كان أكثر ما يسحرنى فى هؤلاء النازلون من عوالم أخرى, و بجانب العطر الأنيق الذى يفوح منهم كل الأوقات ، هو حكاويهم ..، الحكايا التى يتفنون فى روايتها و سردها عن حياتهم و مغامراتهم هناك أو فى البلاد التى أتاح لهم عملهم أن يزوروها ، كنت أحس بمتعة و وجل شديد و أنا أسمع حكايا بطولاتهم و أتمثّلنى فى تلك المواقف الممتعة أو العصيبة ، و ما أنا بفاعل مثلاً لو أننى كنت مكان (محمد كلاى) جارنا و هو يواجه تلك العصابة وحده فى تلك الجزيرة الآسيوية النآئية، و التى ذهب إليها مع ( كفيله ) للتعاقد على توريد زيوت نباتية ، و كيف أن براعته فى إستخدام قبضتيه قد أنقذت كفيله و فتحت له باباً لم يحلم به " الله كيييف ، إحنا أولاد بحرى ، إحنا بنلعب كمان ، والله كسرتهم ليك كسِر لما كوركوا ". و أغرق أكثر فى حكاويهم اللذيذة ، و أغرق فى حلم أن أسافر يوماً ما ، لا لشئ إلآ لأعود و أحكى لفتية و شباب الحلة عن حياتى و مغامراتى فى بلاد الغربة ، و أن أسحرهم و أدوّخهم بالعطر الأنيق الذى يفوح من ثناياى ، و من ملابسى ، و أن أزرع فى أحدهم جرثومة أن يسافر ، و أن يعود ليحكى كما فعل عبدالله ود فاطمة . الان هنا ، نضب الحديث ، إتسعت الرؤية ،و ضاقت العبارة كما ذكر الشيخ النفرى ، الفضائيات قالت كل شئ ، لم تترك لراوٍ من رواية ، و الإغتراب " الحنيّن " و العطوف كبر و صار منفىً ، وحشاً كاسراً يأكل حتى الأفكار فى الدواخل ، و لا يبقى سوى الصمت و تلمّس الجدران بحثاً عن أمان ضائع ، و إن عدت ذات يوم ، فلا تعود إلآ للبحث عن قدرة الكلام ،عن الذكريات التى تبخّرت دون أن ترويها حتى لذاتك ، تفاصيل يومك هناك لا تهم أحداً ، و لا تغوى أحداً بسماعها ، لا متعة و لا مغامرة ، و لا مجد و لا بطولة فيما تعيشه هناك ، لا شئ سوى الثلج و البرد و البرد و البرد و الخواء ، و اللهث المحموم بحثاً عن لحظة واحدة تستحق أن تروى و تحكى لمستمعين محتملين ما ، فى وطن محتملٍ ما ، فى خارطة محتملةٍ ما . أن تعود لتحكى لآذان باتت صماء بفعل فاجعة البقاء ، أو رحيل الآخرين. أن تعود .... لتحكى !!!!!!!!!!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة