام تام ، يؤكد أن الظاهرة خرطومية . ففي الخرطوم الى جانب تكدس اللاجئين من كل حدب وصوب : الجنوب ، دارفور ، جبال النوبة ، وأولئك الذين حملهم انهيار المجتمع الريفي للنزوح الى عاصمة بلادهم ، قضت الاتفاقية بوجود فصائل مسلحة من الجيش الشعبي لأداء دور مرسوم ، كما بقيت من مخلفات الحرب فصائل أخرى اصطنعتها الحكومة الماضية كواحدة من أدوات الحرب ، ونعرف جيداً ما ينبغي أن يصنع بها بعد الحرب. الانفلاتات الامنية في العاصمة ، اذن ، تعالج بمعالجة جذورها لا بالتلبث عند ظواهرها . و كان أغلب رجال الشرطة و مسئوليها على قدر كبير من المهنية في تناولهم لهذه الاحداث عند وقوعها ، و بعد وقوعها . كما توخت اغلب الصحف الموضوعية في نشر الاخبار عنها، اما اعتماداً على بيانات الشرطة أو على الحقائق العيانية . طائفة اخرى من الصحف اجرت تحقيقات أو حوارات موضوعية سعت فيها لتلمس كل وجهات النظر ، مثال ذلك ، أخبار اليوم والصحافة ( 25/11 ) ، الخرطوم ( 8/11 ) . صحف أخرى تناولت موضوع العنف كظاهرة لها جذور و اسباب ( الايام 17/9 ) . و لو رجعت الصحف عن دواعي العنف الذي شهدته الخرطوم الى نقطة الاستدلال الاهم أي الاتفاقية ، بهدف الوصول الى الاسباب المباشرة لتفشي ظاهرة ذلك العنف لما ساورتها الشكوك ، أو حُملت على التساؤل . ابلغ تساؤل جاء على صفحات هذه الجريدة ، كتب الصديق رئيس التحرير في افتتاحيته ( 14/11) مستقصياً ان كانت اتفاقية نايفاشا قد نصت على وجود عدد من قوات الحركة الشعبية '' لحماية الاتفاقية '' ، ثم عن جدوى حماية '' قوات مدججة بالسلاح '' لاتفاقية وقعت عليها '' اطراف دولية و محمية بواسطتهم '' . و اضاف '' لست متأكداً ان وجود هذه الفصائل في الخرطوم قد نصت عليه اتفاقية نايفاشا ام لا ؟ و لا اعرف و لا يعرف كثيرون غيري اسباب وجودها و مهامها '' . استفسر الصديق كمال ايضاً عن '' بقاء بعض قوات فاولينو ماتيب في الخرطوم بعد انضمامه للحركة '' و هو سؤال صحيح الا انه ناقص ، ففي الخرطوم قوات اخرى ما كان لها ان تحمل السلاح بعد انتهاء الحرب ، وان استمرت في حمله فلا ينبغي أن يكون ذلك الا داخل قوة نظامية لها ضوابط وأحكام . نبدأ بما هو عرضي ، فالاستاذ المحرر محق في القول ان الاتفاقية وقعت عليها اطراف دولية والتزمت بحمايتها و على رأس الاطراف الدولية الامم المتحدة التي اصدر مجلسها الامني قراره رقم 1509 متضمناً انشاء بعثة الامم المتحدة بالسودان UNMISS) ) و انشأ لها قوة دعم تضم عشرة آلاف عنصر عسكري و 175 عنصراً شُرطياً . واجب هذه القوات ، فيما نحن بصدده ، كما جاء في الفقرة الرابعة من القرار هو المعاونة في انفاذ اتفاقية السلام على الوجه التالي :
(1) المراقبة و التثبت من تنفيذ اتفاقية وقف اطلاق النار و التحقيق في الخروقات . (2) التنسيق مع المانحين حول تكوين القوات المدمجة . (3) مراقبة تحركات الجماعات المسلحة و اعادة تشكيل القوات حسب ما نصت عليه اتفاقية وقف اطلاق النار . (4) المساعدة في نزع السلاح و تسريح الجنود و اعادة دمجهم في الحياة المدنية . وللبعثة واجبات اخرى تتعلق بنشر الوعي بالاتفاقية بكل وسائل الاعلام الجماهيري المتاحة ، و تعميق مفاهيم سيادة حكم القانون ، استقلال القضاء ، صيانة حقوق الانسان . كما تنص الفقرة السادسة عشر من قرار مجلس الأمن على السماح لقوات الامم المتحدة ، بموجب الفصل السابع من الميثاق ، باتخاذ الاجراء اللازم ، في مناطق وجودها ، لحماية موظفي الامم المتحدة ، ومؤسساتها ، و معداتها ، و حرية حركة عناصرها و العاملين في مجال المعونة الانسانية و الآليات المسئولة عن التقدير و التقويم (Assessment and Evaluation) و تلك اشارة للمفوضية التس سلفت الاشارة اليها . كل هذا ، دون اخلال بمسئولية حكومة السودان في حماية المدنيين الذين يتعرضون لخطر ماثل بالعنف . و لو أخذنا بمنطق الاستاذ كمال لوجب علينا ، في الحالة الاخيرة ، التخلي عن مسئولية أوكلها الاتفاق و قرار مجلس الامن لسلطات حكومة السودان ، و هو نفس المجلس الذي لا نريد له ان يلعب دوراً في الحيلولة دون عنف اشد دموية من ذلك الذي شهدته اطراف العاصمة أو جوبا و ملكال ، بل نرى في أي اسهام منه للعب هذا الدور '' تدخلاً اجنبياً '' نعد لمجابهته ما استطعنا من رباط الخيل .
هذه اشارة عابرة ننفذ منها الى الرد على التساؤلات استخلاصاً من نصوص الاتفاقية حول الاجراءات الامنية و نقول إن الاتفاقية كلها ستنهار أو تصمد بانفاذها أو العجز عن انفاذها للترتيبات الأمنية . أهمية انفاذ الترتيبات الامنية ، على الوجه الذي اتفق عليها الطرفان تعود الى ان ذلك وحده هو الذي يوطد اركان السلام على الأرض . و بلا سلام لن يكون هناك استقرار سياسي ، أو تحول ديموقرطي ، أو تنمية . ما الذي جاء حول هذه الترتيبات في الاتفاقية ؟ تقول الفقرة (1) من الفصل السادس من الاتفاقية ما يلي:
أ- في اطار سودان موحد ، و في حالة ما أكدت نتيجة استفتاء تقرير المصير الوحدة يتفق الطرفان على تكوين الجيش السوداني في المستقبل والذي سوف يتشكل من القوات المسلحة و الجيش الشعبي لتحرير السودان. ب- كجزء من اتفاقية السلام و بهدف انهاء الحرب يتفق الطرفان على ان تظل القوتان منفصلتين خلال الفترة الانتقالية ، و يتفقان أيضاً على ان كلا القوتين يعتبران و يعاملان بالتساوي بحسبانهما القوات المسلحة الوطنية خلال الفترة الانتقالية . ج- يتفق الطرفان على مبادئ التخفيض النسبي لقوات كلا الجانبين في وقت مناسب بعد اتمام ترتيبات وقف اطلاق النار . هذا الجزء من الاتفاق أصبح جزءاً من الدستور ( المادة 144 ) . فالجيش الشعبي ، حسب الاتفاقية ، و بنص الدستور ، لم يعد جيش تمرد، و لا فصيلاً من الفصائل المسلحة '' الأخرى'' التي قضى الاتفاق بترتيب اوضاعها ، بل هو جزء من القوات المسلحة الوطنية ، رغم ان له قيادته و نظمه الخاصة . هذه حقيقة يجب أن يعيها الذين يتحدثون عن ذلك الجيش وعن المليشيات الجنوبية وكأنهما يتساويان . الوصول للصيغة القاضية بوجود جيشين مستقلين في بلد واحد لم يكن سهلاً ، فآخر ما كانت تتمنى سماعه قيادة الجيش الشعبي و جنده كلمة الانصهار . فتجربة صهر الجيشين ، كما حدث في اتفاق اديس ابابا 1972 ، لم تكن تجربة سعيدة بالنسبة للقوات الجنوبية يومذاك . فمع النجاح الباهر الذي تحقق في السنوات الاولى بفضل عسكريين ذوي حس مهني عالٍ مثل عبدالماجد حامد خليل ، الراحل يوسف أحمد يوسف و عبداللطيف دهب ، وهو نجاح حمل اخوتهم في الجنوب لعدم الاصرار على وجود المراقبين الدوليين الذين كانت الاتفاقية تقضي بوجودهم ، أخذت ذرائع السياسة تطيح بالاتفاق . من ذلك خرق ما قال به الاتفاق بأن تتكون القوات المرابطة في الجنوب مناصفة بين الجنود الشماليين و الجنوبيين . وفي اللحظة التي بدأت عمليات نقل بعض القوات الجنوبية للشمال و احلال جنود شماليين مكانهم بالقدر الذي اختلت معه النسب المتفق عليها ، بدأ التململ ، فالتوتر ، ثم العصيان الذي انتهى بقيادته الى بور . و كان اوائل اللاحقين بمن سبق اليها العقيد سلفاكير الذي آثر الهجرة الى بور بدلاً من تنفيذ أمر نقله من بانتيو الى دارفور . لم يجئ الاعتراض على وجود جيشين من الطرف الحكومي المفاوض فحسب ، بل جاء أولاً من الجنرال سيمبيو العسكري الذي تمهر في ساندهيرست و لم يجد في كل تجاربه العسكرية نظيراً لما كان يطالب به الجيش الشعبي . و كانت المفاجأة الثانية هى عدم تجاوب المبعوث الامريكي السيناتور دانفورث مع الفكرة ، بل اصطحابه لجنرال امريكي ليبين لمفاوضي الحركة ان ما يسعون اليه هو امر لا نظير له في التاريخ العسكري . كان رد الراحل قرنق ان السودان ايضاً بلد لا نظير له في التاريخ السياسي و قال لهم متسائلاً : '' كيف تفسرون اصطراع الاخوة / الاعداء على مدى نصف قرن حول امور حسمتها اغلب الدول التي مرت بظروف كهذه ؟ '' . بجانب هؤلاء حمل الفريق الباسل عبدالماجد حامد خليل نفسه الى نيروبي ناصحاً لمن التقاه بضرورة عدم الاصرار على قيام جيشين في بلد واحد ، و لم يوفق . و ما كان لهذه القضية ان تُحَل بعد تمترس الطرفين في خندقيهما الا بعد ان وفد الى نايفاشا ( اللواء يومها ) بكري حسن صالح يحمل قراراً سياسياً ذا شقين : الاول هو قبول مبدأ الجيشين و اعتبار كليهما ، رغم تباعد موقفيهما ، القوات المسلحة الوطنية ، و ذلك '' بهدف انهاء الحرب '' كما ورد في الفقرة ب أعلاه . و الثاني هو خلق نواة للجيش الموحد ، عند الوحدة إن شاء الله ، هى القوات المشتركة المدمجة ( joint / integrated forces ). و حتى ذلك القرار ما كان ليتم لولا مثابرة اللواء من جانب ، ومساعفة دينق الور له ، و كان دينق يلعب دوراً اقرب لدور الوسيط من دور المفاوض في تلك الجولات .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 02-14-07, 11:20 AM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 02-14-07, 11:24 AM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | علي محمد علي | 02-14-07, 11:36 AM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 02-14-07, 11:44 AM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 02-14-07, 11:50 AM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | Yasir Elsharif | 02-14-07, 12:03 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | Yasir Elsharif | 02-14-07, 12:03 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 02-14-07, 12:08 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 02-14-07, 12:30 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 02-14-07, 12:55 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 02-14-07, 01:10 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 02-14-07, 01:24 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | Moneim Elhoweris | 02-14-07, 01:43 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 02-14-07, 01:43 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 02-14-07, 01:53 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 02-14-07, 02:19 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 02-14-07, 02:24 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | ahmed haneen | 02-15-07, 08:45 AM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 02-15-07, 10:04 AM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 02-15-07, 10:16 AM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 02-18-07, 08:51 AM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | Nazar Yousif | 02-19-07, 10:16 AM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | Adil Al Badawi | 02-20-07, 07:56 AM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 02-20-07, 11:49 AM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 02-25-07, 08:46 AM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | adil amin | 02-25-07, 12:13 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 02-25-07, 12:43 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | Nazar Yousif | 02-26-07, 10:53 AM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | Moneim Elhoweris | 03-08-07, 03:10 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | Moneim Elhoweris | 03-08-07, 03:14 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | Moneim Elhoweris | 03-09-07, 09:44 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 03-10-07, 06:07 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 03-10-07, 06:15 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 03-10-07, 06:19 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 03-10-07, 06:33 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | Moneim Elhoweris | 03-12-07, 11:01 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | Moneim Elhoweris | 03-13-07, 01:53 AM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | AnwarKing | 03-18-07, 12:32 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | Asma Abdel Halim | 03-19-07, 08:05 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | AnwarKing | 03-20-07, 03:35 PM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 03-27-07, 10:14 AM |
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة | محمد يسن علي بدر | 04-02-07, 12:58 PM |
|
|
|